محمد سعيد شلي جمعتني مناسبة اجتماعية بنفر من الناس وكعادة السودانيين في مثل هذه – الملمات - يفتحون عددا من الملفات السياسية والاجتماعية ويتنقلون من ملف إلى ملف بعفوية وتلقائية .. وكان من ضمن تلك الملفات الجرائم باختلاف أشكالها وألوانها من قتل وسرقة واحتيال ..الخ ..وكان الاتجاه السائد في ذلك النقاش العفوي أن الناس – بقت روحهم محرقاهم – وان جرائم القتل تحدث لأسباب تافهة وصغيرة ..وكان كل واحد من الحضور – يتبرع – بذكر جريمة ارتكبت لسبب بسيط ومنها حادثة القتل التي وقعت بسبب جالون فارغ وحادثة قتل شقيق لشقيقته لرفضها غسل ثيابه و ( الرفسة ) التي أدت لوفاة مواطن بسبب نزاع حول الأجرة بين المواطن وكمساري وغيرها من الجرائم التي كانت حديث المجتمع في الآونة الأخيرة ..وكان حضور ذلك النقاش الجانبي من رواة ومستمعين يضربون كفا بكف تعبيرا عن الحيرة والدهشة ولسان حالهم يقول – الدنيا حصل فيها شنو ..؟؟.. نعم إن الجرائم تفاقمت كما ونوعا وهناك علاقة طردية بين تطور المجتمع وتطور الجريمة أساليبها وطغت المادة في التعامل بين الناس وأفرز ذلك الطغيان توترات وضغوط نفسية Psychological pressures and tensions انعكست على السلوك والمزاج العام ..هذه حقيقة ولكن الحقيقة الأخرى أن الجرائم المشار إليها لم تقع وكما تبدو ظاهريا بسبب تافه وصغير من جالون وأجرة وغسيل ثياب أو بسبب سيجارة او رغيفة وغيره ذلك من الجرائم المشابهة ..فالكمساري الذي تعارك مع راكب وانتهى العراك بركلة أودت بحياة الراكب , قطعا أن العراك بين الطرفين سبقته مشادة كلامية لا تخلو من سباب واستفزاز..وهذا السباب هو بيت القصيد ومربط الفرس والمفتاح في كثير من الجرائم وخاصة إذا تجاوز السباب – الخطوط الحمراء – من سب للأم والأب والعرق والقبيلة ..فالأم على سبيل المثال , تعد في ثقافتنا السودانية ( منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير ) ....يحكى خلال الفترة الاستعمارية أن شيخا من زعماء الإدارة الأهلية كان في جولة تفقدية مع مفتش إنجليزي , لاحظ المفتش أن المواطنين في منطقة معينة لا يلتزمون بسداد الضرائب فسأل الشيخ عن السبب ..أجاب الشيخ أن الناس في تلك المنطقة – ناس صعبين – ويتعذر التعامل معهم ولم تشفع له مكانته وهيبته كشيخ في ترويضهم.. لم يقتنع الخواجة بذلك التبرير واعتبره قصورا من شيخ العشيرة .. وأثناء حديثهما مر بجانبهما رجل على ظهر جمل وألقى عليهما التحية فناداه الشيخ .. وقصد وبذلك الدهاء الذي عرف به رجال الإدارة الأهلية أن يستفزه ليثبت للمفتش أن رعيته أناس يصعب التعامل معهم..ترجل المواطن من جمله ووقف أمامهما مستندا على عصاه وقال ( خير إن شاء الله ؟؟ ) ..وكنوع من استعراض الهيبة أمام الخواجة , انتهره الشيخ بغلظة مستنكرا عدم سداده للضرائب ..وتعمد أن يثير غضبه فسب أمه بمفردة مغدقة في المحلية , تعذر على المفتش استيعابها فانتفض الرجل كالملدوغ وهو يحكم قبضته حول العصا ويشمر عن ساعده..ورد الإساءة بأقبح منها وشتم أيضا المفتش مستخدما نفس المفردة وهو يشير إليه بعصاه و يقول - والخواجة الواقف جنبك دا - تبادل الشيخ والمفتش النظرات وانصرفا في سبيلهما وتركا الرجل يهتز كالقصبة من شدة الغضب ..ولنفترض أن الرجل انهال بعصاه على الشيخ والمفتش وقتلهما ..فلنتخيل معا عزيزي القارئ ردود الأفعال وتداعيات الحادثة وخبرا مثيرا يقول ( بسبب الضرائب : مقتل زعيم عشيرة ومفتش انجليزي .. ) ويتوقع أن تكون التعليقات حول الحادثة منحصرة في الضرائب ,السبب الظاهر بينما تتوارى الإساءة , السبب الخفي الذي ( شعلل ) الموضوع وصب الزيت على النار .. / ع