عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا النبي لا كذب (15) الحدود حريتك ، والقرآن ليس دستورا ، والشريعة مفترى عليها
نشر في حريات يوم 26 - 02 - 2014


سيف الحق حسن
[email protected]
الحدود هي الفواصل بين الأشياء من دون تسوير أو حواجز عالية. والحدود يوردها الله تعالى مقرونة بإسمه سبحانه دوما ب "حدود الله"، حيث ذكرت حوالي اربعة عشر مرة في القرآن الكريم. وقد وضعها الله عز وجل لعباده ليميزهم بها ويرى من أكثرهم تقوى له سبحانه في عدم تعدي حدوده جل وعلا. والتقوى بين العبد وربه. وليس هناك أحد مخول بالمعاقبة بتعدي "حدود الله" غيره سبحانه، ولا يمكنه أن يدري إن شخصا تعداها أصلا.
وإذا تدبرنا كلام الله نجد ان أغلب "حدود الله" المذكورة في القرآن هي بين تعامل الرجل وزوجته، في الطلاق والمعاملات الأسرية و الإجتماعية بين الأفراد وفي الميراث. فمثلا: ((ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، تلك حدود الله فلا تقربوها، كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)) [البقرة: 187]. أو ((الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان…. تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعد حدود اللّه فأولئك هم الظالمون)) [البقرة: 229]. ((لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ۚ وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)) [الطلاق: 1]. وفي الميراث ((ولكم نصف ما ترك أزواجكم … من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ۚ وصية من الله ۗ والله عليم حليم*تلك حدود الله ۚ ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ۚ وذٰلك الفوز العظيم)) [النساء: 13].
إذا حدود الله هي الحدود الشخصية التي رسمها الله عز وجل للمؤمن لحدود حرية تعاملاته. وبما أن حرية الإختيار هي المقوم الأساسي لعبادة رب العزة عبادة سليمة وعن قناعة تامة، فإن "حدود الله" هي حدود "حرية الفرد" للمؤمن التي يجب أن يلتزم بها أسريا ومجتمعيا وفي عبادته لله سبحانه وتعالى. بالتالي لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه يطبق "حدود الله" مطلقة، لأنه لا يعلم ذلك. فمثلا لايعلم أحد معاملة رجل لزوجته في الطلاق، أو عدم مباشرته إذا كان معتكفا إلا الشخص نفسه والله العليم بذات الصدور.
ولكن "حدود الله" أصبحت أداة لإرهاب الناس وقهرهم وسلب حرياتهم والتحكم بهم وإستبدادهم فأفرغت من معناها الأصلي. فقد إستخدمها السلاطين وبعض رجال الدين والسياسيين "الإسلاميين" وجعلوها قفاز في أيديهم، وحقوق وكالة من الله عز وجل لتطبيقها عنه سبحانه وإعانته- ونستغفر الله العلي العظيم-، كيف؟ الله أعلم.
وقد خلطوا أمور كثيرة بمفهوم الحدود. فمن الممكن القول بأن ما نهى عنه الله تعالى منهيات لم يسمها الله ب"حدود الله" في القرآن الكريم، ولكن لا بأس إن سميناها حدودا في سبيل تقوى الله عز وجل. ك: ((لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)) [النساء: 43]، ((ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)) [الأنعام: 151]، ((ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)) [الإسراء: 32]، ((ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)) [الأنعام: 152- الإسراء: 34].
فهذه بالأحرى أوامر ويمكنك أن ترسم حدودا لكي لا تقربها، ويمكنك أن تتعداها إذا كنت لا تتقي الله عز وجل. وهناك الكثير من الذي يأمر به الله وينهى عنه و يمكنك فعله دون أن يدرى عنك بشر. إذا الحدود هي مسألة إختيار فردي وهي حدود تقوى العبد وإلتزامه وعدم إقترابه لما ينهى الله عنه. وبإختصار فإن حدود الله هي حدود للحرية الشخصية.
العقوبات ليست الحدود..
ولا يجب أن يخلط مفهوم الحدود بالعقوبات. فما يطبقه الناس من عقوبات هو تطبيق لعقوبة تعدي المخالفين لحدودهم الشخضية ودخولهم في حدود حرية الأخرين. فمن المهم وضع القوانين التي تحفظ للفرد حريته، وبالمقابل يحفظ كل واحد من الناس حدوده مع الآخرين ويعاقب من يتعداها. وبذلك يحافظوا على مجتمعاتهم.
وفي القرآن الكريم 6236 آية منها تسع آيات فقط تتحدث عن عقوبات معينة. والعقوبات هي: القصاص (قتل النفس بالنفس أو الدية)، الزنى (الجلد 100 جلدة-للكل متزوجون أو عزاب كما وضحنا)، قذف المحصنات المؤمنات، أي الحرائر "متزوجات وغيرهم" (الجلد 80 جلدة)، السرقة (قطع اليد)، الحرابة أي قطع الطريق للسرقة والقتل والإعتداء (القتل أو الصلب، أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي).
فهذه العقوبات الصريحة التي نصها الله تعالى في كتابه العزيز. ونستشف هنا رحمة الله وعدله لعباده. فمثلا عقوبة الزنى من الصعب جدا إثباتها. بينما القتل، والسرقة، والحرابة، وقذف الحرائر فإثباتها ليس صعبا مثل الزنى. وإذا نظرنا لكل العقوبات التي نص عليها كتاب الله، فهي تمثل نوعا من أنواع التعدي السافر والإنتهاك الصارخ على الحريات الشخصية والتي يريد الله سبحانه الحزم في القضاء عليه.
وإذا كانت الدول التي تدعي تطبيق حدود الله أو الشريعة فعليا لرأينا كثيرا من الرجال يجلدون. فهناك الكثير من يتعرض بالقذف للنساء وإتهامهن بمجرد أن يرى المرأة سافرة أو متبرجة ولا تعجبه. فهذا حد صريح في كتاب الله تعالى بالجد 80 جلدة لقذف المحصنات (أي الحرائر: الحرة: زوجة، عازبة أو مطلقة) المؤمنات الغافلات وإثباته ليس صعبا مثل الزنى. ولأنهم يريدون بتطبيق الحدود والشريعة غير ذلك فنجد النساء يقهرن ويذللن.
إن من الجائز جدا وضع حدود ونص عقوبات اخرى يتعارف عليها الناس لحفظ حدود حرية الأفراد و لصيانة مجتمعاتهم حسب أعرافهم وتقاليدهم. أي يمكننا رسم حدود حرية الأفراد في المجتمع. و حرية الإنسان في المجتمع تبدأ من الشخص وتنتهي في إطار حرية الشخص الآخر والتي يجب أن لا يتعداها. وهنا يمكن وضع القانون والذي لا يمكن أن نسميه حدود.
القرآن ليس دستورا ولكنه أخلاق..
الدستور (بالإنجليزية: Constitution)، هو القانون الأعلى للدولة الذي يحدد الخطوط الأساسية العريضة لشكل الدولة ويرسم الحدود العامة بين السلطة والأفراد أو بين المواطن والدولة، وبين مؤسسات الحكومة المختلفة مع
بعضها البعض. فمثلا يحدد شكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة، ويشمل وضع لائحة اختصاصات السلطات الثلاث (السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية) فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بينها وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة. وبإختصار فإن الدستور يجب أن ينص على حقوق المواطن الأساسية، حق الحياة وحق الحرية، ويحفظ كرامة المواطن الذي يعيش في موطنا ما لكي ليكون إنسانا حرا ومواطنا له واجبات وعليه حقوق في وطنه.
والدستور مصطلح حديث لم يورد ذكره في القرآن الكريم نهائيا وإستخدمه بعض السياسيين"الإسلاميين" حديثا للكسب السياسي فقط بعبارة: "القرآن دستورنا". فكما أوضحنا بأن حدود الله هي حدود إلتزام المؤمن. والدين عموما مبني على حرية الإختيار، بينما القانون مبني على الإلتزام والإجبار. لذلك لا يمكن ان نقول بأن القرآن دستورا. فالله لا يجبر أحدا على عبادته والإلتزام بذلك.
والقانون يهتم بحفظ حقوق الأفراد في تعاملاتهم وعدم تعدي حدود الآخرين. بينما الدين يهتم بصيانة سلوك الفرد لحفظ تعاملاته ذاتيا وعدم تعدي حدود الآخرين. فالدين والقانون يلتقيان في نقطة واحدة ولكن طرق التنفيذ تختلف.
والقانون ليس له دخل بالنوايا لأنه يهتم بالسلوك الفعلي الصادر، فالنيات بينك وبين الله تعالى. ولكن الدين يعنى بالبواعث والنيات لذلك فإن الدين المعاملة وإنما الأعمال بالنيات. فالدين إذا أخلاق والقانون لا يطلب منك أن تكون على خلق ولكن يجبرك أن تحترمه. فالقانون يهتم بحسن الفعل أو الظاهر من الأفعال والمعاملات فقط. بينما الدين يهتم بحسن الفعل وحسن الفاعل، أي بالجوهر والظاهر منه. فالقانون يهذب المجتمع والعلاقات بين كل اطرافه، بينما الدين أخلاق، والأخلاق تهذب الفرد. فمثلا إذا ضبط أحد الأشخاص متلبسا، سارقا مثلا، فلا يعفيه القانون من إتهامه ومعاقبته لأنه يقيم الليل أو يصوم الإثنين والخميس مثلا. وبالمقابل القانون لا يعاقب أحدا من طرف لأنه لا يصلي أو لا يصوم ناهيك عن أنه لم يرتكب جريمة أساسا. والقانون لا يعاقب مثلا على الغيبة والنميمة، ولكن الدين يعاقب على كل هذا والجزاء الأوفى لكل الأعمال يوم الدين. لذلك فإن الدستور والقانون يستدعي التقيد الظاهر فقط مهما كان خلقك. وبما أن القرآن خلق، فالقرآن ليس دستورا إنما أخلاق.
إذن الواجب الإلتزام بالقانون ولكن الحق الإلتزام بالدين. لذا لابد هنا من التفريق بين الحقوق والواجبات. فالعبادة ليست من الواجبات بل من الحقوق التي تعود بمنفعتها على نفسك ولا تضر أحدا إذا فعلتها أم لا. مثلا ((قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون…))، ((ومن الليل فتهجد به نافلة لك))، ((قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها)). فكل هذه عوائد فردية.
وللمفارقة المحزنة فإن البلدان التي يسمونها كافرة وعلمانية تجدها محترمة أكثر من البلدان التي تسمى نفسها إسلامية. فهي تضع القوانين المختلفة لحماية حرية أفرادها إبتداء من الحرية الدينية إلى أبسط نوع من الحرية الفردية والقانون يلزم بنيل كل مواطن حقوقه كاملة. أما المنظمات العالمية التي يرأسها كما يقولون الكفار والملحدون والعلمانيون فتسعى لوضع قوانين لحقوق الإنسان والتي هي نفسها ينص عليها كتابنا العزيز، من الحرية وحرية الإختيار، والعيش في سلام وأمان دون حروب، وحقوق المرأة، وحقوق الفقراء، البيئة….إلخ. ولكن حرفت تلك المفاهيم بواسطة مجموعة من السلاطين وفقهائهم لتسلب من معانيها ويستخدمون عكسها في الإستبداد وكبت الحريات لأجل الحكم.
إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن حاكما أساسا بالمعنى الذي يريد أن يصوره لنا المخادعون. فهو كان نبيا مبشرا ونذيرا وليس مسيطر على أحد. فهو مربي ومأدب، بينما القانون مسيطر ومعاقب.
وبحسب معارف ذلك الزمان، وضع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ميثاق في المدينة كنموذج ينص على حفظ حقوق الحريات والإلتزام بالتعايش السلمى بين الناس بمختلف طوائفهم. وبحسب الروايات جاء فيه: (وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)). فهذه هي أخلاق القرآن.
ولكن بحسب زماننا فإن الدساتير أصبحت تصاغ بواسطة لجنة تتكون من كل ألوان الطيف السياسي. وبعد صياغته ومن ثم مناقشة بنوده والإتفاق على صيغة نهائية يتم إستفتاء الشعب عليه. وإذا إختارت الأغلبية الدستور، عليهم الإلتزام به جميعا في داخل رقعة وطنهم. ومن الدستور تنبثق القوانين الأخرى التي يضعها المجلس التشريعي -المنتخب من الشعب أيضا- لصيانة وحفظ المجتمع ورعايته بحسب ما يتعارفون عليه، وذلك توافقا مع الآية: ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) [الأعراف: 199].
وكل هذه العملية لا يجب أن يكون فيها طغيان لفئة على فئة. فالإنتخاب النزيه الشفاف أولا ورضاء كل الأطراف هو من أهم العوامل لنجاح الدستور. فلا يمكن أن تحتكر فئة كتابة الدستور بمفردها، وتخدع بأن هذا من أجل التمكين. فالتمكين هو من عند الله وحده فقط. بقوله عز وجل: ((وكذلك مكنا ليوسف)) [يوسف: 21- 56]، ((إنا مكنا له)) [الكهف: 84]. ولاحظ لأن التمكين فردي ليوسف فقط. وهذا التمكين ليس من أجل الإستيلاء والتحكم في عباد الله. فيوسف عليه الصلاة والسلام عندما مكنه الله بعلمه، فصار وزيرا –للمالية والإقتصاد- في حكومة ملك ربما كان "كافرا" ولم يطلب بأن يستولي على الحكم هو نفسه لأنه نبي وأفضل من الملك نفسه. بل عمل في حكومته كفرد عادي. والتمكين أساسا هو للدين وليس للدولة، والله وحده هو المتكفل بإنجازه بقوله: ((وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم)) [النور: 55].
والدستور أيضا لايمكن أن يكون هو القرآن لأن الدستور يمكن ان يتجدد ويتغير ولكن القرآن مبادئ وأخلاق ثابتة. و كل تلك المفاهيم خلطت لتضليل الناس وإستخدام الشعارات الرنانة للمآرب الشخصية والمكاسب الدنيوية. ومن يتخذ هذا إما مخادع أو مخدوع. ولم يكتفي المخادعون والمخدوعون بذلك بل أتوا بفرية أخرى بتسمية "دستور الشريعة".
الشريعة المفترى عليها…
الشريعة ليست لها علاقة بالقوانين بتاتا. فالإمتثال لحدود الله ونواهيه هو الشريعة.
يقول تعالى: ((ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين* وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون* ثم جعلناك على "شريعة" من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون* إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين* هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون)) [الجاثية: 20]. فقد وردت كلمة شريعة التي صدعت بها أذاننا مرة واحدة في القرآن العظيم. ومن خلال السياق فهو ما شرعه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإتباعه.
فإذا لا شئ إسمه تطبيق الشريعة في الدولة أو المجتمع، فتطبيقها معناه السير الفردي بحسب منهاج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. لذلك تطبيق الشريعة لا يعني بتاتا تطبيق العقوبات القرآنية الخمس، أو القوانين التي يتم صياغتها وتنعت بالإسلامية.
لقد شوه مفهوم الشريعة بحصره في هذا الإطار الضيق الكاذب، وجعله محور تنازع وتراشق بين الخصوم السياسيين. فالفريق الأول يرى إنه يريد تطبيق الشريعة ويبرر بذلك تسلطه وأحقية سطوه على السلطة وكل وسائله وأفعاله المخالفة للأخلاق للوصول لتلك الغاية؟! أي بإسلوب "الغاية تبرر الوسيلة"، ومن التناقض ان الشريعة نفسها تلزم من يتبعها بالإنضباط الأخلاقي.
أما الفريق الثاني فبلع الطعم وقبل أن تكون الشريعة والتي أساسها الفرد معترك للمعركة ومحل هجوم منه مقدما أسبابا ك: للدين قدسية فى النفوس تحول التنافس السياسي إلى مواجهة مزيفة مع الدين، والشريعة تشتمل على تنوع فى الآراء واختلاف فى الاجتهادات تسمح لكل طرف بالإحتجاج بما يناسب رؤيته، و وجود غير المسلمين فى البلد يجعل من إلزامهم بأحكام الشريعة نوعاً من الظلم، ومن الإستحالة تطبيق منهج مضى عليه أربعة عشر قرناً تغير العالم خلالها تغيراً جذرياً.
وكل هذه قرائن منطقية ولكن ليس لها صلة بالموضوع الذي إنجروا ورائه وجعل الشريعة محلا للإستهداف. فأنخدعوا بلعبة المعاني والصطلحات. فالشريعة اولا أساسها الفرد وليست معنية بالدولة، وهي ليست أمرا من الله إجباري يجب على الفرد التقيد به، وهي ليست منهج إنتقائي يأخذ منه الفرد ما يتوافق أو ما يحلو ويترك بعضه. ولكن هي منهج إختياري للفرد للسير والتقيد به.
و للأسف صارت الشريعة مفهوم نظري، يستخدم في المعارك السياسية. والمفاهيم السياسية النابعة من مصادر عقائدية ما خطر رهيب على الناس من حيث القمع و الإرهاب. ويحكي التأريخ ماذا فعل الأمويون فى مواجهة معارضيهم. لقد وصل بهم الأمر إلى هدم الكعبة، وإلى استحلال نساء المدينة لمدة ثلاثة أيام. و تكرر ذلك من قبل السلطة ومن قبل المعارضة أيضا على مدار تاريخ المسلمين من الأمويين إلى العباسيين، إلى العثمانيين، ومن الخوارج إلى القرامطة إلى الإسماعيلية. فلقد كان تحويل الخلاف السياسي إلى عقائدي أحد أسباب التقاتل والحروب بوهم كل طرف بأنه على حق، وإنه سيطبق الشريعة.
وهل أثبت التأريخ بأن دول الشريعة أو تطبيق الشريعة بمفهوم المدعين لتطبيقها سيصلح حال الناس والمجتمع وتزدهر الدولة وتتقدم الأمة؟. وهل كانت تلك الدول الآنف ذكرها نموذجا يحتذى به لنعيد امجاده؟. لن أجيب لأن محور النقاش أساسا خاطئ، فلذلك لايجب أن الخوض في الحديث والجدل الذي ليس لديه فائدة ولن يصل فيه طرف إلى نتيجة.
ولكن عموما، ليس معنى أن هناك حاكم عادل معناه إنه مسلم، وليس معنى أن هناك حاكم مسلم بالضرورة سيكون عادلا. وليس بالضرورة إذا كان الحاكم كافرا انه سيكون ليس عادلا، أو ان الحاكم ليس عادلا فيعني أن الحاكم كافرا.
و الشريعة ليست قانون، ولكن إذا أعتبرنا هذا مجازا فإن الدكتور خالد المذكور رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالكويت، يقول: "نحن درسناها في اللجنة واكتشفنا أن القوانين الفرنسية، معظمها مأخوذ من الفقه الإسلامي"، ويضيف: "لم نعدل من القانون المدني الذي يضم 1080 مادة سوى 40 مادة، والبقية لا تتعارض مع الشريعة"، ثم يقول: "إن أكثر من 95 % من أحكام الشريعة، اجتهاد بشري متروك لمصالح الناس والكليات الخمس".
إن الشريعة طريق الإستقامة الذي كان يسير عليه نبينا صلوات الله وسلامه عليه. فهي تطبيق في الذات لكل ما أمر ونهى عنه الله عز وجل. فقد نهى الله عز وجل مثلا عن الهمز واللمز والغمز والتجسس والتابز والغيبة والنميمة والكفر والفسوق والعصيان. فهل فعلنا ذلك لنقول إننا طبقنا الشريعة في أنفسنا؟. و يقول الحق جل وعلا ((قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم* إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون* قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم* يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)) [الحجرات: 17]. فالشريعة ليست إدعاء ومن على الله بعلم دينه وأخذا الوكالة والوصاية، من دون الناس، بتطبيقه على خلق الله. فكم من مسئ للإسلام يتخذ هذا النهج وهو يسئ ويشوه صورة الإسلام اكثر من أعداءه الحقيقيين.
فمناصري الشريعة إتخذوها مطية ليبرروا بها سيطرتهم وإستبدادهم على الناس وقمعهم، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته أساسا لم يكن عليهم بمسيطر. فيقول له الله عز وجل له قل: ((قل لست عليكم بوكيل)) [الأنعام: 66]. والله تعالى بذاته العلية لم يسطير على أحد. ((ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا)) [النساء: 132]. فكفى بالله تسترا وبدينه تدثرا وبرسوله تبليا. ف: ((إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون)) [الأعراف: 28].
إتباع الشريعة في الحكم هي "العدل"..
ويقول الله تعالى: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) [النحل: 90]، فهذه شريعة من الله والمرء حر في إتباعها. ويقول أيضا: ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا)) [النساء: 58]. وعليك بملاحظة في الآيتين ورود إن هذا "وعظ" من الله. ونعما يعظكم: أي نعم الذي يعظكم به الله عز وجل ما ذكر. فالله يأمر إذا أقيم حكم بين الناس أن يكون بالعدل. فهذه هي شريعة الله في الحكم، و هي العدل "بين الناس" ولم يفرق في ذلك بين مسلمين وإسلاميين أومسيحيين و وثنيين ولا دينيين. فمن يأتي للحكم بإتفاق الجميع ويسعى جديا لإقامة العدل، فإنه بذلك يطبق الشريعة، بغض النظر عن مرجعيته السياسية، إن كان إسلامي أو شيوعي أو علماني.
وبالمقابل فإن عدم العدل أي –الظلم- هو خلاف شريعة الله سبحانه وتعالى وعكس ما كان عليه نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه. فكتابنا العزيز الذي نزل على قلبه صلوات الله وسلامه، لم ينص على شريعة بل عدم الركون للظلم و الثورة ضد الطغاة الظالمين.
* الحلقة القادمة الإثنين بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.