نشرت مكتبة الشريف الأكاديمية كتاباً حديثاً بعنوان: "أثر سياسة التحرير الاقتصادي على الاقتصاد السوداني" مطلع هذا العام 2012م، وهو من تأليف د. مهدي عثمان الركابي أحمد، ويحتوي على خمسة فصول ويتألف من 160 صحفة. أثارت سياسة التحرير الاقتصادي التي تم تطبيقها في السودان، الكثير من الجدل وسط الاقتصاديين والسياسيين والمفكرين وحتى المواطن العادي، وكان مصدر هذه الإثارة هو أن هذه السياسة طبقت في فترة صاحبت متغيِّرات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وتمثلت أهم المتغيِّرات السياسية في المرجعية الإسلامية للنظام السياسي الحاكم، وبالتالي فإن الإطار الإسلامي هو المحدد للفلسفة والأسس العامة للاقتصاد والمجتمع. سرد تاريخي سرد المؤلِّف في كتابه هذا النظام الاقتصادي السوداني وتطوره خاصة بعد الاستقلال عبر نظم الحكم في السودان، وجاء في الكتاب أن فترة الثمانينيات من القرن الماضي فترة حرجة في تاريخ السودان، حيث شهدت عدة متغيِّرات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتمثلت هذه المتغيِّرات في الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والتصحر والفيضانات والحرب، وأثرت هذه المتغيِّرات على السياسة الاقتصادية في البلاد، حيث أدت إلى عدم الاستقرار في الاقتصاد السوداني الكلي. وذكر المؤلف أن معظم الأنظمة التي حكمت السودان على الرغم من اختلافها في مرجعيتها الفكرية، إلا أنها كانت دائماً تعتبر التعاونيات أهم وسيلة في تخفيف أعباء المعيشة للمواطن السوداني، حيث تعتبر إحدى الحلول من تخفيف الآثار السالبة لتحرير الاقتصاد في السودان. ؛؛؛ المتغيِّرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المتمثلة في الكوارث الطبيعية من جفاف وتصحر وفيضانات وحرب أثر على السياسة الاقتصادية بالسودان ؛؛؛ التضخم يعتبر التضخم مؤشراً وأداةً مهمةً من الأدوات التي تصوِّر مدى الاستقرار الاقتصادي في أي دولة. وأوضح الكاتب أن التضخم في الاقتصاد السوداني يتأرجح بين الصعود والهبوط. واعتبر التضخم في السودان من المشكلات التي واجهت الاقتصاد منذ سنين، وقد أثَّر التضخم على مستوى الإنتاج والاستهلاك، وبالتالي أعاق عملية التنمية الاقتصادية ومستوى رفاهية الفرد السوداني. وعموماً يمكن القول إنه بعد تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي مباشرة، تفاقمت معدلات التضخم واستمرت في الارتفاع بمعدلات تفوق 100%، خاصة في عام 1996م، ولكنه انخفض في 2004م. الموازنة العامة الموازنة العامة للدولة عبارة عن تقدير للإيرادات والنفقات العامة للدولة لفترة زمنية مقبلة، عادة ما تكون عاماً، ووثيقة قانونية ملزمة للدولة بعد إجازتها من السلطة التشريعية. وقال المؤلف في كتابه هذا إن الموازنة العامة اليوم لم تعد وثيقة حسابية للايرادات والنفقات بل أصبحت الموازنة العامة أداة تستخدمها الدول لتنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي السودان، وحتى عام 2005م تتكوّن الموازنة العامة من الإيرادات العامة والنفقات وتشمل الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، وتتمثل النفقات في الإنفاق الجاري والإنفاق التنموي الولائي والقومي. ويتضح أن تصاعداً في الصرف على التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة 1991-2005م، ويمكن القول إن الصرف على التنمية قد ازداد من 2316.8 مليون جنيه إلى حوالى 3103336 مليون جنيه عام 2004م. ؛؛؛ معدلات التضخم تفاقمت بعد تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي مباشرة بما يفوق 100%، خاصة في عام 1996م، ولكنه انخفض في 2004م ؛؛؛ الاستدانة من النظام المصرفي وفي ما يتعلَّق بعجز وفائض الموازنات العامة تبين أن الإيرادات الذاتية غير قادرة على تمويل كل الإنفاق الجاري والذي يتمثَّل في الأجور والإلتزامات التأمينية والمعاشية والتسيير والدعم الجاري للولايات، وذلك خلال الأعوام الماضية وبعد دخول عائدات النفط أصبحت هناك مساهمات فعّالة في تمويل الميزانيات الماضية، وهناك موارد أخرى أسهمت في تمويل الميزانيات بصورة عادية وتغطية العجز على المستوى الكلي. هذا الاستقرار أدى إلى انخفاض واضح في الاستدانة من النظام المصرفي خلال الأعوام الماضية. الميزان التجاري يعكس ميزان المدفوعات تعامل اقتصاد دولة مع العالم الخارجي، حيث يبين هذا الميزان تدفقات السلع المنظورة، بالإضافة إلى حركة رؤساء الأموال والخدمات بين الدولة والعالم الخارجي. والميزان التجاري محور مهم من محاور ميزان المدفوعات، فهو يحصر حركة واردات وصادرات الدولة من السلع. وفي السودان اتضح أن صادرات السودان من السلع قد ازدادت من حوالى 595.7 مليون دولار عام 1998م إلى حوالى 780.1 مليون دولار عام 1999م، وترجع هذه القفزة الكبيرة في الصادرات السودانية خلال 1999م، إلى عائد صادرات البترول. وتوالت الصادرات السودانية السلعية في الصعود منذ العام 1998م. ويمكن القول إنه لم يحدث تغيير في هيكل الصادرات غير البترولية السودانية، وهذا انعكس سلباً على الميزان التجاري، وقد أدى إلى مزيد من العجز، كما أدى ضعف الصادرات غير البترولية إلى الركود في القطاعات التقليدية السودانية والتي تتمثّل في الزراعة والصناعة والصادرات غير البترولية تعني الطلب على المنتجات الزراعية والصناعية من العالم، وهذا الطلب مربوط بالتسويق والقدرة التنافسية لهذه الصادرات. البدائل غير البترولية وأضاف الكاتب وحتى تتمكن صادراتنا غير البترولية من التقدم إلى الأمام لا بد من الأخذ في الاعتبار رفع القدرة التنافسية المحلية من حيث المنتج والسعر والتسويق، وكذلك لا بد من رفع القدرة التسويقية لصادراتنا للعالم الخارجي باستخدام أساليب المزيج التسويقي الحديثة والاستفادة من البحوث العلمية الخاصة بالصادرات. ؛؛؛ ضعف الصادرات غير البترولية أدى إلى الركود في القطاعات التقليدية السودانية والتي تتمثّل في الزراعة والصناعة ؛؛؛ هنالك تطور كبير في واردات السودان من الخارج، حيث ازدادت وتمثلت هذه الإيرادات في الأعوام السابقة في الآلات والمعدات وكانت نسبتها حوالى 27% من جملة الواردات تليها السلع المصنعة بنسبة 25%. وعند تحليلنا للواردات خلال الأعوام السابقة، يتضح أن هناك زيادة في استيراد المواد الغذائية ووسائل النقل بدرجة كبيرة، حيث ازدادت المبالغ المدفوعة لهذه السلع الاستهلاكية عن المليار دولار. ويرى المؤلف أنه كان يمكن الاستفادة أو تخصيص جزء كبير من هذا المبلغ لاستيراد الآلات والمعدات والتي تعتبر إنتاجية أي تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي. ورفع القدرة الإنتاجية للقطاعين الزراعي والصناعي، وكذلك يمكن تحويل مبالغ مقدّرة للبحوث العلمية لفتح القدرة التنافسية مثلاً للقمح السوداني كبديل للقمح المستورد أو إيجاد حلول وبديل يسمح بالتخفيض من فاتورة استيراد القمح. الاستثمار أحد الحلول ويرى د. مهدي أن النمو الاقتصادي وبمعدلات عالية ضرورة ملحة للاقتصاد السوداني، فالسودان في حاجة ماسة لزيادة معدَّلات الاستثمار ويمكن أن يكون النمو الاقتصادي من الآليات التي يتوفر من خلالها رأس المال اللازم لهذا الاستثمار ومن خلال المعدلات العالية والمتسارعة للنمو الاقتصادي في السودان يمكن أن تحقق الغايات الإنمائية. ؛؛؛ الاستقرار السياسي ضروري لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهو يجعل الخطط الطويلة المدى ممكنة التطبيق ؛؛؛ وهنالك عدة عوامل صاحبت سياسة تحرير الاقتصاد السوداني، وأثرت سلباً على النمو الاقتصادي في المرحلة التي سبقت تطبيق سياسة التحرير وتتثمل هذه العوامل في انتقاء ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والتي تميّزت بها مرحلة ما قبل تطبيق سياسة التحرير. كما يعتبر الاستقرار السياسي ضرورياً لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما يحقق ويجعل الخطط الطويلة المدى ممكنة التطبيق، وبالتالي تأخذ برامج التنمية حظها من الوقت الكافي للتطبيق وفقاً لرؤية واحدة وبهذا يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. الاقتصاد السوداني اليوم يواجه الاقتصاد السوداني اليوم تحدياتٍ كبيرةً في التنمية الاقتصادية، ويتطلب توجه الأموال بمعدلات كبيرة نحو الاستثمار، وبالتالي مزيد من التضحيات على مستوى الحكومة والأفراد. كما يجب على الحكومة اليوم توعية التجار والمستثمرين بالمفهوم الصحيح لسياسة التحرير الاقتصادي. ونصح المؤلف بضرورة تخفيض بنود الاستهلاك وتحويل أموالها للاستثمار والتنمية الاقتصادية في السودان.