محمد الأسباط هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته مع بزوغ فجر ثورات الربيع العربي، أو قبله بقليل، دخل الميدان الإعلامي الناطق باللغة العربية المزدحم بعناصر السرعة والملاحقة والتنافس الشرس، عنصراً جديداً تمثل فيما أسماه المراقبون ب(الإعلام الجديد) أو (إعلام المواطن) الذي يتمثل في مقاطع الفيديو وال "اسكاي بي" التي يرفعها هواة أو ناشطون سياسيون على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت فور وقوع الأحداث، فتلتقطها القنوات التلفزيونية خصوصاً الإخبارية منها وتغزل عليها تقاريرها الإخبارية حتى غدت -مع مرور الوقت- المصدر الأول والأساسي والأهم لمعظم نشرات الأخبار. وعلى الرغم مما يطرحه هذا الوافد الجديد، على عالم الإعلام والسياسة والمجتمع على حد سواء، من تحديات، يبقى التحدي الأبرز في مواجهة الصحافة المكتوبة خصوصاً، لأنه يتطلب ترتيبات تبقي الصحافة المكتوبة قريبة من منافسة السرعة الفائقة والخدمة الطازجة التي يقدمها هذا الوافد الجديد. إلا أن (الإعلام الجديد)، كعنصر إعلامي يدخل كل بيت، ويحمل أخبار بعضها في غاية الخطورة، يطرح عدة أسئلة تتصل بقضايا المهنية ومعاييرها خصوصاً التحقق من مصداقية المقاطع، وزاويا الالتقاط، والأهداف السياسية والثقافية للصور، فضلاً عن البعد الأخلاقي خصوصاً بالنسبة للصور المرعبة أو المقززة وما إلى ذلك من مطلوبات الخدمة الإعلامية المهنية ذات الجودة والمصداقية. ومن هنا تستدعي مواجهة التحديات التي يطرحها الإعلام الجديد على الصحافة المكتوبة ضرورة التقاط زمام المبادرة في تقديم خدمة صحفية تنهض على الغوص عميقاً في ثنايا الأحداث وإبراز الجوانب ذات الأهمية الخبرية والجدة والمصداقية والحيادية، وحتى الطرافة، مع إعطاء البعد الاستقصائي في الخدمة الصحفية أولوية وأهمية أكثر، والتركيز على القضايا والموضوعات التي تعني الناس وحياتهم ومعاشهم اليومي بشكل أساسي. وقد بدا واضحاً أن (الإعلام الجديد) واستخدامه في نقل الحقيقة سلاح خطير بيد القوى الجديدة في المجتمع، وهو أيضاً يعتبر لجوءاً خلاقاً لمعطيات الخيال في استخدام المتاح لنشر الأخبار ونقل الأحداث، ذلك لأن من لجأ إليه، في بادئ الأمر، نظر ملياً في أهميته وخطورته وسرعته وقدرته على تغيير الرأي العام ووجهات النظر، فلجأ إليه كأحد أمضى أسلحة ثورة الاتصالات المعاصرة. وفيما يتصل بالقيمة المضافة للقصة الصحفية نقل عن الروائي الكولمبي غابريل غارسيا ماركيز أنه عندما كان يخضع مجموعة من الصحافيين لدورة تدريبية في الخبر والتقرير الخبري طلب منهم إعمال الخيال في التقصي وإعداد القصة قبل النشر، فسأله أحد الصحافيين عن قيمة الخيال في الخبر الذي يعتبر خدمة "عارية" تستهدف نقل ما حدث كما هو وبشكل مباشر، فرد عليه ماركيز بالقول: "الخيال ليس في كتابة الخبر أو التقرير فقط ولكن حتى في إعداده من خلال زاوية النظر إلى الحدث واستخلاص الجديد والطريف والمغاير والمختلف وأهم من كل ذلك ما يهم الناس في هذه القصة الخبرية أو تلك"، وأردف: "الخيال زاد الباحثين عن علاقة ذات قيمة مع الناس في كل مجال، ولأنك إذا نقلت الخبر كما هو فإنك لن تتميز عن غيرك ممن ينقلون ذات الخبر لأنك ستكون نسخة من مجموعة نسخ". ربما نسي ذلك الصحافي الشاب أن ماركيز هو صحافي في الأساس وأن بعض أفضل رواياته كانت تحقيقات صحفية مثل "سرد أحداث موت معلن" و"قصة أجمل رجل غريق في العالم"، وعندما رفض نشرها أعاد كتابتها كروايات فأضحت علامات في حقل الكتابة السردية.