ربما لاحظ المراقبون تردد الجامعة العربية في اتخاذ موقف محدد لما حدث ويحدث حالياً في بعض الدول العربية من ثورات وتظاهرات، وتباينت مواقف الجامعة إذ تشددت مع بعض الدول وتعاطفت مع أخرى. بدأت الثورات الشعبية في تونس ثم تلتها مصر ويبدو أن الجامعة لم تأخذ هذه الثورات في هاتين الدولتين مأخذ الجد وعاملتها كأنه شأن داخلي عارض سوف ينتهي ويزول عاجلاً، ولكن بعد هروب الرئيس التونسي إلى السعودية وانتقال مسرح الثورة والمظاهرات إلى مصر سكتت الجامعة أيضاً عن ما يدور داخل مصر ولم يفتح الله عليها ببيان يدين قتل المواطنين بواسطة الأمن وشرطة النظام المصري وهذا ما جعلنا نحس بأن الجامعة العربية كانت متعاطفة مع نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي. ولكن عندما هب الشعب الليبي ضد حكومته كان للجامعة العربية وجهاً آخر وموقفا جديدا ضد النظام الليبي ولم تبد أي نوع من المرونة أو التعاطف مع نظام القذافي ولم تسع لمعرفة الحقائق ومن أول اجتماع لها على مستوى الوزراء طالبت مجلس الأمن بفرض العقوبات على ليبيا وناشدته بالتدخل العسكري لإسقاط نظام القذافي وهذا ما حدث إذ توالت الغارات الجوية الأمريكية والأوربية وبمشاركة الطائرات الحربية العربية (قطر والإمارات) على كتائب القذافي ومنشأته العسكرية الأخرى حتى سقوط نظام حكم القذافي وقتله. أما دولة اليمن وما يجري فيها من أحداث وقتل المتظاهرين فقد تركت الجامعة العربية الأمر كله لمجلس التعاون الخليجي وأصبحت تتفرج على ما يحدث في اليمن. أما قرارات الجامعة العربية بالنسبة لأحداث سوريا متذبذبة وغير ثابتة تارة تدين نظام بشار الأسد وتارة أخرى تكون مترددة أو متعاطفة معه. بتاريخ 12/11/2011م اتخذ المجلس الوزاري للجامعة قرارات متشددة ضد النظام السوري منها تعليق عضوية سوريا في الجامعة ودعوة الدول العربية طرد سفراء سوريا من دولهم وفرض حصار اقتصادي على سوريا ومناشدة الجيش السوري لعدم التعرض للمواطنين ولكن يبدو أن معارضة روسيا والصين لهذه القرارات والتهديد الروسي باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لإسقاط أي قرارات ضد سوريا جعل الجامعة العربية تتراجع عن هذا الموقف المتشدد ووقعت مع النظام السوري على برتكول تراقب تنفيذ بنوده بواسطة تيم مراقبين أوكلت رئاسته إلى السودان الذي قبل المهمة وأسندت الحكومة السودانية رئاسة هذا التيم للفريق محمد مصطفى الدابي وهكذا أدخل السودان نفسه في موقف صعب تحاشته ورفضته جميع الدول العربية لأن السودان من خلال تصريحات مسئوليه يعتبر متعاطفاً مع نظام بشار الأسد وكان الرئيس البشير في بداية هذه الأزمة اتصل هاتفياً مع بشار الأسد مستفسراً عن الأوضاع داخل سوريا وعند عودته من زيارته الأخيرة إلى ليبيا في بداية هذا الشهر قال البشير إن علاقات حميمة تربط السودان مع النظام السوري الذي نعتبره مسانداً للسودان ورغم ذلك نرى ضرورة عمل إصلاح في سوريا وقال إن السودان بعث بجملة إصلاحات للنظام في سوريا متضمنة الدستور وقانون الأحزاب. ومن جانبنا كنا نرى أن لا يقبل السودان تكليفه برئاسة تيم المراقبين لأن الذين كلفوه هم أنفسهم الذين سعوا لفشل المهمة وحكموا على فشلها قبل انتهائها. وقال الشيخ حمد بن جاسم رئيس اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالملف السوري قال إن بعثة المراقبين لم تحقق أهدافها وإن البعثة انحرفت عما يجب أن تكون عليه، وقال إن البعثة تنقصها الخبرة وإن وفد المراقبين انشغل بأمور ثانوية مثل توصيل الطعام والبحث عن المفقودين. كما أن رئيس دولة قطر الشيخ حمد استبق الأحداث ونادى بإرسال جيوش عربية إلى سوريا لفض النزاع وحفظ الأمن وقال وزير خارجية السعودية: لا جدوى ولا فائدة من تيم المراقبين، ثم توالت ردود الأفعال الأخرى وقالت الإدارة الأمريكية: إن بعثة المراقبين غير فعالة كما انتقدت هذه البعثة دولا ومنظمات حقوقية أخرى. أما المعارضة السورية والمحتجين من الشعب السوري فاعتبروا أن البعثة منحازة لنظام بشار الأسد، وقالوا إن النظام السوري قبل بعثة المراقبين لأن رئيسها الفريق الدابي لن يخالف توجيهات حكومته المتعاطفة مع بشار الأسد، وقالت المعارضة: إن النظام هو الذي يحدد خط سير تيم المراقبين ويحرسه. وتزامن حديث المعارضة السورية مع انشقاق أحد أفراد تيم المراقبة (أنور مالك) وهو من الجزائر استقال وذهب إلى قطر وقال لقناة الجزيرة: (انسحبت من تيم المراقبين؛ لأن التيم يعمل لصالح النظام السوري، وقال: إن تلفوناتهم مراقبة وتوجد أجهزة تنصت عليهم)، ثم استقال عشرون مراقباً آخرين. ويلاحظ أن معنويات الرئيس السوري ارتفعت بعد وصول تيم المراقبين لسوريا وظهر بعد غيبة طويلة في شوارع العاصمة دمشق يتحدث مع المواطنين، ثم ظهر في لقاء جماهيري حاشد انتقد فيه الجامعة العربية وانتقد بعض الرؤساء العرب وقال إنهم لم يقفوا مع سوريا يوماً مستشهداً باغتيال الحريري وحرب لبنان وغزو العراق. وهكذا نقول إن قبول السودان رئاسة بعثة المراقبين لم يكن صائباً وكان بمثابة الفخ. وقد تمحو صورة رئاسة تيم المراقبين صورة السودان العسكرية الإيجابية السابقة في دول ومواقع أخرى ونال بموجبها الشكر والتقدير لحياده وأمانته في أداء مهامه عندما شاركت وحدات من الجيش قوات حفظ سلام في لبنان والكويت والكونغو وجزر القمر والعراق بتكليف من الجامعة العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي إضافة إلى المشاركة الواسعة الفعالة المتتالية إلى جانب مصر في حربها ضد إسرائيل منذ حرب الاستنزاف (67/1969) إلى فترة اللا حرب واللا سلم (70/1972) ثم الفترة التي تلت حرب أكتوبر مباشرة لتأمين الخطوط الخلفية وسد الثغرات حتى لا تتكرر ثغرة الدفرسوار واستمرت مشاركة الجيش السوداني في الجبهة المصرية حتى عام 1976. كما سبق أن نال السودان موقعاً ممتازاً في اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية في أواخر سبعينات القرن الماضي وكان اللواء عبد الماجد حامد خليل هو مندوب السودان في تلك اللجنة. ونعتقد أن المشاركة الوحيدة غير الموفقة كانت إرسال قوات سودانية إلى العراق للوقوف معه أثناء حربه ضد إيران خلال حكم الرئيس نميري بالرغم من أنها كانت تنفيذاً لقرارات الجامعة العربية التي تحاشتها بقية الدول العربية تماماً مثل ما حدث حالياً في موضوع رئاسة تيم المراقبين في سوريا الذي قبلته الحكومة السودانية ونفذته ولم تكسب من ورائه غير الانتقادات من نفس الدول العربية التي رشحت السودان لهذا الموقع. وهكذا يستمر فخ الجامعة العربية المنصوب دائماً للسودان لإحراجه، وأخيراً لم تخرج الجامعة العربية من جلباب مجلس التعاون الخليجي وجاءت قراراتها الأخيرة في الشأن السوري مطابقةً لقرارات مجلس التعاون الخليجي بخصوص اليمن ودعت الجامعة الأسد للتنحي لنائبه وسريان فترة انتقالية مدتها شهران. وقد رفض النظام السوري هذه القرارات واستهزأ بها. الملحق العسكري الأسبق في إثيوبيا