هاجر سليمان السلطة القضائية عندما تلقيت دعوة للمشاركة في المؤتمر السادس للسلطة القضائية الذي انعقد لمدة يومين ببورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر؛ توجست في بادئ الأمر وترددت كثيرا ربما لعلاقتي الوطيدة بالمحاكم وكيف تبدو ملامح قضاتها في جديتهم وصرامتهم. ولكنني قررت المشاركة في جلسات المؤتمر، فكان هنالك لقاء جامع للإعلاميين المسافرين في صبيحة يوم السفر بمبنى رئاسة السلطة القضائية حيث قابلنا أهل القضاء بالبشر واحتفوا بنا حفاوة بعثت بالطمأنينة في أنفسنا وبعدها توجهنا إلى المطار برفقة جموع غفيرة من القضاة ورؤساء الأجهزة القضائية والسادة مديري الإدارات المختلفة. وداخل المطار كان كل شيء مرتباً له وسلكت السيارات التي تقدمها موتر التشريفة طريقها إلى صالة كبار الزوار. وبعد برهة من الزمن وكرم الضيافة، انتقلنا إلى الطائرة التي أقلعت محلقة فوق الأجواء إلى أن وصلت سماء بورتسودان، وحطت الطائرة بالمطار. وكانت هنالك حشود من المستقبلين يتقدمها والي الولاية محمد طاهر إيلا في استقبال السيد رئيس القضاء بروفيسور حيدر أحمد دفع الله والوفد المرافق له، فكانت فرقة الفنون الشعبية ترسل أنغامها في كل أركان المطار. وبعد حفاوة الاستقبال امتطينا بصات تم تجهيزها لتتحرك الوفود متجهة إلى داخل المدينة حتى وصلنا إلى فندق كورال بورتسودان، والذي كان يعج هو الآخر بالمستقبلين على أنغام الفنان سيدي دوشكا لتزداد النفوس أريحية، ودلفنا إلى الفندق وتناولنا الوجبة وبعدها تبدأ الأحاديث الجانبية التي أفصحت عن الوجه الآخر للقضاة. الوجه الآخر لهم يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القاضي شخصية اجتماعية بسيطة وكل هالات الغموض والصرامة التي تكتنفها في ساحات المحاكم إنما هي مطلوبة لتحقيق العدالة وحفاظا على مساحات الاحترام والاستقامة التي يجب أن تكون بين القاضي والمتظلمين لديه أو أصحاب الحاجة. البرامج الترفيهية التي تخللت جلسات المؤتمر والمتمثلة في عشاء مايوركا وغداء السقالة والرحلة البحرية زادت المؤتمر روعة ولطفت الأجواء وهي حتما ستكون إضافة حقيقية للقضاة، خاصة أن مداولات المؤتمر لم تخلُ من حلقات تدريببة ونقاشات مثمرة واستماع لتقارير الأداء المالي والإداري والعدلي في كل ولايات السودان، مما يعطى فرصة طيبة للقضاة لتبادل الخبرات واستفادة رؤساء الأجهزة القضائية الجدد من الخبرات التراكمية للقضاة السابقين وتجويد الأداء. ما لمسناه من خلال المؤتمر هو جدية بروفيسور حيدر رئيس القضاء وحرصه وهمه الدائم لتطوير العمل القضائي من خلال تقصير الظل الإداري وتبسيط الإجراءات ومساعدة المواطن في إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة وسط المجتمع باعتبار أن العدل أساس الحكم، وما يصبو إليه رئيس القضاء هو إرساء شعار (نحو قضاء راسخ وعدل ناجز) مما يؤكد قطعا أن تلك الخطوة تأتي في إطار سياسات الإصلاح القضائي التي شرعت السلطة القضائية في انتهاجها، والتي أبرزها إدخال نظام الحوسبة القضائية وتوجيه القضاة بسرعة الفصل في القضايا دون تسرع، وتحسين أوضاع القضاة. وهذا الأخير من أوجب واجبات الدولة إن أرادت تحقيق العدالة حيث لا تتأتى العدالة إلا إذا كانت البيئة مناسبة للقاضي، البيئة بأشكالها المختلفة، بحيث تتحقق للقضاة كافة مطالبهم. إن صلح القضاء صلحت الدولة وإلا ففساد القضاء سيقود إلى هلاك الحكومات ويعجل بفنائها. ورغم شح الإمكانيات في السودان، إلا أن القضاء السودان لا زال يتمتع بالعدالة والإنصاف، ويتميز دون نظرائه من الأجهزة القضائية بالدول الأخرى بالمساواة أمامه وسيادة حكم القانون. كسرة السلطة القضائية بتسميتها القاضي حافظ الطيب مسؤولاً عن إدارة الإعلام والعلاقات العامة، تكون بذلك قد أسست لقاعدة عريضة من التعاون وتبادل المعلومات بين الجهات الإعلامية وسانحة جيدة للت