مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الزراعة ووالي ولاية الخرطوم السابق د. عبد الحليم المتعافي ل(مراجعات) ردة الحركة الإسلامية من ا
نشر في السوداني يوم 15 - 04 - 2014

وزير الزراعة ووالي ولاية الخرطوم السابق د. عبد الحليم المتعافي ل(مراجعات)
ردة الحركة الإسلامية من القومية صوب القبلية والجهويات تمت بوعي كامل.
لن أنسى هذه (...) الحالات التي ماتت على يدي كطبيب.
(ما داير أترشح في انتخابات) .. ولن أخوضها إلا إذا اقتضت ضرورة ملحة وملزمة.
قررت الاغتراب في السعودية بسبب (الفلس).
++
الحلقة الثالثة
+++
حاوره: الطاهر حسن التوم
++
قدم وزير الزراعة والغابات بولايتي النيل الأبيض والخرطوم الأسبق د.عبد الحليم اسماعيل المتعافي إفادات جريئة حول تجربته السياسية وحياته العلمية وتطرق الرجل خلال استفاضته في الحلقة الثالثة ببرنامج (مراجعات) الذي يعده ويقدمه الإعلامي الطاهر حسن التوم وفيما يلي تقدم (السوداني) تلخيصاً لأبرز الإفادات التي وردت بتلك الحلقة.
++
* ظاهرة الجمع بين الطب والسياسة في أوساط الإسلاميين لم تكن حكراً عليك فهناك المرحوم مجذوب الخليفة، غازي صلاح الدين، مطرف صديق، ابراهيم غندور، مصطفى عثمان اسماعيل، الطيب إبراهيم محمد خير فما مرد الظاهرة؟
ربما كانت ظروف الحركة الإسلامية التي دفعت بعدد كبير من منسوبيها في كليات الطب لمغادرة هذه المهنة النبيلة اضطرارا الى السياسة، وأنا أيام الجامعة لم أكن سياسياً وإنما كادر دعوي ولم تكن لي علاقة بالسياسة، كنت كادرا دعويا. وحين تخرجت من الكلية وذهبت الى بلدنا الدويم وبحكم أنني من جامعة الخرطوم أوكل لي قيادة مكتب الحركة في الدويم، وطبعا ذلك لم يكن خياري الشخصي وإنما خيار المجموعة والشورى التي كانت موجودة في تلك الفترة .
* هل تجاربهم ناجحة في السياسة؟
"ما بطالة" وأداؤهم إن لم يكن مساويا لإخوانهم الآخرين فهو متقدم عليهم. ولا تستطيع القول إنهم كانوا فاشلين في أدائهم السياسي، والى حدٍّ ما معقولون.
* يقال إن مهنة الطب لا تقبل الشريك؟
الى حد كبير، ولكن حدث أمر دفعنا الى دخول هذا المعترك وهو أن العامين 85-1986م شهدا مجاعة طاحنة. كنا نعمل في المستشفى وفي الأمسيات نتفرغ للعمل الإسلامي ساعة ساعتين في اليوم، وقتها حلت مشكلة كبيرة، مشكلة المجاعة في النيل الابيض وكردفان ودارفور وآلاف الأسر تزحف نحو النيل. واجتمعنا في المستشفى وتناقشنا وتوصلنا الى أننا نستقبل جوعى وليس مرضى، وما كان الدواء ينفع الجائع، ولذا قررت إدارة المستشفى أن يتفرغ (2) من الأطباء للبحث عن الغذاء، وهما د. عبد الله عبد الكريم جبريل أخصائي القلب المعروف في جامعة الجزيرة ومستشفى مدني، وشخصي الضعيف، وكنت تلميذه. أوكل إلينا مهمة البحث عن الغذاء وحين انقشعت المجاعة في 1986م بعد خريف جيد كانت الانتخابات على الأبواب فاضطررنا أن ندخل الى المعترك السياسي دون رغبة منا .
* نفهم أن الاختيار دون إرادتكم ودفعتكم الظروف فقط؟
أبداً. لم يكن لدي مزاج أو رغبة سواء في السياسة أو النيابة –البرلمانية- وكنت كادرا في العمل الإغاثي وطفت كل منطقة النيل الابيض وكنت أعرف (450) قرية في النيل الابيض وأعرف المشايخ من هذا الباب دخلنا، باب أننا مواجهون بهجمة جوع قاسية جداً في تلك الفترة واضطررنا أن ندخل الى الحياة الاجتماعية من أوسع الأبواب ونتعرف على المشايخ والقبائل والطرق الصوفية وجاءت فجأة 1986م فنظر الإخوان لمن يمكن أن يصبح نائبا.
* هل الخبرة العملية لدى د. المتعافي تجعل منه طبييا مميزاً؟
لا أستطيع أن أقول دكتور شاطر ولكن مقبول، وحين تخرجت كانت الكلمة التى تستعمل في ذلك الوقت ليست الطبيب الشاطر ولكن الطبيب الآمن الذي لا يخطئ أخطاء قاتلة.
* ألم يمت مرضى على يدك؟
كثيرون ماتوا في أيدينا، وهذه من التجارب التي لا تنسى. ومن أكثر التجارب مرارة على الطبيب أن يموت شخص تحت يديه وهو يعالجه، ويعتقد أنه كان عليه أن يبذل مجهوداً أكبر لإسعاف حياته فإذا أسعفت ألف نفس وضاعت نفس واحدة تحت يدك ربما لا تنسى النفس التي أزهقتها طوال حياتك.
* هل في حياتك حادث دفعك لأن تقول "ما داير طب عديل"؟
كنت طبيب امتياز في مستشفى الخرطوم وحضر شاب في منتصف العمر "نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات- بأزمة "ربو". وكنت مشغولا إذ حضر في الذروة في حوادث الخرطوم وبدأت علاجه ثم انصرفت الى مريض آخر أيضا كان في حالة حرجة، وحين عدت الى الشاب وجدته بالكاد يتنفس فأخذته بسرعة الى غرفة العمليات لمزيد من الإسعاف، فلم أفلح، وما استطعت –حتى- أن أخرج من غرفة العمليات حيث الأوكسيجن متوفر وأجهزة المساعدة على التنفس متوفرة، وما كنت أقوى على تبليغ مرافقيه، وكان قادما من بيت "عزّابة" مع أصدقاء له، دون أن يرافقه فرد من أسرته، وتلك الحالة كانت من أكثر الحالات إيلاما عندي.
وحالة أخرى كنت طبيبا في مستشفى "شبشة" وتم إحضار طفل صغير ب "إسهال وطراش" فقمت بإدخاله الى العنبر. قررت إدخاله للعنبر لأني شعرت بأن حالته حرجة، فأصدرت التعليمات بما يجب أن يتم عمله ثم سافرت لمستشفى الدويم وتأخرت في العودة وعندما حضرت وجدته في اللحظات الأخيرة ومات في يديّ، وهاتان الحالتان عاجز عن نسيانهما بالإضافة الى حالة ثالثة أكثر منهما إيلاما.
* رغم ما يقال إن الأطباء ولكثرة ما شاهدوه أصبحوا في تصالح نفسي مع الموت؟
لو كان الطبيب يجزع كما يجزع الآخرون، لما استطاع ممارسة المهنة. المهنة فيها كثير من التحدي، ومناظر المرضى في لحظاتهم الأخيرة أو في حاجاتهم لإسعاف عاجل او قد يكون المنظر مريعا نحو أن ينزف المريض وقد ينزف في يديك، لذا ينبغي أن تتجمل بقدر وافٍ من رباطة الجأش وفي نفس الوقت عدم الاضطراب حتى لا تفقد المريض، وهذه ضرورة في الطبيب وتتأتى بالتدريب.
* كيف تنظر إلى ظاهرة الأخطاء الطبية واللغط الدائر حول تناميها سيما وأن البعض يردها الى ضعف سياسة المقاضاة في مقابل الحقوق؟
هي ظاهرة ليست حكرا على السودان، وإنما في البلدان الاسلامية عموما. فالناس تؤمن بالقضاء والقدر وحتى ان أخطأ الطبيب تتم مسامحته، لكن هذا السلوك لن يصمد طويلا. فالحياة تتغير نحو إدراك الناس لأهمية الحقوق، خاصة تجاه أخطاء الأطباء الناجمة عن إهمال فالطبيب يتعامل مع أعلى قيمة في الأرض وهي أرواح البشر، والأخطاء المرتبطة بحياة البشر خاصة الناتجة عن إهمال ليست مقبولة.
* الأطباء السودانيون يصادفون صيتا وشهرة في الخارج، في بريطانيا هنالك أعداد كبيرة منهم فلماذا يندر ذلك في داخل البلاد؟
السبب واضح جداً النظام "السيستم"، والسيستم في بريطانيا لا يسمح أن يعطي الطبيب عائدا مجزيا دون تجرد تام، وعندنا لا يوجد سيستم، ولذا لا تجد ساعات محددة للعمل في المستشفيات، وهناك أطباء يعملون أثناء ساعات العمل ومشاكل كثيرة، هنالك السيستم ليس في بريطانيا وحدها بل حتى في المملكة العربية السعودية، أما طبيب حر أو طبيب متعاقد مع الحكومة ولا يمكن الجمع بين الأختين. وهذه واحدة من إفرازات الوضع الاقتصادي السيىء للأطباء لدينا، ودفعهم للبحث عن أرزاقهم في عياداتهم الخاصة.
. ألم تجد الجبهة الإسلامية في انتخابات 1986م سوى عبد الحليم المتعافي لتدفع به في مغامرة كبيرة قبالة رجل بقامة خليل عثمان؟
خليل لم يكن في الصورة بادئ الأمر. ومشواري كما قلت سابقاً بدأ بالمجاعة والعمل الطوعي الإنساني، وأتيحت لنا وقتها وخلال أكثر من عام التجوال في ريفي النيل الأبيض ومعرفة الأعيان والمشايخ والطرق الصوفية والرعاة والأماكن والعادات والتقاليد، وهو أمر لم يتاح لأحد في الجبهة الاسلامية وقتها، فرأى إخواننا في مكتب الدويم وبعد نقاش طويل استثمار ذلك، ابتداءً قابلت ذلك بالرفض، ولم يفحلوا في إقناعي إلا بعد أن توسط الوالد إذ أفلحوا في إقناعه بأن يتحدث معي، فقبلت. والى وقتها لم يكن في الصورة خليل وكنا ندرك عدم قدرتنا على الفوز ولكن "عارفين دايرين شنو."
* وما الذي تريدونه؟
الانتخابات بالنسبة لنا سوق لعرض بضاعتنا، وترى من يقبلها من الشباب المستنير، ومن ثم تدير حوارا معهم وفي أغلب الأحيان ننجح في جعل جزء كبير من هؤلاء الشباب يلتزم بنهج الحركة الاسلامية والمشايخ أيضاً الذين لهم قدرة على استيعاب الأفكار الجديدة، وغير المتحزبين، فهي محاولة زيادة قاعدة الإسلاميين خاصة والاسلاميين لم يكونوا موجودين في المجتمع بصورة منداحة في كل أركان المجتمع وفي القرى والأرياف.
* غير متجذرين؟
غير متجذرين، كنا صفوة في المدارس والجامعات، وتلك كانت فرصة لندخل المجتمع من أوسع أبوابه، فتم الاختيار على ذلك، وكان المرشح للفوز هو مرشح حزب الأمة، فالمنطقة منطقة أنصار ثم يليهم في الحظوظ الاتحاديون أما الإسلاميون كانوا قليلين، ثم يأتي بعدهم أهل اليسار، وبالتالي ما كنا نظن أننا سنفوز، ولكن نظن أن بمقدورنا أن نحدث اختراقات ونتمدد شعبياً في القرى والأرياف والأصقاع، ولكن فجأة اتصل خليل عثمان بقيادات الأحزاب السياسية الكبرى في الخرطوم، وطلب أن يتنازلوا له ويترشح مستقل. ولم يحدث ذلك فقرر أن يخوض التجربة، ولم يكن لديه مشكلة في كسب أصوات مدينة الدويم وهي تعدل نصف أصوات الدائرة الانتخابية. وتبقت معضلة الريف التي يتصارع حولها حزبا الأمة والاتحادي وحدثت عوامل ساعدت خليل بانقسام قبيلتين كبيرتين مساندتين للأمة انحازت إحداهما له وبموجبها أصبح أمر فوزه محسوماً وحينما طلب من كل المرشحين التنازل له لعمره وخبرته باعتباره فوق الستين ولن تكون لديه فرصة ثانية للترشح رددت عليه بأننا لن نتنازل له لأنه بالحسابات فائز بفارق كبير ونحن لدينا أهداف أخرى.
* كان متخوفاً من أن تحصدوا أصوات الشباب؟
كان يعتقد أننا من مدينة واحدة وأهل ويمكن نقتسم أصوات الشباب، وكنا نعرف أن جزءاً كبيراً من الشباب صوتوا لخليل وفاءً لما قدمه من خير لأهل الدويم، وفعلاً فاز خليل، ورغم أنه تجاوز في الصرف واستخدم التاكسي الجوي في توزيع حلوى الماكنتوش للناخبين فإننا لم نتقدم بشكوى ضده. في النهاية فقد فاز خليل ب2 ألف صوت وسعدنا بفوزه وسعى لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب الثلاثة وقتها (الأمة، الاتحادي والجبهة الإسلامية) وبعد دخوله للبرلمان بوقت وجيز مرض وانتقل بعدها لرحمة الله تعالى.
* للمال دور كبير جداً في مجال السياسة وحسم الانتخابات؟
بعد تلك الحملة وصلت لقناعة مفادها أننا بحاجة إلى زمن طويل لننجز ديمقراطية "راشدة" وكان للمال دور كبير في حسم تلك الانتخابات. وفي الديمقراطيات الغربية التي تعتبر أنموذجا للمال تأثيره ولكن في الغرب الإخراج جيد وبصورة ممنهجة وعلمية فلا تحس بالتخلف في العطاء المباشر لشراء الأصوات ولكن العطاء غير مباشر، والمال يلعب دورا كبيرا جدا في الانتخابات وفي السياسة. في زماننا كان الحال كذلك.
* هل خضت بعد انتخابات 1986م غمار أي تجربة انتخابية؟
بعد 1986م قررت عدم خوض الانتخابات مرة أخرى، وعوضا عن العمل السياسي من الأفضل للشخص أن يعمل للدعوة ولكن لاحقاً فرض على أهلنا في سنار حينما كنت وزيراً للصناعة الترشح في دائرة سنار الغربية منطقة (جبل الموية، ودود وبيوت، والسكر) لم يكن لي يد في الأمر، إذ اجتمع المؤتمر الوطني واختاروني مرشحاً وفزت بالتزكية ودخلت البرلمان لأول مرة وبعدها بأشهر عينت والي الخرطوم فقدمت استقالتي من البرلمان، وفي انتخابات 2010م اعتذرت خوض الانتخابات في مواجهة السماني الوسيلة باعتباره حليف للمؤتمر الوطني كما أنني لم أريد منافسته في دائرة واحدة وكما تعلم فإن الانتخابات فيها أجواء منافسة شديدة وتحدث فيها مشاكل ربما تؤدي لشروخ في الأسرة الممتدة والحمد لله فقد قبل الإخوة في المؤتمر الوطني فكرتي بالتنازل عن الدائرة للسماني ثم طلب مني الأخ محمد مندور المهدي الترشح في دائرة أمبدة فاعتذرت وقلت له: "كنت والياً للخرطوم واعتذرت، ما داير انتخابات وما داير أترشح) وأعتقد أنني يمكن أن أخدم في العمل السياسي دون ان أخوض الانتخابات، ولن أخوضها إلا إن اقتضت ضرورة شديدة وملحة وملزمة.
* حينما كنت والياً للنيل الأبيض جاءت بصات من الولاية الى المركز وهي وتقول لا نريد المتعافي واليا للنيل الأبيض ؟
ليست بصات، هما بصان صغيران وأتي بعدهما حوالي (10) بصات تقل حوالي (40 – 50) وجاء بعدهم (300) شخص، وحينما التقاهم الرئيس قال لهم: " لم يحصل لعبد الحليم براه، وأي والي جاء النيل الابيض اشتكوه" ثم أضاف لهم: "عبد الحليم ما نافع معاكم، أحسن لينا يجي الخرطوم" وقال لهم:"اشتكيتوا فلان وفلان وعدد لهم كل الولاة الذين سبقوا والمحافظين".
* حاولنا من الأسئلة السابقة إخضاع فرضية نجاح "ود المنطقة" في تولية المناصب في بلدانهم للتمحيص؟
هذا الكلام غير صحيح، وهي ردة في التفكير وساهمت في تعميق البعدين القبلي والجهوي، فحتى أغسطس 1997م كان اختيار الولاة قومي، وكان الحاج آدم والياً للشمالية، وعبد الله ابو فاطمة والياً في النيل الازرق وهو من البحر الأحمر، والمتعافي واليا في دارفور وهو من النيل الابيض، ومجذوب يوسف بابكر –عليه الرحمة- محافظا للدلنج وهو من الجريف، واخونا ابراهيم يحيى كان معتمد المتمة وهو من أبناء الفور، وأخونا عبد الله آدم محافظ حلفا من أبناء المساليت، وحمدون كان محافظا للدويم وهو من أبناء الزغاوة ومن ثم نائب الوالي في جوبا، وكانت النظرة قومية والتوزيع قومي، وتوفر البعد القومي الذي يجعل من السودان بلدا للجميع.
* إذن ما سبب الردة؟
السبب ردة في تفكير الحركة الإسلامية، وقيادة الحركة الاسلامية كانت تعتقد أنها تتواجد في البعد القبلي، وتعتقد أنه بمقدور البعد القبلي نصرة الحركة الاسلامية، وتم تركيز شديد على القبيلة والجهة، ونشأت في تلك الفترة حركة –كنت أشعر بها- لتجميع بعض القبائل، وإيجاد نفوذ سياسي للقبائل الكبرى في السودان برعاية من قيادة الحركة الاسلامية في الخرطوم، وهي الردة التي حدثت في الانقاذ في التحول من موضوع القومية لأبناء المناطق يحموا مناطقهم. ومباشرة حدثت مشكلات كبيرة بسبب ذلك، وحين بدأنا كأبناء مناطق في العمل بمناطقنا طرأت مشكلات لم تكن معروفة، وبدأت الاحتكاكات القبلية في الولاية الواحدة، "ديل جابوا ود القبيلة الفلانية" ومن ثم بدأوا في تبادل الولاة بالقبائل، وحتى الآن هذه القضية مستمرة وغير صحيحة.
* وما المخرج؟
أن نرجع للقومية.
* هل ذلك ممكن؟
ممكن، ويحتاج الأمر الى خيار سياسي. وأي خيار سياسي له ثمن، وثمن الخيار السياسي الخاطئ دفعنا فاتورته وتمثل في اتساع نفوذ القبلية والجهوية، والخيار السياسي الأصح - في تقديري- أن نعود الى القومية وأن يحكم أبناء السودان كل السودان، وأعتقد أن أنجح تجاربي كانت في سنار وبورتسودان ودارفور لأنني كنت في نظر المواطنين محايداً ولا يستطيع أحد أن يقول إنني مع طرف ضد الآخر، وأذكر من النكات التي قيلت وقتها إبان تولي ابراهيم منصب محافظ المتمة قول الجعليين (الدنيا انقلبت، المتمة خربها تعايشي وصلحها تعايشي)، إذاً لماذا ارتددنا لهذا الدرك؟!
* هل تمت تلك الردة بوعي؟
في رأيي تمت بوعي كامل.
* الحكم الاتحادي غذى الجهة والقبيلة؟
نعم، ولكنه أمر بحاجة لأناس أكثر خبرة مني بعلم السياسة.
* لماذا غادرت للسعودية وتركت السودان في 1986م؟
السبب بسيط جداً (الفلس).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.