تناولنا فى المقال السابق الخلفية التاريخية لنشأة الحركة الاتحادية ودور النظم الشمولية الثلاث التى استمرت لنحو نصف قرن عملت خلالها لتصفية الاحزاب وكل مؤسسات المجتمع المدني وتوقفنا عند نظام الانقاذ الذى كان افتك النظم الشمولية بالاحزاب السياسية ,وطرحنا عدد من الاسئلة مثل هل مازال الحزب الاتحادي موجود؟وهل مازال هناك دور ينتظره ؟ ام اصبح مجرد ذكرى عطرة كغيره من احزاب الوسط في المنطقة والاقليم ؟. ونجيب لقد كان لنشأة الحزب الاتحادي الديمقراطي كتحالف بين المثقفين والمتعلمين من جهة والمجتمع الارثي والاهلي (الطرق الصوفية ,زعماء العشائر والقبائل) اكبر الاثر فى ان يظل على قيد الحياة بعد نصف قرن من الضربات الموجعة التى ظلت توجهها النظم الشمولية بحظر النشاط السياسي وتغيب الحياة الديمقراطية وحملات الاعتقالات التى طالت معظم قادة الحزب الاتحادي ورحيل كل قيادة الحزب ابان فترة النظام الانقلابي المايوي مثل رحيل الزعيم الازهري والشريف حسين الهندي وابوحسبو وقبلهما مبارك زروق والسيد علي الميرغني عليهم الرحمة وكذلك لم تدم الديمقرطية طويلا بعد حتى يتم ترتيب الصفوف التنظيمية للحزب لتأتي الانقاذ ويستمر معها نزيف رحيل ماتبقى من قيادة الصف الاول ومن تدربوا على ايديهم . كل هذه الاسباب وغيرها لوحدثت لاي حزب غير الحزب الاتحادي لاصبح مجرد ذكرى ولكن تضافرة مجموعة اسباب منها ماصاحب فترة التكوين حيث توحدت عدة تيارت اتحادية واندمجت مكونة للحزب الوطني الاتحادي حيث تمثل هذه التيارت مدرسه فكريه استثنائه تتمدد فى المسافه الفزيائية الواسعه بين اليمين واليسار وهذه الميزه غيرمتوفره فى معظم احزاب الوسط فى المنطقه والاقليم ويتضح هذا الامر اذا اسقطنا فكرة تبني مقترح الاستقلال بعد ان توحدة تلك الاحزاب الاتحادية بمبادرة من اللواء محمد نجيب بهدف الوحدة مع الشقيقة مصر احد اهم اطراف الحكم الثنائي ,المهم ان توحد هذه الاحزاب التى ضمت قيادات ضخمة ذات ثقافة ممزوجة من كل الالوان الفكريه السائده وقتها مكونة خلطة فكرية نادرة اصبحت واحدة من اهم مكونات الشخصية السودانية لاحقا, وهذا بدوره اتضح من خلال المنهج الوطني الخاص الذي تم به تحقيق الاستقلال وهو منهج استثنائي بمثل ما كان الاستعمار استثنائي وثنائي ونلمس ذلك بوضوح اذا ما اسقطنا ذاك المنهج على تجارب الدول التى نالت استقلالها خلال تلك الفترة وكم كلفها ذلك مثل الجزائر ارض المليون شهيد وتونس وليبيا والمغرب وسوريا مع اختلاف المستعمر عند بعضها , ومن الاسباب التى اعتقد انها حافظت على بقاء الاتحادي الديمقراطي ككم جماهيري وفكره هو تمدده داخل القوى الحديثة من شباب وطلاب ومهنين وعمال وتجار ومزارعين وتمركزه فى المدن والحضر حتى فى مناطق نفوز غيره من الاحزاب المنافسة له حيث تمد الحزب الوطني الاتحادي فى كل بقاع السودان بمختلف الوانهم وامزجتهم وادينهم من مسلمين بمختلف مذاهبهم ومسيحين بمختلف طوائفهم بل تعامل بوعي حتى مع اهل الكجور وغيرهم من اصحاب الديانات المحلية التي مازال بعضها موجود كثقافة وان ذهب نصفنا الاخر الجنوب كجغرافية نتيجة لعدم الفهم السليم لعملية ادارة التغير لثقافات راسخة بمنهج هتافي شوفوني استعلائي مثل تجربة الاسلاموين فيما عرف بالمشروع الحضاري التى هزمها الواقع واصبت مجرد ذكرى غير سارة لكل السودانين ولعموم الانسانية . ويضاف الى تلك الاسباب التجربة العملية للحزب الوطني الاتحادي بعد ان ححقق الاغلبيه المطلقه الاولى والاخيرة فى تاريخ البلاد حتى الان حيث انتهج الوطني الاتحادي منهج ديمقراطي لم تشهد المنطقه مثله وهذا مامكنه من تحقق اصعب واهم المراحل ذات العلاقة بالاستقلال كالجلاء والسودنة وقبلهما مفاوضات الاستقلال ومن ثم مابعد مرحلة التحرير وهوماعرف بمرحلة التعمير كالاهتمام بالتعليم وفتح كميه لايستهان بها من المدارس الحكومية والاهلية والمعاهد والخلاوي ودور الثقافة والاندية الرياضية ,والمرافق الصحية والارشاد الزراعي والغذائي على سبيل المثال. ومن الاسباب التي حافظت على بقاء الحزب الاتحادي برغم الهجمة الشمولية الضارية هي تعامل الوطني الاتحادي والدولة وقتها مع العالم حيث بنية العلاقات الخارجية على مفهوم تبادل المصالح والمنافع دون التمحور عند الرؤي الايدلوجية السائدة وقتها وكانت مرحلة خطرة حيث كانت تيارت الادلجة المتصارعة فى اوج تخلقها قبل وبعد واثناء ماعرف بالحرب الباردة والحرب العالمية ومعسكراتها وبروز تيار عدم الانحياز...المهم ساهم هذا المنهج على بناء صداقات دولية راسخة دعمت الدولة السودانية ايما دعم وتركة انطباع جيد فى مخيلة كل الاسرة الدولية التى لم تعاني من طرح افكارها على التربة السودانية الوليدة وذلك مرده للمارسة الديمقراطية المسئولة التي اجبرت كل الاخر على المساهمة فى احترام التجربة الوطنية فى الحكم وحفظ المسافة فى الصراع السياسي بين الدولة والمجتمع والان العالم يبحث باكمله ويتوق ان يرى هذا النموذج فى السودان مرة اخرى ,وكذلك من الاسباب ان الحزب الاتحادي الديمقرطي حزب برامجي يستمد اطروحاته ومنهجه وخططه من دنميكية الواقع مما مكنه من ياخذ برأي اليمين فى قضية وبرأي اليسار فى اخرى دون ان يتقيد بموقعهما الفيزيائي مما خصه بالتعبير عن اكثرية واسعة ومتعددة ... نواصل