٭ امرأة ذهبت الى زيارة ابنتها في مدينة أخرى، ولاحظت ان لابنتها جارة تأتيها كل صباح وتأخذ في الشكوى.. تشكو من الفقر.. وضيق الحال وتشكو من معاملة زوجها، وتشكو من اولادها وتشكو من أهل زوجها وتشكو من اخوانها واخواتها وجيرانها.. وكانت المرأة تراقب هذه الشكوى بالضيق وعدم الرضا.. اقترحت على ابنتها ان تنتظر جارتها تحت شجرة النيم التي تتوسط الحوش، استجابت الابنة للاقتراح.. بلا مناقشة.. وظلت الجارة تمارس هوايتها في الشكوى كل يوم كالعادة.. وبعد اربعين يوماً تحولت شجرة النيم الى اعواد جافة والماء يجري من تحتها.. تساءلت الابنة عن سر الخراب الذي لحق بالشجرة.. ٭ اجابتها امها بأن الشكوى وكثرتها تنشف الاخضر، والشجرة لم تتحمل ضربات الشكوى ومرارتها فأسلمت روحها.. فهمت الابنة حكمة الام ورددت في نفسها فعلاً الشكوى تنشف الاخضر لكن ماذا تفعل جارتي المسكينة؟.. بل وماذا يفعل كل الناس مع امر هذه الشكوى التي تزداد اسبابها كل يوم؟.. ولم تجد اجابة لتساؤلاتها. ٭ فلاح مصري في عهد الفراعنة اسمه خنوم انوب تعرض لحادث نهب فقد فيه كل ما يملك، فصاغ شكايته في اسلوب فصيح بهر الذي رفعت اليه لانه قدم لها بقوله ( ان منتهك حرمة القانون وخارق المتبع من الامور لا يستطيع رجل فقير ان يقاوم نهبه اذا لم تواجهه العدالة.. حقاً ان جوفي لملآن وقلبي لمفعم.. وقد طفح من جوفي تقرير عن تلك الحالة.. لقد كان صدعاً في السد فتدفق منه الماء وقد انفتح فمي للكلام، اكبح جماح السارق.. دافع عن الفقير ولا تكونن فيضانا ضد الشاكي.. واحذر من قرب الآخرة. وأوقع العقاب على من يستحق.. ولن يكون هناك شيء يماثل استقامتك هل الميزان يتحول؟ وهل يميل لسانه الى حق..؟ ٭ وشكاوي الفلاح الفصيح يعرفها الادب المصري، واشار اليها دكتور سليم حسن في موسوعته عن مصر القديمة. ٭ قفزت الى ذهني هاتان الحكايتان، وانا الاحظ تصاعد الشكوى في المجتمع السوداني.. الكل يشكو.. الزوج يشكو.. الزوجة تشكو.. الموظف يشكو.. العاطل يشكو.. الطالب الطالبة.. حتى الاطفال يشكون.. شكوى.. شكوى.. الكل ضرب بالمثل القائل الشكوى لغير الله مذلة.. عرض الحائط. ٭ كنا نعتقد ان الانسان السوداني لا يميل الى الشكوى وكشف الحال ويردد يا(فصيح كان ابتليت ما تصيح) أى لا تكثر الشكوى واصبر، وفي الادب الشعبي نجد الكثير من الامثال والحكايات التي تسخر من الشكوى وتحذر منها. ٭ ولكن الشكوى فاضت وكثرت هذه الايام.. شكوى مريرة ومطلقة وعامة تبدأ من ان يشكو المرء لخاصته لاصدقائه أي يكشف حاله سواء كان من اجل الرجاء والامل أو من اجل فش غبينة أو التنفس كما يقول علم النفس. ٭ وطبيعي ان يشكو الانسان اذا ما تعرض لظلم ما، أو وقف حائراً امام موقف لا حيلة له فيه. ٭ تساءلت :الشكوى الى من والى متى؟ هل هي مثل شكوى الجارة في غير محلها (فضفضة) وكشف حال وتصدير نكد؟ هل هى شكوى الفلاح الفصيح ان منتهك القانون وخارق المنبع المتبع من الامورلا يستطيع رجل فقير ان يقاوم نهبه اذا لم تواجهه العدالة؟ ٭ والشكوى الى متى وكاد كل الاخضر يتحول الى اعواد ناشفة؟.. ناشفة وفي كامل استعدادها وتأهبها الى الاشتعال ان لم تكن قد اخذت في الاشتعال فعلاً.. مطلوب ان نعرف كيف نشكو والى من؟. هذا مع تحياتي وشكري