كتبنا كثيرا عن أزمة المواصلات في ولاية الخرطوم وكتب غيرنا في الصحف وفي مواقع الانتر نيت ولكن لاحياة لمن تنادي ولازالت هذه الأزمة تشكل عبئا كبيرا على قطاعات كبيرة من الشعب ومعظمها قطاعات تحتاج للوقت والجهد وتوفير المال، وهي فئات العمال والموظفين والطلاب. لم يقف الأمر في عرض هذه المشكلة وتسليط الضوء عليها على الصحف فقط إذ قامت أجهزة الإعلام الأخرى من فضائيات وإذاعات بإعطاء الموضوع حقه ومستحقه، ويبدو أن الإخوة المسؤولين لا يتأثرون هم وأسرهم بهذه المشكلة، لذلك لا يلوح في الأفق بصيص أمل في الحل الجذري. ونقول إن الوعي بخطورة الأزمة هو نصف الحل ولا بد من غضبة صادقة في البرلمان الذي بدأ يستعيد دوره من خلال رفضه لزيادة البنزين رغم محاولات وزير المالية المستمرة والمستميتة وعلينا أن نشجع مثل هذه "الإشراقات" ومن ثم نطالب بالمزيد من الجهود في اتجاه تخفيف أعباء الحياة الصعبة. ومن الواضح أن المشكلة مفتعلة، وهذا يسهّل الحلول، فالولاية لا تعاني من نقص في مواعين النقل العام، كما أن الضائقة المرورية ليست السبب الأساسي في الأزمة، وإن كانت تشكل نسبة كبيرة من الأسباب، وبناء على ذلك، فإن الحلول الجزئية والمسكنات لن تنفع، بل ربما تزيد الأمر سوءا بمرور الوقت. هنالك حرب شرسة بين أصحاب الحافلات وشركة مواصلات الخرطوم "بصات الوالي" حيث يعتقد أصحاب الحافلات أن الحكومة تحابي البصات وتوفر لها الامتيازات التي تجعل المنافسة غير شريفة، وذلك مثل فتح الكباري لها وعدم مضايقتها من قبل أفراد شرطة المرور، وأخيراً تحديد مواقف استراتيجية لها في وسط الخرطوم وهذا الامتياز هو الذي أشعل الحرب الحقيقية مما أدى لاختفاء الحافلات في ساعات الذروة. نحن بطبيعة الحال لا نؤيد مثل هذه الحرب غير الأخلاقية والتي يقع ضحيتها المواطن المسكين، لكن في نفس الوقت نرفض وضع التسهيلات لبصات الوالي ذات العدد القليل، وفي مقابل ذلك يتم وضع العراقيل أمام الحافلات ذات القدرة على تقليل أزمة المواصلات من خلال ما تتمتع به من مرونة في الحركة، إضافة لأعدادها الكبيرة ووجودها في كافة بقاع الولاية. المطلوب هو أن تتكامل الأدوار بين مواعين النقل المختلفة ليتم ملء الفراغات والسيطرة على أوقات الذروة، لكن ما يحدث الآن هو حرب معلنة وهروب متعمد وأزمة مفتعلة، ويعمق المأساة ويعقد الوضع،غياب الرقابة ومحاباة البصات العاجزة على حساب الحافلات التي يعاني أصحابها من ارتفاع أسعار كل شيء، والسبب في هذا الوضع المختل هو دخول الحكومة في سوق النقل ومحاربتها لأصحاب الحافلات، والفصل الجديد في هذه المعركة هو منع ترخيص الحافلات الجديدة وسوف يتبعها بكل تأكيد عدم تجديد الترخيص للحافلات العاملة الآن حتى يتم تجفيفها بالكامل. وعلى الحكومة أن تولي مشكلة المواصلات الأهمية التي تناسب حجمها لأن كل أسرة سودانية تتأثر بها ماعدا القليل جدا من أصحاب المركبات الخاصة، وربما لا يعلم الكثيرون أن ربيع الثورات يبدأ دائما من محطات " الوقود " والمواصلات".