أعرف صاحب جريدة ( المجهر السياسى) الهندى عزالدين، منذ بداياته الأولى فى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة ، فى صحيفة (الوفاق ) المرحوم محمد طه محمد أحمد ، وأختلف مع الهندى فكريّاً وسياسيّاً وتنظيميّاً ، ولا أتّفق مع كثير ممّا يكتب، وبخاصة فى اللغة العنيفة المُستخدمة فى معاركه الصحفيّة مع زملاء المهنة ، ولكن كُلّ هذا لا يمنعنى أن أرفع الصوت عالياً مُندّداً بإيقاف صحيفته " أمنيّاً " لأنّ القمع الأمنى سواء كان ضد الهندى أو غيره ، هو فى الأوّل والآخر قرار تعسّفى ومُعيب وخاطىء وظالم ، وفيه إهدار لحقّه فى التعبير والتفكير، وإعتداء صريح على حريّة الصحافة والتعبير، التى سنظل ندافع عنها دون تمييز بين كاتب مؤيّد للسلطة وآخر مُعارض لها،مستمسكين بالمقولة الخالدة لشهيد الفكرالأستاذ محمود محمد طه ( الحُريّة لنا ولسوانا ).وقلنا أكثر من مرّة أنّ سلطة إيقاف الصُحف عن الصدور والصحفيين عن الكتابة، يجب أن تظل سلطة أصيلة بيد القضاء وحده ، وعلى جهاز الأمن أو غيره من المُتضرّرين من النشر، اللجوء للمُقاضاة ضد ما يعتقدون أنّه " يمس بالأمن القومى "، وما القرارات الإداريّة الأمنيّة ، سوى عدوان صريح على الحُريّات وتكبيل للحق فى التعبير والتفكيروالضمير وهذا مرفوض منّا جملة وتفصيلا . قرأت ما كتبه الهندى عزالدين ، حول وزارة الدفاع والجيش مُثنى وثلاث ورباع ، وهو يدخل فى باب الرأى ، كما قرأت إختلافه مع بعض أهل حزبه فى مسألة تمديد فترة حُكم الرئيس ،ومُطالبته للبشير إبتدار عمليّة " التغيير من الداخل " ، ولم أجد ما يُبرّر هذا القرار الأمنى التعسُّفى القاضى بإيقاف الصحيفة ثلاثة أيّام، تمّ تمديدها لخمسة عشر يوماً، فالهندى كتب رأى يحتمل عند أهل العقل الصحّة والخطأ ، ولا أعتقد أنّ وزارة الدفاع أو غيرها من الوزارات والمؤسّسات – بما فى ذلك السياديّة والمدنيّة والعسكريّة وشبه العسكريّة ، يجب أن تكون مُحصّنة من النقد،ولطالما هناك من يمدح ، فالقدح حقٌّ يجب أن يُكفل لمن لا يجد نفسه فى مقام المدح .وهناك فرق بين الكشف عن تحرُّكات الجيوش والإعلان عن عتادها، ممّا قد يؤثّر على سير العمليّات … إلخ ،وبين إنتقاد أدائها وسلوك قادتها. واضح أنّ قرار الإيقاف عن الصدور هو جزء من معركة " داخل الحوش " بين تيّارات مُصطرعة فى الحزب والسلطة ، وقد يكون الهندى مؤيّدأ أو منحاز لواحد منها ضد الآخر، وهذا حقّه ، وقد يكون القرار الأمنى قد جاء فى إطار تصفية الحسابات والضرب تحت الحزام ، ومع ذلك ، لن نفرح لمثل هذه القرارات، ولن نشمت علي المضروب، فالواجب الأخلاقى والمهنى يُحتّم علينا إنتقاد قرار منع صحيفة الهندى عن الصدور، بذات المستوى والطريقة التى نحتج بها على إيقاف صُحف تُصنّفها السلطة والأجهزة مُعارضة ومُعادية للتوجُّه " الحضارى ". وقبل الهندى وقفنا ضد منع وحظر إسحاق أحمد فضل الله عن الكتابة أمنيّاً ، ولن نتردّد فى إتّخاذ ذات الموقف إن جاء المنع الأمنى ضد محى الدين تيتاوى أو ضياء الدين بلال أو الصادق الرزيقى أو عبدالماجد عبدالحميد أوغيرهم.. فالنرفع الصوت عالياً ضد إيقاف ( المجهر السياسى ). وهذه هى الإستقامة التى يجب أن يتحلّى بها أهل الرأى والفكر، ودونها يسهُل السقوط فى بئر جماعة الكيل بمكيالين أو أكثر !.