هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته إن الأمانة هي صفة من صفات الله، وعندما يسلك الإنسان في طريق الله لا يقدر أن يستمر إلا إذا كان أميناً، لأن عدم الأمانة يوقف المسار ويدخل الإنسان في طريق عكسي، الله أمين ويحب أن يكون كل عبيده أمناء، إن أمانتنا نسبية بالنسبة لأمانة الله، وكان بولس الرسول دوماً يذكر نفسه ومن يكتب إليهم بأن الله أمين ويقول: أَمِينٌ هُوَ اللهُ الَّذِي بِهِ دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.(كورنثوس الأولي9:1)، أَمِينٌ هُوَ الرَّبَّ الَّذِي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير(ثيموثاوس الثانية3:3) لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخاً، لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ.(عبرانين23:10)، والأمين أمين حتى الموت: كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ.(رؤيا10:2)، والأمانة هي أن نكون أمناء ونحتمل كل ضيقات الحياة، فلقد كان ملاك كنيسة سميرنا الموجه إليه هذا الخطاب الأمين عن التمسك بالأمانة حتي الموت، كان في ضيقة شديدة، وكانت الضيقات مزمعة أن تأتي إليه أكثر. لقد كان يوسف بن يعقوب، الصدَّيق الصادق في حياته أميناً في كل شئ، كانت الأمانة صفة من صفاته الجميلة، كان أميناً لأبيه، مطيعاً له مهما كلفته الطاعة من مشقة، كان أميناً في البر بوالده عند شيخوخته، كان أميناً مع إخوانه في إقتفاء أثرهم والذهاب لإفتقادهم وطلب سلامتهم، وكان أميناً لله لأنه رفض أن ينتقم منهم رغم أنه عندما وقع في أيديهم لم يرحموه وعندما وقعوا في أيديه عفا عنهم مؤكداً أن الله كان وراء كل شئ، وأنهم حتى وأن قصدوا به شراً فإن الله قصد بالشر خيراً، ولم ينتقم يوسف من أخوته بل إهتم بإعالتهم، وعاش أبناء يعقوب في مصر بقوة يوسف الذي إضطهدوه، وأستمروا في مصر معززين مكرمين أربعمائة وثلاثين عاماً، كان يوسف أميناً في بيت فوطيفار الذي أستأمنه على كل شئ، ورغم أنه كان أمامه الطريق ليصير سيداً للبيت، ويتسيد حتى على الزوجة المراهقة، ولكنه رفض أن يكون سيدا بوسيلة غير مناسبة وبعيدة عن حياة القداسة، كان يوسف أميناً في موقفه المشرَّف مع إمرأة فوطيفار، وبينما ترك رداءه هروباً من الشر، أقامت المرأة هذا الرداء دليلاً ضده، كان يوسف أميناً في داخل السجن، أميناً مع زملائه، أميناً مع رئيس السجن، وكان يوسف أميناً في إدارة مصر، أميناً في التخزين، وأميناً في التوزيع، لقد كلفته الأمانة أعماق السجون ولكنه تمسك بها، كان يوسف أميناً عندما كان خادماً حقيراً، وسجيناً ذليلاً، كما أنه كان أميناً عندما صار أميراً يملك ناصية البلاد ويتحكم في كل خيراتها. إن الله أمين ويكافئ الأمناء بعدالته العظيمة، ويرد إعتبار المظلومين، ويكافئ عن المهمشين، وينزل الأعزاء عن الكراسي ويرفع الأمناء معه، وفي بدء قصة يوسف بدأ الأمر كما لو أن شريعة الغاب تحكم كل شئ، وكان الحكم للقوة الغاشمة، ليس سواها، لقد كان يوسف صبياً صغيراً عمره سبعة عشر سنة، وتكاثر عليه إخوانه وهم يستخفون به ويحتقرون أَحْلاَمُهُ، ويروي سفر التكوين القصة هكذا: فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ قَبْلَمَا اقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هُوَذَا هَذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ». فَسَمِعَ رَأُوبَيْنُ وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَقَالَ: «لاَ نَقْتُلُهُ». وَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَيْنُ: «لاَ تَسْفِكُوا دَماً. اِطْرَحُوهُ فِي هَذِهِ \لْبِئْرِ الَّتِي فِي الْبَرِّيَّةِ وَلاَ تَمُدُّوا إِلَيْهِ يَداً» - لِكَيْ يُنْقِذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ. فَكَانَ لَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ أَنَّهُمْ خَلَعُوا عَنْهُ قَمِيصَهُ الْمُلَوَّنَ \لَّذِي عَلَيْهِ وَأَخَذُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي الْبِئْرِ. وَأَمَّا الْبِئْرُ فَكَانَتْ فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ.(تكوين37: 18-24)، والغريب جداً أن ضمائرهم نامت نوماً ثقيلاً جداً مثل نوم يونس يونان في جوف السفينة، ويقول التكوين عنهم: ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَاماً. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَاناً وَلاَذَناً ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ. فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: «مَا الْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ تَعَالُوا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا». فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ. وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتُوا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ.(تكوين37: 25-28)، كل هذا كأننا في غابة، يلقون شقيقهم في البئر، ثم يجلسون ويأكلون، وربما كانوا في سخرية يقهقون وتضحك معهم الأقدار، وتستمر المؤامرة ليخلصوا منه ويبعونه لتجار عرب هم الإسماعيلون، وتستمر المأساة فيكذبون على أبيهم، ويحملون جريمتهم لذئب يظل مثلاً للبراءة من دم إبن يعقوب، ويرفض يعقوب التعزية، ويحيا آلام فراق إبنه، وآلام جحود إخوانه، ويقولون أنه رفض التعزية لأن شعور الأبوة فيه كان يؤكد أن إبنه يوسف لم يزل على قيد الحياة. لقد حول إخوان يوسف شقيقهم يوسف إلي عبد ذليل وهو سيد الأحرار، لقد أخذوه في خط عكسي لأحلامه، كان يحلم بالشمس والقمر ساجدين له، وهوذا هو في غياهب البئر، وقد إختفت الشمس مع القمر وكأنهم يقولون: إذن فليحلم أحلامه في طين البئر الفارغة، يوسف العظيم في سيطرة قانون الغاب صار ثمنه لا يصل إلي بضع جنيهات بعملتنا الحالية، وعندما ذهب يوسف إلى بيت فوطيفار وتمرد علي الشر أحكم الشيطان قبضته عليه في سجن هيهات أن تتحطم قبضاته، أو يخرج قبل أن تنتهي الحياة. والسؤال هنا إذا كان الله أميناً، وإذا كان يوسف أميناً لله، فأين عدالة الله، إن تجربة الثلاثة عشر عاماً التي عاشها يوسف في مصر كثيراً ما ترسل غيومها القاسية حجباً لسماء العدالة المشرقة وقوة شمسها الطاهرة المطهِّرة، ولكن يوسف كان أقوى منا، وأعمق من تفكيرنا، كان يؤمن أن الله هناك، وأن الشمس خلف الغيمة، وأنه لا بد أن يأتي وقت تشرق فيه شمس العدالة، كان يؤمن أن الله لن يتركه، وكانت عدالة الله تعد المخرج وتمهد السبيل، وتأخذ لها في الوعر طريقاً آمناً في موعد محدد دقيق مرتب من الله، لقد سيطر الظلم ظلاماً على يوسف ولكن عدل الله أخرج مثل البر نوره، وحقه مثل الظهيرة، وخرج يوسف راكباً عربة العدالة ليراه كل من ضايقه، لتراه مصر بأكملها، لتراه البلاد المجاورة، لتراه كنعان التي أحبها، ليراه إخواته وأبيه وزوجة فوطيفار، وفوطيفار المخدوع منها، لأن الرب عادل ويحب العدل، وطوبي لجميع المتكلين عليه، ونحن سوف نرى عربة العدالة تجري في شوارع التاريخ نقول لنا: أديان الأرض كلها لا يصنع عدلاً، كن أميناً إلي الموت فسأعطيك إكليل الحياة.