دعوني أقبل جدلا- لا قناعة- ما أطلق عليها الجمهورية الثانية للإنقاذ رغم أني كتبت من قبل أن الإنقاذ تدخل جمهوريتها الرابعة باعتبار أن الجمهورية الأولى هى جمهورية الشرعية الثورية الرافضة للآخر وتعسفها معه منذ قيامها حتى دستور التوالي عام 1998 الذى أسس للجمهورية الثانية التى سمحت للقوى السياسية بالعمل ولكن تحت ممارسة ديمقراطية (أرعى بقيدك والعين الحمراء ولحس الكوع) والمستمرة حتى اليوم رغم دخول الإنقاذ جمهوريتها الثالثة باتفاقية نيفاشا ودستور 2005 اللذان لم ينتجا وحدة ولا استقرارا ولا توقف الحروب الأهلية فكأننا يا عمرو لا رحنا ولا جئنا بل أصبح البترول نقمة وليس نعمة حيث حلت علينا لعنة الموارد وما يسمى بالمرض الهولندي ضيفا ثقيلا وكابحا للاقتصاد السوداني حينما لم تستغل عائداته لدعم قطاعات الإنتاج الحقيقية أو دعم التعليم والصحة والمياه ورفع القدرات والطاقات البشرية بل دخل البترول بنسبة عالية فى الصرف على الميزانية الجارية ولحكومة مترهلة too much govt. والأغرب من ذلك تتجه الدولة للمزيد بإنشاء ولايات جديدة فى دارفور- أي المزيد من الصرف!- بل أصبح البترول موضعا لتنازع جديد ومكايدات وحرب محتملة بين الشمال والجنوب فأصبحنا بين حجري الرحى ونحاول سد العجز المالي بالعودة الى القروض والاستدانة الداخلية والخارجية كالماضي البغيض الذي كرسه النظام المايوي فأحدث اختلالات هيكلية فى الاقتصاد وأورثنا ديونا بلغت عشرات المليارات من الدولارات صارت كابحا لأي انطلاقة اقتصادية بل مصدرا للشروط الدولية لترفع عنا الديون.. أصبح اقتصادنا الآن يعاني بشدة بل يكاد يصل الى حالة اقتصادية مرضية تسمى الكساد التضخمي Stagflation. وأصبحت البلاد فى مأزق اقتصادي وسياسي حقيقي والحاجة الملحة العاجلة لسد العجز بوسائل وقرارات اقتصادية أحلاها مر من المؤكد لها تأثيرات سياسية ضارة بالنظام. الآن أصبحت الجمهورية الثانية – أو الرابعة للإنقاذ – فى مفترق طرق، غلاة المسئولين والصقور يريدون العودة بها الى الجمهورية الأولى – جمهورية الشرعية الثورية – وعلى أفضل الأحوال ديمقراطية أرعى بقيدك.. والمشكلة لا يفهمون تبعات ذلك. أما العقلاء من الإنقاذيين –الذين لا يملكون القرار الفعلي ويعيشون حالة (مجبر أخاك لا بطل) فهم يرون الأخطار بوضوح سيما وهم مطلعون على كل الحقائق الاقتصادية والسياسية داخليا وخارجيا، أما أهل الأعراف من الإنقاذيين المستفيدون منها فهم فى موضع (الرهبة والرغبة) يقولون سرا ما لايبدونه علنا خوفا على مصالحهم ومواقعهم. أما المعارضون سياسيا فرغم ما يظهرونه من تحالفات وتكتلات ظاهرة وتصريحات بالألسن ضد الإنقاذ إلا أن ما بين زعاماتهم أسوأ مما بينهم وبين الإنقاذ.. والأسوأ منهم من تحالفوا واتخذوا التمرد العسكري وسيلة لن يحققوا من ذلك المنهج غير الوقوع فى قبضة الأجندة الخارجية والفوضى. هذه هى الحالة السودانية ورغم ذلك تؤكد الوقائع التاريخية السودانية فى ثورتي أكتوبر وأبريل والربيع العربي الحالي أن من أشعل الثورات وأنجحها ليسوا الزعماء السياسيون الواقعون أسرى لصراعاتهم وخلافاتهم الشخصية ونزواتهم السياسية بل هى الجماهير العادية التى اشتعلت غضبا استفزها حادث بسيط تحول الى لهيب أحرق الأنظمة برمتها وهى تظن أنها آمنة مثلما قال النميري(مافى حد يقدر يشيلني!!) وذلك بسبب وجود مسببات الثورات مثلما يشعل أحدهم عود الكبريت لغرض الطبخ فيتحول المنزل كله الى نار تحرق كل شيء بسبب انتشار الغاز الذى لم يلق له بالا ويظن الرجل أن (كل شيء تمام) والمطبخ آمن؟!.. على الجمهورية الثانية أن تختار بين الحكمة والتهور.. بين الحقائق والأوهام ولا تسرف فى الأماني فالأوضاع خطيرة. عبده