وساطة صينية لرأب الصدع بين الخرطوم وجوبا دبلوماسية النفط والمصالح تقتحم المشهد السوداني تقرير: سحر أحمد في الوقت الذي تجرى فيه المباحثات بين الحزبين الحاكمين في الخرطوموبكين، كشفت مصادر حكومية سودانية عن رغبة بكين في معالجة القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان خاصة ملفات البترول. وقد طرح وفد الحزب الشيوعي الصيني الذي يزور الخرطوم حالياً مبادرة للعب دور في التوصل إلى اتفاق بين الجانبين خاصة في ملف البترول. أدوار منتظرة وفي السياق كشف مقال نشر على موقع (Think Africa Press) للكاتب جيمس قرين أن الصين قد تلعب أدواراً جديدة في المنطقة عبر قيامها بوساطة بين السودان وجنوب السودان لأنها في وضع يؤهلها لتسهيل المفاوضات في المنطقة. منذ إنشاء الدولة الجديدة في يوليو من العام الماضي سرت مخاوف عديدة وطرحت احتمالات مختلفة تدور في مجملها حول مستقبل دولة الجنوب على الرغم من إذعان الخرطوم لنتيجة الاستفتاء التي رجحت خيار الانفصال بأغلبية ساحقة، ومع غياب الاتفاقية التي تحكم توزيع النفط بين الدولتين تدهورت العلاقات بين دولتي الشمال والجنوب الأمر الذي أدى إلى انهيار المفاوضات بينهما في نوفمبر الماضي وبدت الصين كوسيط محتمل للحفاظ على سير المفاوضات وتدفق النفط، فعقب الانتقادات الحادة التي وجهها الغرب للصين بسبب عدم فاعليتها السياسية وغياب مشاركتها في أزمة دارفور فهل هنالك تغيير ملحوظ في سياسة الصين الخارجية في إفريقيا؟ وإلى أي مدى سيساعد وضع الصين في إحداث اختراق في عملية السلام الحالية؟. ويضيف ذات الكاتب أن الأوضاع ظلت متفجرة بين الشمال والجنوب على الرغم من الانفصال السلمي بينهما مع وجود العديد من القضايا الخلافية بين البلدين أبرزها قضيتي النفط والحدود، وبحسب الكاتب البريطاني جيمس قرين فإن الخلافات حول النفط واقتسام الموارد كانت هي الأبرز فالسودان ينتج (500) ألف برميل من النفط يومياً وتمتلك دولة الجنوب حوالي (75) % من هذا الاحتياطي النفطي بينما يملك الشمال البنية التحتية اللازمة لنقل البترول للأسواق العالمية فضلاً عن الموانئ. ويرى الكاتب أن كلا الدولتين تعتمدان على النفط بنسبة كبيرة فدولة الجنوب تعتمد عليه بنسبة (98) % ودولة الشمال تضاءل احتياطيها من العملات الأجنبية منذ الانفصال وقد تبنى كلا الجانبين مواقف متشددة خلال المفاوضات التي أجريت بوساطة الاتحاد الإفريقي. فالشمال طالب ب(36) دولاراً للبرميل الواحد وطالب ب(727) مليون دولار نظير نقل بترول الجنوب خلال الفترة التي تلت الانفصال بينما عرضت دولة الجنوب أقل من دولار لنقل البرميل من النفط، مضيفاً أنه في الثامن من نوفمبر الماضي أعلن رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت استبعاد شركة (سودابت) الشركة الوطنية للنفط بالشمال –– و قوبل ذلك بإعلان وقف تصدير النفط من جانب الخرطوم. ويرى خبراء اقتصاديون أن الصين تستطيع نزع فتيل الأزمة بين الطرفين بحكم أن الصين لديها مصالح مرتبطة بشكل كبير بين الشمال والجنوب فهي التي يصدر إليها نفط الجنوب عن طريق الشمال. كما أن لها اكتشافات في آبار جديدة في الشمال وبالتالي توقيف تصدير النفط ليس من مصلحتها، فالصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين هي أكبر شريك اقتصادي للسودان، إذ إنها تسيطر على قطاع النفط في السودان الذي ينتج 480 ألف برميل يومياً. ولكن ثمانين بالمئة من قطاع النفط ذهب لدولة جنوب السودان عقب انفصالها عن الشمال وبالتالي لديها القدرة على الضغط على حكومة الجنوب وحكومة الشمال للتوصل إلى منطقة وسط تجمع الاثنين حول فئة معينة يمكن أن تحقق نوعاً من الاستقرار، ومن ثم التوقيع على اتفاق بشأن النفط. تدخل التنين وبحسب محللين فإن ما يخلق أفضلية للوساطة الصينية هو تداخلها في ملف النفط للمصلحة المشتركة بينهم فهي تكمل اضلاع المثلث حيث تقوم بالتنقيب والتصفية والتصدير فهي أصلح وسيط لأن كل الأمر يتم تحت بصرها لذلك تدخلها مقبول من الطرفين فليس لها مصلحة في التوتر وأضاف أن دولة الجنوب لا تملك قرارها بل قرارها منطلق من جهات تريد زعزعة الاستقرار في الشمال ولكن الجنوب بعد الانفصال أصبح يعتمد على البترول بنسبة 100% فهو مصدر الاستقرار وعماد الميزانية. يرى الكاتب قرين أن الصين تدخلت في هذا المنعطف وأنها كانت مؤهلة لذلك فالشركة الصينية الوطنية للبترول (سي أن بي سي) تعتبر المستثمر الأكبر بقطاع النفط بالسودان فهي تساهم بنسبة (40) % من شركة (قريتر نايل) للبترول، مضيفاً أن الصين تمكنت منذ دخولها السودان في منتصف تسعينات القرن المنصرم أن تطور البنية التحتية للنفط وأيضاً ساهمت في تمويل مشاريع التنمية بالمنطقة لاسيما تشييد سد مروي، وفضلاً عن دعم الصين المستمر للخرطوم فإن دولة الجنوب الوليدة اعترفت مؤخراً بضرورة الاستثمارات الصينية في دولة هي في أمس الحاجة لتطوير بنيتها التحتية، لافتاً إلى أن الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم أشار مؤخراً لدور الصين في الصراعات السابقة وقال "إن لها تاريخ مضطرب" ولكنه استدرك وقال "ولكننا لن نظل رهيني عداءات الماضي" ووعد بترتيب الأشياء بشكل أفضل، مشيراً إلى أن الصين بدأت تتدخل في ظل هذه الظروف وأوفدت مبعوثها للشؤون الإفريقية ليو جين للمنطقة الذي نجح في كسر الجمود نتيجة الإشارات التحذيرية التي جاءت في خطابه "إن التداعيات ستكون خطيرة للغاية بالنسبة لجميع المعنيين في حال لم يتم الوصول لحل". ويرى الكاتب أن تدخل الصين كان بهدف حماية استثماراتها واسعة النطاق التي تراكمت منذ أن تخلت الشركات الغربية عن السودان في منتصف التسعينات وعلى الرغم من عدم رغبة الشركة الصينية في مواصلة عملياتها في دارفور لاسيما عقب اتهام الصين بتقديم الأسلحة للقوات المسلحة والانتقادات الحادة التي وجهتها الدول الغربية للصين في ذلك الوقت ولكن الصين تواجه حالياً موقفاً محرجاً حيث سلط الإعلام الغربي الضوء على مشاركتها في حل الأزمات السودانية وتناول الكثير من الكتاب موقف الصين بسخرية ومضى بعضهم إلى أكثر من ذلك حيث حملها البعض مسؤولية منع الأطراف من الرجوع لمربع الحرب مرة أخرى بعد أن ساعدت في تطويل أمد أزمة دارفور في السابق وكذلك وجهت لها مزيد من الانتقادات بسبب نهجها في علاقاتها الخارجية وتركيزها على استثماراتها والجانب الاقتصادي دون سواه، وتساءل الكاتب إلى أي مدى سيسهم ذلك في تغيير سياسة الصين. سياسة ناجحة وقال الكاتب إن الرئيس البشير تباهى مؤخراً بنجاح التجربة السودانية في التعامل مع الصين دون شروط أو ضغوط سياسية وشجع الدول الأخرى للنظر نحو الصين، مضيفاً أنه على الرغم من عدم رغبة الصين في دعم التدخل العسكري أو فرض عقوبات بشأن دارفور لكنها ظلت تضغط باستمرار على حليفتها – في إشارة للخرطوم – للتوفيق بين أهدافها المختلفة، فالصين أيدت قرارات الأممالمتحدة بشأن بعثات حفظ السلام بدارفور وأرسلت مئات الجنود للمنطقة علاوة على ذلك لم تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع إحالة الوضع بدارفور لمحكمة الجنايات الدولية مما أدى لصدور مذكرة اتهام في حق الرئيس البشير، معتبراً أن دفعها الطرفين حالياً للعودة لطاولة المفاوضات يأتي ضمن هذا النهج، ويرى الكاتب أنه رغم التوقعات ببذل الصين كل ما في وسعها للتأثير على قرارات الطرفين بالشمال والجنوب فإن هنالك حدوداً لما يمكن للصين أن تحققه بشأن العلاقات المتوترة بين دولتي السودان. ويتوقع محللون أن يتم التوصل لاتفاق بواسطة الصين لأن للصين حصة من النفط تخرج من إفريقيا ويعتبر النفط السوداني أهم جزء في الحصة الإفريقية لأن النفط هو مصدر الطاقة الأساسي في الصين لذلك لا تستطيع التنازل عنه فاستهلاكها كبير فإذا خرج النفط المصدر من السودان سيسبب فجوة في القارة الصينية. لذلك ستعمل الصين على ضرورة تدفق النفط عبر الشمال عن طريق التوصل إلى وفاق بين الجانبين. ومن جانب آخر قال إن الصين تتميز في التعامل عن الولاياتالمتحدة فهي لا تتدخل في شؤون الدول التي تستورد منها البترول، فقط تتعامل على أساس المصلحة الذاتية. وعن عدم تدخل الصين منذ بداية لحسم النزاع قال إن الصين كانت ترى أن ملف النفط سيحسم ضمن القضايا العالقة كأبيي والحدود وغيرها من القضايا الشائكة وعندما شعرت بالخطر الذي قد يؤدي لتعطيل تصدير النفط تحركت دبلوماسياً لاحتواء الأزمة فالصين قادرة على التوصل إلى حل كوسيط محايد.