وسمراء المدينة اليوم تضع خضاب الحناء على يديها، إنه لنبأ جلل بحق فتبينوا، فهي كالمرمر في قسوة الانتظار وكالنخل في السمو والارتفاع، وصاحبة عقل كما الكون باتساع البصر ولها من الفكر بحجم سماء يحتمل كل مدارك الرأي، ويومها والقمر على امتداد الأفق كانت تجلس معه على ذات حافة السماء تنظر إليه وهو بالقرب منها ومن على البعد يجزم المارة بأن هناك حديثا يقال لا محالة، والمنطق يقول كيف يمكن احتمال هكذا مشهد على سطح هذه الأرض (سمراء تناجي قمراً) ككل المارة على جنبات الطريق لم أستطع مقاومة ذاك المشهد الأخاذ، ذهبت وملء الأحداق ظن كيف حدث هذا؟ كان السؤال لم يكن عن ماذا تحكي لقمر استعصم بالبعد سنين عددا، بل كيف صارت سمراء المدينة مخضَّبة اليدين، بعينين تمسكان بأطراف السعادة أخبرتني عنه. هو على خارطة الزمن كان يجلس ليس ككل الرجال الذين ضجت بهم جوانب المدينة، هو رجل بحجم وطن لم يتجنبني فالرجل لدينا يتجنب من النساء السمراوات والمفكرات يخاف منهن كخوفه من عدوه وفقره، هو كمحراب لإعادة صنع الفكر مهما تطرفت أبعاده، كان قادراً على تحويل المستحيل إلى ممكن والممكن إلى واقع معاش صاحب فعل قبل القول يسعى لإفراد مساحات الوعي إلى حيث اللاحدود ليس لشيء فقط سوى إيمانه التام بأن المرأة هي كل الكون وليس نصف الكون، هو من يمارس طقوس العشق على اختلاف خطوط العرف هو من جعل من الحناء وسام بقاء على الحياة بشكل جديد، هو لم يكن متطرفاً كأصحاب القبعات في المدينة إلا أن صوته طالما كان ينطق بالحق عندما تعلو أصوات الباطل، هو لم يكن متديناً كالشيوخ في بلدتي إلا أنه كان عند الفجر ينسج خيوط تراتيل نفس ضاقت بها رحابة الأرض، قد صدقت نبوءتي في الحياة عمراً لا ثاني له سأقتسمه مع ذلك الرجل الذي يحلم بأن أكون معه على سجادة صلاة واحدة عند سديم الفجر.