استرداد الأموال المنهوبة أم زيادة الأسعار في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة لإعلان الحرب علي المواطن وتحويل حياته إلي جحيم برفع الأسعار والضرائب ، يرتفع حجم الفساد المالي ويصل لأرقام خرافية . وزارة المالية تتحدث عن عجز في الميزانية لهذا العام يبلغ 10 مليار جنيه ، بينما حجم المال المنهوب في عام واحد يساوي 63 مليار جنيه . هذا ما رصده المراجع العام لجمهورية السودان في تقريره عن حسابات 2011 ، فماذا قال ؟ كالعادة كشف تقريرالمراجع العام لجمهورية السودان والخاص بمراجعة حسابات العام المالي 2011 مدى الفوضي والاستهتار بالمال العام في معظم أجهزة الحكم المركزية والولائية، وبرغم أن التقرير لم يشمل كل الوحدات الخاضعة للمراجعة– 107 من 237 وحدة حكومية – ولم يتعرض بالتفصيل لحالات نهب المال في جهات عدة، أشار لها بالتلميح وليس التصريح، وبرغم الستار المضروب على نتائج مراجعة البنوك التي لا تنشر منذ سنوات، إلا أن القليل مما هو مذكور في التقرير يفضح سلطة الرأسمالية الطفيلية، ويعزز تأكيدنا بأن الفساد جزء لا يتجزأ من هذا النظام، وأنه آلية مهمة من آليات مراكمة الأموال وإعادة هيكلة الاقتصاد فيما يسمى بالتمكين إذ زادت نسبة نهب المال العام بالولايات بنسبة381% مقارنة بعام 2010 ولم تزد نسبة استرداد الأموال المنهوبة عن 5% من إجمالي المال المنهوب كما ذكر التقرير. وأن حجم المال المنهوب والذي جرى تبديده بكافة الصور تجاوز ال63 مليار جنيها خلال عام واحد هو 2011، بالإضافة إلى 290 مليون دولار نهبت من عائد البترول وتكررت بالنص ملاحظات المراجعة العامة في كل عام عن الفساد المالي عن طريق تجنيب الإيرادات ، وتجاوز الإعتمادات المالية ، والشراء دون مناقصة وتزوير المستندات المالية وعدم إرفاق المستندات المؤيدة للصرف ، التحصيل والصرف خارج الموازنة ، الإعفاءات الجمركية دون وجه حق ، عدم توريد عائدات الخصخصة لوزارة المالية ، السحب على القروض دون إظهاره في الحسابات إلى غيرها من الملاحظات. نهب الأموال ظاهرة مستمرة : أشار خطاب المراجع العام الذي قدمه أمام البرلمان الحكومي لصافي المخالفات المالية بالولايات والتي بلغت 144.64 مليون جنيهاً خلال عام 2011 ، وعلى نطاق الأجهزة القومية أشار التقرير لمبلغ 3.8 مليون جنيهاً تحت مسمى جرائم المال العام غير المسترد، أما على المستوى العدلي للمال المنهوب فمن جملة 42 حالة تم البت قضائيا في 9 حالات فقط .الملاحظ أن إختلاسات المال العام والتي كانت سابقاً ترد في تقارير المراجعة العامة تحت مسمى التعدي على المال العام ، قد جرى تعريفها بشكل جديد في تقرير المراجع العام لهذا العام من أجل إخفاء أثر النهب المنظم والمسنود برعاية رسمية ومن أجل تقليص المبالغ المنهوبة نفسها، إذ أن المراجعة تشير في هذا الإطار إلى ما أسمته المراجعة الشرعية لجرائم المال العام، وليس المراجعة المحاسبية أو التدقيق المالي أو خلافه فمراجعة الأموال المنهوبة الآن من اختصاص فقهاء النظام الذين يستند عليهم المراجع العام ويالهم من فقهاء !! الإستثمارات الحكومية : نلاحظ من خلال التقرير ضعف عائد الاستثمارات الحكومية إذ بلغ 24.2 مليون جنيهاً بنسبة 12% من الربط المقدر ب(200) مليون جنيهاً، وأشار التقرير إلى أن هذا الضعف مستمر منذ 2009 لافتاً الإنتباه إلى عدم تحصيل أي أموال من الشركة السودانية للاتصالات وشركة أرياب للتعدين و12 شركة أخرى كان مفترضاً أن تدفع للخزينة العامة مبلغ 124.2 مليون جنيهاً خلال 2011 وطالب التقرير بدراسة أوضاع الشركات التي تستثمر فيها الدولة والوقوف على جدوي الاستثمار فيها واتخاذ إجراءات أكثر صرامة لسداد مستحقات الدولة في مواجهة شركة إنتاج وتصنيع الدجاج العربي والشركة العربية للبذور والشركة السودانية الليبية للإستثماروالتنمية .وأشار إلى أن بعض هذه الشركات تقلل عمداً أرباحها المستحقة لوزارة المالية، بإضافة المصروفات الرأسمالية للمصروفات الإدارية. نعيد التأكيد على أن الحكومة دفعت ما قيمته 397 مليون جنيها خلال عام 2011 لهذه الشركات ومعظمها وهمية دون الحصول على أية عائدات مما يشير إلى أن المبالغ المدفوعة نفسها والأرباح المجنبة قد تحولت إلى الحسابات الخاصة. أشار التقرير إلى مبلغ 155.5 مليون جنيها ورد في موازنة الدولة باعتبار أسهم وحصص رأس المال، بينما صرف على جهات وأفراد ووقود لعربات وشخص يدعي خالد عبد الله معروف حصل على 720ألف جنيها باسم مكافأة نهاية خدمة من نفس البند. الخصخصة : مثل ما ورد في كل التقارير السابقة فعائدات الخصخصة تستولى عليها اللجنة المختصة ببيع مرافق القطاع العام دون وجه حق ، ودون أن تورد للخزينة العامة ، فقد أشار تقرير المراجع العام أن عائدات الخصخصة البالغة 72 مليون جنيها لم تظهر بالحساب الختامي للدولة، وطالب بوقف هذه الممارسة وإدراج العائدات في موازنة الدولة . وذكر التقرير أن معظم التصرفات التي تمت بواسطة الصندوق القومي للخدمات الطبية بتصفية شركات دون علم الجهات المختصة تخالف قانون ولائحة التصرف. رسوم غير قانونية: ورد في التقرير أن رسوما إضافية غير قانونية تتعلق بالتخلص من الفائض قد جري فرضها باسم رسوم ترخيص وتجديد وتفتيش وأن إدارة التخلص من الفائض تقوم بتحصيل 9% من عائدات البيع بلا أي سند قانوني ، ولا يتم توريدها لوزارة المالية . الصرف بلا مستندات: أشار التقرير لمبلغ 23.7 مليون جنيها صرفت على البرنامج القومي للقمح دون أن تقدم للمراجعة شهادات إنجاز تبين ما تم إنجازه وأوجه الصرف . كما أكد التقرير أن هنالك تجاوزاً في الصرف على سد مروي ومشروع تعلية خزان الروصيرص. كل هذه الرسوم والمبالغ التي لم تورد لوزارة المالية ولم توضح طبيعة صرفها هي أموال عامة نهبت دون أن يطرف للفاسدين جفن. الفساد بالجملة: تقرير المراجعة أشار بوضوح للفساد في هيئات حكومية ذكر منها المخزون الاستراتيجي الذي كان يتبع لوزارة المالية وضم إلي البنك الزراعي في 2012، حيث أشار لوجود مخالفات تتمثل في عجز المخازن وشيكات مرتدة وسلفيات ذرة لم تسدد بما يعادل 13.9 مليون جنيها إضافة لمديونيات لم تحصل تبلغ 86.7 مليون جنيها . وبلغت الأموال المجنبة خارج الموازنة على المستويين الولائي والقومي 497 مليون جنيها خلال عام 2011 ، أما جملة الشيكات المرتدة والمتأخرات بالضرائب والجمارك فتبلغ 326.2 مليون جنيها . حصر فقراء ب(6)مليون جنيها ؟؟ وعلى صعيد ديوان الزكاة أكد التقرير عدم وجود أسس واضحة لتقديم الدعم والتمويل للمشروعات وعدم استكمال المستندات المقدمة لمصرف الفقراء والمساكين وعدم ارفاق الفواتير النهائية، كما هو الحال في تمويل مشروع الحصر الشامل للفقراء والمساكين بمبلغ 6.41 مليون جنيها . وفي صندوق رعاية الطلاب بلغت المخالفات بحسب التقرير 2.8 مليون جنيها وذكر المراجع العام أن الصندوق يقوم بمنح عدد من المنظمات مساعدات مالية شهرية مما يخالف أغراض وأهداف الصندوق وأن الشراء يتم دون مناقصات .وفيما يتعلق بالمدينة الرياضية البالغ مساحتها 1.488 مليون متر مربع استولت جهات على 1.08 مليون متر مربع من أراضيها بنسبة 73% من إجمالي المساحة دون علم وزارة الشباب والرياضة وحولتها إلى قطع سكنية واستثمارية، وأن هذه التعديات تمت دون تخويل. أما قطعة الأرض المخصصة للمجلس القومي للرياضة الجماهيرية بمساحة 110 ألف متر مربع فلم تجد المراجعة أي معلومات بشأنها ، وأن المبالغ التي صرفت على المدينة الرياضية حتى نهاية 2011 بلغت 54.5 مليون جنيها. البنوك والشركات وما خفي أعظم: أشار التقرير إلى عدم إفصاح البعض عن طبيعة العلاقة مع الأطراف الأخرى وتفاصيل المعاملات معها ، وعدم تغطية الضمانات لمبالغ التمويل وتعدد عمليات التمويل للمتعثرين وإرساء عطاءات على أطراف ذات علاقة مباشرة بأسعار تفوق الأسعار السائدة وتحويل اختصاصات وحدات حكومية إلى شركات خاصة مملوكة أو يساهم فيها مسؤولون بالوحدات الحكومية. التعاقدات الخاصة: التقرير أشار إلى أن عدد المشتغلين بالتعاقد الخاص يبلغ 1094 شخصا يحصلون على 53.4 مليار جنيها في العام، وأن من ضمن هؤلاء عمالة غير مدربة وأن هذه المبالغ لا تشمل السيارات والحوافز والمكافآت وتذاكر السفر والعلاج وتكلفة الكهرباء والمياه ، وأن خبيرين أجنبيين تعاقدت معهما هيئة الطيران المدني بمبلغ 607 ألف دولار سنويا ، وأن معظم العقود لا يتم توثيقها بالإدارات القانونية المختصة وأنها لا تتم بموافقة مجلس الوزراء.