والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يجري في سوريا؟
نشر في شبكة الشروق يوم 22 - 09 - 2012

منذ ما يزيد عن العام ونصف العام وسوريا تمرُّ بأزمة بالغة التعقيد بسبب المواجهات الدامية بين القوات المسلحة السورية وقوى الأمن من جهة والمعارضة السياسية والمسلحة ممثلةً في أكبر قوة معارضة مسلحة وهي الجيش السوري الحر.
ولكن، هل ما يجري في سوريا اليوم تعقيدات داخلية مجرَّدة عن أي التباسات إقليمية أو دولية؟
ليس هنالك أدنى شك في أن الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع السوري لا تكاد تخطئها عين بصيرة أو عمياء، فموقع سوريا الجغرافي وتشابكات وصراعات المصالح الدولية فيها وحولها، أعقد من أن لا تتداخل أوضاعها ومشكلاتها الداخلية مع تلك المصالح.
إن تغيير النظام القائم في سوريا وإبداله بنظام ديمقراطي تعددي هو أهم هدف معلن يسعى الجيش السوري الحر إلى تحقيقه في سوريا، كما تقول مواثيقه ومبادئه العامة.
لكن هذا الهدف وإن كان غايةً يسعى إليها المعارضون السوريون منذ نيف وأربعين عاماً إلا أنها ليست الغاية التي تسعى إليها القوى الدولية الداعمة للمعارضة السورية وللجيش السوري الحر.
إذ أن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والنظام الليبرالي التعددي شعارات ترفعها هذه القوى للتغطية على حقيقة أهدافها المتمثلة في تحقيق مصالحها الاستراتيجية بغض النظر عن ديمقراطية النظام أو دكتاتوريته الدموية والشاهد على صحة هذه الأطروحة ما حدث في مصر وليبيا بعد الإطاحة بحكم الرئيسين السابقين حسني ومبارك والعقيد معمر القذافي.
سوابق أميركا
لم تعترف القوى الغريبة، وعلى رأسها أميركا، بفوز محمد مرسي في مصر إلا مضطرةً، لتتفادى الانفجار الذي قد يحدثه القول بتزوير نتيجة الانتخابات، وإلا فلماذا تأخر إعلان النتيجة أكثر من عشرة أيام، وهي حتى اليوم تدعم بقايا نظام حسني مبارك والمجموعات اليسارية والليبرالية والعلمانية المعادية لجماعة الإخوان المسلمين.
؛؛؛
أميركا دعمت إنقلاباً عسكرياً في الجزائر في يناير 1992م غداة وصول الإسلاميين في الجزائر إلى السلطة بعد انتخابات نزيهة بتدبير فرنسي مباشر وبدعم أميركي صريح
؛؛؛
إن هذا ليس جديداً على الولايات المتحدة الأميركية التي دعمت إنقلاباً عسكرياً في الجزائر في يناير 1992م غداة وصول الإسلاميين في الجزائر إلى السلطة بعد الانتخابات التي لم تطعن أي جهة في نزاهتها، فكان أن وقع إنقلاب الجنرال خالد نزار بتدبير فرنسي مباشر وبدعم أميركي صريح، بحسب التصريح الذي تلاه الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية في 13 يناير 1992م.
بل إن تراث أميركا الحديث لم يكن أبداً داعماً للحريات والتعددية السياسية والنظم البرلمانية في مواجهة الدكتاتورية، فهي أكبر داعم لحكم شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي طوال ما يقرب من أربعين عاماً (1941- 1979م).
إذ لم يكن حكم شاه إيران الراحل تعددياً أو برلمانياً أو ليبرالياً، ولكنه كان نظاماً أوتوقراطياً مدعوماً بأجهزة الأمن التي تتفنن في القتل والسحل والتعذيب والإرهاب، وهذا ما لم تنكره أميركا نفسها بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام آيات الله الخميني في 11 فبراير 1979م، بل واعترفت أن دعمها لنظام الشاه الراحل كان خطيئة تتطلب التكفير.
؛؛؛
مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق، في مذكراته: الحزب الشيوعي الإيطالي حصل على ثقل برلماني لا تحتمله السياسة الأميركية فأقدمت على تزوير الانتخابات في 1953م
؛؛؛
... وفي إيطاليا أيضاً
أما في ليبيا، فإن ما تسميه الولايات المتحدة الأميركية بالفوضى الخلاّقة تسود ليبيا اليوم، على نحو يجعل القانون في إجازة والحكومة لا يكاد يكون لها وجود والصراع القبلي على أشده، والفوضى ضاربة أطنابها حتى بعد إجراء انتخابات مشكوك في نزاهتها، جعلت الإسلاميين يأتون في ذيل القائمة بنتائج ضعيفة لا تتناسب مع وزنهم وثقلهم في المعارضة الليبية وفي الثورة، مما يرجّح أن تكون هذه الانتخابات مزورة.
وهذا أسلوب من أهم أساليب المخابرات المركزية الأميركية CIA في إسقاط خصوم السياسة الأميركية، وهذا ما حدث في مرات متكررة من أهمها تزوير الانتخابات الإيطالية في عام 1953م بسبب حصول الحزب الشيوعي الإيطالي على ثقل برلماني مقدّر لا تحتمله السياسة الأميركية، وهذا ما ذكره مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الأسبق، وليام كولبي، في مذكراته التي تمت ترجمتها ونشرها وصدرت عن إحدى دور النشر في 1980م.
فإذا كانت الديمقراطية البرلمانية ليست هدفاً من أهداف الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن أن يكون هدفها الأهم فما هي حقيقة أهداف الولايات المتحدة الأميركية في سوريا؟
وحدة الشام.. هل من عودة؟
يقول التاريخ في مختلف عصوره، إن استقرار العلاقات بين مصر وسوريا أو مصر والشام، كما كان يطلق على سوريا قبل تقسيمها إلى عدد من الدول منذ اتفاقية سايكس بيكو في 1916م، هو أساس استقرار الواقع العربي.
؛؛؛
صلاح الدين الأيوبي أول من وحَّد الشام بعد معركة حطين في عام 583ه بتحرير القدس الشريف والصلاة في المسجد الأقصى
؛؛؛
بل نجده الخطوة الجوهرية لأي انتصار عسكري أو استقرار داخلي، وهذا ما حدث قبل النصر الحاسم الذي أحرزه المجاهد الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين في عام 583ه والذي توجه بتحرير القدس الشريف والصلاة في المسجد الأقصى، إذ إنه بدأ جهاده بتوحيد مصر وسوريا والإطاحة بالنظام المتهرئ القائم في مصر قبل معركة حطين وفي العصر الحديث كانت الوحدة المصرية السورية (1958- 1961) على علاتها.
وعلى الرغم من كل ما يقال عنها من حيث إنها وحدة فرضتها الظروف السياسية القائمة في سوريا ولم تكن إلا وحدةً فوقية رغم الترحيب الجماهيري بها، إلا إنها على الرغم من ذلك كانت مستهدفة من قبل القوى الكبرى شرقية وغربية حتى وقع الإنقلاب العسكري السوري الذي أطاح بنظام الحكم القائم في سوريا وبالوحدة المصرية السورية معاً في 28 سبتمبر 1961م.
فإذا كان هذا هو منطق التاريخ، فما المانع من العودة إلى وحدة مصرية سورية جديدة تعيد ترتيب النظام الإقليمي العربي على وجه أكمل وأفضل، وماذا سيكون موقف القوى الدولية الكبرى حينما يحدث مثل هذا الاحتمال؟ وهي التي سعت إلى عدم العودة بالمنطقة إلى أي احتمال لوجود علاقات طبيعية بين الدول العربية ناهيك عن التنسيق أو التعاون السياسي أو الأمني أو الاقتصادي.
تمكين إسرائيل
إن هناك مشروعاً يسعى إلى تفكيك الهوية الحضارية لعالمنا العربي وإبعاده عن أصوله العربية الإسلامية لصالح البعد الجغرافي والمصالح الاقتصادية البعيدة عن أي بعد عقدي أو حضاري، وهو ما يسمى بمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، كما طرحه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن منذ عام 2004م.
؛؛؛
الغزو الأميركي للعراق لم يكن يستهدف العراق وحده، إنما كان يستهدف سوريا من بعده إلى جانب دول عربية أخرى منها السودان واليمن
؛؛؛
ويهدف هذا المشروع إلى تمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة العربية سياسياً وعسكرياً وتقانياً وعلمياً وصناعياً، وتفكيك الدول العربية كافة وتحويلها إلى كانتونات أشبه بالكانتونات السويسرية.
وقد بدأ هذا المشروع حتى قبل كشف الولايات المتحدة الأميركية لحقيقة نواياها بطرحها مشروع الشرق الأوسط الكبير بالغزو الأميركي للعراق ودخول القوات الأميركية مدينة بغداد في التاسع من إبريل 2003م.
ولكن الغزو الأميركي للعراق لم يكن يستهدف العراق وحده، إنما كان يستهدف سوريا من بعده إلى جانب دول عربية أخرى منها السودان واليمن، إلا أن المقاومة العراقية الضارية للاحتلال الأميركي وتورط الولايات المتحدة الأميركية في المستنقع العراقي والضربات القاسية التي ألحقتها المقاومة العراقية بقوات الاحتلال الأميركي أجَّلت تنفيذ المخطط الأميركي، لكنها لم تلغه، فطبيعة السياسة الأميركية تقوم على أهداف وسياسات واستراتيجيات يتم تنفيذها على المدى البعيد.
ومن هذه الأهداف مشروع تفكيك العالم العربي الذي وضع خطوطه العريضة البروفيسور الصهيوني بيرناند لويس. وأصبح سياسةً أميركية رسمية بإجازة الكونغرس الأميركي لها في عام 1980م.
أقدام مشلولة
لقد كانت السياسة الأميركية وما زالت تعتبر الشرق الأوسط منطقة مصالح حيوية بالنسبة لها لأسباب عسكرية واستراتيجية وسياسية من أهمها تأمين البترول وحماية ما تراه مقتضيات الأمن القومي الأميركي من خلال محاصرة الاتحاد السوفيتي السابق وحصره داخل حدوده الجغرافية ومنعه من الحصول على أي موطئ قدم في المنطقة.
؛؛؛
أميركا قادرة على فرض مصالحها بالقوة المسلحة إن فشلت بغيرها فالدول العملاقة الأخرى لا تعدو أن تكون قوى اقتصادية بأقدام عسكرية ضعيفة أو مشلولة
؛؛؛
وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأميركية ترد بعنف على صفقة السلاح الشيكية لمصر التي عقدت في أكتوبر 1955م، لما تحمله من معانٍ تقرأ من وراء السطور تتصل بالإمكانات المستقبلية لتوسيع مصالح واستراتيجية الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط، وكان ما كان من عدوان إسرائيلي على مصر بالتواطؤ مع كل من بريطانيا وفرنسا في ما عرف في الأدبيات السياسية المعاصرة بالعدوان الثلاثي على مصر (أكتوبر 1956م).
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية الشرقية، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية قطباً آحادياً في السياسة الدولية، وأصبحت أكثر مقدرةً على فرض مصالحها واستراتيجياتها في العالم مع وجود أقطاب دولية اقتصادية عملاقة من أهمها اليابان والهند والصين والاتحاد الأوروبي.
ولكن هذه الحقيقة لا تغيِّر من الواقع شيئاً، إذ أن هذه القوى لا تعدو أن تكون قوى اقتصادية عملاقة بأقدام عسكرية ضعيفة أو مشلولة، مما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على فرض مصالحها واستراتيجياتها الدولية بالقوة المسلحة إن فشلت بغيرها من الوسائل التي لا تريدها ولا تحتاجها غالباً، وما غزو العراق عنا ببعيد.
معاهدة روسيا وسوريا
تعتبر جمهورية روسيا الاتحادية الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق، إذ أنها كبرى جمهورياته، فمن مساحة الاتحاد السوفيتي التي تصل إلى 22 مليون كيلومتر مربع، تحتل جمهورية روسيا 17 مليون كيلو متر مربع منها.
؛؛؛
روسيا الاتحادية أصبحت، بعد وصول فلادمير بوتين للسلطة، أكثر تشدداً في سياستها الخارجية تجاه الولايات المتحدة الأميركية
؛؛؛
أي أن مساحة جمهورية روسيا الاتحادية تعادل 80% من مساحة الاتحاد السوفيتي السابق، وتمتلك روسيا حالياً جيشاً إمبراطورياً عملاقاً وإمكانات عسكرية هائلة، وإن كانت دون الإمكانات الأميركية، وسلاحاً ذرياً يعتبر الثاني بعد السلاح الذري الأميركي، إن لم يكن الأول، وفقاً لتقارير استخبارية أميركية سرية.
ومع وصول قيادة قومية روسية متشددة إلى كرسي السلطة في جمهورية روسيا الاتحادية ممثلةً في الرئيس فلادمير بوتين، فإن جمهورية روسيا الاتحادية أصبحت أكثر تشدداً في سياستها الخارجية تجاه الولايات المتحدة الأميركية، وتسعى دائماً إلى تعزيز قوتها العسكرية مستعينة بأموال النفط الضخمة التي تدرها عليها مبيعاتها من النفط الذي تمثل -جمهورية روسيا- أكبر منتج له في العالم.
كل هذه الإمكانات ليست في صالح الولايات المتحدة الأميركية، إذ أن من يملكها قادر على أن يحوِّل بلاده إلى قوة عملاقة في السياسة الدولية، وهذا ما تتجه إليه جمهورية روسيا الاتحادية آناً بعد آن.
في سبعينيات القرن الماضي، 1978م، وقَّع الاتحاد السوفيتي السابق معاهدة صداقة وتعاون مع الجمهورية العربية السورية في عهد رئيسها الراحل حافظ الأسد، حصل بمقتضاها على تسهيلات عسكرية في ميناء اللاذقية السوري، وأصبحت قطع الأسطول السوفيتي زائراً دائماً للجمهورية العربية السورية.
تشبث روسي
وتعززت العلاقات العسكرية بين الاتحاد السوفيتي السابق والجمهورية العربية السورية وأصبح الاتحاد السوفيتي أكبر مزود للجمهورية السورية بالسلاح في العالم، وهذا ما ورثته جمهورية روسيا الاتحادية عن سلفها الاتحاد السوفيتي السابق، وهي اليوم أحرص ما تكون على استمرار هذه العلاقات، وهذا ما يفسِّر موقفها المتشدد في دعم الرئيس بشار الأسد، على الرغم من كل ما يقال عن تراجعها.
؛؛؛
الدعم الروسي للرئيس بشار الأسد يعنى أن سوريا كسبت حليفاً دولياً ذا ثقل مقدّر في العلاقات الدولية ويملك حق النقض "الفيتو"
؛؛؛
فماذا يعني الدعم الروسي للرئيس بشار الأسد؟ إنه يعنى أن سوريا تكسب حليفاً دولياً ذا ثقل مقدر في العلاقات الدولية ويملك حق النقض (الفيتو) في مواجهة أي احتمال لفرض عقوبات على سوريا بقرار أميركي وإن تم تصوريه وكأنه دولي بسبب الآحادية القطبية الأميركية التي أشرنا إليها آنفاً، كما يعني الدعم السياسي والعسكري واللوجستي والاستخباري الذي يمكن للجمهورية روسيا الاتحادية أن تقدمه لسوريا.
الأمر الذي يجعل إمكانية الإطاحة بالرئيس بشار الأسد شديد الصعوبة والتعقيد، وإلى ذلك فإن جمهورية روسيا الاتحادية متشبثة كأشد ما يكون التشبث بعلاقاتها مع سوريا، إذ إنها تمثل –سوريا- آخر موقع لها في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني أن نجاح الولايات المتحدة الأميركية في الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد طردها من آخر معاقلها في منطقة الشرق الأوسط.
ويدخل روسيا في موقف لا يمكن أن تمارس بعده أي ضغوط على الولايات المتحدة الأميركية، مما يطلق يد الأخيرة في فرض ما تريده.
لكل هذه الأسباب متجمعة، فإن السياسة الروسية في سوريا ستكون شديدة العنف والحزم في مواجهة المساعي الأميركية للإطاحة بحكم بشار الأسد.
إيران وسوريا
في عام 1979م، حدثت متغيرات استراتيجية ضخمة في منطقة الشرق الأوسط كان من أهمها التوقيع على اتفاقية السلام المصرية الإسرائلية في 26 مارس 1979م في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وتحول مصر إلى حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية وأكبر متلق لدعمها العسكري، إلى جانب الديون التي تقدمها كمشروعات تنموية مختلفة.
؛؛؛
حافظ الأسد هو الرئيس العربي الوحيد المنتمي إلى أصول شيعية "الطائفة العلوية"، وبذلك التقى مع إيران في علاقات ذات طابع استراتيجي يحمل العداء لأميركا
؛؛؛
وفي ذات العام -قبل ذلك بنحو شهر واحد- نجح الإمام آيات الله الخميني في الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان أكبر حليف للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، وأسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام ذاته.
وتحولت بعدها إلى عدو استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب صعود الحركات الإسلامية الجهادية في العالم العربي ولا سيما في مصر وتونس والمغرب والجزائر والجمهورية العربية اليمينة، الأمر الذي يعني أن النفوذ الأميركي في المنطقة قد أصبح في حالة تراجع.
وفي هذه الأجواء غير الصديقة للولايات المتحدة الأميركية أقامت الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقات ذات طابع استراتيجي بينهما لا ترجع إلى أصول الحكم الشيعي فيهما فحسب، بل إلى عدائهما المشترك للسياسة الأميركية (كان الرئيس الراحل حافظ الأسد هو الرئيس العربي الوحيد الذي ينتمي إلى أصول شيعية بحكم انتمائه إلى الطائفة العلوية وهي طائفة شيعية)، وقد بدأ هذا التحالف منذ عام 1982م وما زال قائماً حتى اليوم.
وهذا ما يفسِّر موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتعاطف مع حكم الرئيس بشار الأسد والداعم له.
قوة حزب الله
خلال ثلاثة عقود من التحالف بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية، نجحت كلتا الدولتين في تقديم دعم عسكري واستخباري ضخم لحزب الله في لبنان.
؛؛؛
علاقات حزب الله وجمهورية إيران الإسلامية والجمهورية العربية السورية تمثلت في مشروع مقاومة الكيان الصهيوني على اعتبار إسرائيل العدو المشترك بين ثلاثتهم
؛؛؛
الأمر الذي جعله –حزب الله- أكبر قوة عسكرية وسياسية واستخبارية في لبنان وفي العالم العربي، مما مكنه من إلحاق الهزائم المتلاحقة بإسرائيل التي كان آخر تجلياتها المهمة متمثلة في نجاحه في هزيمة الغزو الصهيوني في لبنان في يوليو 2006م، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز المؤسسة العسكرية الصهيونية واستقالة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية.
ثم تعززت العلاقات بين الثلاثي المتمثل في حزب الله وجمهورية إيران الإسلامية والجمهورية العربية السورية لصالح مشروع مقاومة الكيان الصهيوني الذي يعتبر العدو المشترك لكل هذه الأطراف الثلاثة، الأمر الذي جعل الشيخ حسن نصر الله رمزاً من رموز حركة المقاومة الإسلامية في العالم، مما أكسب مشروع المقاومة بعداً جماهيرياً مقدراً.
ولكل هذه الأسباب متجمعةً، فإن التحالف الاستراتيجي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية سيظل قائماً بل سيتعزز وربما كان من خيارات الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبر من أهم مكونات أمنها القومي أن تقاتل مع سوريا وحزب الله ضد أي مهددات تمس لبنان أو الجمهورية العربية السورية.
وتأسيساً على ما ذكرنا آنفاً، فإن للجمهورية العربية السورية حليفاً دولياً قوياً وحليفاً إقليمياً فاعلاً، الأمر الذي يجعل إسقاط نظام الحكم القائم فيها شبه المستحيل.
دكتاتورية حزب البعث
كانت الحجة التي تسوقها القوى الغربية المختلفة لدعمها المعارضة السورية في مواجهة حكم بشار الأسد تتمثل في إنها تريد تخليص الشعب السوري من دكتاتورية حزب البعث العربي الاشتراكي وإقامة نظام ديمقراطي على أنقاضه.؛؛؛
أميركا كانت في السبعينيات والثمانينيات، أقل عداءً لنظام حكم البعث في دمشق، وتفاهمت معه حول مصالح مشتركة سيما بعد التدخل العسكري في لبنان في 1976م، فما الذي تغيّر؟
؛؛؛
وعلى الرغم من صحة هذه المقولة، فإن حزب البعث العربي الاشتراكي لم يصل إلى السلطة قبل عام أو عامين، ولكن قبل ما يقرب من الخمسين عاماً (بقيام ثورة الثامن من آذار 1963م).
كما إن الولايات المتحدة الأميركية كانت في مراحل مختلفة ولا سيما في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أقل عداءً لنظام الحكم البعثي القائم في دمشق، وربما تفاهمت معه حول ما تراه مصالح مشتركة للطرفين ولا سيما بعد التدخل العسكري السوري في لبنان في مايو 1976م.
فما الذي تغيّر؟ وهل أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكثر حباً للشعب السوري على النحو الذي يجعلها تسعى إلى تخليصه من الدكتاتورية دون غيره من سائر الشعوب العربية ولا سيما في الخليج والجزيرة العربية، أم أنها كشفت على نحو مفاجئ دكتاتورية حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كانت لا تبالي بتقديم كلَّ ما من شأنه أن يدعمه في مرحلة من المراحل؟
إذا كانت هذه المعطيات لم تتغيَّر، فإن لعبة المصالح الدولية وليس دكتاتورية حزب البعث العربي الاشتراكي هي التي أملت على الولايات المتحدة الأميركية السعي إلى الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد دون غيره من الحكام الدكتاتوريين العرب.
أبجديات القانون الدولي
إن استمرار حكم الرئيس بشار الأسد أو سقوطه شأن داخلي سوري لا علاقة له بالولايات المتحدة الأميركية أو غيرها، وليس للولايات المتحدة الأميركية أن تقدِّم أي دعم للمعارضة السورية أو أن تحمل حلفاءها الخليجيين على تقديم مثل هذا الدعم.
؛؛؛
ليس للولايات المتحدة الأميركية أن تقدِّم أي دعم للمعارضة السورية أو أن تحمل حلفاءها الخليجيين على تقديم مثل هذا الدعم
؛؛؛
وهذه أبسط أبجديات القانون الدولي الكلاسيكي، ما قبل الصعود الأميركي إلى الآحادية الدولية وما ترتب عليه من متغيِّرات وصفها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بالنظام الدولي الجديد.
وهذا ما يجعلنا نقول للولايات المتحدة الأميركية ولحلفائها الغربيين والخليجيين (ارفعوا أيديكم عن سوريا وأتركوا للشعب السوري حقه في أن يتخذ ما يراه من خطوات تسهم في تعزيز أمن واستقرار سوريا).
وما يدفعنا للتساؤل متى تكف قناة "الجزيرة" عن ضخ ما تضخه من أكاذيب وأضاليل إعلامية لا يسندها الواقع وليس لها أدنى نصيب من الصحة؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.