صدر عن مركز التنوير المعرفي بالخرطوم العام 2011م، كتاب "إغواء الصفوة"، وهو سفر يقيّم منزلة كتاب (الإسلام في السودان) لجون سبنسر تريمنغهام المبشِّر الإنجليزي في شكل قراءات ودراسات نقدية، قام بإعدادها عدد من الأساتذة المهتمين بالتاريخ السوداني. وهذا يعني أن الدراسات النقدية التي وصمت كتاب تريمنغهام ب"إغواء الصفوة"، قد صدرت بعد نحو ثلثي قرن من صدوره في طبعته الأولى في 1949. ويعتبر كتاب (الإسلام في السودان) مرجعاً مهماً للكثير من الأحداث التاريخية في السودان، خاصة بالنسبة للغربيين، لأنه تحدث عن انتشار الإسلام ومدى تأثيره على حياة السودانيين. نبذة عن كتاب الإسلام في السودان حسب ما جاء في كتاب (إغواء الصفوة) أن كتاب (الإسلام في السودان) صدرت الطبعة الأولى منه عام 1949، عن جامعة أكسفورد، وتناول الهوية السودانية التي تعتبر مثار جدل منذ ثلاثة عقود مضت، كما أنه تناول أسلمة القبائل السودانية ومدى تأثير اللغة العربية على الثقافة السودانية. " الوطنية السودانية، شمالية المنشأ الداعية لسودان موحد، جاءت بشيء من الإرباك للتبشير ومستقبل الجماعات المسيحية الناشئة التي ترعرعت في جنوب السودان " وقال أ. د. عبدالله علي إبراهيم إن كتاب الإسلام في السودان طرح الكثير من المعلومات التاريخية المهمة الثرة، وهو مرجع تاريخي يمكن الاعتماد عليه على الرغم من أن من قام بتأليفه مبشر إنجليزي. وتحدث أيضاً عن أن الوطنية السودانية، شمالية المنشأة الداعية لسودان موحد، جاءت بشيء من الإرباك للتبشير ومستقبل الجماعات المسيحية الناشئة التي ترعرعت في جنوب السودان، وأخذ على الإدارة الاستعمارية أنها أرادت إرضاء القوميين الشماليين بمشروعها المستقبلي للسودان الموحد. واعتبر د. قيصر موسى الزين، كتاب الإسلام في السودان كتاباً مميزاً ومتفرداً، حيث جاء محتوى الكتاب عن السودان الشمالي فقط دون الجنوب، كما اهتم ببعض القضايا وتسليط الضوء عليها، ومن أبرزها قضية أصول أهل السودان الحالي، وكيف تم تحويله إلى الإسلام والاستعراب ليصبح جزءاً من العالم الإسلامي والعربي. جون سبنسر تريمنغهام وقف النقاد كثيراً عند شخصية مؤلف كتاب (الإسلام في السودان) باعتباره مبشراً مسيحياً، وتحدث عن دخول الإسلام في السودان، وعن اللغة العربية ومدى تأثيرها على الشعب السوداني وثقافته. وجاء في التعريف أنه جون سبنسر تريمنغهام، قس بريطاني الجنسية، عاش في السودان مدة طويلة خلال فترة الحكم الثنائي، وتنقل في مختلف أنحائه، وقام بالتبشير بالمسيحية في السودان، وكانت له معرفة جيدة باللغة العربية الفصحى واللهجات العربية السودانية. وبعد أن عمل بالسودان انتقل إلى العمل أستاذاً بجامعة غلاسغو بأسكتلندا عام 1961، مدعوماً من هيئات علمية مختلفة منها جامعة ماكريري بيوغندا وبعض المؤسسات الكنسية، كما عمل قساً في مناطق مختلفة بشرق أفريقيا. له العديد من المؤلفات كلها تحدثت عن الإسلام في أفريقيا، وجاء في مطلعها كتابه (الإسلام في السودان) والذي ذكر في مقدمته أن الغرض من تأليفه هو معونة الراغبين في الدراسات السودانية على تفهم قيمة الإسلام وأثره في حياة السودانيين ويرى الصفوة الذين قاموا بتقييم كتاب سبنسر أنه قدم أساساً معيناً على فهم المجتمع السوداني فهماً صحيحاً. أصل السودانيين اهتم المشاركون في تقييم كتاب (الإسلام في السودان) بحديث تريمنغهام عن أصل سكان السودان وتوزيعهم وتعدادهم الذي كان حتى العام 1944 حوالى ستة ملايين نسمة، والذي قسمهم دينياً إلى "مسلمي الشمال ووثني الجنوب" يفصلهما خط 12 شمال. " سبنسر تريمنغهام اعتمد في أصول السكان في السودان على مخطوطة نسخها خليفة التجانية في كردفان عام 1884م " وركز المؤلف في حديثه عن سكان السودان الشمالي المسلمين، حيث صنّفهم إلى أربع مجموعات، الأولى هي جماعة القبائل المتحدثة بالنوبية، وهي: (الكنوز، المحس والسكوت، الدناقلة)، أما المجموعة الثانية فهي تضم القبائل البجاوية (البشاريين، الأمرأر، الهدندوة، البني عامر، الحلنقة، والعبابدة). والمجموعة الثالثة وهي التي تتحدث العربية (الجعليين، الشايقية، الجوابرة، البديرية، وقبائل كردفان، والبطانة). أما المجموعة الرابعة التي تحدث عنها المؤلف فهي مجموعة الزنوج المسلمين (الفلاتة، الهوسا، والبرنو، والفور، والمساليت، البرتي والداجو)، وهناك نوبة في جنوب كردفان. اعتمد المؤلف في أصول السكان في السودان على مخطوطة نسخها خليفة التجانية في كردفان عام 1884، التي جاء فيها أن سكان السودان الأصليين هم النوبة والزنج والأثيوبيين. أما اللغات في الشمال هي اللغة النوبية، ولكن تظل اللغة العربية هي لغة لمعظم شمال السودان، وهي العامية السودانية بلهجاتها الثلاث، لهجة الشمال، ولهجة الوسط (أمدرمان والجزيرة) ولهجة الغرب (النيل الأبيض وكردفان ودارفور). الإسلام والتعريب من ضمن المعلومات التي تناولها الصفوة عن كتاب تريمنغهام هو السرد التاريخي لدخول المسيحية في أرض النوبة إلى دخول الهجرات العربية وانتشار الإسلام وقيام مملكة الفونج الإسلامية في سنار. وحديثه عن انتشار القبائل العربية بعد سقوط دنقلا في النيل الرئيسي، والنيل الأبيض، والأزرق، وكردفان، ودارفور، ونتج عن هذا التوسع العربي ثورة ثقافية بسبب التعريب والإسلام في المجتمع السوداني. وظهر هذا التعريب بوضوح في اللغة والثقافة، بجانب ظهور الدم العربي في السكان بالتزاوج. وأوضح المؤلف أن حكم الفونج (الإسلامية) حول مدينة سنار، كان حكماً مباشراً وقد نشطوا هذه الدولة في نشر الإسلام خاصة بعد هجرات المحس واستقرارهم على النيل الأزرق، فكونوا أسراً دينية أثرت على حياة القبائل المحلية ووصفها المؤلف أنها كانت أعظم نتيجة للإسلام، خاصة أنها مهدت لدخول الطرق الصوفية التي أصبحت زواياها نواة للحضارة الإسلامية في السودان، كما أصبح للأولياء تأثير ديني بعد ذلك. وفي دارفور فقد أرسل أحمد بن إدريس من مكة أبناءه لإصلاح الأحوال الدينية ونشر الإسلام فيها. الإسلام في السودان على الرغم من اتفاق أهل الصفوة مع سبنسر حول دخول الإسلام وتعريب الشعب السوداني، إلا أنهم استنكروا أن يكون هناك إسلامي (شعبي)، وإسلام (آرثوذكسي) والذي يعني عنده الإسلام الذي مداره الشريعة وسدنته علماء الدين. والشعبي يعني عنده هجين بين تفاعل رسالة الإسلام الوافدة وثقافة سكان البلد المتأصلة. " المشاركون في القراءات النقدية أقروا بوصف المؤلف أن دخول الإسلام في شمال السودان فقد كبير للمسيحية في أفريقيا " وأقروا بوصف المؤلف أن دخول الإسلام في شمال السودان بالفقد الكبير للمسيحية في أفريقيا لأنه يرى بحكم أنه مبشر أن المسيحية عنده تعتبر ذروة التسامي بينما الإسلام من أسباب التخلف، ولسوء ظنه في إسلام السودان وجموده، قال إنه لا المسيحية ولا الإسلام وفقا في تغيير الطابع الوثني الراسخ في الثقافة السودانية التاريخية . وقال (تريمنغهام) أيضاً أن المسيحية عند النوبة في الشمال كانت ديناً جاهلاً بالإيمان، مما جعلها فريسة سهلة للإسلام، وأكد أيضاً أن السودانيين لم يجدوا صعوبة في قبول الإسلام. لأنه يؤسس لحياة اجتماعية لكل الأعراق ويغطي كل جوانب الحياة، وذلك هو سبب انتشاره وتعايشه مع الثقافات المحلية حتى يصبح جزءاً منها، كما أن التنوع العرقي في السودان أدى لتدين كل مجموعة بطريقة مختلفة عن الأخرى. وجاء في القراءة التي قدمها د. فائز عمر محمد جامع أن الكتاب استطاع أن يجمع موسوعة متكاملة عن العادات والتقاليد والطقوس والمتعقدات المتداولة بين أهل السودان. والخلط بين (تعاليم الدين، وتقاليد المجتمعات) داء واسع الانتشار في المجتمعات وعلاقتها بالدين. الطرق الصوفية في السودان قدم د. حسن عوض الكريم، عرضاً وترجمة لحديث المؤلف عن الطرق الصوفية والطرق التي دخلت بها السودان، وقال إن المعلومات التي جاءت في كتاب الإسلام في السودان تعتبر مرجعاً مهماً، حيث جاء فيه أن أغلب الفقهاء الذين دخلوا السودان قبل عهد الحكم المصري كانوا من المذهب المالكي، ولكن بعد ذلك أدخل المذهب الحنفي كقانون في كل المحاكم. وفي عهد المهدية ألغيت كل المذاهب، ولكن بقي المذهب المالكي، وفي عهد الإنجليز تركت مسائل الأحوال الشخصية للأوقاف، وأنشئت المحاكم الشرعية ويشرف عليها قضاة. فكونت الحكومة منذ 1912 أول مجمع للعلماء برئاسة أبوالقاسم أحمد هاشم، أيضاً بنيت المساجد في المدن والقرى السودانية في فناءات كبيرة وأحياناً تضاف إليها خلوة. ويرى د. عوض الكريم، أن تريمغنهام قدم عرضاً تاريخياً لتطوير التصوف في السودان، وقال إن دخول الصوفية السودان قد أخذ مرحلتين الأولى: مرحلة عصر الفونج وشهدت دخول الطريقة الشاذلية 1445، القادرية 1743، المجذوبية 1776 . أما المرحلة الثانية، فدخلت الطرق المتأثرة بحركة الإصلاح الديني التي قادها الوهابيون في الحجاز في القرن ال19 وهي: الطريقة السمانية عام 1800، الطريقة الإدريسية 1837، التيجانية 1882 . وقال أيضاً خلال هذه الفترة دخلت الطرق المصرية- السورية مثل: (السيادية والرحمانية والبدوية والبرهانية). الاعتقاد بالأولياء والكرامات وأشار د. فايز أيضاً إلى أن الكتاب (الإسلام في السودان) تناول معتقدات وطقوس الإسلام السائد في السودان، حيث صورها المؤلف من مصادرها الأصلية لاسيما طبقات ود ضيف الله، وهي اعتقادات لا تزال سائدة في الأوساط الشعبية السودانية. " د. فايز جامع أشار إلى أن كتاب (الإسلام في السودان) تناول معتقدات وطقوس الإسلام السائد في السودان " إن الاعتقاد في الأولياء الصالحين في السودان هو صفة ملحوظة، وضمّن ذلك في قوة الشفاعة والكرامات، واعتبر ذلك من جوهر الحياة الدينية السودانية. وأوضح أن السودان له شخصيته الخاصة بشأن الأولياء، وفي اعتقادهم أن لهم درجات كونية عليا ووسط ودنيا، ويؤمن السودانيون بمكانة الولي. وقال إن أمدرمان اليوم بقبابها تعكس حياة السودانيين الدينية، كما لديهم اعتقاد أعمى في أولئك الأولياء الذين ماتوا، لذلك تجد القباب على طول النيل الأزرق حتى سنار وقليل منها على النيل الأبيض وكردفان. وتحدث عن الطقوس في القبة أنها تسمى بالزيارة وعادة ما تؤدى عند مولد طفل جديد أو الختان أو الزواج. وأحياناً يعتقد في كرامات الولي عقب وفاته. التغيير الفكري والاجتماعي أيضاً من ضمن القراءات التي اهتم بها المشاركون في تقييم كتاب (الإسلام في السودان) وعلى حسب ما ذكر المؤلف أن طبيعة السودان الصحراوية قطعته عن أي ارتباط ثقافي أو اقتصادي مباشر مع أوروبا، وكان ارتباطه بمصر هو الأهم. ونتجت درجة التغريب بظهور الأفندية وهم أولئك الذين تلقوا تعليماً حديثاً بالمدارس الوسطى والثانوية، وكان معظمهم من القبائل النهرية (الدناقلة – الجعليين)، فكان لهم ميل معقول رغم عدم خروجهم عن الأسرة وهذا الميل أدى إلى تغيير اجتماعي. ووصف أن للمدرسة دوراً تربوياً مؤثراً على السودانيين، هذا بالإضافة لعناصر أخرى مثل الراديو، الإعلام، السينما. وكانت القاهرة هي مصدر الحياة الفكرية للسودانيين منها تصل الصحف والمجلات وكتب الأدب، لذلك فعلمانية الأفندي السوداني لم تكن عميقة لأنه يعيش ازدواجية في الحياة ما بين الطبيب مثلاً والفكي أو بين المسجد والنادي الثقافي، ومن الصعب أن يعبر عن رأيه لأنه يخاف لوم الكبار وتوبيخهم. لذلك في اعتقاد المؤلف لم ينل الأفندي السوداني أو يكسب أي وضع علمي. أما التغيير وسط المزارعين في القرى فقد أدخلت الحكومة الإنجليزية بعض التسهيلات في حياتهم، خاصة بعد إنشاء المدارس والخدمات الصحية، ولكن لم تدخل المقاهي والمثيرات القرى. أما التطور الاقتصادي في السودان فقد أعاقه اتساع الصحراء وصعوبة المواصلات وطبيعة التربة. إجماع الصفوة أكد النقاد الذين قاموا بدراسة كتاب (الإسلام في السودان) والذي قدمه د. عبدالله علي إبراهيم في شكل قراءات ودراسات نقدية (إغواء الصفوة) أنه كتاب قيّم على الرغم من أنه أعد بواسطة رجل أوروبي مسيحي، بل مبشر ملتزم، إلا أنه جاء محايداً وموضوعياً ومتجرداً في كثير من القضايا التي طرحها. " المعلومات المهمة التي ذكرها الكتاب واعتبرها النقاد مهمة للغاية في تاريخ السودان هي السقوط المفاجئ للمسيحية، ولم تستطع الصمود أمام انتشار الإسلام واللغة العربية " وأنه قام بتقديم فهم تفاصيل الحياة في المجتمع السوداني خير قيام . ومن المعلومات المهمة التي ذكرها الكتاب واعتبارها النقاد مهمة للغاية في تاريخ السودان هي السقوط المفاجئ للمسيحية، ولم تستطع الصمود أمام انتشار الإسلام واللغة العربية، كما أشار بوضوح إلى أن المسيحية في القارة الأفريقية خسرت كثيراً بفقدها للكنيسة في دنقلا. ومن أهم عناصر تفرد هذا الكتاب، هو اهتمامه فقط بالسودان الشمالي المسلم دون جنوب السودان. وأكد النقاد أيضاً أن هذا الكتاب لا يشبه عمل الرحالة لأنه جاء نتاجا لاحتكاك المؤلف بالمجتمع السوداني والخبرة والمعايشة . وأكدوا أن كتاب الإسلام في السودان من الكتب ذات الأهمية التاريخية، التي كتبت بعناية خلال الفترة الاستعمارية في السودان، وفيه حشد كبير لمعلومات أساس مجالات شتى، من أهمها تعريفه بالسودان أرضاً وسكانا، والمؤسسات الإسلامية والدينية، والاعتقاد، والممارسات الدينية والطرق الصوفية، والتأثيرات الغربية في إطار تحديث السودان .