عرف السودان منذ القدم بأنه بلد زراعي، حيث إن أكثر من 70% من سكانه يعملون بحرفتي الزراعة والرعي، وقد ساهم الإنتاج الزراعي، بشقيه (النباتي والحيواني)، في دعم الخزينة العامة للدولة. وكذلك ساهم في دعم ميزان المدفوعات، والميزان التجاري، من خلال حصيلة صادرات المحاصيل النقدية، كالقطن والصمغ العربي، والمحاصيل الغذائية الأخرى، وبالرغم من أنها كانت تصدر خاماً - مما أفقد البلاد الاستفادة من القيمة المضافة - إلا أنها كانت تكفي احتياجات البلاد من العملات الأجنبية قبل دخول السودان ضمن منظومة الدول المنتجة والمصدرة للنفط في العام 1999م، حيث وجد قطاع النفط اهتماماً كبيراً من قبل الدولة، واستطاع أن يجذب استثمارات أجنبية بأكثر من 15 مليار دولار، علماً بأن القطاع الزراعي السوداني إذا وجد نسبة 25% من حجم الاستثمار الأجنبي الموجه لقطاع البترول، أو وظفت الدولة قدراً مناسباً من الإيرادات البترولية خلال العشر سنوات الماضية في القطاع الزراعي لكان الوضع أفضل بكثير مما هو عليه الآن، وكان ذلك كفيلاً بتحصين السودان ضد المرض الهولندي الذي أصاب البلاد أخيراً، حيث شكلت الصادرات البترولية حوالي 95% من إجمالي الصادرات، وتجاوزت الإيرادات البترولية بالموازنة أكثر من 50%. خطورة الاعتماد على البترول وقد شعرت الدولة بخطورة هذا الأمر، خاصة بعد أن تأثر السودان بانخفاض أسعار النفط بسبب الأزمة المالية العالمية، ولكن بفضل السياسات الاقتصادية الرشيدة المتبعة خلال العام 2009م حققت الإيرادات غير البترولية نسبة مساهمة تفوق ال 60% من إيرادات الموازنة خلال النصف الأول، في حين تراجعت مساهمة الإيرادات البترولية إلى أقل من 40%، لذلك لا بد من مواصلة هذه السياسات خلال العام 2010م، وذلك لتنمية الإيرادات غير البترولية من خلال توسيع المظلة الضريبية أفقياً، والإبقاء على الفئات الضريبية كما هي، مع تنمية وتطوير الإيرادات الجمركية بزيادة معدلات الثقة بين المستوردين وهيئة الجمارك، والعمل على ترشيد حجم الإعفاءات الجمركية، وإحكام الرقابة الجمركية على حدود السودان المترامية لمنع التهرب الجمركي، لتحقيق العدالة في تسعير السلع المستوردة المعروضة بالأسواق. " يجب الاهتمام بالقطاع المشترك (صناعي، زراعي)، وتفعيل دور البحث العلمي لزيادة الإنتاجية، ولتقليل تكلفة الإنتاج " أما أهم السياسات الاقتصادية التي يجب اتباعها لزيادة حصيلة الصادرات غير البترولية فتتلخص في الاهتمام بالقطاع الزراعي بشقيه، والقطاع المشترك (صناعي، زراعي)، وتفعيل دور البحث العلمي لزيادة الإنتاجية، لتقليل تكلفة الإنتاج. تكملة البنى التحتية ومن أهم البرامج التي يحتاجها القطاع الزراعي تكملة البنى التحتية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي بالقطاع، مع ضمان تحقيق العدالة، بالحفاظ على حقوق المستثمر والمزارع أو الراعي والدولة، من خلال وضع صيغة تعاقدية ترضي الأطراف المذكورة، لإنهاء الخلافات حول الأراضي. ولكي نتمكن من تشجيع صغار المنتجين يجب توفير حوالي 2,5 مليار جنيه، أي ما يعادل مليار دولار، للمخزون الاستراتيجي كمال دوار، يدفع مرة واحدة، لخلق توازن بين المنتج والمستهلك، وذلك بشراء المحاصيل من المزارعين وقت الوفرة بسعر مناسب، لحماية صغار المزارعين من جشع التجار، وإعادة طرح المخزون وقت الندرة بهامش ربح مناسب، بالقدر الذي يحافظ على المال الدوار من التآكل بسبب التضخم، ويأتي ذلك في إطار حماية المستهلك من الانتهازيين الذين يستغلون أوقات الندرة برفع الأسعار. التوازن بين المنتج والمستهلك ولعل تطبيق معادلة التوازن بين المنتج والمستهلك والعمل على تنمية المال الدوار يتطلب إعادة هيكلة جهاز المخزون الاستراتيجي ودعمه بالكوادر الإدارية والمالية المؤهلة. ولتفادي الآثار السالبة للتغيرات المناخية على السودان، لا بد من الإسراع في تنفيذ برنامج حصاد المياه، والتوسع في مساحات الزراعة المروية، بعد تعلية خزان الروصيرص، والتي ستساعد على زيادة المساحات المروية بالنيل الأزرق وسنار والجزيرة، كما أن دخول سد مروي دائرة الإنتاج بطاقته القصوى، وشق الترع من السد لري الأراضي الزراعية بالشمالية رياً انسيابياً، سيساعدان كثيراً في اكتمال سياسة توطين زراعة القمح بالشمالية، ويقللان من تكلفة الإنتاج بالانتقال من نظام الري (بالطلمبات) إلى الري الانسيابي. وبتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح يتم تخفيض فاتورة الاستيراد بأكثر من 350 مليون دولار سنوياً، ومن الممكن أن يدخل القمح ضمن قائمة سلع الصادر مستقبلاً، كما أنه لا بد من تغيير التركيبة المحصولية لتتوافق مع السلع المطلوبة بالأسواق المحلية والعالمية. " لا بد من جذب الاستثمارات لإنشاء مزارع تربية وتسمين للماشية، لإعدادها وفقاً للمواصفات المطلوبة بالأسواق العالمية " جذب الاستثمارات وفي ما يخص الإنتاج الحيواني لا بد من جذب الاستثمارات لإنشاء مزارع تربية وتسمين للماشية، لإعدادها وفقاً للمواصفات المطلوبة بالأسواق العالمية، كما يتطلب برنامج زيادة الصادرات غير البترولية الاهتمام بالمشروعات الاستثمارية المشتركة (زراعي، صناعي)، وقد حقق السودان نجاحات كبيرة في إنتاج السكر، ومن الممكن نقل التجربة لصناعة الزيوت واللحوم وغيرها من الصناعات التي تعتمد على الإنتاج الزراعي كمواد خام. ويبقى السؤال المهم القائم هل يتضمن برنامج النهضة الزراعية هذه الخيارات؟ وماذا عن أراضي الجنوب الشاسعة التي لم تستغل حتى الآن؟