لواء ركن (م) بابكر إبراهيم نصار ظهرت أوكرانيا لأول مرة قبل ألف عام تقريبا ( عام 980 ميلادي) وفي عام (1340) تم تدمير العاصمة ( كييف) بأيدي المغول ثم أصبحت تحت حكم البولندين لفترة ثلاثة عقود .وفي عام (1648) حدثت انتفاضة الشعب الأكوراني ضد حكم بولندا , وعندما هزمت روسيا بولندا عام (1685) تم تقسيم أوكرانيا بين روسيا وبولندا بموجب إتفاقية بينهما ولكن في عام (1939) حسم ستالين الروسي المسألة بعد توقيع معاهدة مع هتلر الالماني وأصبحت أوكرانيا منذ ذلك الحين تحت السيطرة الروسية ثم تحت ما يعرف بعد ذلك بالاتحاد السوفيتي , وأصبحت أرضيها المجاورة لروسيا خاصة ( جزيرة القِرم) منطقة شبه روسية من حيث اللغة والعادات. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام (1991) انفكت أوكرانيا من هيمنة الاتحاد السوفيتي وأنشأت دولتها وعاصمتها ( كييف) وأعتادت دائما أن يكون رئيسها المنتخب يدين بالولاء لروسيا . ولكن بعد حدوث الانتفاضة الاخيرة خلال الشهرين الماضيين وهيجان الشعب وتدميره للمنشآت بسبب الفساد والبطالة والغلاء تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب ووافق أعضاء البرلمان على ذلك وتم تعيين رئيسا مؤقتا للدولة لا يدين بالولاء لروسيا إلى حين قيام إنتخابات جديدة . وأصبح هذا الرئيس المؤقت يجاهر بعدائه لروسيا . وعندما شعر الرئيس ( بوتن) أن مصالح روسيا في أوكرانيا أصبحت في خطر خاصة في جزيرة القرم لم يتردد في تنفيذ قرار مجلس روسيا الأعلي القاضي بالتدخل العسكري حماية لهذه المصالح . وفي اليوم الأخير من شهر فبراير الماضي اجتاحت القوات الروسية جزيرة القِرم وأكملت سيطرتها عليها. وهنا ثارت الولاياتالمتحدة وحليفاتها وهددوا روسيا بالعقوبات إذا لم تسحب قواتها من جزيرة القِرم . وهذه الجزيرة أكرانية يسكنها حوال اثنين مليون مواطن غالبيتهم من الروس ويدينون بالولاء لموسكو وتحكم حكما ذاتيا ودائما يحكمها رئيس موال لروسيا ولديها برلمان. وظل اعضاء البرلمان وحكومة هذه الجزيرة يطالبون باستمرار منحهم حق تقرير المصير وتحت الضغط المستمر وافقت الحكومة الأوكرانية التي سقطت بعد الانتفاضة على منح شعب الجزيرة حق تقرير مصيرهم وإجراء استفتاء في نهاية شهر مارس الحالي , وهذه الجزيرة توجد فيها رئاسة الاسطول البحري الروسي وفيها قوات روسية متفق عليها لحماية المنشآت الروسية العسكرية . كما أن أنبوب الغاز الروسي الذي يغذي أوكرانيا ويغذي العديد من الدول الأوربية يمر عبر هذه الجزيرة . وبعد دخول القوات الروسية مؤخرا في الجزيرة انضمت ثلاثة أفواج من الدفاع الجوي الاكراني تضم حوالي الف جندي إلى القوات الروسية وتتكون هذه الأفواج من عشرين مجمعا صاروخيا مضادا للطائرات وأكثر من ثلاثين منظومة للدفاع الجوي الصاروخي ( إس300 بي إس) كما نزح حوالي ستمائة مواطن من أصل روسي إلى روسيا شرقا بدلا من الذهاب شمالا إلى أوكرانيا . وهكذا أصبحت جزيرة القِرم تدين بالولاء الكامل لروسيا وكان أول رد فعل لرئيس أكرنيا المؤقت بأن الاستفتاء لن يتم في مواعيده المحددة في نهاية شهر مارس الحالي وقدم شكوى لمجلس الامن ضد روسيا أما الدول الأوربية المتضررة من عدم انسياب الغاز الطبيعي لها , أدانت التدخل الروسي واستنجدت بالولاياتالمتحدة للضغط على روسيا ولكننا نعتقد أن الولاياتالمتحدة بسياساتها المتذبذبة الحالية لا تستطيع فعل أي شيء , واكتفى أوباما بتحذير روسيا وقال هذا العمل الذي قامت به روسيا تجاه أوكرانيا سوف يؤثر على اقتصاد روسيا وأصدر قرارا بمنع المسئولين الروس من دخول أمريكا وقال إن الولاياتالمتحدة سوف تعلق مشاركتها في اجتماعات قمة الثمانية التي سوف تنعقد في مدينة سوشي الروسية . ونعتقد أن هذه القرارات هشة وتصب في مصلحة روسيا التي وقفت الصين إلى جانبها في مجلس الامن عندما أيدت رفض مندوب روسيا حضور مندوب أوكرانيا إلى جلسات مجلس الأمن لإلقاء كلمته الشيء الذي تسبب في إخفاق المجلس حتى في اصدار بيان صحفي حول الوضع في أوكرانيا , وهكذا استمرت روسيا في استغلال تردد الولاياتالمتحدة إلى جانبها . هذا التردد الأمريكي بدأ عندما قرر أوباما منتصف العام الماضي توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا ثم تراجع بعد الرفض الروسي وتم استبدال الضربة بمحادثات مارثونية في مسلسل اجتماعات جنيف وإعدام اسلحة سوريا الكيماوية وهذا المسلسل لا نهاية قريبة له . ثم بدأت روسيا في اختراق مناطق نفوذ الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط فتقاربت مع إيران ومصر واسرائيل والسعودية والأمارات وقطر, كما رفضت روسيا قبل أعوام مضت فكرة تنفيذ الدرع الصاروخي الأوربي المدعوم من أمريكا في أراضي الدول التي تجاورها. ونشير أيضا إلى العلاقات المتنامية بين روسياوالصين في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية . وهكذا بدأت روسيا في استعادة أمجادها وأيامها السابقة . أيام خرتشوف الذي أجبر الرئيس الامريكي جون كيندي على التراجع عن خطته لغزو كوبا عام 1961م . أما عن مداولات مجلس الأمن بشأن الوضع في أوكرانيا فلا نعتقد أن المجلس سوف يصدر قرارات مؤثرة ضد روسيا لأن المجلس الأعلى الحاكم حاليا في ( جزيرة القِرم) أصدر قرارا بالموافقة الفورية على الوحدة مع روسيا ونزوح آلاف من مواطني الجزيرة شرقا إلى روسيا بدلا من الذهاب شمالا إلى أوكرانيا يدعم هذا القرار . أما إذا تم تنفيذ استفتاء مواطني الجزيرة على تقرير مصيرهم نهاية هذا الشهر كما هو مخطط له فإن النتيجة الطبيعية المتوقعة تكاد تكون محسومة لصالح تقرير المصير , وهذا ما تخشاه السلطة الحالية الحاكمة في العاصمة ( كييف) وتسعى هذه السلطة لتأجيل موعد الاستفتاء . أما الوضع الحالي في أوكرانيا ككل فلا يبشر بشيء وهو في غاية السوء من حيث الاقتصاد وغلاء المعيشة والفوضى الداخلية واستغلت موسكو هذه الاوضاع وأوقفت دعمها المالي والاقتصادي لأوكرانيا بل طلبت من حكومة أوكرانيا تسديد فاتورة الغاز الذي تصدره لها والبالغة أكثر من مليار دولار . الملحق العسكري الأسبق في اثيوبيا