مثلث حلايب المحتل.. الحكومة المصرية تغير الخارطة! تقرير: لينا يعقوب هو كرت كانت تستخدمه الحكومة المصرية عادة، لتوحي أو تشير إلى وجود توتر حول علاقتها مع السودان.. لكنه الآن أصبح كرتاً لا للإشارة إلى مدى العلاقة ومستواها أو قياسها إنما في سبيل الحسم والعلم بالأمر، لا أكثر ولا أقل. صحيح أن "موضوع حلايب" لم يهدأ على الإطلاق في وسائل الإعلام المصرية، التي تُظهر بين فينة وأخرى تصريحات داوية، تكون إما منسوبة لشخصيات معروفة أو لمصادر رئاسية ودبلوماسية متخفية، تتحدث بأن هذه المنطقة ليست مشتركة وأنها مصرية خالصة. قرار وزاري قبل يومين حسم مجلس الوزراء المصري مسألة التصريحات الفردية، ليصدر رئيس المجلس قراراً بتحويل حلايب التابعة لمدينة شلاتين بمحافظة البحر الأحمر إلى مدينة، وفصلها عن مدينة شلاتين، على أن تضم مدينة حلايب قريتي "أبو رماد ورأس حدربة". وقال وزير التنمية المحلية عادل لبيب، إن القرار يأتي بناءً على رغبة الحكومة في دعم جهود التنمية في منطقة حلايب، باعتبارها أرضاً مصرية خالصة ويقطنها مصريون حريصون على تحقيق التنمية الشاملة بها بالتنسيق بين جميع أجهزة الدولة. والمعلوم أن مجلس الوزراء المصري، قبل أن يصدر قراره، كان قد اتخذ خطوات عدّة في تدعيم شرعية حلايب إلى الدولة المصرية بصورة رسمية.. فالرئيس المصري ابتعث مبعوثاً خاصاً وهو المستشار أحمد المسلماني، لزيارة شلاتين بالبحر الأحمر، نقل خلالها رسالة تقدير من الرئاسة إلى أهالي حلايب وشلاتين. وكان في استقباله عدد مقدر من الوزراء والمسؤولين في المنطقة، وجمهور مقدر كان يحمل الأعلام المصرية في السيارات والمحال، إضافة إلى الأيدي التي كانت ترفرف بها. وخلال تلك الزيارة تم افتتاح مقر جمعية الأورمان بالشلاتين، والتي تقدم مساعدات اجتماعية لأبناء المناطق الثلاث. وثائق تاريخية الحكومة السودانية أكدت تبعية حلايب إليها بنسبة 100%، وحاولت اتخاذ ردود دبلوماسية في إثارة الموضوع. فقبل شهر قال وزير الدولة برئاسة الجمهورية الرشيد هارون، إن هناك حواراً وتفاهمات بين القاهرةوالخرطوم حول قضية منطقة حلايب الحدودية بين البلدين، وإن "المنطقة سودانية مائة في المائة"، وأشار خلال ندوة سياسية نظمها الاتحاد العام للطلاب السودانيين، إلى أن هناك مقترحاً لجعل منطقة حلايب منطقة تكامل بين البلدين، مشيراً إلى أنه في حال حدث نزاع بين البلدين حول حلايب، فإن السودان سيلجأ إلى المجتمع الدولي ل"حسم الأمر بالتي هي أحسن". ويبدو أن التفاهمات التي أشار إليها هارون، كانت في زيارة الرئيس المصري السابق إلى السودان محمد مرسي، حيث أطلق الرجل تصريحات جعلت وسائل الإعلام المصرية تنقلب عليه، وذلك بعد أن اِلتزم بإعادة وضع حلايب إلى ما قبل العام 1995؛ الأمر الذي أدى إلى أن تدخل القوات المسلحة المصرية على الخط مؤكدة تبعية حلايب لمصر بنسبة 100 %. وبحسب مراقبين، حينما يعلن أي رئيس مصري عن التزامه بأن يجعل المنطقة منطقة تكامل، وأن يعيد وضعها إلى ما كانت عليه قبل (19) عاماً؛ فبلا شك أن هناك دلائل تشير إلى تبعية المنطقة إلى السودان من خلال أوراق تاريخية ووثائق تثبت تبعية المنطقة إلى الحدود السودانية. وأكد عدد مقدر من المؤرخين أن الكثير من كتب التاريخ نشرت وثائق و(خرائط) تعزز الموقف السوداني، ومن أهم الكتب "العلاقات المصرية السودانية في ظل الاتفاق الثنائي". رد دبلوماسي كان رد الحكومة السودانية على تلك الزيارة المصرية بارداً إلى حد ما، وظهرت تصريحات مقتضبة في الصحف منسوبة إلى مصادر تؤكد أن الدولة لن تتخلى عن حلايب. وحتى هذا الرد المقتضب وجد ردّاً من الخارجية المصرية، فالمتحدث الرسمي باسمها السفير بدر عبد العاطي، نفى ما تردد بخصوص وجود تكامل مصري سوداني في منطقة حلايب وشلاتين، مؤكداً أن هذه الأنباء عارية تماماً من الصحة، وأضاف عبد العاطي خلال مداخلة هاتفية في إحدى البرامج: "إن السفير وائل بركات القائم بأعمال السفارة المصرية بالخرطوم، نفى تماماً هذه التصريحات، وقال إن مثل هذه الأقوال غير مطروحة على مائدة التفاوض"، مشيرًا إلى أنه أمر مختلق من إحدى الصحف السودانية. وأشار إلى أنه لم يحدث من قريب أو بعيد أي تكامل مصري سوداني بمنطقة حلايب وشلاتين، موضحاً أن التكامل مطروح على مائدة التفاوض على مستوى الدولتين، ولا علاقة له بحلايب وشلاتين. بل إنه أكد أن منطقة حلايب وشلاتين منطقة مصرية 100%، كاشفاً عن خطة الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء لتطوير هذه المنطقة وتحويلها من قرية إلى مدينة. وكعادة الردود الدبلوماسية السودانية، قال وزير الدولة بوزارة الخارجية كمال حسن علي، إن العلاقات السودانية المصرية تمثل حديثاً عن شعب واحد بين البلدين، مشيراً إلى أن علاقات الدول نادراً ما ترسخت بين شعبين مثل علاقة الخرطومبالقاهرة، بفعل عامل اللغة والجغرافيا والخصوصية والنيل الذي شكل وحدة وحضارة بين البلدين. وأكد الوزير خلال ندوة عن العلاقات المصرية السودانية، أدارها الصحفي محمود مراد؛ أكد على ضرورة حل تلك الأزمة بالتوافق بين مصر والسودان، مشيراً إلى أن حلايب وشلاتين لن تفرق بين القاهرةوالخرطوم، ولن تقف عالقة بين البلدين. تعامل مختلف ويؤكد عدد من الدبلوماسيين السودانيين أن هناك اتفاقاً عاماً داخل الدولة، على أن لا يتم التعامل مع ملف حلايب عن طريق التصريحات أو الاستفزاز الذي درج عليه الجانب المصري، خاصة أن هناك اتفاقات تتم بين البلدين بصورة شفاهية، إلا أن الحكومة المصرية تقوم بنفيها وذلك لتغير الحكومة المصرية خلال السنتين الماضيتين لما يقارب الخمس مرات، الأمر الذي يشير إلى عدم استقرار الموقف المصري في طريقة التعامل مع الملف. غير أن مصادر حكومية وصفت أمس في تصريحات مقتضبة قرار رئيس مجلس الوزراء بتحويل قرية حلايب التابعة لمدينة شلاتين بمحافظة البحر الأحمر إلى مدينة بالباطل، وليس فيه جديد، واعتبر القرار المصري ب(الاستفزازي) للسودان، إلا أن المصادر أكدت أن السودان لن ينصاع لمثل هذه الاستفزازات، لا سيما أن الخلاف قائم، وشكوى السودان ما زالت في أضابير مجلس الأمن. وأضافت المصادر أن تحويل حلايب إلى مدينة لا يعني تراجع السودان، إلا أنها قطعت بأن الخلاف حول حلايب لن يكون خميرة عكننة بين بالبلدين، ولا سيما أن العلاقات جيدة بين الخرطوموالقاهرة. وأعربت المصادر -التي فضلت حجب اسمها- عن أملها في التوصل إلى تفاهمات حول المنطقة عبر النقاش. مستقبل مجهول أسئلة عدة يطرحها المتابعون حول مستقبل حلايب وشلاتين، في ظل اهتمام مصري متضاعف خلال الفترة الماضية بالاهتمام بالمنطقة؛ فمحافظ البحر الأحمر المصري أحمد عبد الله، ما يلبث أن يعلن بين فينة وأخرى عن وجود حزمة مشروعات قومية وخدمية لدعم وتطوير وتنمية حلايب وشلاتين؛ في وقت لا تبدي فيه الحكومة اهتماماً بتعمير المنطقة بذات الاهتمام المصري. كما إن الإعلام المصري أكثر قدرة على استنطاق مسؤولين ووزراء وسفراء وخبراء حول مستقبل القضية أكثر من الإعلام السوداني.