توقفت أكثر من مرة عند ذلك الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء والصحف المصرية والذي كشف عن اتصال هاتفي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي وذلك للاطمئنان على صحته بعد الوعكة التي ألمت به مؤخراً، وتوقفت أكثر عند تلك النقطة من الخبر والتي تقول إن السيسي قال للأبنودي خلال الاتصال و(بحزم): (سنعالجك بالقوة، لأن صحتك مهمة لنا وغالية علينا وعلى كل المصريين فأنت ثروة قومية)، وذلك بعد أن علم السيسي أن الأبنودي يرفض العلاج في المستشفى ويفضل البقاء في المنزل. واهتمام مصر بمبدعيها في كافة الجوانب ليس أمراً غريباً، فهو منهج قديم، يقوم على رعاية الفنون والآداب بشكل شامل، وتحت مظلة كبيرة للدولة، وذلك إيماناً منها بالدور الذي تلعبه الفنون بمختلف أنماطها في إحداث الفرق ومنح نقاط العبور اللازمة في أيٍّ من المطبات الدبلوماسية. في السودان الأمر يختلف، وتحديداً في الاهتمام بالمبدعين، وظللنا منذ أن عرفنا للصحافة قلماً، نطالب الجهات المسؤولة عن المبدعين في هذه البلاد بالمبادرة بأي مشروع أو تقديم اي مبادرة تسهم بشكل أو بآخر في رعاية أولئك المبدعين، والذين فقد الكثير منهم الأمل في أن تقف تلك الجهات إلى جانبهم في أوقات الحاجة، ودونكم الكثير من نماذج المبدعين الذين رحلوا عن هذه البلاد دون أن يجدوا التقييم المناسب، وكل ذلك بسبب العشوائية والتخبط وعدم وجود هيكلة واضحة لعمل تلك الجهات المسؤولة عن الفنون والمبدعين. نعم..لن ننكر أن هنالك زيارات تتم للمبدعين في أوقات متفرقة من قيادات الدولة العليا، تلك الزيارات التي تتفقد المبدعين في منازلهم وتقف على احتياجاتهم، ولكننا خلال هذه المساحة نطالب بخطة متكاملة وشاملة و(تحديداً) لتلك الجهات المناط بها ترقية الفنون والثقافة في البلاد لدعم المبدعين، ولا أظن أن هذا المطلب صعب أو مستحيل. مثلاً، اتحاد الشعراء السودانيين كأنموذج، ظل لسنوات طويلة مجرد كيان (وهمي) لا (دور) له ولا (دار) كذلك، بينما تبعثر الشعراء في أماكن مختلفة، دون أن يجدوا وسيلة تجمعهم مع بعضهم البعض، وتضمن لهم على الأقل عنصر (الحميمية) ما بينهم، وبذلك صار كل منهم يعاني لوحده، دون أن يجد من يقف معه على الأقل من (أبناء قريحته)، أما الطامة والمصيبة الكبرى فتتمثل في العشوائية التي تحيط بذلك الاتحاد وفي تعامل الجهات المسؤولة عنه مع قضيته. بعض الشعراء قالوا في أكثر من مناسبة بأنهم يمتلكون قطعة أرض يساوي ثمنها الآن مليارات الجنيهات، إذا لماذا لا يتم الاستثمار في تلك الأرض وبيعها وشراء دار متكامل للشعراء بجزء من تلك الأموال مع الإبقاء على ما تبقى من مال في صندوق خيري لدعم العاجزين والمرضى منهم..؟ جدعة: على الدولة ممثلة في جهاتها التي أوكلت إليها مهمة رعاية الفنون والمبدعين في السودان أن تعلم أن هؤلاء المبدعين يعانون وبشدة في كل شيء، وأدعوهم من هنا وتحديداً في هذه الأيام لزيارة بعضهم بطريقة عشوائية سواء أكانوا شعراء أم ملحنين أم حتى مطربين كبار أم تشكيليين أم غيرهم، عندها فقط سيبدأ سريان الإحساس الحقيقي بالمشكلة من كافة جوانبها، وعندها فقط سيعود للمبدعين الكثير من الأمل الذي فقدوه في ظروف (ليست غامضة). شربكة أخيرة: افعل الشيء الصحيح، فإن ذلك سوف يجعل البعض ممتنًا في حين يُدهش الباقون. (مارك توين)