تقرير: أحمد دقش هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته (إما إننا نشهد نهاية الحرب أو أن تشهد الحرب نهايتنا)، هذه أكثر العبارات ملائمة كمدخل لمآلات الحرب التي بدت تلوح في الأفق بين الخرطوموجوبا، وربما هي حرب من نوع آخر أكثر تطوراً وأقوى مردوداً، وهي حرب الاقتصاد، التي تدور بين السودان وجنوب السودان والتي يدخل فيها الكثير من اللاعبين المحترفين إقليمياً ودولياً. قد لا يختلف اثنان في أن السودان الشمالي مواجه برياح عاتيات من التحديات الناتجة عن انفصال الجنوب، والتي خلفها فقدان كميات مقدرة من النفط جنوباً وتفاقم أزمة القضايا العالقة وضعف الترتيبات السياسية لتجاوزها، مما دفع بالسودان للبحث عن خيارات أخرى من خلال الأصدقاء والحلفاء للمساعدة في دعم الاقتصاد الوطني. وربما يأتي في هذا السياق المؤتمر المقرر الذي ستستضيفه استانبول التركية والمخصص لدعم الاقتصاد السوداني وقضايا التنمية، والذي وافقت الحكومة على المشاركة فيه من خلال توقيع وزيرة التعاون الدولي إشراقة سيد محمود في الثاني والعشرين من فبراير الماضي على قبول الدعوة التي قدمتها تركيا للحكومة، بينما وقع عن حكومة النرويج وزير البيئة والتعاون الدولي لاراك سول، بحضور سفير تركيا بالسودان وممثل برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. استدعاء (هانكنسن).. أكثر من معنى ومن الواضح أن مساندة النرويج والولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا للمؤتمر تمثل دلالات ومعانٍ أخرى، ولكن عقب الفراغ من إعداد الأوراق المتعلقة بوضع السياسات الكلية للاقتصاد وأهداف الألفية التنموية، ومكافحة الفقر وفرص وتحديات الاستثمار في السودان، برزت إلى السطح أصوات تضع اشتراطات أمام مشاركة دولها في مؤتمر استانبول، ومن بين تلك الأصوات ما صرحت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بشأن اتهاماتها الحكومة السودانية بالسعي لتقويض دولة جنوب السودان، وحديثها عن سعي بلادها للضغط على الحكومة، وقطعت بضرورة أن ينجز اتفاق السلام وتنهى الخلافات الحدودية والخلافات على النفط، إلا أنها عادت وقالت إن ذلك سيكون بالغ الصعوبة، ورغم أن الحكومة ردت على تلك التصريحات باستدعاء القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم دينيس هانكنسن، ومطالبته على لسان وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان بتحديد موقف بلاده بشكل قاطع من مؤتمر استنابول، إلا أن القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم قال إن الوضع الإنساني فى ولاية جنوب كردفان يمثل عائقا أمام مشاركتهم في المؤتمر بالمستوى المطلوب، مضيفا أن واشنطن ما زالت تدرس الأمر ولم تحدد موقفها بعد بشكل نهائي، تلك العبارات ربما تشكل دلالات تحمل أكثر من معنى. رسائل بالبريد السريع! في اتجاه آخر نجد أن تصريحات كلنتون تزامنت مع مباحثات أجرتها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في جمهورية جنوب السودان هيلدا جونسون مع رئيس الجمهورية عمر البشير بالخرطوم حول نزع فتيل التوتر بين دولتي السودان وجنوب السودان، تلك الخطوة عن ربطها بتصريحات كلينتون ربما يتضح من خلالها أن المجتمع الدولي يتجه للتدخل في القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان والضغط على الحكومة من خلال ورقة الأوضاع الإنسانية في ولاية جنوب كردفان، ورغم أن جونسون قالت إن زيارتها للسودان تمت في إطار بناء علاقة حسن جوار بين الخرطوموجوبا وجيرانهما، إلا أنها بدت مدركة أن لِلعبة البوكر بينهما أوراق أخرى لا تتوفر في الخرطوم ولا جوبا مما دفعها للذهاب إلى زيارة نيروبي وكمبالا للالتقاء برؤساء تلك الدول، في إطار إحلال السلام وتجاوز القضايا العالقة بين دولتي السودان. مؤتمر استانبول.. خارطة طريق وزير التعاون الدولي إشراقة سيد محمود قالت في حديثها ل(السوداني) إن مؤتمر استانبول يعني الكثير بالنسبة للسودان في الوقت الحالي، وأوضحت أنه جاء نتيجة لتعهد والتزام دول الترويكا (أمريكا – بريطانيا – النرويج) بإقامة مؤتمر للتنمية الاقتصادية لدولتي السودان وجنوب السودان عقب الانفصال، وبدت الوزيرة أكثر صراحة حينما قالت: الغرض منه مواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن انفصال الجنوب، وأضافت: "نسعى بصورة خاصة لتجاوز ما يتعلق بفقدان عائدات النفط"، وزادت بالقول: "السودان يسعى من خلال المؤتمر للوصول إلى زيادة المنتجات الزراعية وتنفيذ عدد من السياسات الأخرى"، بجانب السعي لإعفاء الديون الخارجية ورفع العقوبات عن السودان (رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب) لتأثيرها السالب على الإنتاج والتصدير ومساهمتها في نقص عائدات التنمية بشكل عام، وقالت إن السودان يسعى من خلال المؤتمر للبحث عن سند من المجتمع الدولي، وأوضحت أن مؤتمر الجنوب عقد في الولاياتالمتحدةالأمريكية بنيويورك في ديسمبر الماضي، وقالت إن المؤتمر الخاص بالسودان كان يفترض أن يعقد في سبتمبر من العام الماضي، وأضافت: "لكن أجل إلى مارس الجاري"، وقالت إن المؤتمر تعد له من الجانب السوداني لجان وزارية فنية وسياسية تضم بجانب وزارتها عددا من الجهات الأخرى من بينها وزارة المالية، وقطعت بإكمال كافة الأوراق المتعلقة بالجانب السوداني، وقالت إشراقة إن كافة الأطراف وقعت على الدعوة عدا الولاياتالمتحدةالامريكية التي وعدت بتحديد موقفها القاطع خلال أيام، - بحسب إشراقة - التي قالت إن مشاركة أمريكا لن تكون مؤثرة بشكل كبير في المؤتمر نظراً لكون السودان يمتلك العديد من الأصدقاء، ربما تكون إشارات إشراقة سليمة حال لم تشارك أمريكا بنفسها ولم تمارس ضغوطاً على الآخرين بعدم المشاركة أو تقديم الدعم السخي من خلال مشاركتهم. السودان وأمريكا سياسة اللعب الضاغط الحكومة ممثلة في وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان، استخدمت كافة فنون المرافعة التي يجنح إليها أهل القانون، حيث أكد رحمة الله للقائم بالأعمال الأمريكي أن السودان ليس طرفاً في الدعوة والترتيبات لمؤتمر اسطنبول التي تقوم بها النرويج وتركيا والاتحاد الأوربي بصفتها الدول المبادرة لقيام المؤتمر، وأن السودان معني بما يخرج به المؤتمر فقط، وذهب رحمة الله إلى أبعد من ذلك من خلال الطرق على بوابة التاريخ بدعوته للقائم بالأعمال للتذكر أن أمريكا عندما التزمت بدعم السودان عقب الانفصال لم يكن هنالك تمرد بجنوب كردفان، مما يعني ضمنياً دعوة الحكومة السودانية للولايات المتحدةالأمريكية للبحث عن حجج أخرى خلافاً للأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان، التي اتجهت وزارة الخارجية إلى تحميل مسئوليتها إلى لتمرد، بل مطالبته المجتمع الدولي بالضغط على التمرد، وقال إن السودان قام بمجهودات كبيرة لتجاوز تلك القضايا من بينها الإعلان عن وقف إطلاق النار، وربما يعلم في اللغة الدبلوماسية أن الاستدعاء في حد ذاته يمثل رسالة، ويبدو أن الخرطوم تتجه لممارسة ضغط على الحكومة الأمريكية من خلال مطالبة وزارة الخارجية للقائم بالأعمال الأمريكي بتحديد موقف بلاده بشكل واضح حتى يتم التعامل معها على ضوئه، ومن الواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتمادى في سياساتها التي تضع فيها نفسها حليفا لجوبا، في ذات الوقت الذي تناصب فيه الخرطوم الخصومة، رغم أن البلدين كانا دولة واحدة، وأن الوعود والحوافز لهما خرجت من لسان واحد، إلا أن الواقع يشير إلى أن واشنطون قد رفعت عن الجنوب العقوبات وسمحت له بالتعامل في مبيعاتها مما يعني السماح بتصدير السلاح للجنوب وتدريب قواته العسكرية، بجانب الدعم السياسي المتمثل في رعاية المؤتمر الخاص بالجنوب في واشنطون الذي حضره الرئيس اوباما شخصياً، بينما ظل السودان ضمن الدول المفروض عليها عقوبات واستمرار وضعها في قائمة الدول الراعية للإرهاب. الاقتصاد .. جسور إصلاح ما أفسده الدهر! مخاوف عديدة من تجدد الحرب بين السودان وجنوب السودان رغم المصالح الاقتصادية التي تربط البلدين وحاجة كل طرف للآخر، تلك المخاوف عبر عنها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير خلال حوار أجراه معه الأستاذ الطاهر حسن التوم بقناة النيل الأزرق بقوله إن الحرب خيار وارد، مما يعني أن المخاوف الأخرى مشروعة، حيث أعربت المسؤولة الأمميةبجنوب السودان هيلدا جونسون عن خشيتها من أن يؤدي التوتر الحادث الآن في علاقات البلدين لجرهما إلى مواجهة مباشرة، وربما علمها بأن القضايا الاقتصادية التي تربط بين البلدين يمكن أن تساهم في إزالة العقبات التي تقف أمام العلاقة بينهما بما في ذلك تدخل العديد من اللاعبين من خلف الكواليس على المستوى الإقليمي والدولي، مما دفعها للمطالبة بإنعاش التجارة بين البلدين، بهدف بناء علاقة حسن جوار بين الدولتين، وربما يحتاج الطرفان إلى إيقاف العدائيات وإعادة بناء الثقة التي ظلت مفقودة بينهما حتى قبل انفصال الجنوب، وربما تحتاج تلك العملية إلى خطوات أهمها الوقف الفوري للعدائيات، وإزالة الاتهمامات المتبادلة بدعم وإيواء التمرد المناهض للطرف الآخر، وربما تأتي خطوة ترسيم الحدود بشكل حاسم في المرحلة الثانية لتليها قضية أبيي واحدة من المسامير التي ربما يصعب على النجار خلعها دون الإضرار بالجدار الرفيع المنسوج بين الطرفين من الورق بدلاً عن الخشب، لتأتي قضية التبادل التجاري في نهاية تلك القضايا.