زين العابدين صالح عبد الرحمن إن الحرب التي أعلنتها المملكة العربية السعودية، ضمن تحالف عربي لعشرة دول،ضد تمدد الحوثيين في اليمن و سيطرتهم عليها، و التي تتهم فيها طهران بأنها وراء مخطط الحوثيين، و لم تكن هذه الحرب بداية الصراع بين الرياض و طهران، إنما تعتبر نقطة تحول في استخدام الدبلوماسية الخشنة، ضد ما تسميه المملكة و حلفائها بادوات إيران في المنطقة، و إن كان بداية الصراع عقب الثورة الإيرانية عام 1979، عندما اتهمت دول الخليج و بغداد أية الله العظمي الإمام الخميني بأنه يريد تصدير الثورة للدول المجاورة، ثم تفاقمت الأحداث علي أصعدة متعددة إبرزها الساحة اللبنانية، و سوريا و العراق و البحرين، و أخيرا الساحة اليمنية التي شهدت تصعيدا كبيرا و صل الحرب ضد الحوثيين، و الذين أتهموا بأنهم أداة إيران في اليمن، التي تعتبر منفذا لدخول إيران للبحر الأحمر، ثم فرض الرقابة علي باب المندب، الذي تعتبره دول الخليج جزءا من إستراتيجيتها الأمنية، خاصة إن اليمن تشرف علي باب المندب. في ظل فترة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمد نجاتي، و صل التوتر إلي مرحلة بعيدة، و لكن في تلك الفترة كانت المحادثات بين إيران و الولاياتالمتحدة تواجه عوائق كثيرة، و بعد فوز الإصلاحيين بقيادة الرئيس حسن روحاني، كان التفأل إن تأتي إيران بسياسة جديدة علي المسارين، النووي في 5+1من جانب، و في الجانب الأخر القضايا المثارة في المنطقة العربية، و خاصة قضية سوريا و العراق و البحرين، و في المسار الأول سارت المحادثات حتى وصلت توقيع اتفاق إطاري أخيرا، الأمر الذي أُثر سلبا علي المسار الأول، خاصة عندما أعلنت الولاياتالمتحدة إنها بصدد ترحيل جزء كبير من قواتها إلي منطقة الباسفيكي، و يعني ذلك إن الولايات قد كشفت ظهر دول الخليج، التي كانت تتولي الدفاع عن أمنها، الأمر الذي جعل المملكة السعودية و حلفائها في مواجهة مع تحدياتهم الأمنية. يعتقد بعض المحللين السياسيين، إن طهران و موسكو قد إتخذاتا موقفا من السعودية عندما رفضت تخفيض إنتاج نفطها، تسبب في هبوط الأسعار عالميا، و يقولون إن الرياض بيعاز من واشنطن، رفضت تخفيض إنتاجها، حنى تؤثر سلبا علي اقتصاد الدولتين، حيث قدر إن في 6 شهور الماضية، خسر الاقتصاد الروسي 40 مليار دولار، و خسرت طهران أيضا نسبة عالية، خاصة إن الرياض رفضت تخفيض إنتاجها، و عدم رفع أسعار نفطها في منطقة جنوب شرق أسيا، الأمر الذي أغضب طهران و جعلها تؤجل زيارة وزير خارجيتها، التي كانت معلنة إلي الرياض، كما إن موسكو ستظل محتفظة بحقها في الرد. و لكن من جانب أخر يقول المحللون العسكريون و الاقتصاديون، إن حرب السعودية علي اليمن سوف تكون في مصلحة الدولتين روسيا و إيران، لأنها سوف ترفع اسعار النفط، خاصة إذا أقدمت المملكة العربية السعودية و حلفائها علي الحرب البرية، حيث أن تكلفتها عالية و تحاول إيران استنزاف دول الخليج في هذه الحرب، و إن إيران لن تدخل حرب مباشرة مع السعودية، و لكنها تستطيع أن ترهق اقتصادها من خلال حرب الوكالة، الأمر الذي سوف يرفع اسعار البترول بصورة جنونية، و يكون في مصلحة طهران و موسكو. يقول الدكتور جمال القليوبي خبير شؤون النفط ( إن دول الخليج التي تقوم اقتصادياتها بشكل رئيسي وبنسب تتراوح بين 60 إلى 95 بالمائة على عائدات النفط، فإن دخولها الطويل الأمد في ميدان الحرب اليمنية لن يجعلها في منأى عن شظاياها، رغم أن عددا من المحليين لا يرجحون ذلك. وفي حال حصل ووصلت الشظايا إلى مضيق باب المندب، فإن أسعار النفط ستواصل الارتفاع بسبب المخاوف من تراجع إنتاجه، وتعثر نقله إلى الأسواق العالمية. وسيكون أكثر السيناريوهات سوءا في حال تعرض حقول ومنشآت نفطية سعودية هامة لهجمات عسكرية، ففي حالة كهذه ستلحق أضرار فادحة باقتصاديات السعودية ودول الخليج الأخرى بسبب ارتفاع تكاليف العمليات العسكرية والتأمين والنقل وعزوف المستثمرين والسياح وشركات الخدمات الدولية عن منطقة الخليج. وإذا كان اليمن الفقير يخسر 5 مليارات سنويا نتيجة عدم استقرار الوضع الأمني فيه، فلنا أن نتصور حجم الخسائر التي يمكن أن تصيب أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز في العالم في حالة زعزعة الاستقرار الأمني فيها) إن التأثير السلبي للحرب، في المنظور المتوسط و البعيد، علي أقتصاد دول الخليج، سوف يؤثر علي جميع دول المنطقة، و خاصة الدول التي سوف تعتمد إعتماد أساسا علي قروض و منح الدول الخليجية. كما إن التأثير في الاقتصاد سوف يؤثر تلقائيا علي الموقف السياسي، و في حديث أدلت به لوكالة "ريا نوفوستي" يلينا سوبونينا "مستشارة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية لدى الرئاسة الروسية" أشارت إلى إن السعودية كان بوسعها محاولة إقناع المتمردين بإجراء حوار مع السلطة، ولكنها فضلت الحل العسكري. وترى سوبونينا أن السعودية لم تقوَ أكثر على تحمل ما يجري في اليمن، إذا سيطر الحوثيون علي مضيق باب المندب، الذي يمر عبره جزء هام من الصادرات النفطية لبلدان الخليج نحو أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية و تضيف قائلة، إن اشتداد قوة الحوثيين يعني مزيدا من القوة لإيران، الأمر الذي لم يكن بوسع السعودية، وغيرها من بلدان الخليج العربية، احتماله على هذا النطاق الذي أضحى عليه، وعن احتمالات عملية برية أعربت المستشارة عن رأيها بأن السعودية كلما تورطت في الوضع داخل اليمن أكثر، زادت الأخطار عليها أكثر. و تقول محطة التلفزيون الروسية، (يتفق في الرأي مع يلينا سوبونينا، قسطنطين سيفكوف، الدكتور بالعلوم العسكرية، رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية، حيث يرى أن من غير المرجح شن عملية برية في اليمن، لأن جاهزية الجيش السعودي ليست على أفضل حال) و يقول أيضا الكسندر كوزنتسوف، "نائب رئيس إدارة معهد التنبؤ بالنزاعات السياسية وتسويتها" (أن الجيش السعودي أظهر عدم فعاليته أثناء مواجهاته الحربية مع الحوثيين عامي 2009 و 2010 ) و يضيف كوزنتسوف قائلا " لوكالة ريافوستي" (إن التدخل لن يؤدي إلى استعادة سيطرة الرئيس هادي على كل اليمن، كما يرغب السعوديون الآن، ولكنه سيصعد النزاع، ويوقع ضحايا جديدة بين السكان المسالمين). و في تطور أخر، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيان حول الأحداث في اليمن، و "عاصفة الحزم" تقول إنها تعرب عن قلقها البالغ من الأحداث الأخيرة في اليمن و إنها تدعم وحدة أراضي اليمن، و وجوب وقف جميع العمليات القتالية من أطراف اليمن و الخارجيين، و الاتجاه لتسوية المشكلة عبر الحوار السلمي. و من جانب أخر، نقلت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) عن المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يينغ قولها "ان الصين تأمل أن تحل كل الاطراف المعنية الازمة عن طريق الحوار السياسي، بما يتمشى مع قرارات مجلس الامن الدولي الخاصة باليمن، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، واتفاقية السلام والشراكة الوطنية، و من اجل استعادة الاستقرار الداخلى والنظام الطبيعي باسرع ما يمكن". و علي صعيد أخر، أعرب ستيفن سيش، سفير أمريكا السابق في اليمن، عن أمله في وجود مفاوضات "خلف الستارة" مع الحوثيين لدفعهم إلى طاولةالمفاوضات، قائلا إن الغارات الجوية التي ينفذها التحالف العربي بقيادة السعودية، قد تصبح خطيرة، وتحفز الدول العربية نحو عملية برية قد لا تكون محسوبة العواقب على ضوء نتائج الحرب بين السعودية والحوثيين عام 2009. وأضاف سيش قائلا في مقابلة مع CNN حول فرص التوصل إلى اتفاق سياسي مع الحوثيين: "إذا كان هناك من شيء سياسي يحصل حاليا فلا بد أنه يتم خلف الكواليس، أما ما لدينا في الصورة فهو الغارات السعودية على الحوثيين التي قد يكون الهدف منها الضغط على الحوثيين لدفعهم نحو طاولة المفاوضات، ولكنني لست واثقا من قدرة تلك الضربات على تحقيق الهدف المطلوب منها." وحول الدور الأمريكي الممكن في الصراع رد سيش بالقول: "لا يمكننا التورط أكثر على الأرض، ويجب على العرب معالجة هذه المشاكل، وأتمنى وجود جهود تحت الطاولة لدفع الحوثيين إلى التفاوض. إذن إن المجتمع الدولي، سوف يدفع جميع الأطراف إلي حل القضية بالطرق السلمية، و عبر الحوار بين الأطراف، و إذا لم تتدخل المملكة العربية السعودية و حلفائها في حرب برية في اليمن، و إحتلال مساحات كبيرة، و محاصرة الحوثيين، لا تجد قوي التحالف كروت يمكن أن تضغط بها، و سيظل الحوثيون و حلفائهم يسيطرون علي اليمن، و سوف يضعف دور القوي التي تساند الرئيس عبده ربه منصور هادي، و يقول بعض المحلليين العسكريين، إذا بدأت السعودية إنزال أسلحة للمقاتلين الموالين للرئيس عبده ربه منصور هادي بالمظلات، يعني ذلك، ليس هناك خططا موضوعة حاليا للحرب البرية، لدول التحالف العربي، و إنما سوف يستمر القصف الجوي لضرب تحركات الحوثيين و حلفائهم، و الحرب الجوية لن يكون لها أثرا كبيرا في تحجيم سيطرة الحوثيين علي الأرض، الأمر الذي يعطيهم فرصة في السيطرةعلي الدولة اليمنية، و تعزيز نفوذهم، أما إيران لن تتدخل في المشكلة بصورة مباشرة، و لكنها سوف تدير معركتها من البعد، من خلال الدعم السياسي و اللوجستي إذا أمكن ذلك، إضافة لحركتها في المجتمع الدولي، لوقف الحرب، و كل ذلك تعتقد سوف يجري لصالحها، إلا إذا استطاعت المملكة العربية السعودية و حلفائها، أن يحدثوا تغييرات جوهرية في الساحة اليمنية. و من الملاحظ في تصريحات القيادة السودانية، و خاصة تصريحات الرئيس البشير إنهم سوف يرسلوا لواء للمشاركة في الحرب البرية، و أيضا حديثه في مدينة زالنجي حيث قال ( إن الشباب في السودان جاهزون للمشاركة في " عاصفة الحزم" التي يقودها تحالف دعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن) و هذه رسالة دول التحالف إن السودان جاهز للمشاركة في الحرب البرية، وأيضا حديث وزير الدفاع الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين الذي نشر في صحف الخرطوم يوم الجمعة حيث قال ( إن هناك مخططا يهدف التحويل كامل للجزيرة العربية إلي منطقة صراع دامي، و إن دوائر الخطر أوسع في اليمن، و إن السودان لن يسكت علي ذلك، و سوف يعمل علي التنسيق مع محيطه، و إن الجيش السوداني بأكثر الجيوش خبرة في الحروب بالمنطقة) هذه إشارات توضح إن القيادة في السلطة متوقعة أن يوكل إليها مهام الحرب البرية، و هي إشارات تدل علي فتح الذهن و التوقع، و إن كانت العملية تحتاج لدراسة و بحث، لكي تتوأم مع الإستراتيجية الهادفة لدواعي المشاركة، و خاصة في الحرب البرية. و الملاحظ إن النخبة المصرية لا تجاري حكومتها في موقفها للمشاركة الفاعلة في " عاصفة الحزم" و الدخول في حرب برية،إنما تقدم رؤيتها لحل المشكلة و كيفية مشاركة مصر. كتب الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية السابق في جريدة الإهرام مقالا يقول فيه ( المصلحة المصرية تحتم علينا التعامل مع القضية بحذر، و بشكل محسوب بدقة، فمن مصلحتنا المباشرة قطعا ضمان حرية الملاحة عبر مضيق باب المندب، و من ناحية أخري، فإن العلاقة الخاصة مع المملكة العربية السعودية، يحتم علي مصر أن تقف موقفا إيجابيا للمشاركة في حل الأزمة، بعد ما أظهرت المملكة موقفها الحازم عسكريا، هو أن تتدخل مصر بوساطة من أجل التسوية السلمية، و عدم الإنزلاق في مواجهة عسكرية مع إيران) و هذا الحديث يمثل رأي نخبة واسعة في مصر، أن تلعب مصر دورا في تسوية سلمية للمشكلة. و في حديث وزير الدفاع الباكستاني الذي كان مرافقا لرئيس الوزراء نواز شريف لانقرا قال ( إن باكستان لن تتردد في المشاركة الفعلية دفاعا عن أمن المملكة العربية السعودية، و حماية الحرمين) و أضاف قائلا ( إن الحكومة الباكستانية سوف تدعو البرلمانين للإنعقاد بهدف البحث عن تسوية سلمية للمشكلة في اليمن) إذن هناك إتجاه قوي في عدد من العواصم، و الرأي العام لحل المشكلة عبر الحوار بين جميع الفرقاء في اليمن. و لا يفوتنا إن الاتفاق الإطاري للبرنامج النووي الإيراني، و الذي وقعته إيران مع الغرب في سويسرا، الذي بموجبه سترفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، سوف يعد تحولا كبيرا في صراع النفوذ في الشرق الأوسط، حيث يتيح لإيران القدرة علي الدعم المادي لحلفائها و المنظمات التي تدور في فلكها، و رغم إن الرئيس الأمريكي أوباما قد إتصل هاتفيا بالملك سلمان بن عبد العزيز و بقية أمراء الخليج لكي يطئنهم إن الاتفاق الإطاري الذي وقع مع إيران، قال إن واشنطن لن تتخلي عن الدفاع عن أمن الخليج، و لكن سوف تؤخذ هذه الطمأنة من باب المجاملة و ليس تعبيرا عن فعل إستراتيجي كما كان سابقا، و الأحداث سوف تؤكد ذلك. و نسال الله الطف. نشر في جريدة إيلاف في الخرطوم