كثير من الدبلوماسين يعتبرونه إجراء طبيعياً يتيح فرصة لتبادل التجارب وكسب المزيد من الخبرات أو على حد إيماني يعتبره البعض سنة من سنن الحياة والتغيير.. موضوع تنقلات السفراء والدبلوماسيين من محطة خارجية إلى أخرى أو العودة إلى مقر الوزارة المطل على النيل الأزرق. لكنه يصعب عند آخرين، قولا وفعلا والصمت في بعض الأحيان أضعف الإيمان. الأمر ليس حكرا على السودان ولا على الفترات الأخيرة من التاريخ الدبلوماسي السوداني. أمس الأول أجرت الخارجية تنقلات واسعة داخلية وخارجية واسعة طالت (47) سفيراً، أعادت بعضهم من مواقعهم خارج السودان سواء من بلدان عربية وأخرى غربية مثل كندا ونيويورك وفينا، وفي نفس الوقت بعثت آخرين إلى عواصم الدنيا وأقاصيها البعيدة. الأسئلة التي تطرح في كل عام تتعلق بماهية المعايير التي يتم بموجبها إجراء تلك التنقلات ومن يتخذ القرار؟ هل هو شخص واحد؟ أم شخصيتان أم أكثر؟ أم لجان (تقعد وتقوم) لتضع السفير المناسب في المكان المناسب؟. والأهم من بين تلك الأسئلة هو سؤال يطرحه السفراء أنفسهم: هل يستشار السفراء في حركة تنقلاتهم؟. إفادة واحدة: دبلوماسي رفيع أوضح ل(السوداني) أمس، أن قلة من السفراء وحالات استثنائية هم من يرفضون مثل هذه القرارات، وتحديدا قرارات إعادتهم من السفارات الخارجية إلى مقر الوزارة، لكنه ينفي أن يكون هنالك سفير قد رفض الانتقال من إدارة إلى أخرى في تنقلات الأمس، لكن الدبلوماسي يشير إلى أن بداية الظاهرة (أي ظاهرة الرفض) حدثت في التسعينيات إذ رفض بعض السفراء العودة من محطاتهم الخارجية إلى الخرطوم بسبب ما اعتبره وجود مبررات لتلك النخبة منهم تتعلق بتخوفاتهم من أمر العودة، وهي تخوفات بحسب محدثنا كانت في حينها مشروعة لأن الحكومة كانت جديدة، وأن التخوف نفسه قام على الشك في نوايا النظام الجديد، لا سيما المتعلقة برغبات الإحالة للصالح العام، وهي سيف كان مرفوعاً سنواتئذ في إطار ما عرف بسياسة التمكين التي قربت أهل الولاء، وهي سياسة اعترفت بها الحكومة ضمن رزمة من الاعترافات التي قدمت فيها الدفوعات والمرافعات. يقول محدثي إن ذلك التخوف كان أمرا طبيعيا جدا ومشروعا بعده استطاعت الحكومة نفسها إعادة ترتيب أوراق الوزارة بحيث لا يتضرر أحد، ويؤكد أن عملية التغيير التي تتم من حين لآخر في أروقة الخارجية هي عملية من سنة الحياة، قاطعا بتطبيقها بعدالة وعلى الجميع ودون استثناء. إدارات ميتة وأخرى حية: حتى الإدارات الداخلية في وزارة الخارجية تدخل هي الأخرى دائرة الجدل ويتحفظ البعض على بعض تلك الإدارات، حيث يتم تصنيف الإدارات على ثلاثة مستويات: نشطة وضعيفة وميتة. وبالعودة إلى محدثي يصف هذا التصنيفات بمجرد (كلام غير موضوعي) إذ إن -والحديث للمصدر- (أي إدارة لها أهميتها، ولولا ذلك لما تم إنشاؤها، وكل إدارة لها قطعا دور منوط بها القيام به لخدمة العمل الدبلوماسي بصورة عامة، كما أن تفعيل الإدارة يعتمد بصورة كاملة على السفير المسؤول عنها). أما عن فرص استشارة السفير بالموقع المعين فيه، فقد نفى ذلك تماما وقال إن هناك تقييماً لكل سفير يقوم على سيرته ومسيرته، والأمر متروك في النهاية لتقدير مالك سلطة اتخاذ القرار، أما المعايير لتحديد من؟ يذهب إلى أين؟ فمحددة سلفا وعلى رأسها معايير الكفاءة ومدى ملائمة هذا السفير للإدارة أو الدولة التي سوف ينتقل إليها فضلا عن فرص حصوله على اعتماد الدولة المبعوث إليها. قرار رئاسي: ويواصل ذات السفير -الذي رفض الكشف عن اسمه-ويشير إلى أن المعيار في التنقلات للخارج والترقيات في العمل الدبلوماسي تخضع إلى موازين إدارية بحتة ولوائح منظمة للعمل الدبلوماسي والقنصلي, لكنه قلل من التنقلات الداخلية، أي التي تحدث داخل الوزارة، وأضاف أنها ربما تكون مؤشرا إلى تنقلات خارجية، إذ إن أي سفير لم يظهر اسمه في عملية التنقلات الداخلية يعني أنه سيغادر إلى الخارج أو هكذا العرف، لكنه يوضح أن هذه الترقيات والتنقلات تتم وفق الأسبقية في الدرجة المهنية المحددة، ليتم بعدها ترتيب الأول ثم الذي يليه, مشيراً إلى أن الشرط الرئيس في التنقلات هو الأسبقية في قائمة المرشحين للنقل، ثم تأتي بعد ذلك اللغة التي يجيدها السفير، لكن هناك استثناءات طفيفة يمكن أن تميّز الدبلوماسي في عملية اختبار لموقع معين ففي مثل هذه الحالات يتم التغاضي عن اللغة، سيما إذا كان الدبلوماسي متميزا في جوانب أخرى، والدولة لديها مصالح فيها. ويشار هنا إلى أن تنقلات السفراء لرئاسة بعثات دبلوماسية تتم وفق اختيار رئيس الجمهورية، وإن كانت في الغالب تكون هناك توصية من وزير الخارجية، وللرئيس الحق الكامل في القبول بتلك التوصية أو رفضها أو تعديلها، لكنه يشدد إلى أن اختيار السفراء لمحطات الكبرى يعتمد قطعا على معايير سياسية مثل واشنطون ولندنالأممالمتحدة أو السعودية ومصر وجنوب السودان. مصير سفير السودان بيوغندا أمس الأول تناقلت مواقع الإنترنت أحاديث عن رفض سفير السودان الحالي بيوغندا عادل شرفي الامتثال إلى أوامر وزارة الخارجية والعودة إلى الخرطوم. وأشارت الأحاديث إلى أن شرفي غادر إلى لندن طالبا اللجوء السياسي، وهو الأمر الذي نفته مصادر دبلوماسية ل(السوداني) حيث اكتفت بالإشارة إلى أن شرفي غادر إلى لندن بعد أن تقدم بطلب للمعاش الاختياري وقد تسلمت الوزارة هذا الطلب بالفعل وهو إجراء قانوني ومن حق أي شخص بعد أن يمضي (25) سنة في الخدمة أن يتقدم بطلب كهذا، وحسب مصادر (السوداني) فإن شرفي قام بتسليم عهدته كاملة إلى نائبه الوزير المفوض كمال علي عثمان. ==================== حالات هروب دبلوماسي الحالة الأحدث من بين حالات الهروب أو الانشقاق الدبلوماسي بسبب أوامر العودة إلى الخرطوم هي حادثة السفير عبد الرحمن شرفي سفير السودان بفنزويلا والتي وقعت العام الماضي، حيث طلب السفير عبد الرحمن شرفي من مسؤولي وزارة الخارجية في الخرطوم إجازة سنوية لمتابعة شؤون أسرته المقيمة في كندا، وكما قالت الوزارة فإن الرجل وجد وظيفة كبيرة براتب مغرٍ مع شركة كندية وفضلها فاختار الانشقاق ووفقاً لقانون الخدمة المدنية ونص المادة (50) فإن من يغيب عن العمل لمدة (45) يوماً يعد مفصولاً، وهذا ما حدث. من بين القضايا الأخرى قضية سفير السودان لدى ماليزيا السفير عمر عثمان الذي غادر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو على أعتاب سن المعاش، وعمل عمر عثمان مديراً في الشؤون الإدارية وتبقت له قبل خطوته تلك ستة أشهر فقط ليحال إلى المعاش، فترك عمله ولم يقدم أي تفسيرات وغادر إلى الولاياتالمتحدة، وبعد أن انتهت مدة ال(45) يوماً اعتبر مفصولاً حسب قانون الخدمة المدنية. من الحالات المشهورة أيضاً حالة السفير علي أحمد إبراهيم، والذي كان محسوباً على حزب الأمة في أوج معارضة الحزب للحكومة، عين سفيراً للسودان في جيبوتي، لأكثر من دروة دبلوماسية وقالت وزارة الخارجية إن بعض التجديدات له تمت بناء على طلبه، إلا أن الوزارة قررت في نهاية التسعينيات إعادته إلى الخرطوم، لكنه رفض القرار فيما أكمل ابراهيم ترتيب أوراقه إلى أمريكا. السفير علي أحمد إبراهيم اتجه بعد ذلك للكتابة في الصحف وقد تلاسن إسفيريّاً مع وزير الخارجية الأسبق د.مصطفى عثمان إسماعيل. أما صاحب (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت)، محمد المكي إبراهيم، فقد عُيِّن في التسعينيات أيضاً سفيراً في إحدى الدول الأفريقية، وما إن انتهت مدته حتى سافر إلى أمريكا مستقراً بها. حالة مختلفة: أما السفير بابو نمر، فكانت قضيته مختلفة جداً عن البقية، فقد اتهمته الوزارة أثناء عمله كسفير للسودان في هولندا عام 1998، وقالت الوزارة إنه وفي مدة السنوات الأربع التي قضاها هناك كان يتحصل على الأموال التي ترسلها الوزارة إلى السفارة، فيأخذ أموال الدبلوماسيين والموظفين لعدة أشهر ويقرر بعد فترة منحهم مرتب شهر، إضافة إلى اتهامات أخرى ساقتها الوزارة، وانتهت القصة بانشقاق السفير وفصله من الخدمة. صلاح كرار قصة مختلفة العميد (م) صلاح الدين محمد أحمد كرار الذي كان عضوا بمجلس قيادة الثورة في 1989 وحتى 1993 / واستمر وزيرا حتى نهاية التسعينيات، عين سفيرا للسودان لدى مملكة البحرين في العام 1998م، وبينما كان في موقعه ظل يراسل بالكتابة صحيفة (أخبار اليوم) ووجه في إحدى المرات نقدا للحكومة، كان ذلك في العام 2003م، وبعد نشر المقال سلمته وزارة الخارجية رسالة تفيد بفصله عن العمل والطلب منه العودة إلى السودان، إلا أن كرار رفض قرار الفصل وقرر عدم العودة إلى السودان، مبرراً بأن قرار الفصل لم يذكر السلطة التي صدر عنها، وما إذا كان قرارا جمهوريا أو صادرا عن مجلس محاسبة. الملفت هنا أن صلاح كرار لم يذهب بعيداً، إذ عاد إلى السودان وانتهت مواقفه السياسية إلى أن يكون قياديا في حركة الإصلاح الآن. الأفندي.. الإصلاح السياسي الدكتور عبد الوهاب الأفندي الذي عمل في سفارة السودان في بريطانيا، كان موضوعه الأكثر إثارة، إذ إنه جاء إلى وزارة الخارجية من رحم الحركة الإسلامية، إلا أنه لم يصمد كثيرا بعد أن بات يبدي ملاحظاته على أداء الحركة في الحكم، فانشق وأصدر أشهر الكتب وأقدمها عن (الثورة والإصلاح السياسي).