سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تأملات في عالم المحو والاثبات لشؤون الحكم بالسودان.. ذكريات ومواقف علي محمد شمو مؤذن العسكر في مالطا وسيد المايكرفون الغائب شفاه الله
بشارات من قاهرة المعز بتماثل الرمز الاعلامي الشامخ للشفاء
عرفت علي محمد شمو الهرم الاعلامي والخبير الذي لا يشق له غبار بالطبع من خلاله صوته الاذاعي الجهوري في المبتدأ، وابتهالاته الرفيعة في ختام نهاية الارسال التلفزيوني في شهر رمضان المبارك, والدي كان تاجراً بالمسلمية وصاحب مخبز.. علي شمو قال لي: انه يعرفه, فالأستاذ علي شمو من سكان المسلمية في الأصل.. عندما كان وزيراً للاعلام إبان حكم النميري توطدت علاقاتي به اكثر, خاصة ابان عملي كصحافي بالسعودية, وكنت كلما زرته في مكتبه يبالغ في اكرامي, وكان مدير مكتبه بكري الصائغ مراسلاً لصحيفة (البلاد) السعودية التي عملت بها مطلع ثمانينيات القرن الماضي بعد أن جئتها من صحيفة (عكاظ) وقبل ان انتقل بعد ذلك للعمل بصحيفة (المدينة) بجدة ثم صحيفة (الندوة) بمكة المكرمة وكان رؤساء تحرير الصحف السعودية يطلبون مني تقديم الدعوة نيابة عنهم لوزير الاعلام علي شمو كل ما قدم الى هناك, وقد لبى بالفعل دعوة على الغداء في منزل الدكتور عبدالعزيز النهاري رئيس تحرير صحيفة (البلاد) أول صحيفة سعودية، وكانت تسمى (صوت الحجاز)، بجانب صحيفة (الندوة) بمكة المكرمة وحضر المأدبة دكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير صحيفة (عكاظ) وعضو مجلس الشورى السعودي فيما بعد بجانب شخصي وآخرين حيث امطر الضيوف بروفيسور علي شمو بوابل من الاسئلة عن السودان, فذهلوا لحضوره الطاغي وسرعة بديهته وعلمه الغزير في مجال الاعلام وكان رئيساً للوفد الوزاري الذي قدم الى السعودية ضمن جولة لشرح اهداف المصالحة الوطنية بجانب الراحلين الكريمين وزير الخارجية هاشم عثمان ودكتور عون الشريف قاسم ومسؤول ثالث لا اذكره, وتعرض الوفد الحكومي برئاسة علي شمو لاسئلة حرجة في اجتماعه بالصحافيين السودانيين بسفارة السودان بجدة كنت احد أطرافه, حتى ان علي شمو رئيس الوفد قصد ان يبرر لهجتي الحادة في الاجتماع للصحافيين الحاضرين بقوله انني كنت في ليبيا مع المعارضة, بينما أنا لم أرَ ليبيا في حياتي! وكان علي شمو يسألني عن المذيع التلفزيوني الراحل محمد البصيري يرحمه الله الذي كان يعمل معنا بصحيفة (عكاظ) السعودية كعادته في السؤال عن معارفه القدامى والجدد الذين ما ذكر واحداً منهم الا وذكره بخير.. وكنت انوي تقديم برنامج في التلفزيون السعودي عبر رسالة تصلني من السودان موالاة لشؤون بلدي اثناء عملي الصحافي هناك بدعم ومساندة الوزير علي شمو الذي عزم على مخاطبة وزير الاعلام السعودي لهذا الشأن قبل ان تعجل الاقدار برحيل النميري وحكومته وكنت قبل رحيل النميري باسبوع قد اجريت حواراً تلفزيونياً بالسودان مع محافظ بنك السودان وقتها فاروق المقبول وزير التجارة الاسبق وذلك بمكتبه ببنك السودان وعندما علم ان ساعة رحيل النميري قد ازفت اصر على مشاهدة التسجيل في استديوهات وزارة الاعلام بحضوري فقرر عدم بث المقابلة في التلفزيون لأنه قال كلاماً خطيراً عن الاقتصاد السوداني.. ومعلوم ان بروفيسور علي شمو في فترة نقاهة بالقاهرة بعد العملية الجراحية التي خضع لها في قلبه المثقل بالعلم وهموم الوطن، وقد حاولت الاتصال مراراً بابنه محمد هناك ولم انجح وقال لي المدير التنفيذي لمجلس الصحافة والمطبوعات الاستاذ محمد سعيد شلي ان الاخبار الواردة من هناك مطمئنة للغاية حول صحة رئيس المجلس معدداً مزايا الرجل الذي عرف بمجاملاته الواسعة وتواضعه الجم وتواصله الاجتماعي مع الخفير والوزير وبره بأهله ووفائه لاصدقائه ومروءته في تقديم العون لكل من يصله بمكتبه لقضاء حاجة.. فقد كان يحرر خطابات لديوان شؤون الزكاة لكل من يقصده من اصحاب الحاجة والى اصحاب الجامعات ومدرائها لتخفيض الرسوم على الطلاب المعوذين ومدراء الدوائر الحكومية لتسهيل الاجراءات الطويلة والمعقدة بشأن معاملات البعض ويعين طلاب الدراسات العليا للوصول الى مبتغاهم.. ومن اصعب ما واجهه علي شمو ثلاثة مواقف وهو ادارته للاعلام وحكومة النميري في النزع الأخير من عمرها باعتباره وزيراً للاعلام. فقد وجه الاذاعة والتلفزيون بعدم السباحة عكس التيار الشعبي الذي اجتاح الشارع السوداني، وكذلك عندما طلبوا منه الخضوع لاختبار في الاذاعة السودانية وهو المذيع الذائع الصيت الوافر العلم القادم من اذاعة صوت السودان بالقاهرة, وايضاً مواجهته للمؤامرة التي حيكت ضده في تلفزيون السودان ثم عودته له ظافراً وصافحاً عمن ظلمه دون ان يتخذ ضد خصومه اية اجراءات عقابية.. وسجل مواقف نزيهة للغاية ومحترمة وهو يكتب شهادات عن من عاصرهم من المذيعين الكبار ومن اطرف ما كتبه كان عن المذيع الكبير حسن صالح فهمي والمذيع الرياضي المرموق طه حمدتو يرحمهما الله وذلك في سفره الثر تحت عنوان «تجربتي مع الاذاعة» يقول علي شمو عبر موقف طريف حدث له «كنت اظن ان ما نقدمه من داخل الاستديو من برنامج واغاني سودانية لا يثير اهتمام الاخوة العاملين في الاذاعة المصرية باعتبار ان ركن السودان خدمة ثانوية وبرامجها موجهة الى السودان، الى ان فوجئت يوماً ان الاستاذ صلاح عبدالقادر المستشار القانوني للاذاعة المصرية يطلبني للتحقيق في مخالفة تتعلق بالفترة الاذاعية التي اقدمها يومياً ولما ذهبت اليه وبدأ معي التحقيق سألني: لماذا قدمت أغنية حسن عطية «جنن مجافي عنيد» قبل اغنية احمد المصطفى «في سكون الليل» فأسقط في يدي اذ لم اكن اعتقد ان مثل هذا التقديم والتأخير يمكن ان يشكل مخالفة فاعتذرت بأن ذلك قد حدث دون قصد وانني ادركته بعد ان بدأت اغنية حسن عطية ولم اشأ ان اوقفها لأقدم اغنية احمد المصطفى، بل تركتها تستمر حتى النهاية وقدمت الاغنية الاخرى في مكانها, لقد تفهم الاستاذ صلاح هذا الامر ووضح له انه ليس هناك سوء قصد فأوصى بتجاوز الحادثة, لقد علمت فيما بعد ان الاذاعة المصرية تسجل ما يذاع في كل الخدمات وانها تراقب بدقة تنفيذ البرامج وفق الجداول التي ترسل منها نسخ الى اقسام المراقبة داخل الاذاعة وفي مواقع اجهزة الارسال في ابوزعبل. قلت: ربما كان هناك من اراد من الاخوة المصريين العاملين بالاذاعة ان يوقع بالاستاذ علي شمو فقد عملت مع العديد من الصحافيين المصريين بالسعودية وكانوا يمارسون مثل هذه المقالب مع الزملاء ويقولون لك «فلان اداك زمبة عند رئيس التحرير» يعني اوشى بك لدى رئيس التحرير.. ويورد الأستاذ علي شمو طرفة اخرى: اثناء عمله بالاذاعة المصرية يقول: «من الطرائف ايضاً انني كنت في الطابق الارضي في مبنى الشريفين انتظر الصعود للطابق الثاني حيث المكاتب واذا بشخص يصل الى حيث نحن وقوف في انتظار المصعد فأفسح له الحضور المجال وابتعدوا عن المكان فدخل الى المصعد ودخلت على اثره ووقفت الى جانبه فبهت عامل المصعد ولم ينبت ببنت شفة وعندما التفت الى الجانب الايمن وجدت ذلك الشخص يقف في الركن القصى للمصعد وهو بالمناسبة مصعد كبير وواسع ينظر اليَّ من فوق النظارة باستهجان واستخفاف واستغراب فصعد المصعد الى الطابق الخامس ثم عاد قافلاً الى الطابق الثاني لينزلني حيث ركن السودان وسط نظرات قاسية من عامل المصعد وبعد دخولي الى المكتب جاء اليَّ مجموعة من الزملاء قال بعضهم «انت اتجننت» وبعضهم يقول «والله انت اجدع واحد» وطوال هذه اللحظات لم اكن اعي ما حدث. وعندما سألتهم لماذا كل هذا يا هؤلاء؟ اكتشفت انني كنت في صحبة الاستاذ ايمن حماد مدير عام الاذاعة وانني اول من تجاسر وركب معه المصعد في التاريخ. وطبعاً مرَّ الامر بسلام لأنهم يعرفون ان السودانيين عفويين بطبعهم, ولا يدركون بأنهم ارتكبوا خطأ عندما يأتون بمثل هذه التصرفات البريئة وغير المقصودة, لذلك فقد نجوت» انتهى.. قلت.. هذا ذكرني بموقف لي مع الرئيس البشير عندما جاء الى السعودية في احدى زياراته فقد صعد الى المصعد في قصر المؤتمرات بجدة برفقة السفير السوداني الراحل عيسى مصطفى سلامة يرحمه الله متوجهاً الى حيث مقر اقامته، فصعدت برفقتهم فحاول الحرس الرئاسي ابعادي الا ان الرئيس البشير منعه من ذلك وقد كان بين دهشة رجال المراسم السعوديين والسودانيين هناك اجريت معه لقاءً صحافياً مطولاً مع الرئيس نشر في الصحف السعودية والسودانية.. الصحافة السودانية جعلت منه بطلاً وعرض الاستاذ علي شمو في «تجربته مع الاذاعة» الى ان الصحافة السودانية جعلت منه بطلاً عند عودته الى الخرطوم مشيدة بموقفه واصفة اياه بأنه موقف وطني لمواطن رفض ان يهاجم بلده من القاهرة في ظروف سياسية متوترة بين السودان ومصر، وكانت الصحافة السودانية آنذاك قد وجهت نقداً جارحاً لمصر وللاذاعة المصرية واصفة اياها بأنها اصبحت بوقاً للسباب والشتائم ضد السودان.. استفزاز احادي واستغرب علي شمو لعدم تعيينه فوراً في الاذاعة السودانية استناداً لمعرفتهم لمؤهلاته وخبرته في اذاعة ركن السودان وشهرته كمذيع متمرس وصوت مألوف للمستمعين في السودان فقد اصرت الادارة على امتحانه واجراء الاختبارات الاذاعية المعروفة له وقد اصيب علي شمو بالدهشة لهذا الامر ولكنه امتحن ونجح بامتياز.. مؤامرات من داخل التلفزيون وتعرض كذلك للمؤامرات التي حيكت ضده في التلفزين وعودته مرة اخرى للتلفزيون التي سببت ضيقاً لمن كانوا السبب في ابعاده عنه ظلماً واعتماداً على تهم مختلفة ومخجلة من اناس كانوا في يوم من الايام موضع عنايته صفح عنهم جميعاً ولم ينتقم من اي واحد منهم.. وسجل بروفيسور علي شمو في سِفره الفريد «تجربتي مع الاذاعة» مواقف أمينة مع زملائه المذيعين الكبار باعطائهم حقهم من العلو والرفعة من امثال العمالقة ابو عاقلة يوسف وصلاح احمد محمد صالح ومحمد صالح فهمي وعبدالرحمن زياد ويس حسن معني وعبدالرحمن الياس وحلمي ابراهيم وعثمان نصر ومحمد حسين وذكر طه حمدتو وكيف شاركه في اذاعة المباريات شفا الله استاذنا علي شمو واعادة الى وطنه سالماً غانماً..