قامت الكرة السودانية على الهواية وراهنت على الانتماء وحبِّ الشعار وكان لذلك أسبابه ودوافعه، إذ أنّ الأندية، جلَّ الأندية إن لم تكن كلَّها، قد قامت على الأحياء وفرعيات تلك الأحياء. ومن عجبٍ أن نادييْ (القمة) ما زالا ينسبان ويفرَّق بينهما تفرقة جغرافية فيشار إلى الهلال بالعرضة شمال ويشار إلى شقيقه المريخ بالعرضة جنوب هذا رغم أن الناديين قد تأسسا في حيَّيْن مختلفين تماماً عن حي العرضة والذي أحسب أنه حيٌّ حديث نسبياً. ومن عجبٍ أيضاً أن نادياً حديث الولادة وقد تأسس متأخراً كثيراً عن بقية الأندية بل أن الحي نفسه حيٌّ حديث، نسبياً أيضاً، ولكن ثقافة الأحياء وتأكيد الانتماء إليها قد فرضت، في ظنِّي، اسم الحي اسماً للنادي، فكان نادي أمبَّدة المعروف. وجاء منهج الإدارة للكرة على مستوى الاتحاد العام السوداني لكرة القدم أو الاتحادات المحلية مطابقة تماماً وقائمة بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض على أساس الهواية وأصبح ذلك الأساس ثقافة وإرثاً كما ظلَّ يقول لي الأخ البروف كمال شداد متى ما اشتدَّ النقاش بيننا واحتدم. العالم يمضي ويجدُّ المسير ويأتي كلَّ يوم بجديد. ومن ذلك الجديد ضرورة تحوُّل الأندية إلى شركات إذا ما أرادت أن تكون حضوراً في المنافسات الخارجية، إقليمية أو قارية أو دولية كانت. ولسنا هنا في مجال أو الحاجة إلى المقارعة حول ما يعنيه ذلك من ضرورة ولكننا بالضرورة في حاجة كبيرة إلى الاتفاق حول ما يعنيه ذلك من الاهتمام بمراجعة أنفسنا ومسيرتنا ونظمنا التي تحكم المناشط الرياضية والثقافية وغيرها مما يدخل في نطاق العمل الطوعي ومنظمات المجتمع المدني. إذا كان الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" أو الاتحاد الأفريقى لكرة القدم " الكاف" يتطلب المشاركة في المنافسات التي ينظمها أيٌّ منهما فإن هذا يعني بالتبعية، والضرورة أيضاً، أن تكون ضوابط ولوائح الاتحادات الوطنية لكرة القدم مستوعبة ومتفقة مع عموميات الأطر الحاكمة للمنافسة والصادرة من الفيفا. وهذا أمر منصوص عليه في أول مواد ضوابط وأوضاع اللاعبين الصادرة من الفيفا بل أنَّ أي قواعد أو ضوابط تحكم انتقالات اللاعبين فيما بين أندية الاتحاد الوطني الواحد لا تكون سارية إلا بعد استيفاء شرط موافقة الفيفا عليها. لقد كانت تجربة مريرة تلك التي مررنا بها عبر الخلافين اللذين نشبا مع اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، كلٍّ على حدَّة وما كان لأيٍّ من هذين الخلافين أن ينشأ لو أن قوانيننا والنظم الأساسية لكل اتحاد رياضي أو اللجنة الأولمبية متسقة ومتفقة مع الجهة الدولية المعينة. والرياضة، مع كل ما فيها وما لها من شعبية وجماهيرية وارتباط وثيق لها بالموهبة والهواية، قد أصبحت صناعة وحرفة سواء أكان ذلك من خلال احتراف مقنَّن ومعلن أم احتراف خبيء ومستتر. وأيَّاً كان الوضع فإن الأمر يحتاج إلى فتح الباب واسعاً للحوار الراشد والقاصد لمعالجة أيِّ قصور وسدِّ كل الثغرات سواء أكان ذلك في الهياكل الإدارية من اتحاد عام واتحادات محلية لا وجود لها إلا في السودان، وربما بلدان قليلة غيره، أم في فحص الأنظمة المالية وانضباطيتها خاصة وهناك أكثر من حديث عن الفساد وسوء استغلال الموارد وغير ذلك من أوجه إساءة استغلال السلطة. ونقطتان مهمتان تتعلقان بحق النادي المضيف في تسويق وإدارة شؤون مباراته بمراقبة من الاتحاد المعني مثلما هو الحال في كل ما مررت به من تجربة. أما الثانية فهي في اتفاق ناديى الهلال والمريخ حول عدم المزايدة على اللاعبين، وهذا أمر لا يملكانه ولا يستطيعان فرضه على الأندية الأخرى ..الداخلي منها والخارجي. لذلك سنعود ..وربما كان ذلك غداً أو بعد غدٍ ...وربما بعد أيام لا تعد...فكل شيء بمشيئته سبحانه وتعالى.