بصلة ديك البطانة!! تتعدد الروايات حول قصة ديك البطانة، ويقال إن تاجر دجاج من غير ميسوري الحال، حمل ديكا من بوادي الشكرية إلى سوق مدينة رفاعة، ولم يفلح لسوء حظه في بيعه فعاد أدراجه إلى قريته وأرتال الدجاج مصفدة على ظهر جمله، وما إن اطلق وثاقها حتى استفسر دجاج الحي من الديك العائد عن أحوال رفاعة وأهلها فأجابهم الديك بأنه لا يدري عن رفاعة شيئا، واكتفى بالقول "مشيت معلق وجيت معلق". وعلى طريقة كليلة ودمنة أرى أن الأحزاب السياسية جميعها بما فيها المؤتمر الوطني تعيد تكرار قصة ديك البطانة الذي قيل فيه " يكشنو في بصلته وهو لا يكف عن الصياح". ففي الشمال والشرق ما فتئت مصر تتمد كل صباح داخل الأراضي السودانية وهي تتبع سياسة فرض الأمر الواقع التي نجحت في إحالة حلايب بكل إرثها الهدندوي إلى أرض مصرية في حين أن واقعها الجغرافي والديموغرافي والثقافي لا يقر لها بذلك. ومصر لا يزال يسيل لعابها باتجاه جنوب حلايب حيث مناجم الذهب الغنية وحقول الكروم والحديد والنحاس الطبيعي وهي حقول سبقتها إليها شركة تاليسمان الكندية إلا أنها طردت من هناك بتهديد مباشر من لوبيات مصرية في محاكم دولية، والمطامع المصرية في وادي حلفا لا تحتاج إلى دليل ولا برهان. ويقيني أن المصريين ينتظرون سانحة تدهور الحال السياسي والانشغال الوطني والتشظي المستمر للجبهة الداخلية لتخطو خطوات أخرى داخل التراب السوداني. وفي الجنوب الشرقي شبت إثيوبيا عن الطوق وهي تنازل مصر نفسها علنا في إشارة واضحة مفادها إياك أعني يا جارة، ولهذا لم تجد غضاضة في التوغل كيلومترات قليلة بهدف اختبار القوة وإطلاق بالون اختبار في حقوق أعالي نهر الدندر الخصيبة، وفي الجنوب تصطرع القوى الدولية على مرمى من حقوق النفط في ولاية الوحدة، وغير بعيد عن ذلك تتحفز الدببة للانقضاض على دارفور الأجداد بمناجمها التاريخية وحقول نحاسها الممتدة والهمس يدور حول وجود خرافي لليورانيوم أكسير الحياة الجديد. حقيقة بصلة ديك البطانة " كشنوها " وناس رفاعة آخر من يعلم وهم يتناقشون حول الحوار والقوانين وآليات الحوار ومن يرأس تلك اللجان، تماما مثلما حدث في روما حين تربص بها نيرون والأباطرة يتحاورون في جدل بيزنطة الشهير. ولو أن ثمة بصلة أخرى تم "تكشينها" بجدارة فهي بصلة ديوك الصحافة، وأقصد بها صحافة الإنقاذ الموالية وتلك التي تدعي المعارضة وتلك التي تزعم أنها مستقلة وقد وجدتها تصيح في حربها الديكشوستية ضد الفساد وكثير منها قد تربى بالحرام وترفع يدها تدعو الله على المفسدين فأنى يستجاب لها؟!. الحوار المرتقب يجب أن تكون وسائله وأهدافه مرتبطة بمحاربة الفساد المالي والإداري والتسيب في الخدمة المدنية ومعالجة التدهور المريع في الخدمات الصحية وأزمة تحولها إلى تجارة بحتة واستثمار مالي رأسمالي لا يبقي ولا يذر. ولو أن ثمة حوار يرجى منه فيجب أن يشمل الأسباب التي أدت إلى فشل المشروعات الكبرى بما فيها أحزابنا السياسية التقليدية والحديثة نفسها، فمن يدري لعل الباحث في مثل أسباب هذا الفشل يخرج لنا بنتائج مفيدة تقيل عثراتنا هذه الأيام وتضيء لنا آخر النفق حتى نخرج إلى بر الأمان. إن القوى السياسية الحاكمة والمعارضة، السياسي منها والمسلح، جميعها مطالبة بالجلوس مع النفس ومراجعة الحساب، والتطهر من نجاسة الجري خلف السلطة، دون برنامج سياسي معروف ولا طموحات واضحة ولا أهداف رشيدة. رب قائل يقول إن الديك المقصود ليس ديك البطانة وإنما ديك المسلمية وهو من ظل "يعوي وبصلته بيكشنوا فيها"، وربما كان هو ديك المحمية الشهير بصوته الجميل، وأيا كان الأمر، فالديوك حالها سواء حتى ديك التيجاني الماحي الذي لن يقتنع أبدا بأن الإنسان سمسمة يمكن التهامها بسهولة ويسر. نحن مقتنعون بحجم المشكلة ولكن من يقنع الديك؟!.