دعا المدعى العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية ، لويس مورينو أوكامبو ، فى مقال بصحيفة نيويورك تايمز أمس 24 أغسطس ، السلطات الأمريكية لمنح تأشيرة دخول لعمر البشير ومن ثم القاء القبض عليه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية . يعتزم الهارب الرئيس السوداني عمر حسن البشير حضور اجتماع للأمم المتحدة حول مستقبل التنمية العالمية يعقد في وقت لاحق من هذا الشهر بمدينة نيويورك. ولكي يأتي إلى هنا، فإنه يحتاج إلى تأشيرة دخول. إن طلبه للحصول على تأشيرة يعطي الرئيس أوباما فرصة لاتخاذ موقف بارز فى التطور البطيء للجهود الدولية لمنع الإبادة الجماعية. قبل قرن من الزمان ، حينما أبيد أكثر من مليون أرمني، فإن كلمة "الإبادة الجماعية" لم تكن موجودة. كان قتل الملايين من الناس شأناً داخلياً لا يمكن أن تتدخل فيه دولة أجنبية. ولكن فقط بعد الهولوكوست (المحرقة) تغيرت هذه الأمور. ففي عام 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الإبادة الجماعية، التي رفضت فكرة أن (الحكام) لديهم حصانة من المساءلة عن قتل شعوبهم، ونصت على (محكمة جنائية دولية) لمحاكمتهم. وقد استغرق الأمر الولاياتالمتحدة حتى العام 1988 للتصديق على الاتفاقية. وبعد عشر سنوات من ذلك، في عام 1998، صوتت 120 دولة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وذلك لمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. ولم توقع معهم الولاياتالمتحدة. ومع ذلك، في عام 2005، قبل الرئيس جورج دبليو بوش قراراً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن تحال قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي 2008م، حينما كنت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، طالبتُ بمذكرات اعتقال ضد البشير بتهمة الابادة الجماعية. دفع السيد بوش بنشر قوات لحفظ السلام في دارفور وتقديم المساعدة الإنسانية. أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية في عام 2009م مذكرتي توقيف ضد السيد البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وفي عام 2010م للإبادة الجماعية. إن التحدي الآن هو إلقاء القبض عليه. للأسف، فإن قدرة السيد البشير على ارتكاب أعمال وحشية على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي قد ظلت تتجاوز قدرة الانسانية على حماية ضحايا الإبادة الجماعية. الاغتصاب والجوع هما أسلحته الصامتة الجديدة، لتحل محل الهجمات المباشرة على القرى. ولتجنب الأضواء الدولية، قامت الحكومة السودانية بطرد عمال الإغاثة ومنع الوصول إلى معسكرات اللاجئين. وقد حاول السيد البشير أن يحول الانتباه عن أفعاله الإجرامية بحجة أن المحكمة الجنائية الدولية منحازة ضد الأفارقة. من الذي سوف يعتقل البشير؟ طالما هو في السلطة فإن القوات السودانية لن تقبض عليه بالتأكيد، كما أن مجلس الأمن لم يجز استخدام القوة لتنفيذ أمر الاعتقال. إن الخيار الوحيد المتبقي هو أن يُلقى القبض عليه عندما يزور دولاً أجنبية. حاول السيد البشير زيارة جنوب افريقيا في 2009 و2010، ولكن تم إبلاغه بأنه سيلقى القبض عليه إذا فعل. في وقت سابق من هذا العام، رضخت حكومة جنوب أفريقيا وقدمت له الحصانة حتى يتمكن من حضور اجتماع للاتحاد الافريقي في جوهانسبرج. ومع ذلك، أمر قاضٍ جنوب افريقي باعتقاله. وتمكن السيد البشير من الهروب بينما كانت إجراءات المحكمة جارية. في عام 2013، طلبت الحكومة السودانية من الولاياتالمتحدة تأشيرة دخول باسمه، وذلك لحضور الاجتماعات السنوية للجمعية العامة في نيويورك. وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة، سامانثا باور، (أنه سيكون من الأنسب) للسيد البشير السفر إلى لاهاي، حيث مقر المحكمة الجنائية الدولية، بدلاً من نيويورك. وفي نهاية المطاف صرف السودان النظر عن الرحلة. إن إدارة أوباما لم تقدم أية إشارة حول ما ستفعله هذه المرة. ووفقا للاتفاقية التي حددت نيويورك كمقر للأمم المتحدة، فمن المفترض أن تمنح الولاياتالمتحدة القادة المسافرين لحضور فعاليات الأممالمتحدة تأشيرات دخول، مع استثناء محدود جداً لأجل الأمن القومي. يراهن السيد البشير على دعمه من بعض الزعماء الأفارقة، وعلى المعلومات الاستخبارية التى يمكن ان تقدمها حكومته عن المنظمات الإرهابية في شرق أفريقيا، وحاجة أميركا لإدارة الصراع المستمر بين السودان وجنوب السودان، يراهن بان كل ذلك سيجعل الولاياتالمتحدة تشيح النظر. وعلى عكس الحكمة التقليدية، فإن الولاياتالمتحدة غير ملزمة بالسماح للسيد البشير بالدخول. واذا فعلت ، فعليها أن تقبض عليه عند وصوله. وبموجب ميثاق نورمبرج ، واتفاقية الإبادة الجماعية، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، فإنه ليست هناك حصانة لرؤساء الدول الذين يواجهون اتهامات أمام المحاكم الدولية. وعلاوة على ذلك، فإن قانونا اتحاديا (أمريكيا) هو قانون حماية أعضاء الخدمة الأمريكيين، يخول دعماً اتحادياً للجهود الدولية لتقديم الأجانب المتهمين بارتكاب الفظائع إلى العدالة . وبموجب ذلك القانون ، تم تسليم أحد أمراء الحرب الروانديين، بوسكو نتاغاندا، للمحكمة الجنائية الدولية عام 2013. لدى السيد أوباما خيار سياسي. على الولاياتالمتحدة أن تمنح السيد بشير تأشيرته، وبعد ذلك، وفور وصوله، أن تعتقله وتسلمه للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكنه تقديم أي حجج قانونية يشاء عن براءته، أو حصانته أو عن انحياز النيابة المزعوم . وهذا سوف يمثل موقفاً مهماً. ويجب على الولاياتالمتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لعزل السيد البشير، وللاعراب عن تضامنها مع شعب دارفور والتزامها بمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. * لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الفترة 2003-2012. http://www.nytimes.com/2015/08/24/opinion/let-sudans-president-come-to-new-york-then-arrest-him.html?emc=edit_tnt_20150824&nlid=68059890&tntemail0=y&_r=0