مركز د. عمر نور الدائم للثقافة والتنمية تدشين كتاب : ملامح من حياة الراحل د. عمر نور الدائم ( شيخ العرب) مركز راشد دياب -الأحد 19 أبريل 2015م الإمام الصادق المهدي أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، السلام عليك من بُعد جغرافي ولكن قرب وجداني، فأنا أعيش قضاياكم، وأذرع الأرض مرافعة عنها/ وأطرق في سبيل ذلك كل باب؛ مدركاً أنه ما ضاع حق قام عنه مطالب، "والسايقة واصلة". ومن برلين أساهم معكم في تقديم الكتاب الذي يساهم في إحياء ذكرى طيب الذكر الحبيب الراحل عمر نور الدائم. الذكر للإنسان عمر ثان وهو ما طلب إبراهيم عليه السلام: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) . قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مآثرهُم وعاشَ قومٌ وهُم في النَّاسِ أمواتُ وفي ثقافتنا سمي الذكر كذلك لأنه يحفظ ذكر أسلافه ولكن الثقافة تتطور مع الواقع فإحياء الذكر قد يكون للذكر وللأنثى كما تفعل الحبيبة نون في ذكرى والدها زادها الله توفيقاً في مساعيها. وفي ساحة العمل الديمقراطي ضد نظام نوفمبر ثم ضد نظام مايو ثم ضد نظام يونيو انعقد بيننا –عمر وشخصي- التآخي والتزامل والمحبة. وقلتُ أخي، قالوا أخٌ ذو قرابةٍ؟ قلتُ لهم إن الشُّكولَ أقارِبُ بل صار لي نعم الحبيب والوزير "إِنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَكَ وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكَ وَمَنْ إِذَا أبصر ما أفزعكَ، شَتَّتَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَكَ". مات عمر وبموته مات بعضي. إن عفة اليد في السياسة أقرب طريق للولاية كما جاء في شعر أبي العلاء. صم ثمّ صلّ وطف بمكّة زائرا سبعين لا سبعا فلست بناسك جَهلَ الديانةَ مَن إذا عرَضتْ لهُ أطماعُهُ لم يُلْفَ بالمتماسِك أما في العهد الحاضر فتكفي الإشارة لشهادة المرحوم الزبير محمد صالح لتمييز الخبيث من الطيب. وَمَا كُلُّ ذِي لُبٍّ بِمُؤْتِيكَ نُصْحَهُ وَلاَ كُلُّ مُؤْتٍ نُصْحَهُ بِلَبِيبِ لم أك متحمساً لتولي رئاسة الوزارة لحداثة سني أولاً ولأن أغلبية الحرس القديم في حزبي وفي أسرتي كانوا ضد ذلك، قال لي عمر: إننا نحن الذين رفعنا الشعارات الجديدة في حزبنا، ونحن الذين حققنا له الانتصار الانتخابي في انتخابات 1965م، لا يعقل أن يتولى المسؤولية التنفيذية من لا تربطهم علاقة مباشرة بالقواعد، ولا يشعرون بمساءلة نحوهم، إذا كنا جادين في وعودنا لأهلنا ومستعدين للمساءلة أمامهم فلا يمكن أن نتخلى عن المسئولية التنفيذية. كانت هذه الحجة مقنعة وهي ضمن عوامل أخرى جعلتني أقبل رئاسة الوزارة في سن 31 عاماً. والمدهش أنه بعد أن أسقطني تآمر خوف نجاحي لا فشلي، شهد الرأي العام السوداني كما عبر عنه المرحوم سيد أحمد نقد الله في صحيفة الرأي العام والمرحوم حسن ساتي في آخر لحظة بأن هذا الشاب كان انجح من تولى رئاسة الوزارة في السودان. كذلك لم أك متحمساً لتولي الإمامة في ديسمبر 2002م ولكن نفراً مخلصاً من الكيان أذكر منهم الحبيب الراحل تبيرة، والحبيب الراحل عبد الله اسحق، والحبيب الراحل صلاح عبد السلام، والحبيب الأمير عبد الرحمن نقد الله شفاه الله قادوا حملة قوية لكي أقبل الإمامة ووجدوا تجاوباً منقطع النظير من مؤتمر السقاي لأنهم شعروا أن النظام الحاكم صار يتآمر على الإمامة ولأنهم ظنوا أنني أفضل من يواجه هذا التآمر، ولكن الحجة القوية التي رجحت عندي القبول هي الحجة التي ساقها الحبيب الراحل عمر، قال لي: يا أخي أنت تدعو لرؤية جديدة للمهدية مؤسسة على ما جاء من الإمام المهدي ولكن مختلفة عما درج عليه كثيرون، أنت تقول إن دعوة الإمام المهدي حررت المهدية من الشخصنة أي أن شخصاً غاب قبل قرون سوف يعود مهدياً، وحررتها من التوقيت بأنها تأتي في آخر الزمان، وجعلت المهدية أمراً وظيفياً متعلقاً بإحياء الدين، هذه المفاهيم جديدة، كذلك أنت أتيت بمفاهيم جديدة في تفسير القرآن، وفي السيرة، وفي الاجتهاد مفاهيم تتعلق بالتوفيق بين الأصل المفهوم اجتهاداً، والعصر المستصحب انتقاءاً. هذه المفاهيم في الدين وفي المهدية سوف تكون مجرد أفكار مجتهد فردي إذا كنت بعيداً عن الإمامة، لا سيما إذا تولى الإمامة شخص منكفئ يحنط الأنصارية أو حتى يساوم بمصيرها، إذا توليت أنت الإمامة بوسيلة انتخابية فإن اجتهادك سيكون مدعوماً بقوى اجتماعية هائلة ذات جذور تاريخية عميقة. حجة قاطعة. كان القروي والمواطن في ثقافة العولمة في آن معاً، كثير من الساسة يطلقون الفكر والثقافة بل يعتبرون هذه الأمور مثاليات لا تليق بهم، إن السياسة بلا فكر وبلا ثقافة خبط عشواء مثلما الثقافة والفكر بلا انشغال بالهم العام برج عاجي. ولكن هنالك فكاهة مرحة تدل على نفس مستقيمة وتلعب دوراً بناءاً في العلاقات بين الناس، كانت فكاهة الحبيب الراحل من هذا النوع المرح. كان صاحب النكتة المرحة، النكتة المرحة سنة نبوية فقد كان المصطفى عليه الصلاة والسلام فكهاً مع أهله. أعوذ بالله من الذين جعلوا التدين تجهماً وعبوساً، هؤلاء مدرسة الداعشية الاجتماعية . بعد أن قمت بتنوير مجلس الوزراء بهذا الاتجاه شرقاً همس عمر في أذني قائلا: يا فلان الغرب لن يسمح بهذا النهج، وسوف يعملون للتخلص منا! سلوكهم في يونيو 1989م يدل على أنهم إما حرضوا أو استبشروا بالقضاء على الديمقراطية السودانية، والله أعلم. ومن المداولات بيننا يوم 30 يونيو 1989م وكان عمر قد قدم بصفته وزير المالية ميزانية عام 89/90 وبعد فراغه من التقديم للميزانية والمناقشة التي تلت ذلك أخذ رئيس الجمعية المرحوم فاروق البرير الأصوات. فإذا بكل الحاضرين من نواب حزب الأمة، والاتحادين، والشيوعيين، ومؤتمر البجة، والحزب القومي (النوبة)، ونواب الجنوب والمستقلين، يقفون جميعاً مرة واحدة مؤيدين الميزانية، لم يتخلف إلا نواب الجبهة الإسلامية القومية الذين غابوا من الجلسة في ذلك اليوم. عندما وقف كل الصف السوداني هكذا في تأييد الميزانية همست في أذن عمر وقد كان يجلس بجانبي: يا عمر هذا المنظر سوف "يسحر". لم أك أدري أن السحرة قد نصبوا للفرقدين الحبائل. رحم الله عمر في الخالدين ورحم الله زميل استشهاده الحبيب عبد الله اسحق فقد كان كذلك كثير المآثر، خالد الذكر بتواضعه وتسامحه وثباته على الحق ووفائه للكيان وما زال صوته الندي بتلاوة القرآن والراتب يعطر الآفاق جيلاً بعد جيل. قلت في حقه وأكرر ما قاله أمير شعراء السودان في رثاء والده يوم دفناه: ما در در الدافنيك فإنهم هالوا عليك من التراب وأسرفوا أوما دروا أن المكارم في الثرى أو ما دروا دفنوك أنك مصحف؟ هذا عطائي في يومكم هذا أيها الأحباب مع سلامي وصالح الدعاء.