القلب هو عبارة عن عضو باطن في الجسد عليه مدار حال الإنسان وبه العقل وهو أشرف أعضائه لسرعة الخواطر فيه وترددها عليه وتقلبه ولذا قيل وما سُمي القلب إلا لأنَّه يتقلَّب وما سُمي الإنسان إلا لنسيانه ، وقد يعبر عنه بنفس العقل وإنما كان صلاح البدن وفساده تابعاً لصلاح القلب وفساده لأنَّه مبدأ الحركات البدنية والإرادات النفسائية فإذا صدرت عنه إرادة صالحة بسلامته من الأمراض الباطنة كالحسد والشح والغل والكبر أو فساده بعدم سلامتهما ذكر تحرك البدن بتلك الحركة فهو أي القلب كالملك والجسد كالمزرعة إن عذب ماء العين عذب الزرع والملح وكالأرض وحركات الجسد كالنبات «والبلد الطيب يخرج نباته طيباً بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً». قيل إنَّ صلاح القلب من خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبُّر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرُّع عند السَّحر ومجالسة الصالحين ورأس هذا أكل الحلال. إنَّ الذنوب والمعاصي تضر، وإنَّ ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا بسبب الذنوب والمعاصي فما الذي أخرج الأبوين من الجنة والنعيم واللذة والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس عليه اللعنة من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسح ظاهره وباطنه وما الذي أخرج أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال وما الذي سلط الريح على قوم عادٍ حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنَّهم أعجاز نخل خاوية ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة . وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى كفى إن عيني بالدموع بخيلة وإني بآفات الذنوب معذب فمن لي إذا نادى المنادي بمن عصى إلى أين ألجاء إلى أين أهرب ويجب على كل إنسان ألا يمتنع من التوبة خشية الوقوع في ذنب مرة أخرى فإنَّ هذا ظن يدخله الشيطان في قلبه ليؤخر التوبة ولربما يقول في نفسه سأستمر في المعاصي أيام شبابي وصحتي ثم أتوب بعد ذلك وهكذا يسوِّف و يؤخر، قال ابن القيم رحمه اللَّه: «إذا أراد اللَّه بعبده خيراً فتح له أبواب التوبة والندم والانكسار والافتقار والاستعانة به وصدق الملجأ إليه ودوام التضرُّع والدعاء والتقرُّب إليه بما أمكن من الحسنات.» إنَّ دواء القلوب يكمُن في الذكر قال تعالى:«اذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون» ، وقال صلَّى اللَّه عليه وسلم : «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر اللَّه عز وجل». وورد عن ابن عباس (رضي اللَّه عنهما) أنَّ النبي (صلَّى اللَّه عليه وسلم) قال: «أربع من أعطيهن فقد أُعطي خيري الدنيا والآخرة قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وبدناً على البلاء صابراً وزوجة تقية حوبا في نفسها ومالها» (رواه الطبراني بإسناد جيد). فذكر اللَّه في الغافلين كالشجرة الخضراء وسط الهشيم فمن قال حينما يدخل السوق: «لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» كتب اللَّه له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة «إذا أردت راحة البال وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب والمتاع الحسن عليك بالاستغفار». واللَّه المستعان