كثير من الظواهر التي نسلط الضوء عليها في الصحف يتم تجاهلها وتموت بالتالي "بالسكتة النشرية "وهو مصطلح يشير الى أن بعض الموضوعات تكون في مقدمة الأجندة وعندما يتم نشرها وتداولها عبر أجهزة الإعلام تموت بفعل فاعل في كثير من الأحيان "حظر النشر" أو بفعل طبيعة الحياة السودانية أو المجتمع عموما وتصبح " كلام جرايد" وهذه آفة تلازم المجتمعات المتخلفة أو فلنكن صريحين،المجتمعات التي لا تتوفر فيها الديمقراطية او تتواطأ فيها المجالس التشريعية مع السلطات التنفيذية، كماهو الحال في بلادنا. وعندما تتجدد تلك الظواهر نبدأ في التعاطي معها من الصفر دون الاستفادة من الخبرات او المعلومات السابقة، وخير مثال لهذه الحالة موضوع اختطاف واغتصاب الأطفال، فقد حدثت العديد من القضايا الخطيرة والتي تشير الى انفراط عقد المجتمع والى ثغرات كبيرة في الأمن، وضعف شديد في التشريعات المختصة بمثل هذا النوع من الجرائم، وتُنسى مثل هذه الموضوعات بمجرد انتهاء ملف إحدى القضايا ولا يتم الرجوع الى هذا الملف إلا عند حدوث جريمة أخرى، كما حدث في قضية مرام وملاذ وعبد الوهاب وأخيرا وليس آخرا الطفلة وئام علما بأن هناك العديد من الجرائم التي لا تصل الى الإعلام. وبمناسبة الطفلة الأخيرة، فقد ساهمت الصحف في حملة علاقات عامة لتلميع الشرطة، حيث ركزت معظم الصحف على أن الشرطة استعادت الطفلة المفقودة في إنجاز كبير، ولا نريد أن نقلل من دور الشرطة لكن يجب ذكر الحقائق، والحقيقة هنا أن الطفلة وجدها شخص وقام بتوصيلها للشرطة التي كان لها "أجر مناولة " هذه الطفلة لذويها دون حل لغز اختفائها، أو القبض على الخاطفين وهنا مكمن الخطر! ظاهرة ثانية يمكن أخذها مثالاً لما أشرت إليه، وأعني" فقدان الذاكرة، وغياب البحوث والدراسات والأمن الوقائي" وهي ظاهرة ما اصطلح على تسميته بالكلاب الضالة، التي ظهرت قبل أكثر من عام ونهشت لحوم الضحايا من البشر في مختلف أنحاء العاصمة ثم اختفت دون أن يقطع أحد الشك باليقين في حقيقتها، وقد تعددت الروايات الساذجة حولها، وتضاربت حتى من الجهات المختصة وطُوي الملف باختفاء الكلاب من تلقاء نفسها، ومع هذا الشتاء بدأت الظاهرة تعود من جديد في منطقة "ود العقلي" بالكلاكلات، وتضاربت الأخبار عاصفة حولها أيضا، بحيث لم يحدد أحد هوية هذه الكلاب وهل لها علاقة بالكلاب التي ظهرت من قبل؟ وهل وهل وهل...!؟ هاتان الظاهرتان مجرد مثال في بحر متلاطم من الظواهر والأحداث التي تعصف بمجتمعنا في كل يوم، ولأننا نتعامل مع كل تفاصيل حياتنا بمبدأ رزق اليوم باليوم تجدنا ندور في حلقة مفرغة لا بداية لها ولا نهاية، ويحتاج الأمر الى مزيد من الاهتمام وممارسة البعد الاستراتيجي في تناول كل القضايا والظواهر الحياتية. وغني عن القول أن أجهزة الإعلام – وفي مقدمتها الصحافة- تمثل رأس الرمح في عملية إبقاء الذاكرة حية ومتقدة، ويحتاج هذا الأمر الى ثورة "مهنية " في طريقة عمل المجالس التشريعية وإنهاء ظاهرة البصم الجماعي على كل ما يريده الحزب الحاكم وضرورة فصل المصلحة العامة عن العاطفة السياسية.