كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد شومان : اختطاف هيبة الدولة المصرية
نشر في حريات يوم 22 - 05 - 2013


اختطاف هيبة الدولة المصرية
محمد شومان
دلالات وأسئلة كثيرة فجرها حادث اختطاف سبعة جنود مصريين منهم ستة من الشرطة، وجندي من الجيش، فللمرة الأولى منذ هزيمة 1967 يشاهد المصريون في شريط فيديو صور جنودهم أسرى، معصوبي الأعين، وواحد منهم يهاجم وزير الدفاع وفي الوقت ذاته يستعطف الرئيس ويطالبه بالتدخل! وللمرة الأولى أيضاً يشاهد المصريون اعتصاماً وتظاهرات زملاء الجنود المخطوفين وأسرهم عند منفذ رفح يطالبون الدولة والجيش بسرعة حل الأزمة.
الدلالة الأهم هي ضياع هيبة الدولة المصرية، وقدرتها المادية على استخدام العنف المشروع وفرض القانون، ما يثير غضب غالبية المصريين ويدفعها إلى نقد أداء الرئاسة والجيش، والمطالبة بالتدخل العسكري لتحرير الرهائن، والغضب له ما يبرره، فقد تعرض 16 جندياً للقتل في آب (أغسطس) الماضي من دون أن يعرف الرأي العام الفاعل أو نتائج التحقيقات، ومن دون أن تعلن الرئاسة أو الجيش أنها قضت على بؤر الإرهاب التي تهدد الأمن القومي في سيناء. والمفارقة أن المصريين بغالبيتهم الذين يطالبون خلال الأزمة الأخيرة باستعادة قوة الدولة هم أول من أضعفوها وتمردوا عليها في ثورة 25 يناير، فقد كسروا الخوف من سلطة الدولة وأطاحوا رأس النظام، من دون أن ينجحوا في بناء دولة جديدة، تحظى بالشرعية والقبول العام وتحكم بالقانون.
وتقع المسؤولية الأكبر عن ذلك على عاتق النخبة السياسية والعسكر ورجال الدولة الذين لم يتوافقوا على تجديد الدولة، والتحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، عبر استخدام خبرات وآليات العدالة الانتقالية التي اعتمدت عليها كثير من دول التحول الديموقراطي، بل على العكس انقسمت النخبة وتعمق الانقسام الثقافي والسياسي، وسعى «الإخوان المسلمون» إلى الهيمنة على حساب بقية القوى السياسية من دون أن يمتلكوا رؤية، لذلك فشلوا في كتابة دستور توافقي، وإدارة الدولة أو احترام الحريات على رغم حصولهم على غالبية أصوات الصندوق الانتخابي. ودخل الرئيس وجماعة «الإخوان» في صدام مع السلطة القضائية، ومع الإعلام، ولم يؤسس سلطة تشريعية منتخبة وإنما أوكل إلى مجلس الشورى القيام بالتشريع على رغم أنه لم ينتخب للقيام بهذه المهمة. واتسم أداء السلطة التنفيذية بقلة الكفاءة والخبرة وكثرة التصريحات المتناقضة وقلة الأفعال.
سلطات الدولة الثلاث لا تحظى بالشرعية وهي مثار صراع سياسي بلغ ذروته في ظهور حركة «تمرد» التي تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، ما دفع بالأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية إلى ما يشبه الفوضى، والغياب المتعمد للدولة في بعض المجالات والمناطق الجغرافية، فالسلاح انتشر، والتحدي الشعبي الثوري للسلطة المستبدة تحول إلى أنواع من الفوضى وممارسة العنف والجريمة، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وهنا انتعشت روابط الأسرة والقبيلة والمنطقة والانتماء الديني، على حساب رابطة الدولة الوطنية الحديثة التي أسسها محمد علي مطلع القرن التاسع عشر! والتي تقوم على المواطنة والمساواة بين أبناء الوطن.
الفرضية التي أطرحها هنا أن جماعات الإسلام السياسي سواء كانوا «إخواناً» أو سلفيين أو جهاديين، لا تؤمن بالرابطة الوطنية والمساواة بين أبناء الوطن المختلفين دينياً، وتنشط عندما تنحل رابطة الدولة أو تضعف وتحل محلها رابطة الجماعة الأكثر تديناً أو التي ترى في نفسها التجسيد الوحيد للإسلام الصحيح، وما يدعم هذه الفرضية أمران، الأول: ضعف مفهوم الدولة في خطاب جماعات الإسلام السياسي وغموضه، حيث تتصدر هذا الخطاب مفاهيم الجماعة والأهل والعشيرة والقبيلة، والأمة الإسلامية، ودولة الخلافة. الثاني: أن جماعات الإسلام السياسي أكدت وجودها وانتشارها من خلال تقديم خدمات اجتماعية وصحية كبديل عن غياب الدولة وضعف خدماتها المقدمة للمواطنين، لكن تلك الخدمات البديلة جاءت في إطار توظيف سياسي وذات منحى ديني وطائفي. ولا شك في أن أفكار «الإخوان» والسلفيين والجهاديين هي ذات منحى تقليدي يستجيب ويتكيف مع روابط القبيلة والأسرة، لذلك لم تكن مصادفة أن تنتشر تلك الجماعات بين بدو سيناء ومرسى مطروح، والمناطق الريفية الأكثر فقراً والأقل تعلّماً، والتي تقوى فيها روابط الأسرة والقبيلة والجهة، وهي نفسها المناطق الأكثر حاجة إلى الخدمات الاجتماعية والصحية التي تقدمها جماعات الإسلام السياسي بعد أن تخلت الدولة في عهد حسني مبارك ومحمد مرسي عن تقديمها.
تهميش سيناء وإفقارها، وضعف الوجود العسكري بموجب اتفاقية السلام مع إسرائيل… كلها أمور مهدت الأرض لانتشار جماعات الإسلام السياسي، والتي لا ترى في تجارة الأنفاق مع غزة المحاصرة عيباً أو حراماً بل مهمة جهادية لنصرة إخوة وأقارب مسلمين، ولا بأس أيضاً من تحقيق أرباح ونسج شبكات مصالح وتحالفات مع «حماس» ومختلف فصائل الإسلام السياسي في غزة. ومع ثورة 25 يناير خاض بعض أهالي سيناء معركتهم الخاصة مع نظام مبارك، وبالتحديد السجون! لتهريب أبنائهم الذين يقضون أحكاماً بالسجن، إما لقيامهم بالتهريب أو لتورطهم في أعمال عنف ومقاومة للسلطات، وفي هذا السياق التقت مصالح «حماس» و «الجهاد» و «الإخوان» وعناصر من «حزب الله» وبعض أهالي سيناء، وتعاون الجميع من أجل اقتحام السجون، وكان لكل منهم أهدافه، والمفارقة أن مرسي كان واحداً من بين المحرّرين من سجون مبارك.
علاقة غريبة تبدو كصدف التاريخ ومكره، فمرسي صار رئيساً وعليه أن يتعامل مع ملف سيناء و «حماس» في غزة بما تفرضه حسابات الدولة المصرية وأمنها القومي لكنه وجماعته على صلات تعاون مع بعض أهالي سيناء، والأخطر مع جهاديي سيناء المنتمين إلى سلوك «القاعدة» وفكره، وقد تطورت تلك العلاقات في الانتخابات الرئاسية حيث وقفوا إلى جانب أول مرشح إسلامي، ويبدو أن حسابات الماضي القريب والبعيد أدت إلى إفراج الرئيس مرسي عن بعض الجهاديين، ثم التكتم عن نتائج التحقيقات في مقتل 16 جندياً ووقف العملية «نسر» التي شنها الجيش للقضاء على بؤر الجهاديين الإرهابيين في سيناء. من هنا، يتوقع البعض إمكانية توصل الرئاسة إلى اتفاق مع الخاطفين، عبر وساطة جهاديين مصريين وفلسطينيين، خصوصاً أن الرئاسة تعاملت «بلطف» مع الخاطفين – لم تصفهم بالإرهابيين – وأكدت حرصها على حياتهم وحياة المخطوفين! ما أحرج الجيش الذي يطالبه الرأي العام بالتدخل وتحرير الجنود، وضاعف من غضب مكتوم بين رجاله. والحقيقية أن التوظيف السياسي لا يغيب عن الحادث بأبعاده المختلفة، فالرئاسة حاولت الخروج من عزلتها السياسية من خلال دعوة الأحزاب إلى حوار وطني حول الأزمة! ثم الاجتماع بشيخ الأزهر والمفتي وممثلين عن بعض الكنائس من دون اتخاذ قرار أو إجراء سياسي أو أمني محدد، وذلك في محاولة لكسب تأييد فقهي ووطني لما ستقوم به الرئاسة، سواء كان تفاوضاً سرياً وغير رسمي يؤدي إلى الإفراج عن المخطوفين ومن ثم الظهور بمظهر الرئيس المؤمن الحريص على حقن الدماء، أو شن عملية عسكرية سيتحمل نتائجها الجيش، الذي أوقعته الأزمة، وأداء الرئاسة، وغضب الشارع، في موقف صعب، فهو مطالب بمطاردة عدو مجهول، قادر على التحرك والاختفاء في محيطه البشري والجغرافي، لذلك فإن مهمة الجيش لن تكون سهلة، وقد تتحول إلى كابوس شبيه بما لحق بالجيش الباكستاني في منطقة القبائل على الحدود مع أفغانستان. كذلك، من يضمن حياة الجنود المخطوفين. باختصار نتائج العمليات العسكرية لن يتحمل مسؤوليتها سوى الجيش، والخوف أن يكرر الرئيس وجماعته لعبة الاستغلال السياسي للحادث ويطيح وزير الدفاع كما أطاح المشير طنطاوي والفريق عنان، إثر الفشل في مواجهة الهجوم على موقع عسكري مصري قرب غزة، لكن قناعتي أن التاريخ لا يعيد نفسه.
*نقلاً عن "الحياة" اللندنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.