يقول الله تعالى: «واجعل لي وزيراً من أهلي هرون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري» صدق الله العظيم ويعرف الوزير بأنه رجل الدولة الذي يختاره رئيس الحكومة للمشاركة في إدارة شؤون الدولة مختصا بجانب منها وما سمي كذلك إلا لتحمله جسام الحادثات وكبائر الأمور إذا أن الوزر هو الحمل الثقيل أو الذنب وتجمع على أوزاره حيث يقال وضعت الحرب أوزارها إذا انقضى أمرها وخفت أثقالها أما الوزارة فهي منصب الوزير وأحد أقسام السلطة الإدارية العليا وهناك الوزير الاتحادي ووزير الدولة وقد تباينت مواقعهم ومهامهم ومسؤولوياتهم بيد أن هناك وزراء مفوضين لمآرب أخرى مثل وزير العريس الذي يتم اختياره وفقا لقربه من العريس بالصداقة أو الزمالة أو صلة الرحم وعادة ما يكون شاب في مقتبل العمر يمتاز بالرشاقة وخفة الظل والفرفشة والشعشعة والنعوشة وأحيانا الوسامة حتى تكون محور جذب وانتباه للحاضرين وبالرغم من المستحدثات التي طرأت على مواسم الزواج وطقوسه لم ينحسر دوره المنوط به في بهم المتعلقة بالزواج المهام والتدابير وعلى ذات النهج وكبدعة من بدع هذا الزمان وعجائبه استشرت ظاهرة وزير الخريج وسط الطلاب الذين يعم يتم تخريجهم في الجامعات بعد تقليعة حنة الخريج التي أثارت جدلا مريرا بين الأسر والمجتمع وفي أزمان فائتات كان الطالب الذي أكمل دراسته الجامعية تقوم إدارة الجامعة نفسها بتخريجه أو منحه الشهادة العلمية بإقامة حفل صغير في حرمها بحضور أولياء الأمور والمعارف والأصدقاء وسط مظاهر الفرح والابتهاج الذي تعقبه وليمة كرامة تنحر فيها الذبائح ويوزع بعضها على الفقراء إذا كان ذوو الطالب من الأسر الميسورة أما ما حدث هذه الأيام في حفلات التخريج من مغالاة ومباهاة وصرف بذخي فأمر يحتاج الوقوف عنده بصرامة وصلابة من الآباء ومديري الجامعات والمسؤولين في إدارات التعليم المختلفة إذ أن حفلات التخريج تنظم على أوسع وأكبر المستويات في أضخم وأفخم وأرقى الصالات والخنادق والقاعات يدفع فيها الآباء لأبنائهم دم قلبهم من الأموال للترتيبات والتجهيزات التي تسبق هذا الحفل الذي يبدو فيه الطالب المتخرج أو الطالبة كأنه عريس وليس خريج وتعدّ حنة الخريج الآنفة الذكر القيدومة ومجمع ومنتدى وملتقى للطلبة وزميلاتهم وبعض أقاربهم يجتمعون في منزل الخريج أو أحد أصدقائه لتقوم بوضع الحناء واحدة سمحة ومقدرة من زملائه وهذه إحدى المظاهر السا لبة التي تصاحب التخريج ولا أدري إن كانت الفلسفة من ورائها أن تكون مصدر خير وبركة وتفاؤل عليه حتى يظفر بوظيفة مرموقة في أقرب فرصة فور تخرجه أما الوزير الهمام الذي يظل ملازما له في عنقريب الحناء واختيار البدلة والحذاء وربطة العنق ونوع العطر حتى صبغة الشعر الزينة الرجالية والأخرى حتى يبدو في أبهى صورة وأيضا يشارك الوزراء المعنيون باختيار الفنان الذي سيصدح في حفل التخريج والرقص المختلط الذي يحدث فيه ما يحدث من سلوكيات غير منضبطة لا تشبه عاداتنا وأعرافنا ولا تتواءم مع حفل كهذا يشرفه نخبة من العلماء الأجلاء وكبار الأساتذة وعمداء الكليات والجامعات لهم هيبتهم ومكانتهم العلمية والفكرية والثقافية والاجتماعية فمن الواجب أن نوفي لهم التبجيل التقدير والاحترام فمثلا من غير اللائق أن تجلس الطالبة أو الخريجة على كرسي ويقوم زملاؤها بحملها إلى أعلى وهي تتثني وتتمايل وتتراقص طربا وفرحا ونشوة أمام زملائها وربما كشفت عن رأسها ربما أن من حق الخريجين الفرح والسرور لكن بالطريقة المثلى والقدر المعقول وبالطبع فإن النجاح له نكهته ومذاقه وحلاوته بحيث تظل الأسر في ترقب وتلهف وطول انتظار لتخريج فلذات أكبادها بعد جهد واجتهاد ومثابرة وكفاح وهم يتسلحون بالعلم والمعرفة والقيم والمثل والمبادئ الرفيعة يحدوهم الأمل والرجاء في ارتقاء أعلى المناصب وأرفعها حتى يسهموا في نهضة وتقدم وازدهار هذا الوطن الحبيب فهذا العلم الذي يطيب غرسه وتجنى ثمرته من خلال هذه الاحتفالات والذي قال فيه الإمام الشافعي: رأيت العلم صاحبه كريم ولو ولدته آباء لئام وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم أمره القوم الكرام.