الى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الخروج من موسم جفاف وتصحر الجامعات السودانية د. هشام محمد عباس أستاذ جامعي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته * لا يختلف إثنان أن التعليم العالي بالسودان يمر هذه الشهور بأزمة حادة بسبب نزيف الهجرة للأساتذة للبحث عن وضع يقيهم شرَّ السؤال والحاجة ويؤمن عيشاً لأسرهم يضمن لهم الاستقرار. * وقد تبارى الكتاب وكذلك الصحف وهي تشخص الحالة وتدخل إلى مكاتب الإستخدام لتحاور الطالبين للهجرة وتعكس للمجتمع السوداني كيف يقف العلماء وبناة الأجيال في صفوف متراصة لمقابلة اللجان التي أتت لحصد الثمار وتصديرها بعد رحلة من التأهيل والتدريب. * وكان التوقع بعد كثافة التدفق الصحفي أن تقوم الدولة بإعلان قرارات تعمل على رد الحقوق لهذه الفئة والعمل على صرف متأخراتهم ليكون بعد ذلك قرار الهجرة خاضعاً لموازنات أخرى بعد أن يشعر الاستاذ أن الدولة حريصة على بقائه والعمل داخل السودان. * إن ظاهرة اغتراب الأساتذة في حد ذاتها مظهر يؤكد ريادة التعليم في السودان ووضعه في الوطن العربي واعتراف بالكفاءات التي تعمل في هذا المجال ولكن أن تصل الهجرة مرحلة (النزيف) فإن ذلك يتطلب حلاً جذرياً والنظر إلى واقع الجامعات السودانية من منظار الموضوعية والتدقيق. * إن التعليم العالي في السودان حقق إضافات معتبرة في الفترة من العام 1990م وحتى العام 2005م حيث اتسمت بالتوسع في القبول والقرارات التي صدرت بإنشاء الجامعات الجديدة في الولايات حتى وصلت الآن إلى حوالي ثلاثين جامعة حكومية ورغم أن هناك فئة مازالت تعتقد أن هذا التوسع كان خصماً على مسيرة التعليم العالي إلا أن الواقع أكد أن هذا التوسع استوعب الاتجاهات العالمية في توسع التعليم العالي هذا على الرغم من وجود سهام يمكن أن نطلقها نقداً على المنتوج التعليمي في بعض جوانبه ومازلت أعتقد جازماً ان ما يدور داخل هذه الجامعات من إنجازات لم يعكس للمتلقي السوداني بالصورة الحقيقية فهناك أساتذة أكفاء وطلاب نوابغ وعمل كبير داخل القاعات لا يطلع عليه المجتمع السوداني. * إن الفترة من العام 2005م وحتى 2010م هي فترة الجفاف والتصحر بالتعليم العالي في السودان اذ تراجعت في هذه الاعوام الرؤية وتغيرت وذلك بعد أن جاء على رأس وزارة التعليم العالي وزراء من الحركة الشعبية حيث تعاقب ثلاثة منهم فأسهم كل واحد في التشكيك بمنجزات التعليم العالي ووجهوا ضربات قاضية للقبول والتعريب والتأصيل وساهموا بصورة واضحة في تعطيل الخطة التي كانت ترمي لإكمال البنيات التحتية للجامعات الواقعة في الولايات وفقدت الجامعات بذلك الرعاية التي كانت تجدها في ظل الوزارة وأصبحت معظم الجامعات الواقعة في الولايات وحتى في العاصمة مشروعات تنمية غير مكتملة. * لقد اتسمت فترة جفاف وتصحر الجامعات السودانية بغياب الدور الفاعل لوزارة التعليم العالي الذي يجلس وزير الحركة الشعبية على رأسها وتعمد تعطيل القوانين التي من المفترض أن يتصدى لها المجلس القومي للتعليم العالي في وقت احتكر فيه المجلس والوزارة كل اختصاصات مجالس الجامعات. * لقد كان صدور قانون الخدمة المدنية للعام 2007م هو الطامة التي قصمت ظهر الجامعات السودانية وأساتذتها الذين ظلوا طوال تاريخ التعليم العالي خارج نطاق الخدمة المدنية وظل الأستاذ الجامعي قبل عام 2007م له هيكل خاص لتعيينه ومراعاة من الدولة لمكانته واحترام له في (برتكول) الدولة رغم المذكرات التي ظل يرسلها البروفيسور/ إبراهيم أحمد عمر (مهندس) التعليم العالي في السودان لمجلس الوزراء لمعالجة هذا الأمر ليخرج التعليم العالي والبحث العلمي خارج قانون الخدمة المدنية اسوة بالقضاء والقوات النظامية. * إن العاملين بالجامعات السودانية يشعرون والعلقم يملأ الحلوق أن ممارسات أجهزة الدولة أصبحت تصب في خانة التقليل من شأن التعليم العالي والقائمين عليه (بقصد) أو بدون قصد ومن ذلك ضياع حقوق العاملين وعدم صرف متأخراتهم من الامتيازات والحقوق التي تمنحها لهم القوانين والمنشورات سارية المفعول وقد ساهمت وزارة الخارجية (مشكورة) في تعميق الجراحات إذ سحبت الجوازات الدبلوماسية من السادة مديري الجامعات وكلهم في درجة البروفيسور ويعينهم السيد رئيس الجمهورية. * لقد شهدت سنوات الجفاف والتصحر هذه تناقص الميزانيات المخصصة للجامعات في مجال التنمية حتى وصلت إلى الصفر هذا العام مع عدم وجود أيّة زيادة منذ العام 2007م في الفصل الأول لإستيعاب أعضاء هيئة تدريس جدد أو تقنيين ولاشك أن هذا يؤدي إلى اضعاف هذه الجامعات مستقبلاً ما لم يتم تدارك هذا الأمر بمعالجات واضحة. * لقد شهدت سنوات الجفاف والتصحر بالتعليم العالي ضعف العلاقات الخارجية حيث تمَّ ايقاف الإبتعاث الخارجي وتمّ التركيز على المنح وبذلك ينقطع الخيط الذي كان رابطاً بين الجامعات السودانية ورصيفاتها الاقليمية والدولية لأن المبعوثين هم أساس نقل الخبرات والتجارب وهذه الخطوة ستقود إلى ظهور جيل ضعيف من الأساتذة الجامعيين من حيث التأهيل وبالفعل نجد أن بعض الجامعات الآن تحاول تعيين غير المؤهلين وفق شروط التعليم العالي لسد النقص لأن المهنة لم تعد جاذبة وهذا قاد إلى بروز ظاهرة (الاستثناء) من الوزير لبعض أعضاء هيئة التدريس غير المؤهلين ولا ندري هل هي مستمرة أم تمّ إيقافها؟ * والملاحظ أنه طيلة أعوام الجفاف والتصحر وإلى الآن ظل ضعف التمويل هو السمة الأساسية للجامعات السودانية ففي الوقت الذي وفرت فيه الدولة تمويلاً لبناء المدن الجامعية السكنية حُجب هذا التمويل عن الجامعات في الوقت الذي كان يمكن توجيه بعض هذا الدعم لبناء المدن الأكاديمية والكليات في أنحاء السودان وخاصة أن الدعم المخصص لصندوق رعاية الطلاب كله مبنيا على رسوم السلع والخدمات يدفعها المواطن وهو لا يمانع من حسن توظيفها إلا أن اصرار كل جهة في الدولة بالانفراد بالموارد حتى عند انقضاء الحاجة لها مع غياب الموجه المركزي بشأن ذلك ظل هو السمة الغالبة. * لقد كانت سنوات الجفاف والتصحر بالتعليم العالي رمالا اجتاحت الاخضر من بساتين الجامعات السودانية الأمر الذي يتطلب من الوزير البروفيسور خميس كجو إعلان حالة الاستعداد القصوى وتحويل أجندة الحكومة بوضع ملف التعليم العالي في الاولويات ولفت انتباه اصحاب القرار السياسي أن الجامعات السودانية في خطر. * وقد أبرزت سنوات الجفاف والتصحر صوراً متعددة في احداث العنف الطلابي في جميع الجامعات السودانية تقريباً مما عطل الدراسة في عدد من الجامعات في فترات متفاوتة وعطل بذلك المساهمة الراشدة لطلاب الجامعات في الاستقرار والتنمية في الجامعات وفي مشروعات التنمية والبناء الاجتماعي التي اعتادت اتحادات الطلاب المشاركة فيها واصبح الصراع سمة اساسية لفترات الست سنوات الاخيرة وكل ذلك في ظل تناقص المناشط الثقافية والرياضية لضعف الميزانيات وظهور عدد من الظواهر السالبة في عدد من الجامعات مثل اعتداء الطلاب على بعضهم البعض باستخدام الأسلحة البيضاء والنارية وهذه ظاهرة جديدة لم تكن تعرفها الجامعات. * إن الأخطار ستواجه وزير التعليم العالي البروفيسور/ خميس كجو ما لم يضع خطة اسعافية للخروج من هذه الأزمة وهذا الخروج بدوره سيعمل على تخفيف هجرة الأستاذ الجامعي وبالتالي نحن نطمع في إعادة النظر في القوانين المنظمة للتعليم العالي وخاصة قانون المجلس القومي للتعليم العالي الذي لابدّ أن ترفع درجة رئاسته ليصبح رئيس الجمهورية أو نائبه رئيسا للمجلس وذلك لضمان نفاذ قراراته. * ولا يمكن أن تحدث عملية تطوير الجامعات السودانية إلا بإعطاء حرية أوسع للجامعات واستقلالية واضحة في إطار الدستور والقيم المرعية في البلاد واحترام ذلك من قبل الدولة ومن قبل المسؤولين. * وبعد تلكم المناشدات فإن الأوساط في التعليم العالي تترقب إعلان تحسين شروط التعيين لأعضاء هيئة التدريس على أن يقتصر التدريس على الأستاذ الحاصل على درجة الدكتوراه في التخصص المعني بشروط التعيين المعروفة بأن يكون حاصلاً على درجة تقدير (جيد جداً) على الأقل. * إن الخروج من نفق سنوات الجفاف والتصحر سيدي وزير التعليم العالي إلى سوح التطور والنماء يتطلب انتقالاً سريعاً بقرارات جريئة .. ستكون خالدة في تاريخ التعليم العالي .. كتبت بمداد رجل جاء من القاعات والجامعات إلى رأس الوزارة فهو بذلك لا يحتاج إلى تعريف بقدر ما يحتاج منا إلى تشجيع ودفع ومساندة. ودمتم