بالكاد يمرُّ أسبوع دون مهاجمة الإعلام والزملاء الصحفيين. الهجومات التي ينقلها -وللمفارقة- الصحفيون أنفسهم، في الغالب الأعم غير مبررة، وكثيراً ما تكون مصبوغة بأحكام تعميمية وأخلاقية غاية في الخطورة، يتناسى مطلقوها -سواء تعمّدوا أم جهلوا- أدوار السلطة الرابعة، هذا إن لم يرموا أدواءهم على الإعلام منسلين عن أداء مهامهم أولاً، وعن ألسنتهم التي تطلق التصريحات كيفما اتفق ثانية، وذلك في براءة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها "مدهشة". نوط "الخيانة العظمى" وعلّ آخر الهجومات التي تعرّض لها الإعلام وردت على لسان وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي د. عبدالرحيم حمدي. حمدي قال في سياقات حديثه عن الأسباب المفضية إلى توتر العلاقة بين الشمال والجنوب: (الفضيحة الكبرى هي الإعلام، التغييرات -ويقصد الإيجابية- في علاقة البلدين حدثت، فيما الإعلام في وادٍ آخر. الإعلام الخاص، والمصيبة الإعلام الرسمي). انتهى ؛؛؛ محمد الحسن الأمين نعت الصحفيين بأنهم "سُذَّج" وكتاباتهم تضر ب"المصالح القومية، والجاليات، وعلاقات السودان الخارجية" وهي تُهم خطيرة تم إحالتها للمجهول ؛؛؛ذات اليوم الذي تحدَّث فيه حمدي، صدرت تعليقات عن رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان محمد الحسن الأمين، وفيها نعوت لبعض الصحفيين أنهم "سذَّج" وكتاباتهم تضر ب"المصالح القومية، والجاليات، وعلاقات السودان الخارجية"، وهي تُهم خطيرة تم إحالتها للمجهول، ومؤكّد أنها حال صدقت فحقيق بأصحابها حيازة نوط "الخيانة العظمى" من الدرجة الأولى. نماذج لوجع القبيلة وكون الهجوم على الصحافة موجع باعتباره غير مركوز على أرضية ثابتة، دعوني استميحكم عذراً في اغتراف بعض نماذج وجع قبيلة الصحفيين الواصلة حتى دورهم وقادمة من الخارج، ويكأنه لا تكفيهم الظروف والبيئات القاسية التي يعملون فيها، حيث تنكب رجالات السلطة الرابعة خلال الشهور المنصرمة حشفاً وسوء كيل بأيدي مسؤولين درجت الصحف على تدبيج تصريحاتهم في صفحاتها الأول. ومرد حشف وسوء كيل المسؤولين في تارات الضيق والبرم من انتقادات سيقت لأدائهم -لاحظ أداؤهم وليس شخوصهم- وعكست ذلك الصحف والتي هي في الأصل "مرآة" وظيفتها نقل الحقيقة مجردة كما هي. وفي الصدد، يبرز وزير الصحة بولاية الخرطوم بروفيسور مأمون حميدة الذي أسبغ على الصحفيين ذات يوم صفة "الجهل المركب" نتيجة لما يراه تهويلاً من قبيلهم للأخبار السالبة المجافية للنقل المرعي والسليم، وتبرَّع سيادته مشكوراً بإقامة دورات عن التغطيات الصحفية لصالح من يغطون أنشطة وزارته حتى يكونوا قيمين بنقل أخبار الصحة التي تحتاج فيما يبدو لدربة عالية وكورسات في علوم التخدير والصيدلة والإسعافات الأولية، كما ويستحسن في مؤدي تلك المهمة أن يكون اجتاز امتحان ممارسة مهنة الطب في السودان "الامتياز"!! مارى أنطوانيت التربية كذلك، تعاملت وزيرة التربية والتعليم د. سعاد عبدالرزاق مع جملة صحفيين تكرموا بتغطية فعالية لها في "المركز السوداني للخدمات الصحفية" بلامبالاة، دعونا نقول إنها أسطورية. ؛؛؛ أ.د.مأمون حميدة أسبغ على الصحفيين ذات يوم صفة "الجهل المركب" نتيجة لما يراه تهويلاً من قبيلهم للأخبار السالبة المجافية للنقل المرعى والسليم ؛؛؛ فبُعيد انتظار زاد عن الساعة من الموعد الذي ضربته هي بنفسها، يمم الزملاء وجههم تلقاء بوابة الخروج احتجاجاً على عدم التزام الوزيرة بالوقت، ساعتئذٍ قابلتهم الوزيرة ولكنه عوضاً أن تنقاد وراء اعتذارات منسوبي مكتبها أطلقت عبارة "ماري أنطوانيتية" علكتها الألسن بمرارة طيلة أيام (خلوهم براحتهم)! عبارة أعادت إلى ذهني أبيات قرضها صلاح أحمد إبراهيم في حق المعاملة التي لقيها محتجزو عنبر جودة (لو أنّهم حزمةُ جرجير يُعدُّ كيْ يُباعْ في المدينة الكبيرة/ ما سلختْ بشرتهم أشعةُ الظَّهيرة/ وبان فيها الاصفرارُ والذبول/ بل وُضعِوا بحذرٍ في الظلِّ في حصيرة/ وبلَّلتْ شفاههُمْ رشَّاشَةُ صغيرة/ وقبّلتْ خدودهم رُطوبةُ الإنْداءْ والبهجةُ النَّضيرة). هجوم البرلمان الفادح أما الأشد فداحة في حق منسوبي السلطة الرابعة فصوبه –ويصوبه- حملة لواء السلطة التشريعية "البرلمان" على دفعات، اخترنا منها ما جاء على ألسنتهم إبان شهر مايو المنصرم كشاهد على الهجمة التي لا "نجمة" لها. أولى المرات هاجم رئيس البرلمان مولانا أحمد إبراهيم الطاهر، أداء بعض الوسائل الإعلامية فيما يخص تعاطيها مع الهجوم على أبوكرشولا وأم روابة. ونال الزملاء الذين درجوا على تغطية فعاليات المجلس التشريعي من الحظ جانباً، فنعتهم الطاهر ب"صغار الصحفيين" واتهمهم بمحاولة التسلّق المهني على حساب كتوف منسوبيه من النواب، ومن ثم قال عبارة رابتة تعكس حمولات كبيرة من التسامح: "إننا نتحمّل هجوم صغار الصحفيين ليتعلموا فينا"!! ؛؛؛ الأشد فداحة في حق منسوبي السلطة الرابعة صوبه حملة لواء السلطة التشريعية "البرلمان" في مايو المنصرم كشاهد على الهجمة التي لا "نجمة" لها ؛؛؛ وكون مولانا الطاهر تكفّل بإصدار تصنيفات "حجمية" للصحفيين، لم يستغرب أن يحذو رئيس اللجنة العليا للتعبئة، رئيس لجنة العمل د. الفاتح عزالدين، ورئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان د. ياسر أبوكساوي حذو مولانا الطاهر -فالناس على دين ملوكهم- ولذا اختار رئيسا اللجنتين عدداً من الصحفيين لمرافقة وفود المجلس الحاجة للولايات لشحذ الهمم ولتمليك الأهالي الحقائق بما اقترفته يد الجبهة الثورية من عقوق في كردفان، وكان مبعث الانتقائية التي دفعت صحفيي البرلمان لمقاطعة الزيارات تفصيل معايير اختيار معينة من شاكلة ذيوع وانتشار الصحيفة بناءً على أرقام توزيعها، فضلاً عن الأداء الإيجابي للصحفي، وهي صفة استحال عليّ فك طلسمها وحين أعطيتها لأهل الذكر -صحافيو البرلمان- فسروها أنه مفردة يراد بها الصحفي الذي يداري سقطات النواب ويكتفي بإظهار المواضيع التي تقر لها عينهم... بخٍ بخ والله. مبحث العلاقة المختلة ولأن الأمثلة تطول، سنكتفي بما سقناه، عسى أن ينهض الزملاء بعد في تتبع ورصد مبحث العلاقة المختلة بين الأجهزة الإعلامية وبعض رموز السلطة والمعارضة كذلك، ولكن حقيق بنا السؤال: ما الذي يضير بروف حميدة مثلاً في مطالبة زملاء في المهنة له بتقديم استقالته احتجاجاً على الجمع بين الوزارة والاستثمار في القطاع الصحي الخاص؟ وما يزعجه من تعليقات تلت نشر وسائل الإعلام لصورة أبناء الراحلة الزينة وهم يضعون لافتة تحمِّل مستشفى له مسؤولية وفاة والدتهم؟ ؛؛؛ الصحفيون يعملون مداراة و"دسدسة" ويبذلون "سمكرة" في تصريحات المسؤولين التي إن خرجت كما قيلت للصحف لهدمت صلوات وبيع ولحدث ما لا تحمد عقباه ؛؛؛ كذلك ماذا يفعل الصحفيون وآذانهم تطرقها تصريحات قادة القطاع الصحي والتي تحوي اعترافات بالقصور مثل مقولته إن (الأدوية المغشوشة تهدد حياة الأهالي في الخرطوم)، وهي مقولة يقر فيها المسؤول عن صحتنا بوجود خطر داهم يتهددنا جراء التعاطي مع مؤسسات صحية نطلبها علاجاً فتعطينا أمراضاً وموتاً زؤام. ضبط تصريحات المسؤولين كذلك، ما الذي يضير سعاداً أن تشتق من اسمها عبارات اعتذار تسعد بها من انتظروها مطولاً بصبرٍ وأناة طيلة ساعة ونيف، وأصر أنهم كانوا قادرين على مواصلة ذلك في حالة سمعوا اعتذاراً يليق بما بذلوه من "سبت" ل"أحد" لن يأتي، وظهر ذلك في ردة فعل الوزيرة حين علمت باحتجاجات الصحفيين (خلوهم براحتهم). وربما بذات الجلد في تحمله ل"صغار الصحفيين" نناشد رئيس البرلمان بضبط تصريحات المسؤولين التي اشتكى منها وزير الخارجية علي كرتي في يوم من الأيام، بحسبانها تقوض جهود الخارجية في تأسيس علاقة مستقرة تسمح بتبادل المصالح الخارجية. وليته مولانا علم بحجم المداراة "والدسدسة" التي يبذلها الزملاء في "سمكرة" تصريحات وأحاديث مسؤولين إن خرجت كما قيلت على سطح الصحف لهدمت صلوات وبيع ولحدث ما لا تحمد عقباه. ؛؛؛ المسؤولون الذين يتعاطون مع الإعلام ويصفون أداءه بالفضائحي، عليهم الرجوع إلى أدواره المناصرة للقوات المسلحة في هجليج وأبو كرشولا ؛؛؛ورد المعركة وشوكها إذاً، على المسؤولين الذين يتعاطون مع الإعلام ويصفون أداءه بالفضائحي، الرجوع إلى أدواره المناصرة للقوات المسلحة في هجليج وأبو كرشولا، والوقوف عند تأكيداته المستمرة بأهمية ابتناء علاقات تعود بالنفع على البلاد بمنأى عن الخطاب العاطفي والذي هو مبعث الضرر، كما وعلى مسؤولينا كذلك تذكر أنهم كثيراً ما انقادوا وراء مبادرات عديدة أطلقها الزملاء الإعلاميون. وفي حال أحس مسؤول برشاش صابه جراء التناول الصحفي فالأبواب مشرعة أمامه للتقاضي وأخذ الحق، ولكن ليكفوا أيديهم عن الإعلام ولينتهوا عن وصم زملاء -عادة لا تتم تسميتهم- بالخيانة والإضرار بالأمن وعليهم بدلاً من ذلك التصريح باسمائهم وسوق التهم مباشرة في حقهم لدى الجهات المختصة، فالحديث المعمم يثبت صورة خاطئة في الأذهان عن إعلام لطالما امتدحه مسؤولين عرفوا حقه ومستحقه. أخيراً، نحن لا نقول بعصمة الإعلام، فكلنا يخطئ، ولكن مأخذنا على من يأخذنا جميعاً بجريرة فرد، والأفدح أخذنا بوزر من قال رأيه عند عتبات من لا يفرِّق بين حرية الرأي وقدسية الخبر وعنده أن كل ما تنقله الصحف "إعلام". عليه، فإننا وبذات اللغة التعميمية -ونستميحكم العذر- نقول إن علاقة الصحفي والمسؤول تقرر حقيقة مفزعة وهي أن الإعلام لا يزال ضحية، أو فلنقل (الورد في ساحات المعركة).