عندما كان السودانيون في الماضي يعيشون في أمن وأمان رغم وجود بعض المظاهر غير المحمودة من بارات وبيوت دعارة مفتوحة وتناول الخمور في بيوت الأعراس وفي الاندايات والمنازل المغلقة كان الناس الذين يمارسون بعض تلك الرذائل يعطون قدرا كافيا للمجتمع ومظهر النظام العام لحد كبير وكانت الشكاوى قليلة ولم تكن هناك شرطة نظام عام والشرطة تمارس دورها في حفظ النظام ونظافة المجتمعات بكل كفاءة واقتدار واحترام للناس وحفظ أسرارهم وخصوصياتهم ولا تتعمد جرح مشاعرهم أو فضحهم اللهم إلا من فضح نفسه وحتى في أشد الظروف قسوة لم نسمع أن الشرطة تطلق الرصاص وتقتل بدم بارد لأن أحدهم خالف القانون. فما بال بعض شرطة النظام العام اليوم رغم التطور وتلقيهم رعاية وشروط خدمة أفضل ويفترض أنهم شاهدوا في الأفلام والقنوات الفضائية كيف تتعامل الشرطة الراقية مع المواطنين حتى المخالفين للقانون لا يتعاملون بهذه القسوة! والأدهى والأمر أن الشرطة الحالية يفترض أنها تعمل تحت شعار الشريعة الإسلامية التي تأمر بالرفق حتى على الحيوان ناهيك عن البشر. انضباط الشارع مطلوب ولكن بنفس القدر وأكثر منه انضباط القائمين على أمن المجتمع فالمخالفون بشر كرمهم الله عز وجل فالأوجب أن يتعامل معهم رجال الشرطة والأمن بأسلوب حضاري متقدم، فكيف جاز لضابط شرطة أن يطلق النار على شخص بريئ ويقتله بدم بارد دون أن تثبت عليه تهمة ارتكابه جريمة عقابها الإعدام وهو حق للقاضي وحده وليس لرجل الشرطة اللهم إلا إذا كان في حالة دفاع عن النفس أو حالة اقتتال بالذخيرة الحية، ومن المؤكد كما ذكر الشهود أن الشهيدة عوضية خرجت لتقف بجانب شقيقها وبقية أسرتها بعد أن اتهمته قوات الشرطة بتناول الخمر وهو ليس كذلك كما ذكر لهم، كما أنها لا تملك سلاحا وليست في حالة حرب. ثم لنفترض - جدلا - أن الشاب كان شاربا للخمر وهو ما نفاه فأي الجريمتين أكثر بشاعة وأخطر وأكثر جرما في حكم الشريعة؟ إن الله قد يغفر لشارب الخمر ولكن لا يغفر للقاتل دون حق فمن قتل نفسا بغير نفس وبغير حق شرعي فكأنما الناس جميعا، هكذا أنزل الله في كتابه العزيز، وهنا يحق لنا أن نتساءل ما هو هدف قانون النظام العام؟ وما هي الدروس والتعليمات والثقافة التي يتلقاها منسوبو شرطة النظام العام؟ وما هي الحدود التي يتعاملون فيها واختصاصاتهم؟ لقد كثر الحديث منذ فترة عن تصرفات جنود وضباط قوات النظام العام وتعسفهم مثلما تحدث الناس واستغربوا لطريقة العقاب بالجلد المتعسف وبشاعته لتلك الفتاة بيد أحد منسوبي الشرطة وأمام القاضي وكأن هدف الشريعة السمحاء هو مجرد الجلد السادي والانتقام والتشفي. يجب ألا يمر هذا الحادث دون تحر حقيقي ومحاسبة رادعة إذا ثبت الجرم بل أذهب أكثر من ذلك لأقول يجب أن يعاد النظر في منهج شرطة النظام العام وطريقة تعامل منسوبيها مع المجتمع ووضع أهل الخبرة والحكمة في إداراتها المختلفة مع إعطائهم التوجيهات الصحيحة التي تتفق وروح وجوهر الدين لا الأفكار السطحية المتعسفة، فإن رجل الشرطة في هذا المجال يجب أن يكون فطنا وحكيما وواسع الحيلة ولا يعمل برد الفعل، قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).. وحتى يتغير منهج النظام العام وقانونه يستحسن أن يجمد وإلا فليُلغَ.