اقترب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خطوة فيما يبدو من الترشح للانتخابات الرئاسية والانتصار في صراع مرير على السلطة، الاثنين، مصورا النتائج القوية التي حققها حزبه في الانتخابات المحلية على أنها تفويض لمطاردة الخصوم الداخليين "في وكرهم". وحقق حزبه فوزا كبيرا في الاقتراع الذي أجري، الأحد، مستعيدا السيطرة على أكبر مدينتين وهما اسطنبولوأنقرة ورافعا حصته التصويتية مع تغلب أسلوب قيادته المحبب لدى أنصاره وقاعدته من الناخبين المحافظين على سيل من مزاعم الفساد والتسريبات الأمنية. ومن شرفة بمقر حزب العدالة والتنمية في نهاية انتخابات طويلة ومريرة تحولت إلى استفتاء على حكمه، أبلغ أردوغان آلافا من أنصاره المبتهجين أن خصومه في السياسة وفي الدولة، الذين وصفهم أنهم "خونة" و"إرهابيون" ويمثلون "تحالف الشر"، سيدفعون الثمن. وقال قبل بدء عرض للألعاب النارية أضاء سماء أنقرة عند منتصف الليل "سندخل عرينهم. سيساءلون. كيف لهم أن يهددوا الأمن القومي؟" وتظهر النبرة المتشددة، التي استخدمها اردوغان في خطاب النصر، أنه يشعر بأنه حصل على تفويض ليتحرك بقوة ضد خصومه. وقال في تحد "من الغد قد يفر البعض". وهيمن على الحملة الانتخابية صراع على السلطة بين اردوغان وفتح الله كولن، وهو رجل دين كان حليفا له ويقيم في الولاياتالمتحدة يتهمه رئيس الوزراء بشن حملة تشويه ضده مستخدما شبكة من أنصاره في الشرطة لتلفيق قضية فساد له في مسعى للإطاحة به. ورد أردوغان، الذي استقى طويلا الدعم من نفس الطبقة التي تجل كولن، على ذلك باستبعاد الآلاف من الشرطة ومئات من القضاة والمدعين منذ مداهمات متعلقة بالكسب غير المشروع جرت في ديسمبر/كانون الاول استهدفت رجال اعمال مقربين من اردوغان وأبناء ثلاثة وزراء. ووجد المستثمرون، الذين أثارت الاضطرابات قلقهم، عزاء في نتيجة الانتخابات فقد رأوها علامة على الاستمرار السياسي. وصعدت الليرة إلى أعلى مستوى لها في شهرين والأسهم إلى أعلى مستوى لها في ثلاثة أشهر. وقال نيكولاس سبيرو، رئيس مؤسسة سبيرو سوفرين استراتيجي، "من منظور سوقي تبدو نتيجة الانتخابات بشكل أو بآخر ما أمر به الطبيب: فوز قوي لحزب العدالة والتنمية وهو ما يدعم موقف الحزب الحاكم في تركيا". في غضون ذلك قال حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة إنه سيطعن على نتائج الانتخابات في أنقرة، التي كان السباق فيها محتدما على وجه خاص. لكن من غير المتوقع حدوث تغييرات كبيرة في إحصاء الأصوات على المستوى الوطني والذي يضع العدالة والتنمية في المقدمة بنسبة تقارب 45.6 في المئة من الأصوات المحصاة في زيادة قوية عن نسبتها في الانتخابات البلدية في 2009 والتي بلغت 39 في المئة. ولم يخف أردوغان طموحه أن يصبح أول رئيس تركي منتخب بشكل مباشر في اقتراع أغسطس/آب، لكن نزاعه مع كولن ومزاعم الفساد واحتجاجات الشوارع خلا شهر فبراير/شباط أثارت جميعها شكوكا بشأن مدى سهولة حصوله على أغلبية من الجولة الأولى. وقال مصدر مقرب من الحكومة عن نتيجة انتخابات الأحد "بالطبع هذا عزز محاولة أردوغان الترشح في الانتخابات الرئاسية. كان في حاجة إلى تصويت بالثقة من كل من الشعب ومن الذين كانوا ينتقدونه داخل حزبه." واتفق معه مسؤول حكومي كبير في الرأي قائلا إنه لا توجد الان "عقبات امامه" على طريق الرئاسة، غير أن المسؤول قال إن استئصال نفوذ كولن داخل الدولة سيظل أولوية بالنسبة لأردوغان. وقد يختار بدلا من ذلك الترشح لدورة رابعة كرئيس للوزراء في انتخابات برلمانية ستجرى العام 2015 لكي ينهي المعركة. وقد لا تكون حجج إردوغان مقنعة للجميع. فقد استغل سلطته في استصدار تشريعات وتقييد الإعلام وتشديد قبضة حزب العدالة والتنمية على مؤسسات الدولة. وتأتي تركيا الآن في المرتبة الثانية بعد روسيا في عدد الأحكام الصادرة بحقها من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بواقع 118 حكما مقابل 119 لروسيا. وفي الصيف الماضي، قوبلت محاولة لإعادة تطوير حديقة غازي في اسطنبول بمظاهرات، استمرت أكثر من عشرة أيام، احتجاجا على ما يعتبره منتقدو إردوغان تدخلا سافرا منه في حياة الأتراك الخاصة والعامة. وامتدت الاحتجاجات إلى زهاء 50 مدينة بعد أن لجأت قوات الأمن للعنف لقمعها. ورغم أن هذه الأحداث هزت تركيا وكشفت عن عجز إردوغان عن إدخال جميع المواطنين بمختلف أطيافهم في قالبه المحافظ، فهي لم تفت في عضد مؤيديه. ورغم ما يلقاه من تهكم على تويتر أو فيسبوك، فقد ظل محتفظا بقبضة قوية على منطقة الأناضول التقليدية. وخلال سنواته، التي تزيد عن العشر في السلطة، انتشر الثراء والمشاركة في الحياة العامة والخدمات، مثل الرعاية الصحية والتعليم في أنحاء تركيا على نحو لم يحدث من قبل، فضلا عن مد الطرق وخدمات النقل الجوي الرخيصة. وأضاف المسؤول "أردوغان بات بالتأكيد أقرب كثيرا للرئاسة. لكنه يضع جدول الأعمال الخاص به. سيبدأ قريبا جدا تقييم ما يتعين فعله هو وقيادات الحزب." ووصلت الأزمة إلى مستوى جديد الأسبوع الماضي عندما سجل اجتماع أمني سري على مستوى عال بشأن سوريا وبث على موقع يوتيوب. وأثار ذلك التسريب الذي ينفي كولن أي مسؤولية عنه قلقا شديدا بشأن سيطرة الحكومة على جهازها الأمني وتكهنات بشأن المزيد من التسريبات. وقال المصدر المقرب من الحكومة "رئيس الوزراء يأخذ هذا على محمل الجد بصورة كبيرة. لا يمكن السماح بوجود هيكل من هذا القبيل داخل الدولة وقبل أن يتخذ خطوة الترشح للانتخابات الرئاسية يتعين عليه التأكد من اجتثاث هؤلاء الأشخاص من مؤسسات الدولة." وملأ أردوغان، الذي كان يفتقر إلى أشخاص مدربين موالين له، الإدارات الحكومية بأنصار كولن عندما انتخب للمرة الأولى في 2002. وينسب الفضل على نطاق واسع إلى كولن الذي يدير شبكة واسعة من المدارس والشركات في مساعدة أردوغان على كسر القوة السياسية للقوات المسلحة مستغلا حلفاءه في الشرطة والقضاء. لكن دب الخلاف بين الرجلين في السنوات الأخيرة وطفا على السطح عندما تحرك أردوغان للحد من نفوذ كولن وأغلق المدارس التي تشكل المصدر الأساسي للدخل والنفوذ. ومن المرجح الآن أن يصعد حملته ضد كولن. وقال كان باركر، رئيس مركز تيسيف للأبحاث الذي يعتبر مقربا من أردوغان، "دعوني أبلغكم .. رد أردوغان قادم. سيطهر بقسوة وبشكل كامل الشرطة والقضاء. وسيطهر الصحافة التي دعمت التسريبات. من شبه المؤكد أن يفعل ذلك. سيقول: انا انتخبت للقضاء عليهم. لن يخفف من أسلوبه." وبدأت السلطات بالفعل تحقيقا في التجسس في أعقاب التسجيل المسرب بشأن سوريا، وزعمت وكالة جيهان للأنباء وصحيفة زمان، وكلتاهما مقربتان من كولن، أنهما تعرضتا "لهجوم الكتروني" خلال تغطيتهما للانتخابات الليلة الماضية. وكالت الصحف المؤيدة للحكومة الإهانات لمعارضي أردوغان، وعرضت صحيفة يني شفق صورا لزعماء المعارضة وكولن تحت عنوان "دفنوا في صناديق الاقتراع." وقال جورسيل تيكين، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، "من الواضح بالفعل من خطابه هذا المساء أنه يهدد المجتمع بشكل أساسي. هذا يظهر أنه لا يمكن الوثوق في حالته العقلية ولا نقبل هذه التهديدات الواضحة." ويصور أعداء إردوغان رئيس الوزراء على أنه رجل فاسد، أو يقولون إن له أهدافا إسلامية خفية، وهو ما ينفيه أيضا لكن لا يفوت من يراقبونه بإمعان ملاحظة ذلك الإحساس بأنه صاحب رسالة وهو إحساس يمتزج بمسحة مأساوية مستمدة من ماضي تركيا. ولا يفتأ إردوغان يشبه نفسه بعدنان مندريس، وهو رئيس وزراء تركي أطاح به انقلاب عسكري عام 1960 وأعدم شنقا هو ووزيران بعد ذلك بعام. وخفف مندريس القيود على ممارسة الشعائر الدينية تماما كما فعل إردوغان، فسمح بفتح آلاف المساجد المغلقة وفتح مدارس دينية جديدة وأجاز قانونيا بث الآذان باللغة العربية. واتهم كذلك، مثلما اتهم إردوغان، بممارسة الحكم بطريقة تتزايد استبدادا والتضييق على حرية الصحافة.