:: المرافعة غير الذكية لا تفسد القضايا والأزمات فحسب، بل قد تطورها بحيث تكون (كوارث).. ومن الطرائف الرائجة، خطيب المسجد، في الجمعة بعد رمضان، انتقد الكبائر التي يعود إليها البعض بعد شهر رمضان المعظم، ومنها أم الكبائر، ثم ضرب للمصلين مثلاً ببائعة الخمر التي تسكن في ناصية السوق الكبير في البناية التي تحت التشييد والتي كانت قد بدأت التصنيع والتوزيع منذ أول أيام عيد الفطر.. وبعد المغرب مباشرة، قصد أحدهم المكان بخارطة الخطبة الدقيقة، وهناك عاتب البائعة: (بالغتي معانا يا خالة، شغالة ليك خمسة أيام وما نسمع بيك إلا الليلة من إمام جامعنا؟).. فالقضية عادلة، ولكن مرافعة الخطيب لم تكن ذكية. :: وهكذا تقريباً تناولنا الصحفي لبعض قضايا الحوداث والجرائم، وفلتكن قضية فتاة عطبرة المؤلمة نموذجاً.. لها الرحمة والمغفرة ولأهلها الصبر وأجر الاحتساب، اغتالها الجاني في مكان عملها وهرب، ثم تمكنت الشرطة من القبض على المتهم الذي سجل اعترافاً قضائياً بارتكابه الجريمة، وبعد تمثيل الجريمة كشف أن السرقة قادته إلى قتل الفتاة التي قاومت.. وإلى هنا ليس في السرد ما يُثير العجب و(الإزعاج).. ولكن المُزعج في التناول الإعلامي لهذه القضية، لم تكتف الصحف والشرطة بالجريمة ومتهمها ودوافعها، بل أسهبت في السرد لحد كشف الثغور التي قادت إلى كشف الجريمة والقبض على المتهم. :: (وكانت الشرطة قد وضعت الجهاز تحت المراقبة، وأن المتهم تخلص من الشريحة الخاصة بالقتيلة وأدخل شريحته مما أدى بالشرطة لمعرفة المنطقة التي يوجد بها وتم اعتقاله)، هكذا نص الوصف بكل الصحف نقلاً عن شرطة نهر النيل.. ولو لم يُنشر بكل الصحف لما نشرته.. وليس لهذا الوصف جدوى، بل كشف ثغرة الرصد بالهاتف والشرائح -وقد غفل عن سدها المتهم- قد يسبب المتاعب للشرطة في جرائم أخرى لا قدر الله.. وهذا ما يمكن وصفه بالتناول الإعلامي الضار لقضايا الحوادث والجرائم، وما هذا إلا نموذج وما أكثر النماذج. وهناك تناول إعلامي آخر -وهو أشدُّ ضرراً- يشرح للغافل الأساليب والطرق التي يتبعها المجرم في ارتكاب الجريمة. :: على كل حال، قضايا الحوادث والجرائم بحاجة إلى (زملاء مختصين). نقل الجرائم (كما هي)، أي بكل تفاصيلها وخيوطها وخطط أطرافها، يُضرُّ بالمجتمع ولا ينفع القارئ ولا يخدم السلطات الشرطية والعدلية.. فالموضوعية دائماً هي مدخل الحلول والمعالجات، بيد أن الإثارة هي الشرارة التي تتحول إلى حرائق.. فالإلمام ببعض الجوانب القانونية يجب أن يتوفر في الزميل المختص بأخبار الحوادث والجرائم.. وكذلك التنسيق مع الأجهزة الشرطية والعدلية حول (ما يصلح نشره، وما يضر نشره)، وليست من الحكمة نشر يومية التحري (كما هي)، وهذا ما يحدث حالياً.. نعم، فالسواد الأعظم من صفحات الحوادث والقضايا لا تجد فيها من الجهد حتى (إعادة الصياغة)، بل هي مجرد نقل -بالكربون- من يوميات التحري، ولذلك تجد أخبارها تنضح -من الكلمات والأوصاف- بما يخدش (الحياء العام).. ليت مجلس الصحافة -بالتعاون مع وزارتي العدل والداخلية- أتاح فرص التدريب والتأهيل للزملاء بأقسام (الحوادث والجرائم).. أو هكذا ترتقي الصحافة والمجتمع!