أثبت المنتخبان النيجيري والبوركيني لكرة القدم بما لا يدع مجالاً للشك أن كرة القدم لعبة للشباب وفرصة نجاح كبار السن فيها محدودة وتكاد تكون منعدمة تماماً ,فقد إعتمد هذان المنتخبان على لاعبين صغار السن مما جعلهما يتفوقان على كل المنتخبات بالقارة السمراء ويتأهلان للدور النهائي في بطولة الأمم الأفريقية التي تستضيفها هذه الأيام جنوب أفريقيا . كرة القدم تلك الساحرة المستديرة التي أطلق عليها مبتدعوها الإنجليز لقب اللعبة الجميلة تعتمد أولاً على اللياقة البدنية العالية التي تتيح للاعبها تطبيق مهاراته بحيث بكون هنالك توازن بين العقل والعضلات والعزيمة وهذا التوازن هو الذي جعل الناس في جميع أنحاء العالم تجمع على إعجابها بالأرجنتيني ديجو أرماندو مارادونا ومواطنه الساحر ليونيل ميسي الذي لا يزال يعطر سماوات الكره العالمية بإبداعاته والبرتقالي كرستيانو رونالدو وقبلهما البرازيلي بيليه وهنالك أيضاً الفرنسي زين الدين زيدان وغيرهم الكثير من النجوم الذين يمتلكون الموهبة العالية والمجهود البدني الوافر .. ولكن طبيعة اللعبة التي تعتمد على اللياقة البدنية والركض داخل المستطيل الاخضر جعلت هؤلاء النجوم اللوامع بعد وصولها إلى سن الثلاثين وإنخفاض المردود البدني على حسب قوانين الطبيعة وناموسها الازلي تعلق أحذيتها وتعلن الإعتزال لتبقى إبداعاتهم ملتصقة بذاكرة المدى الطويل لدى عشاق اللعبة تأبى أن تفارقها فتسترجعها ذاكرة محبي وعشاق الكره فيما يعرف في الدراما بمتعة ما بعد العرض. لقد إعتزل ساحر الكرة النيجيرية جيجي أوكوشا ودانيال أموكاشي ونوانكو كانو ورحل عن دنيانا الفانية الهداف المرعب رشيدي يكيني فلم تحبس الكرة النيجيرية أحلامها وامالها في الماضي بل إنطلقت نحو المستقبل بدماء جديدة وحارة بمنتخب يبشر بجيل ذهبي جديد في سماء الكرة النيجيرية وهاهم في الدور نصف النهائي للمونديال الأفريقي يقسون على المنتخب المالي برباعية كانت قابلة للزيادة بفضل مردودهم البدني العالي الذي لم يستطع إخوة المخضرم سيدو كيتا على الرغم من مهاراتهم وخبراتهم العالية مجاراته والصمود أمام إنطلاقات أبناء العشرين أصحاب الدماء الحارة .
لقد ظللنا في السودان حبيسين للماضي في سجن ذهبي صنعه إخوة نصرالدين عباس جكسا ونجم الدين وحسب الرسول عمر(حسبو الصغير) وعبدالكافي أبوالقاسم وقاقارين والدحيش وبشرى وهبه وبشارة عبدالنضيف ولم نستطع الخروج من عقدة الحنين إلى الماضي أو النوستالجيا لذلك ظلت أنديتنا ومنتخباتنا لعدة عقود بلا إنجازات تذكر فلا يزال أبناء الأربعين يصرون على حجز أماكنهم في فرقنا وأنديتنا مستفيدين من هذه العقدة التاريخية لكرة القدم في بلادنا فكل مدرب أجنبي يحضر إلى بلادنا يكتشف هذه العلة وما أن يسعى إلى حلها والتخلص منها حتى تثور ثائرتنا فنتخلص منه ويبقى (العواجيز) في أماكنهم مما يجعلنا نحرث في البحر .. لقد أسس الراحل المقيم عبدالمجيد منصور في بداية تسعينات القرن الماضي فريقاً هلالياً قوياً تسيد الساحة المحلية بعد أن جدد دماء الفريق بلاعبين صغار في السن لأنه كان يمتلك الشجاعة في إتخاذ القرار وسعة الأفق ولم يسلم حينها من الهجوم . والان جاء مدرب الهلال الفرنسي غارزيتو متأبطاً خبراته التراكمية الهائلة وبدأ في الإعتماد على الشباب لخلق جيل جديد للفرقة الزرقاء ولذلك لا غرو أن تواجهه هذه الحملة الشرسة . وبالمنطق وبعيداً عن العاطفة تعتبر قرارات غارزيتو في التخلص من اللاعبين الكبار وأولئك الذين لا يمتلكون الموهبة والمهارات الكافية لمقارعة اللاعبين الأفارقة والإعتماد على عناصر جديدة تمتلك الموهبة وصغيرة في سنها وإخضاعهم إلى تدريبات خاصة مع المجموعة حتى ينصهر الفريق في بوتقة واحدة تعمل نحو هدف مشترك يعتبر قراراً صحيحاً وصائباً وسوف يجني الهلال والكرة السودانية ثماره في المستقبل القريب بعد أن يحدث الإنسجام والتفاهم المطلوب.
لقد كان صاحب هذا القلم يقف بشدة ضد قرار غارزيتو في الإستغناء عن الثنائي هيثم مصطفى وعلاءالدين يوسف من منطلق تاريخ اللاعبين الذين قرر الإستغناء عن خدماتهم ولكن المنطق والعقل يقف بجانب غارزيتو وقراره فالتاريخ لا يصلح إلا لإستلهام الدروس والعبر أما المستقبل فلا يعترف بالعاطفة بل بالرؤية العلمية والنظرة الثاقبة والسليمة وبما أن الأمر صار واقعاً معيشاً فعلينا أن نقف بجانب المدير الفني ونشد من أزر خياراته التي سوف يعتمد عليها في خلق واقع جديد للفرقة الهلالية وكما أسلفنا فقد أثبت المنتخبان النيجيري والبوركيني لكرة القدم بما لا يدع مجالاً للشك أن كرة القدم لعبة للشباب وفرصة نجاح كبار السن فيها محدودة وتكاد تكون منعدمة تماماً. لقد إنتزع هذان المنتخبان فرصة تواجدهما في النهائي الأفريقي يوم غد الأحد عنوةً وإقتدارا.. فأين الحضري ووائل جمعه .. وأين ديدير دروغبا وأين أسود التايرينقا وأين صقور الجديان من هذا النهائي.. بل وأين كل المنتخبات التي كانت في الماضي القريب ملىء الأسماع والأبصار.
وإذا أردنا العودة إلى التتويج في مثل هذه المناسبات الكبيره فليس علينا سوى التخطيط السليم والإعتماد على العناصر الشابة وما أكثرهم في ملاعبنا فقط ينتظرون الفرصة لإثبات الذات والمضي قدماً في درب البطولات.