محمد عثمان ابراهيم لست أدري لماذا انشغلت الصحافة بقضية المسئول الذي ضبطت سيارته وهي تحمل كمية من مخدر البنقو! الحقيقة أن بعض وسائط النشر ذكرت أن سيارة المسئول كانت تحمل حشيشاً وهذا غير صحيح طبعاً ويكشف عن إن الصحفيين الذين أوردوا الخبر (ما عارفين حاجة) ولا يفرقون بين البنقو والحشيش! ما الجديد؟ الكثير من المسئولين السابقين في حكومة السودان كانوا يتعاطون البنقو والحشيش (حسب التساهيل). في أوائل السبعينات ضبطت لبنان مسئولاً سودانياً سامياً وبحوزته مخدرات، وفي الثمانينات ضبطت السعودية مسئولاً آخر بحوزته حقيبة محشوة كذلك بالمخدرات. في الخمسينات والستينات عُرف عن مسئولين حكوميين رفيعين أنهم كانوا يتعاطون البنقو، أما في التسعينات فقد اختفت الظاهرة نسبياً ومن هذا نستخلص أن انصار الترابي الذين استأثروا بحكم البلاد حينئذ لم يكونوا يتعاطونالبنقووهذه نقطة لصالحهم! خارج السلطة اشتهر عدد من رموز المجتمع في الفن، والأدب، والرياضة، والمال في الذهن الشعبي بتعاطي البنقو وفيما ندرك أن كثيراً من هذه الحكايات هي مجرد شائعات إلا أن تداولها على هذا النحو يفضح خللاً آخر في بنية ثقافتنا الشعبية التي تتسامح على نحو فج وقبيح مع الظاهرة. منذ سنوات ما غادرت وسائل التوعية والإرشاد من صحف ومساجد ومؤسسات حكومية ومنظمات خيرية الحديث عن تزايد تعاطي البنقو في اوساط لم تكن ضمن خطر الإدمان قبل عقد ونصف أو أقل. كيف تسربت المخدرات الى هذه الشرائح؟ الإجابة سهلة وشديدة البساطة: لقد تسربت من خلال ثغرة تسامحنا وتساهلنا واستلطافنا في أحيان كثيرة للمتعاطين و(المسطولين). ثقافتنا الشعبية تسمي سجارة البنقو بعشرات الأسماء اللطيفة، وتطلق على متعاطيها عشرات الأسماء المستلطفة وهذا الإستلطاف مقروناً بالشائعات عن خفة دم وسرعة بديهة المتعاطي مدد الظاهرة وربما الرغبة المتعة الزائلة. بالطبع هناك اسباب أخرى منها سهولة الحصول على البنقو، ورخص ثمنه، وصغر حجم المطلوب منه، وسهولة اخفائه، وصعوبة اكتشاف متعاطيه بالوسائل التقليدية، وعدم الحاجة الى امكانيات لتصنيعه اضافة الى صعوبة رصده من قبل الشرطة وغير ذلك. من جانب آخر تتداول الثقافة الشعبية أيضاً مبرراً آخر لإباحة تعاطي البنقو وهو ما يشاع عن عدم القطع بحرمة تناوله في الشريعة الإسلامية، وهذا مبحث يحتاج الى مخاطبته بالحجة والإقناع والأدلة، لا بالتهديد والوعيد. الخلاصة أن الظاهرة أكبروأعمق من أن تترك مواجهتهاللشرطة والمحاكم. مواجهة البنقو تحتاج الى مفوضية من ممثلين لوزارات الثقافة، والتربية، والأوقاف، والصحة،والزراعة، والإعلام، والعدل والمجتمع المدني، والداخلية. لماذا تكون لدينا مفوضية انتخابات ومفوضية دستور ولا توجد لدينا مفوضية لمكافحة المخدرات؟ اغلقوا واحدة من تلك المفوضيات وحولوا ميزانيتها لمكافحة البنقو تفلحون. ختاماً أناشد الحكومة ألا تقوم بضبط أي مسئول يتعاطى البنقو فإن في تعاطي هؤلاء مكاسب للمواطنين لو علموها لتبرعوا لكل مسئول بكمية تكفيه العام كله. الثلاثاء 28 يناير 2014