وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة النفايات والعلاقات السامة!!
نشر في حريات يوم 30 - 11 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلة الأنظمة الإنقلابية كنظام الإنقاذ الفاسد، لا تتوقف علي إستباحة البلاد والمواطنين في الداخل فقط، ولكن الأسوأ من ذلك، أن لها قابلية الإستباحة من الخارج! أي بقدر ما تُهيِّن وتذل المواطنين في الداخل، وتنهب مواردهم وموارد الدولة! بقدر ما تُجِّل الأجانب(الغربيين والصينيين وعرب الخليج بخاصة!) وتفتح البلاد لنهب الخارج، وترهن ثرواتها لطوع تصرفه وأصولها لرهن إشارته، وليس إنتهاءً بوضع وإستثمار أموال الحكام الفسدة في بنوك الخارج! لتسهم في تقويته وإزدهاره وهو الأقل حوجة، مقارنة بشعوب الحكام المنهوبة وبلادها المنكوبة! ليتحوُّل مواطن الداخل الي ضيف مؤدب في حضرة مواطن(مسؤول) الخارج، السيد علي بلاده! بأمر وحماية الإنقلابيين او أتباع الخارج وخدامه المخلصين. والحال كذلك، نجد معادلة إغتصاب النظام للداخل، كمؤسسات ومجتمع من ناحية! والإستسلام بل والإستمتاع بإغتصاب الخارج له، كنظام وأفراد من الناحية المقابلة. لم تاتِ مصادفة، ولكنها نتاج طبيعي لغياب الشرعية الداخلية! أي إزالة الغطاء والحماية الشعبية(الشرعية) عن النظام الإنقلابي، وتاليا إنكشاف النظام للخارج. إن لم تتحول العلاقة برمتها الي علاقة عكسية، أي توهم أن الشرعية والحماية والغطاء لا يوفرها إلا الخارج، ومن ثم الإندفاع لإرضاء الخارج بكل الوسائل والطرق، وبما فيها فتح أبواب البلاد مشرعة أمام الخارج. كل ذلك يتم، وبغض النظر عن البطولات العنترية الهوائية المعلنة ضد الخارج، وموجهة في حقيقتها للداخل، بقصد ذر الرماد في العيون وستر العيوب في عز الظهر! لأن الخارج تحكمه الأفعال وتمرير مصالحه، وليس الأقوال والتصريحات النارية في العلن، التي يعلم قبل النظام أنها للإستهلاك المحلي فقط! ولو أن بعض حكومات الخارج(المنتخبة/الناضجة!!) لا تعدم الأكاذيب او تنقصها ممارسة الحيل المشابهة والتمويهات، لخداع جمهورها أيضا! بإطلاق النعوت الهوائية الصارمة ضد النظم الإنقلابية، او حليفتها المخلصة في الخفاء! وهي تمارس معها زواج المتعة، من خلف علم جمهورها العام، أي في دهاليز الإستخبارات المعتمة. بقولٍ ثانٍ، بقدر الإستخفاف والإحتقار والإعتداء علي الداخل بكل مكوناته، يتم الصياح ورفع مصحف المؤامرات الخارجية، علي أسنة الأبواق الإعلامية، وسب الخارج في العلن، وتحميله كل أوزار الفشل والعجز والإخفاق السائد! ويتم ذلك بالتوازي مع الإنبطاح للخارج بكل خنوع، والإعتقاد المرضي بأن الخارج هو مصدر القوة والنفوذ والشرعية والسلطات الحقيقية. وبكلمة مختصرة، الأنظمة الإنقلابية مصابة بمرض، رهبة او وساوس وهواجس الخارج، من ناحية، وإدمان الطاعة العمياء له وتعظيم أبناءه ومنافعه، من الناحية الأخري! ليتحوُّل الخارج تدريجيا، الي برنامج عمل وخطاب سياسي ومبرر للشرعية المغتصبة! أي إستبدال الشرعية الديمقراطية والحريات العامة والتنمية الشاملة والمتوازنة للدولة ولكل المواطنين، بالحماية من الخارج او الشيطان الأكبر، والتصدي لمؤامراته المفتوحة علي الأبد، وكل ذلك يتم بمنطق (حاميها خائنها!). في الوقت الذي يتحوُّل فيه النظام الإنقلابي، الي أكبر وأخطر مؤامرة حقيقية و(خازوق) في خصر الداخل، وفعل إعاقة لفرص تنميته وتحرير شعوبه. وبما أن الخارج ذاته ليس كتلة واحدة او علي قلب نظام ومنهج واحد، وإنما مجموعة معقدة من العلاقات والمصالح، العابرة للقيم والأخلاقيات وحقوق الضعفاء والمساواة بين شعوب الأرض(علي الأرض او الواقع وليس علي الورق او العهود والتعهدات والمواثيق الدولية، بالطبع!). فإننا نجد أن غياب الشرعية الداخلية، المتجسد في النخب الإنقلابية العسكرية، يضاعف من خطورة التعدي علي حماية/حرمة ومصالح الدول الضعيفة، او يُضعِف موقفها ومقاومتها في مواجهة سوق هذه العلاقات المصلحية المحكومة بالقوة والنفوذ! وذلك في حالة لم تكن هي، أهم أسباب الإختراق والنفاذ الي مصالح الداخل، او تحولها الي أداة الخارج في الداخل او عاملها علي الداخل، كما كررنا علاه. بمعني، إن غياب الشرعية لا يهدد مصالح وثروات وأمن الداخل فقط، ولكنه يجذب كل النظم والعلاقات غير الشرعية، لتجد ضالتها في هذه البيئات الرخوة؟! وهو ما يفسر بدوره، لماذا ممارسات من شاكلة، تجارة السلاح والمخدرات والجنس وغسيل الأموال، يزداد نشاطها وتمددها وإزدهارها في الدول التي يستعمرها الطغاة؟ رغم كثرة القوانين والتشريعات والمنظمات المنوط بها منعها وتجريمها؟! بل حتي وجود وتمدد ورعاية جماعة إرهابية وحشية شيطانية كداعش، لا تبتعد كثيرا عن هذه البيئات، سواء في لا شرعيتها الظاهرة و الفاجرة، او في طبيعة تكوينها ونشاطها ذي السمات الإستخباراتية، البعيدة عن أجهزة الرقابة والمحاسبة والعلنية، التي تلازم الشرع والشرعية! أي داعش بقدر ما هو ظلامي، بقدر ما هو إبن الظلام وعلاقات وممارسات الظلام. وعلي العموم، الوعي والممارسات الإنقلابية، ممتنعان عن إحترام القوانين والشرعية، ناهيك عن وعي مضامنيهما او تفهم مقتضيات وجودهما! حتي لو كان القائمون او الداعمون لهذه الإنقلابات، من جهابذة علماء القانون وأساطين المشرعين؟! ونخلص من ذلك، الي أن الخارج متباين، بقدر تباين مصالحه وطرق مداخله! أي به الدول الشرعية، التي تتوخي المداخل والخطوات الشرعية ما أمكن، في البحث والحصول علي مصالحها، أو أقلاه تضطلع مؤسسات الداخل المدنية ورقابتها، بحيز من التأثير والتوجيه لتلك المصالح او ممارسات الحصول عليها، او التصدي لإنحرافات السلطة وأخطاءها. ونقصد بذلك، دول الغرب ومؤسساته المدنية، وتأثير الراي العام علي تلك المصالح، وطريقة تحصيلها وما يترتب عليها، وبغض النظر عن آليات تشكيِّل ذاك الراي العام وتوجيهه. وبنفس القدر، قد نجد في الخارج وسعيه لكسب مصالحه، دول كالصين وروسيا. لا تخضع السلطات الحاكمة فيها، لأي نوع من الرقابة او المحاسبة الجدية، من الجمهور العام! المُغيَّب بدوره عن صنع القرارات او قوة التأثير عليها، ناهيك عن كم الإستباحة الذي يطاله كحالنا أيضا! او كما يحدث في الصين بصفة خاصة؟! المهم هذه الدولة الأخيرة، لا تعاني سلطاتها من ضمور الشرعية وطغيان الجوانب الأمنية، علي سياساتها وطبيعة سلطاتها فحسب، وإنما تعاني بصورة أكبر بيئاتها العامة الداخلية، من ضعف او غياب المؤسسات المدنية، ذات الكفاءة والفاعلية والرقابة والضبط للسلطة الحاكمة، وصولا لإنسحاق المواطنين وتلك المؤسسات إن وجدت، أمام سطوة ورهبة الدولة وأجهزتها المنفلتة، والأصح نزوات وهوي المجموعة المتحكمة في تسيير الدولة وتوجيهها! وهو ما يعني بدوره، أن السلطات في روسيا والصين مطلقة اليد في الداخل، ومن باب أولي علاقاتها وممارساتها الخارجية، أكثر إستغلال من شعوبها ومن تأثير الراي العام عليها. بحكم وعي الوصاية وسلوك الأبوة، اللذان يسيطران علي السلطة الحاكمة. وخطورة هذه الوضعية، لا تمتد الي ضعف تأثير الداخل علي السلطة الحاكمة، في تفضيلاتها وخياراتها فقط! ولكنها تنعكس بنفس السوء او أكثر، علي إنسان الداخل أولا! حيث يتحول الي إنسان نمطي، مسلوب الإرادة، خاضع للسلطة مطلقا، وتاليا فاقد للحرية وروح الإبداع! وهي وضعية بطبعها لا تطعن في شرعية السلطة فقط، وإنما في حقيقية وقيمة أي نهضة صناعية تكنولوجية تنموية حضارية..الخ مزعومة، لإعتبار مركزيتها السلطة وليس المواطن الفرد! وهو ما يتمظهر بصورة جلية في دولة كالصين بخاصة، يتسم نظام حكمها بخليط من الشيوعية الرثة والراسمالية الجشعة! تمنح للشعب المحكوم مساحة محددة من الحرية الإقتصادية، مع إزاحة كاملة للحقل السياسي من الفضاء العام، وتاليا مصادرة الحقوق السياسية والأساسية بشراسة وفظاظة، وعلي رأسها حرية الفرد الخاصة! أي تحويِّل الفرد الصيني، الي جزء من هيكلية سياسية إقتصادية إجتماعية ثقافية، ليست له خيارات فيها، أي يرثها في جيناته كميلاده من أمه وأبيه! وتاليا أصبح الفرد الصيني، كجندي في منظومة عسكرية، وليس كمواطن في دولة مدنية؟! وأنعكس ذلك، علي تكوين وسلوك وممارسات ونشاط الفرد الصيني، أي صرامة في العمل والإنضباط وقلة في الإبداع والإبتكار(بما فيها مهارة التقليد!) خصوصا عند مقارنته ليس بالفرد الأمريكي او الأوربي ولكن حتي بإنسان الهند واليابان، الأكثر قدرة علي الإبداع ومرونة في التكيُّف مع مستجدات العصر(ممارسة الديمقراطية نموذجا) ومشاركة وجدانية وإنسانية مع الآخر المختلف والضعيف تحديدا، وليس إستغلاله حتي العظم (الموت!) كما يمارس الصينيون بصفاقة وموت ضمير(دفن النفايات نموذجا!).
المهم، في دولة بهذه المواصفات من النهم الإقتصادي والجمود السياسي والتخلف السلطوي والحياد او الإنصراف للمجتمع المدني! مؤكد أن المسألة البيئية ذات المرجعية العلمية(بحث/إنفاق مادي!) والروابط الإقتصادية والإجتماعية والعلاقات الخارجية، مقسوم لها أن تتدني مرتبتها في الداخل(الصين من أكثر البلاد تلوثا!)، ناهيك عن إمتداداتها وآثارها الخارجية(مشاكل البيئة بطابعها عالمية او كوكبية!)، وذلك إن لم تتحول قضية البيئة نفسها، الي ترف غربي، شأنها شأن الديمقراطية وحقوق الإنسان..الخ من منجزات عصرية وحضارية. علي ألا يمنع ذلك، الحكومة الصينية من عقد فعاليات وتظاهرات عالمية تهتم بأمر البيئة، ولكن من منطلق تسويقي (بزنسي) ومظهرية دولية، تتماشي مع لغة العصر البيئية العالمية! وليس عن إيمان بمضمون البيئة وحمايتها ورعاية مصالحها، أي مصلحة الإنسان العالمي في المحصلة النهائية. وكم من المشاريع نفذتها الحكومة الصينية في الداخل والخارج، لا تستهدف إلا المكاسب الربحية ولا تستهدي إلا بالجوانب(المقدسات) الإقتصادية المجردة حصريا! أي ما يتلاءم مع ذهنية وتكوين الشخصية الصينية ذات البعد الواحد، أي إبنة او نسخة او معمل الحكومة الصينية، وقبلها السلطة الإمبراطورية والقائمة علي الطاعة العمياء! وما سور الصين العظيم الذي يفاخر به الصينيون، إلا الوجه الآخر لهذه السُخرَة التي حكمت او طبعت الإنسان الصيني، وكأن دور الإنسان الصيني يتمثل في دروع تحمي الإمبراطور/الحكومة، وشموع تضئ والأصح تهلك، لتُنيِّر لهما طريق الترف والتسلط! بمعني، التراث والثقافة الصينية نفسها، تساعد الحكومة علي تنفيذ خياراتها ومصالحها، بأقل قدر من الإعتراض، والذي بدوره يتم سحقه من دون رحمة أو إعتراض عام! وعلي العموم، موضوع البيئة نفسه وما يصيبها من دمار، كنتيجة حتمية للإستخدام غير الرشيد للموارد الطبيعية، وخطورة ذلك ليس علي البيئة وحدها، ولكن قبل ذلك علي الإنسان، كجزء من توازن النظام البيئي الشامل! ولو أنه يمثل أكثر مكوناتها تعقل او هذا ما تفترضه مرتبته في درجات تكوينها، إلا أنه يشكل بسلوكه الأرعن أكبر خطر عليها! وبصفة عامة، موضوع البيئة يكاد يكون نخبوي(وهذا مقتله!)، وما المؤتمرات التي تعقد من أجل البيئة، ومن دون تفعيِّل حقيقي لمقرراتها، والممولة سلفا من قبل شركات ومؤسسات، تمثل ممارساتها وأنشطتها أكبر مهدد للبيئة! إلا نوع من تبرئة الذمة، كشأن مؤسسات او منظمات الأمم المتحدة، التي تجتهد في التعامل مع النتائج وإدارة الأزمات، وتتغافل عن جذور المشاكل ومرتكبي المجازر! وهذا غير تواطؤها مع الدول الكبري بالتسويف والمماطلة وتعطيل المعالجات، حتي تمرر تلك الدول مصالحها وتحقق أهدافها! بدلا من إحقاق الحق والإلتزام بالشعارات والمبادئ المعلنة، ولا نقول بترف نصرة المظلومين والضعفاء(التي تستتبعها التعويضات المجزية!). وإختلال أجندة هذه المؤسسات ينبع من تكوينها وتمويلها! لذا من دون إعادة هيكلتها وإستقلالها المادي، ستواصل دورها المرسوم لخدمة الأقوياء، ولا عزاء للضعفاء إذا لم يتضامنوا لتعديل موازين العدالة المختلة، إلا البكاء ولطم الخدود او الدعاء! المهم، الطابع الإستهلاكي او الإستمتاع الترفي بالموارد البيئية، والذي يتجسد تحديدا في أمركة الحياة العالمية، عبر سيطرة الشركات العابرة للحدود والجنسيات، والتي تُعيِّد تشكيِّل الثقافات علي النمط الأمريكي! أي سيطرتها تتعدي الأسواق الي الأذواق والتفضيلات والخيارات، بما يتلاءم مع منتجات تلك الشركات، وتاليا رفع ربحيتها! هي من يمثل الخطر الأكبر الذي يتربص بالنظام البيئي وإنسانية الإنسان. ولكن ما يميز المجتمعات الغربية الحديثة، ورغم أزمات هذه الحداثة او ما أفرزته إنحرافاتها من تشوهات طالت قيم الحداثة! أن بها من الموروث الحداثي الإيجابي(مساحة أرحب من الحرية والحركة والتضامن والمرونة، كنماذج)، ما يحد من هذه الممارسات اللابيئية إذا جاز التعبير! لدرجة تكوين أحزاب تختص بهذه الشؤون، ومؤسسات تنضبط بشعارتها البيئية المعلنة. وما قضية فضيحة شركة فلوكسواجن الألمانية، وتلاعبها بجهاز قراءة إنبعاث الغازات من عوادم سياراتها، ليتوافق مع شروط ومواصفات السوق الأمريكية الحذرة في هذا الجانب!؟ إلا علامة فارقة علي طبيعة هذه الشركات وإرتهانها لقانون الربحية من جانب، ولفاعلية المجتمع المدني والمؤسسات الأمريكية من الجانب الآخر. وهذا الشئ، هو الذي تفتقده دولة كالصين جملة وتفصيلا! والتي تتصرف حكومتها كالوصي الأعظم، علي الدولة وحركات وسكنات المجتمع والأفراد! ورغم أن الغاية المطلقة من هذا المسلك السلطوي، هو حماية مصالح النخبة الحاكمة والدفاع عن وجودها وتأبيد سلطتها، إلا أنها تصور هذه المسالك كأيدولوجية، غايتها حماية الصالح العام والدفاع عن المواطنين ونهضة الدولة الصينية! أي كجزء من عقيدة خداع الذات وتوهم خداع الآخر، التي يعتنقها الشموليون كافة وفي كل مكان؟! والدليل غير مصادرة السياسة والحريات العامة، نجد إهمال شروط البيئة وحقوق الأهالي، والتعالي علي مشاورتهم وتفهم مطالبهم ومخاوفهم، في تلك المشاريع التي تتعهدها الحكومة الصينية من جانب واحد ورؤية واحدة؟! وإذا صدق هذا المسلك الإستبدادي في الداخل الصيني، فهو أكثر سفور وعلانية وقهرية وإستعلائية، في علاقات وممارسات وأنشطة الحكومة الصينية الخارجية! خصوصا في علاقاتها المشبوهة مع النظم الإنقلابية غير الشرعية، والمتهمة بحق بإنتهاكاتها الواسعة لحقوق مواطنيها والإستيلاء علي البلاد كإرث عائلي! وهي لسوء الحظ، الأنظمة الأكثر توافر في أفريقيا والمنطقة العربية. فطبيعة علاقة الحكومة الصينية مع هذه الحكومات، يشوبها الكثير من الغموض والإتفاقيات السرية والممارسات الإجرامية! غير الخاضعة لا لقانون محلي ولا لشرعية دولية تحكم الإتفاقات ولا لأي قدر من الشفافية او المبدئية الأخلاقية. وهي علاقة تستغل فيها الحكومة الصينية، ظروف اللاشرعية الداخلية وتاليا غياب الرقابة الداخلية من ناحية! وعدم الأمان ونقص الحماية، الذي تعاني منه الحكومات الإنقلابية الأفريقية من ناحية مقابلة. وذلك للحصول علي أكبر قدر من الفوائد، وعلي حساب مصالح الوطن والمواطنين بالطبع، وهو ما يجسده القول الشائع(عطاء من لا يملك لمن لا يستحق!) وهو ما يصح وصفه بإقتسام الغنائم بين الشركاء اللصوص؟! بمعني، هي علاقة تقوم الصين فيها، بتوفير الأموال السائلة للطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة، لتخليصها من أزماتها البنيوية المتناسلة، وهي بدورها وكالعادة تقوم بتوظيفها في مشاريع حمايتها او تهريب نفس الأموال بصورة معاكسة الي الخارج بأسماء الحكام وعائلاتهم! او تقوم الصين في هذه العلاقة غير المتوازنة، والتي تستجدي فيها الحكومات الإنقلابوية، الحكومة الصينية ذات التركيبة الشرسية/الطمعية! للقيام بإنشاء بعض المشاريع الإقتصادية، نيابة عن الحكومة الإنقلابوية العاجزة! وهي مشاريع رغم الشكوك التي تطال جدواها او أهميتها او أولويتها او طريقة تصميمها وتنفيذها، إلا أنها تتم وفق قروض عالية الفائدة(كحال المضطر!) او عبر تقديم أرض وثروات البلاد الخام، للدولة الصينية ب(رخص التراب كما يقال في المفارقات التي تبين مؤشرات الفساد!)، وغير ذلك من الممارسات الفاسدة التي تكاد تكون معلومة للكافة، لدرجة ترقي لوصف الصين بالدولة الراعية للإستبداد والحكومات الإنقلابية في كل أصقاع الأرض! فالإستبداد كدول وحكام، يبدو أنه لا ينجذب للإستبداد الشبيه فقط، ولكنه يحرص علي إستدامة علاقاته وروابطه وإزدهاره وتاليا تسويقه كمكافئ للإستقرار! والمؤكد أنه ليس بإستقرار ولا يحزنون، فهو وفي أفضل حالته، جمود وتحجر وإنقطاع عن التطور، وإمتناع لحضور الذات الفاعلة، في كامل حريتها وتألقها وعطاءها. وعلي العموم، علاقة الحكومة الصينية بالنظم الإنقلابية، تنعكس في صورة إستبداد مضاعف، يسيطر علي حياة الشعوب المغلوبة علي أمرها! أي يجتمع علي إستبداد الداخل بكل فساده وموبقاته، إستبداد الخارج بكل محنه وشروره؟! ولكن ما لم يكن في الحسبان أن تصل علاقة الصين بالنظم الإنقلابية المستبدة، درجة التخلص من نفاياتها وسمومها في هذه الدول، وكأنها أضحت مراحيض للدولة الصينية! والمؤكد أن علاقة المراحيض الحاكمة للطرفين هذه، تعتبر من أدني وأفسد أنواع العلاقات! فهي غير تعفنها وركود منتجاتها وخطورة تأثيراتها! نجدها تقوم علي إستغلال الحكومات الإنقلابية وحاجتها للحماية والإستمرارية، وتاليا قابليتها للمساومة بكل البلاد، أي كدولة ومجتمع وحاضر ومستقبل! وذلك بالتوازي مع تغييب المواطنين أصحاب الحق، بصورة شبه كلية في الصين وبصورة كلية في الدول المستهدفة. بمعني، مما فاقم من هذه الوضعية الإجرامية العدوانية، غياب او إنعدام وجود منظمات مجتمع مدني حقيقية، في تلك الدول وفي الصين بخاصة! تساعد علي كشف هذه الجرائم ومتابعتها ومحاسبة المتورطين فيها. ناهيك عن أن الحكومة الصينية، قد تكون دربت جماعات للقيام بهذه العمليات القذرة تحديدا؟! وما يكسب هذا الإحتمال الأخير درجة من الصدقية، طبيعة وتركيبة الحكومة الصينية المافيوية ونزوعها الإمبراطوري. أي الحكومة الصينية بعد أن أهدرت حاضر المجتمعات الأفريقية، بمساندتها ومساعدتها للحكومات الإنقلابية الفاسدة والمعادية لشعوبها بطبعها، وأيضا إغراقها أسواق تلك البلاد بالبضائع المضروبة، لتدمير إقتصاداتها الناشئة! ها هي الآن ترهن مستقبل الأجيال الأفريقية القادمة للأمراض والفناء، بإرسالها لهذه السموم التي يتجاوز تأثيرها الحاضر الي المستقبل! ويا له من مستقبل مظلم ذاك الذي تكتنفه وتحاصره السموم؟! بدلا من الأحلام بغد أفضل، كأحد دوافع الحياة والعمل والإبداع. وكل هذا ما كان ليحدث، لولا أن النظم الإنقلابية نفسها، وبتراكم أخطاءها وعجزها وفسادها وجرائمها المنكرة، وصلت درجة من الإنحطاط والتعفن والضعف الأخلاقي والتحلل القيمي، ما يبيح لها خيانة الوطن وإنسانه! وتاليا تسمح بدفن هذه السموم داخل أراضي البلاد؟! أي بعد حرمانها لمواطنيها من كل الحقوق، بعد وصولها المشؤوم الي السلطة علي ظهر دبابة، ها هي الآن تصادر حق الأجيال القادمة، في التمتع بوطن صحي وبيئة صالحة للحياة! فكم هو الثمن المقبوض، الذي يبرر أفساد البيئة والحياة الداخلية، وتعريض أرواح مواطنين أبرياء، لخطر الأمراض والعذاب والموت البطئ؟ وهل الأروح نفسها، يستقيم مع جلال قيمتها، منطق البيع والسمسمرة والمقاولات التجارية؟! ألا يكفي أعتقال الشعوب وحرمانها حتي من الضروريات؟ ليصل بها الحال مرحلة التخلص بالمواد السامة والمشعة؟! هل السلطة تبيح الغفلة والتبلد والفساد، وصولا الي إهدار قيمة الإنسان الي هذا الحد؟! فسلطة كهذه ليست سلطة بحال من الأحوال، وإنما مقتلة مفتوحة! وتاليا القائمون علي أمرها ليس بشر ولكن مصاصي دماء. وفي كل الإحوال، إذا كانت النظم المشبوهة تميل لبعضها البعض كعشاق المتعة حميميا، والنظم الإنقلابية تشكل المدخل الفسيح و(الشرعي) للفساد؟! فإن نظام الإنقاذ يمثل أكثر النظم الإنقلابية فسادا (لغياب الوازع الأخلاقي وإنعدام الحس الوطني!) وكذلك أشدها إشتباها، بحكم الروابط الخارجية الداخلة في تكوينه! أي بإعتباره إمتداد لمشاريع خارجية، فوق الدولة الوطنية، إن لم يكن عدو لها إيدويولوجيا، وتاليا غريب عن الوطن وهمومه، ودخيل علي قضاياه وأولوياته. والأسوأ أنه بعد تمكنه من رقبة الوطن، أصبح يصدر هذه البضاعة الفاسدة! وبكل ما يشكله ذلك من خطورة، علي دولة هشة وهامشية، تتلمس طريق نهضتها وسط غابة من التعقيدات الداخلية والخارجية. وهو ما يفضح سوء تدبيره للعلاقات الخارجية، التي لا غني عنها في تلك الظروف و في هذا العصر تحديدا، والذي تشابكت فيه القضايا والهموم والمصالح. ومرد ذلك، أن وعيه الأيدويولوجي الرغبوي الشامل، لا يعي طبيعة التوازنات والقوي الدولية وآليات عملها فقط، ولكنه يتوهم تجاوزها او القفز علي قانونها، كما يفعل في الداخل مستغلا غياب الشرعية، وتاليا قوة بطش أجهزته الأمنية وتحكمه في موارد الدولة المادية والمعنوية. وهذه الروابط الخارجية المشبوهة المتورطة فيها الحكومة، والمتعالية علي مصالح الوطن وسلامته، كان من الضروري أن تنتقل من الرابطة الإسلاموية، مع جماعات من جنسها وغير شرعية في أوطانها، بحكم
دولية او إقليمية التنظيم كفكرة وطموح! الي مشاريع وروابط وأنظمة أخري قائمة ولكنها لا تختلف عنها، سواء من ناحية غياب الشرعية وعدم الأهلية، او من ناحية القيام بكل الأعمال وتحليل وشرعنة كل الوسائل، لتحقيق غاياتها الخاصة! ومن دون علم او رقابة او محاسبة داخلية بالطبع. وهو ما يجسده نموذج الحكومة الصينية! أي هما وجهان لعملة إستبدادية واحدة، عنوانها قهر الشعوب ونهب الدول وديمومة السلطة بكل الوسائل. بمعني، رغم إيدويولوجية الحكومة الصينية الشيوعية المعلنة، إلا أن ذلك لم يردع الحكومة الإسلاموية الكاذبة(المعادية للشيوعية) من الإرتماء في حضن الحكومة الصينية، وبغض النظر عن العداوة الظاهرة بينهما في المشاريع المطروحة! وهو ما يؤكد أن الغرائز السلطوية الإستبدادية لا تبرر العلاقات والممارسات المشبوهة فقط، ولكنها أقوي من الصيغ الأيدويولوجية الدعائية المعلنة، ورغم أنها تمثل خلاصة الشرعية، بعد إخراج الشعب والتاريخ والتطورات الحضارية، من معادلة السلطة والشرعية! وفي هذا من الدلائل ما يكفي، ليبين أنها مشاريع ليست هلامية وتتغذي من هذه الهلامية غير المنضبطة لا بمنطق او رقابة او محاسبة فحسب، ولكنها موجهة للبسطاء والأرزقية تحديدا، بل وتعمل علي إعادة إنتاجهم، كطرف يكسب هذه الهلامية ملامحها وإستمراريتها! وهو ما يعني بدوره أن قوتها ومواردها وجهودها ليست موجهة للبناء والتعمير، اللذان تجهل أهميتهما وتعجز عن القيام بواجباتهما وتضحياتهما، ولكنها موجهة لخداع البسطاء وشراء الأرزقية، وتحطيم القوي الحية في المجتمع، او أقلاه تشويه صورتها وصورة الوطن ومصالحه والوطنية ورموزها، وكله من أجل بقاءها في السلطة كغاية لا يعلا عليها. وإذا كان الأمر كذلك، تصبح أي علاقة مع حكومة كالصين، هي علاقة خطرة وتضر بمصالح البلاد علي المدي الطويل! وهذا في شأن المشاريع التنموية والعلاقات الدبلوماسية المعلنة، أما ما خفي فهو أعظم بلاء! وما هذه الكارثة النفيوية المكتشفة حديثا، إلا مظهر أولي او جبل الجليد الذي يحجب عوالم من الكوارث خلفه؟! ومصدر الهلع ورفع مستوي الشكوك في حكومة الإنقاذ والحكومة الصينية، الي اللون الأحمر بلغة الإحتياطات الأمنية، لمجابهة الخطر الذي يواجه الدول! أن معرفة الجمهور العام بالأمر تم مصادفة، عبر المعلومة التي ذكرها الدكتور محمد صديق، المدير العام السابق لهيئة الطاقة الذرية السودانية، وهي أن الحكومة الصينية تخلصت من (60) حاوية مواد كيميائية خطرة بالسودان، وذلك عند دخولها مع حاويات معدات سد مروي دون تفتيش؟! وأن هنالك عدد(40) حاوية تم دفنها في مقبرتين! و(20) حاوية تم رميها في العراء (إحتمال لتوفير مال حفر المقبرة او كُلف بالأمر إنقاذي صميم فقام بضرب المال في كرشه، والحج السياحي جاهز للتطهر من الذنوب!) وهنالك بعض الأقاويل غير الموثوقة، تتحدث عن دفن بعضها داخل جسم السد، مما يجعل التقصي عنها والتخلص منها في حكم المستحيل!! وهو بدوره إعلان يحمل عدد من النقاط والتساؤلات، وهذا غير الصدمة والرعب والقلق الذي سببه لسكان الولاية الشمالية؟!
أولا، يحمد للسيد المدير العام الدكتور محمد صديق إعلان معلومة كهذه، تمس صحة المواطنين من جانب، وتوضح نوعية الحكومة المسؤولة عن تأمين سلامة وأمن البلاد والعباد، ويكشف النقاب عن الحكومة الصينية، وطبيعة تعاملاتها وعلاقاتها مع الحكومة الإنقلابوية الإنقاذوية، من الجانب الآخر! ولكن السؤال الذي يبرز هنا، لماذا صمت الدكتور طوال هذه الفترة، رغم أهمية المعلومة وخطورتها؟ علما بأن أمراض السرطان والفشل الكلوي تتمدد بصورة وبائية في الداخل، ومن دون تفسيِّر معلن او محدد لهذا التفشي المزعج لهذه الأمراض! ومعلومة كهذه مؤكد أنها تشكل مؤشر جدي، لتفسيِّر إنتشار هذه الأمراض، وبهذه الكيفية الإكتساحية، ومن ثم طريقة السيطرة عليها. بدلا عن وضعية الإستسلام والعجز في مواجهة هذه الكوارث، والتي تُخيِّم علي الجهات الصحية والمدنية في الداخل؟! إضافة الي أنها تفتح الطريق لأبناء الشمالية لمغادرة هذه المنطقة الموبوءة بالسميات، كإحتياطات سلامة، او إنتظار الموت البطئ والمكلف(أمراض السرطان بخاصة والفشل الكلوي في الغالب، وغير تكلفة علاجها العالية، فليس هنالك أفق للخلاص منها إلا الموت، او إنتظار الفرج في إكتشاف يعيد البسمة الي تلك الأرواح المعذبة!) وهذا غير ما تسببه الإشعاعات من تشوهات للأجنة(أي يمكن توقع خروج المسيح الدجال (حالة كوزنة) من جهة الشمالية، بعينه السلطوية الواحدة، أليس المسيح الدجال هو قمة المسخ البشري والنزعة الإنتقامية، وهو عين ما تمثله السلطة الإنقاذوية ممثلة في وحدة السدود بخاصة!). بمعني آخر، إن المؤسف او الخدعة الكبري، تتمثل في أن مشروع السد والمشاريع المصاحبة المقامة في الولاية الشمالية، تحت إشراف وحدة تنفيذ السدود! هي حيلة إجرامية او تمويه تنموي لا يسوي بصلة، إن لم يكن وسيلة ناعمة للفتك بسكان الولاية الشمالية. أي عند مقارنة وهمْ التنمية(وغالبا ثمرتها تصب في جيب المحاسيب!) ببناء السد، مع الثمن الباهظ الذي دفعه وسيدفعه سكان الولاية الشمالية، من جراء وجود هذه السميات داخل أراضيهم، وإحتمال أكبر داخل أجسادهم (يؤكده او ينفيه الفحص عليهم وعلي بيئتهم المحيطة!) وهو ما يرقي الي حالة إعلان الحرب الإبادية الصامتة علي سكان الولاية الشمالية! وهي بطبعها أفدح أثرا وأخطر تأثيرا من حرب الإبادة الجماعية المعلنة تجاه سكان دافور! فأقلاه الأخيرة لها وسائل إعلام تعكس مآسيها وعدد ضحاياه وتوثق فظائعها وآثار البيئة المدمرة، إضافة الي وجود متضامنيين خارجيين، يدافعون عن الضحايا ويطاردون البشير وصحبه القتلة! وهو ما يفتقده أبناء الولاية الشمالية، إن لم يكن المتورط الأساس في هذا الجرم أبناء الولاية من الإسلامويين؟! كل هذا يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، أن أزمتنا الحقيقية، هي أزمة وجود نظام الإنقاذ وتجذر ثقافة الفساد الإنقاذوية، التي تتكسب بكل شئ، من بيع الوطن وصولا لبيع المواطن ذاته؟! وتاليا هي ليست أزمة عرقيات مسيطرة ومناطق مميزة او مُنحاز لها، ضد عرقيات مُسيطر عليها ومناطق يتقصد تهميشها! ولا ينفي ذلك التفاوت الإجتماعي والمناطقي التاريخي الذي يحتاج الي إعادة نظر، ولكنها معالجة تتم في ظل وجود نظام ديمقراطي، يحترم كل المكونات والمناطق، بقدر ما تتشكل سلطاته منها. بعكس نظام الإنقاذ ومثله من النظم الإنقلابية، التي تستثمر في هذا التفاوت، وتنفخ في حطب العدائيات العرقية والمناطقية، وتؤجج أوار الفتن بينها! من أجل خدمة الطغمة الحاكمة حصرا، وبغض النظر عن ملامحها ومنحدرها او منابت أفرادها. والسبب في ذلك بسيط، لأنها منقطعة المنابت أصلا، وأصولها وهويتها تشكلها السلطة المستحوذة عليها، وهي علي إستعداد في سبيل تكريسها بين يديها، إعلان الحرب علي الجميع! وهذه من أخص خصائص النظم الإنقلابية، ويعلمنا التاريخ كيف آلت سلطتها الي فرد، بعد أن تخلص من رفقائه وأقرب الأقربين! وما قضية دفن النفايات الكيميائية في والولاية الشمالية، إلا أكبر دليل علي ذلك. أي بوصفها ولاية ينحدر منها بعض الحكام وقادة الإنقلابات ومناصريها، وبناء علي ذلك يتوهم البعض أن إنسانها معطوف عليه! بينما هو لا يقل سوء وتهميش وفقر عن بقية أفراد الولايات، إن لم تكن هي الولاية الأكثر فقرا من حيث الموارد، وإنسانها الأكثر هجرة وتشتت من ناحية الإستقرار والإقامة، بعد تحطيم مشاريعها الزراعية علي يد السلطة الإنقاذوية الإنقلابوية الآثمة، أي كجزء من حالة التحطيم العام التي طالت الدولة ومرافقها ومناطقها وإنسانها. ولو أن ذلك لا يمنع توقع، أن هنالك نفايات أخري، وقد تكون بكميات أكبر، مدفونة في دارفور او غيرها من المناطق، تحت غطاء مشاريع تنموية او غيرها من الممارسات، التي تحمل طابع الشفقة وروح المسؤولية، وهي تخفي السموم وموارد الموت الزؤام بين جنباتها، حسب سياسة دس السم في العسل، التي تتقنها وتتبعها النظم الإنقلابية! فلا ثقة يمكن أن تمنح لفرد مشارك او متعاطف او محايد في علاقته بالنظم الإنقلابية، والتي ثبت بالدليل القاطع، مستوي الدناءة الذي وصلت إليه، وهي تتاجر بالنفايات والسموم الكيميائية والمواد الإشعاعية؟! وفي سياق لا يبتعد عن هذه الفاجعة، وكما جاء في الإعلام، سبق وأن دفنت شركة صينية مادة (السيانيد السامة) في منطقة الشريك بولاية نهر النيل بحجة التنقيب عن الذهب! وهو ما يفتح باب الهواجس والظنون، تجاه ما يسمي بحمي التعدين الأهلي عن الذهب الحالية! والتي يبدو أنها تخفي وراءها الكثير من الأسرار والجرائم، كغسيل الأموال وتجارة السلاح والمخدرات وتهريب الآثار وآخرها دفن النفايات او تجارة النفايات، كأحدث تقليعات حكومة الإنقاذ الفاسدة، والأصح هي نفسها نفايات الحكومات والحكام والبشر.
وثانيا، خبر النفايات أعلن عنه في ورشة، تهدف لرفع الوعي البيئي بمخاطر المواد الكيميائية، تحت رعاية او تنظيم وزارة الصحة وهيئة المواصفات والمقاييس! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، ألا تمثل ورشة كهذه مهزلة في حد ذاتها، لولا خبر دفن النفايات الذي طرح فيها، ولا ندري سياق او مسببات طرحه؟! بمعني آخر، هل الأولي منع دخول النفايات السامة، والكشف عن النفايات المطمورة، وإرجاعها الي بلادها، ومعرفة المتورطين في السماح بدخولها، سواء في الداخل او الخارج، ومن ثم معاقبتهم بشدة تتلاءم مع خطورة الجرم؟! أم الأولي رفع الوعي بمخاطر هذه السميات بعد دخولها وإستقرارها في تراب الوطن وأجساد المواطنين، وتلويث هواء البلاد النقي، كآخر مورد لم تطاله الحكومة بجباياتها؟! وكأن الغرض من رفع الوعي، هو نصيحة تقدمها الحكومة للمجتمع، ليُكيِّف أوضاعه مع هذه المقبرة السودانية للنفايات! ولا يفهم من ذلك أننا ضد رفع مستوي التوعية بأي قضية! ولكن المفارقة في كونها أتت متأخرة وبعد تسمم مالطة؟! أي إن القائمين علي أمر الورشة (وزارة الصحة المواصفات هيئة الطاقة الذرية) تطالهم جريمة التأخر عن كشف المعلومة وتمليكها للجمهور، إن لم تكن التستر علي الجرم الأعظم وهو دفن النفايات. وفي نفس السياق يندرج تصريح وزير البيئة حسن عبدالقادر هلال، بأن السودان أصبح مكب للنفايات! أي إن حُمِدت له هذه الصراحة في عرض الحاصل والشجاعة في كشف الحال المائل، إلا إنها لا ترفع المسؤولية عن سيادته! أي توضيح نوعية هذه النفايات، سواء أكانت أجهزة تكنولوجية ومعدات طبية وأدوية ومواد إستهلاكية منتهية الصلاحية او كانت نفايات كيميائية او نووية صريحة، وكذلك الكشف عن أماكنها والسعي مع جهات الإختصاص لمحاسبة المتورطين فيها! وإلا ما قيمة المسؤولية وما هي وظيفتها تحديدا؟! ويحمد لقطاع الأطباء بالحزب الشيوعي، مطالباته الموضوعية والأخلاقية، بتحديد مواقع النفايات بالشمالية ومحاسبة الجناة. وهي وقفة من المؤسف أن تأتي من شريحة داخل حزب، وليس وقفة تضامنية وصلبة ومتواصلة، من التظيمات السياسية والمدنية كافة، وبكل مناطق السودان! لأن الهم السوداني واحد و القضية السودانية مشتركة، وإن تفرقت مآسي الحكومة الإنقاذوية علي كل المناطق بنسب متفاوتة، وأستهدفت مجتمعات محددة بطريقة أسوأ من غيرها؟! وإلا ما دور الأحزاب السياسية و قيمة المنظمات المدنية، إذا لم تحركها وتهز ضميرها قضية كهذة؟ لأنه إذا كان مقصدها السلطة حصرا، والإنتفاع بمزايا المنظمات دون مسؤوليات وواجبات! فعندها يحق للإنقاذ أن تمدد رجليها وتحلم بالسلطة المستديمة لأحفاد أحفادها، أما المجتمع إذا لم يخلق بدائله الخاصة، من عمق واقعه وجذر إحتياجاته وهمومه، فعليه السلام!
وثالثا، تجب الإشادة بالمجلس التشريعي للولاية الشمالية، وهو يصحو من ثباته ويحلل إمتيازاته الخرافية، كغيره من مجالس حكومة الإنقاذ الصورية الترفية! وذلك ممثل في رئيس لجنة الخدمات السيد علي حسن سيداحمد، عبر مطالباته بإستقدام لجنة لتؤكد سلامة البيئة..الخ، ولكن السؤال الموجه للسيد علي حسن، تطالب من وتطلب ممن؟ هل من منظمات الطاقة والبيئة الدولية المختصة؟ أم من الحكومة السودانية المتهم الأول؟! ولكن حتي هذا الطريق البرلماني والتشريعي المسدود، لا يمنع أبناء الشمالية الذين أُستهدفوا في بيئتهم وصحتهم وحياة أجيالهم، إذا صدقت النية وقويت الإرادة، أن يواصلوا قضيتهم ويصعدوها الي أعلي الجهات الدولية، ويمكن الإستعانة بإخوانهم في الخارج، لإشراكهم في هذا الأمر الجلل! وهذه الإشادة برئيش لجنة الخدمات السيد عوض حسن، مشروطة بمتابعته للموضوع بجدية، وتجنيبه مسالك ودروب المماطلة والتسويف وتميِّع القضية، تمهيدا لقتلها بالنسيان؟! وهو ما نتوقعه بدلالة تصريحات رئيس المجلس السيد نصرالدين إبراهيم، بأن المجلس سيتابع المسألة مع الجهات ذات الصلة(لم يُسمها!) ولم يحدد زمن معين لإطلاع المواطنين علي نتائج متابعاته. ومعلوم سلفا أن هذه الجهات متورطة بشكل او بآخر في هذه الجريمة بحكم وظيفتها، لأن الواقعة حدثت وقطعت قول كل جهة ذات صلة! كما أنها جريمة من الخطورة بمكان، بحيث لا يمكن أن يقوم بها فرد او مجموعة لا تجد الحماية من الحكومة! بل المؤكد أنها تمت تحت بصر ورعاية الحكومة، وبمساومة مع الحكومة الصينية(لأحظ عدد الحاويات وثغرة عدم التفتيش!). بحيث تقوم الأخيرة بإنشاء مشاريع تنموية، تسمح للحكومة للظهور بمظهر الحكومة التنموية، وذلك من أجل منحها شرعية التنمية، وتاليا تثبيت أركان سلطتها وإطلاق لسانها او أجهزة إعلامها، للتطبيل لهذه الإنجازات غير المسبوقة! وذلك بالتوازي مع وصف المعارضة بالعجز والديمقراطية بالسفسطة والخوار! أما المقابل الذي دفعته الحكومة، غير المديونيات الثقيلة علي كاهل الدولة السودانية، فيبدو أنه إستقبال النفايات الكيميائية، لتفريغ إحتقان الحكومة الصينية من سمياتها، وهي التي إستمرأت رفع معدلاتها التنموية بكل الوسائل والممارسات! بمعني، إن الغرض الحقيقي من إنشاء هذه المشاريع التنموية، والذي تكشف لأحقا، ليس خدمة المواطنين الضعفاء، ولكن التخلص من النفايات الصينية! ومعلوم مسبقا، حجم المكاسب المادية التي تترافق مع هذا النوع من الصفقات الخطرة، ويشهد علي ذلك، حجم الإستثمارات السودانية في دول، كالإمارات وماليزيا وتركيا وأثيوبيا، ومن غير أثر لمرور هذه الأموال بدورة الإقتصاد السوداني، الذي يتحرك بهامش أموال الإسلامويين غير المهاجر فقط! لكل ذلك، تصبح دعوة السيد رئيس المجلس للمواطنين بعدم الإستجابة للإشاعات حتي يتم حسم الأمر! لهي دعوة يراد منها تقبيِّر الإهتمام بهذه الكارثة كما قُبِّرت وطُمرت النفايات الكارثية ذاتها، وقُبِّر قبلهما المواطن في بحر من الهموم والمعاناة المعيشية، التي صرفته عن الإهتمام حتي بقضية علي هذا المستوي من الخطورة، ومس عصب وجوده ووجود أبناءه علي الأرض! وكل هذا الهراء الذي يتفوه به السيد نصرالدين، يهدف الي نسيان الجريمة ومسامحة المتورطين، بعد صرف الإنتباه ناحية بناء جامع او مركز صحي او مدينة رياضية او تظاهرة تسويقية للجوعي والعطالي، كما يحدث في الشمالية! وذلك رغم تمدد أمراض السرطان والفشل الكلوي بالولاية الشمالية وتسجيلها أعلي المعدلات، كما ذُكر في وسائل الإعلام. وما يؤكد هذا المسعي الأخير، تصريحات السيد جعفر محمد حماد، مدير وحدة تنفيذ السدود والأصح وحدة دفن النفايات! بأن إجراءات قانونية ستُتخذ ضد مروجي إشاعة الحاويات السامة! وكان الأليق به وقبل ذلك بمنصبه، المسارعة لتفنييد هذه الإشاعة بالأدلة والبراهين، وهو علي رئاسة هذه الوحدة (الغامضة او الدولة المترفة كإمارة موناكو وقداسة الفاتيكان داخل الدولة السودانية الهزيلة!) بفتح المجال أمام المنظمات والجمعيات المختصة والمستقلة وكذلك أمام الإعلام للقيام بهذه المهام، وليس سبق الأحداث بالتهديدات والعنتريات، وتصوير تقصي الحقيقة وكأنه مخاطرة غير مأمونة العواقب! فوق أن المسألة ليست بسيطة، ليتم حجبها بلفظ إشاعة السوقي، ذي الإيحاء المؤامراتي! لأن من أعلن المعلومة، دكتور مختص، بل ومدير عام سابق لهيئة الطاقة الذرية، أوان حدوث تلك الجريمة! كما أنها ليست فتوي، حتي ننتظر إجتماع مجلس الإفتاء الشرعي ليدلو بدلوه، بعد عشرة سنين من تقليب الأمر علي كل أوجهه الشرعية، وبعد تلقيه الضوء الأخضر من السلطات الحاكمة! إضافة الي أن عددها معلوم وطرق إدخالها معروفة ومواقيت إدخالها موثقة، وكذلك تم تحديد وجهتها وأماكن دفنها(الشمالية!). فأين الإشاعة إذن؟! إن لم يكن الغرض من هذا التهديد دفن الأدلة وطمرها كالنفايات! حتي لا يتكشف المسؤول والمتورط فيها الأساس، وهو وحدة تنفيذ السدود، غير الخاضعة للمراقبة والمحاسبة! كأحد أذرع النظام الأكثر موثوقية وتدليل، وتاليا فساد وإهلاك للحرث والنسل والبيئة.
رابعا، هنالك ثغرة جمركية لا تسمح بتسرب المواد السامة فقط، ولكن كل أنوع الممنوعات والمحرمات، وهي عدم تفتيش معدات السد؟! ولا أعلم من أفتي بهذه البدعة المنكرة؟! فالتفتيش في مداخل ومخارج الدولة، وقبل أن يكون إجراء إحترازي يحمي البلاد والعباد، هو ممارسة روتينية تكاد تكون مقدسة، في كل منافذ الدولة البرية والبحرية! أي كطبيعة ملازمة لمهمة ومفهوم الجمارك والمواصفات والأمن العام، لدرجة لا يمكن فصلها بحال من الأحوال! وليس هنالك ما يمنع هذا الإجراء إلا الشبهات غالبا، والعجز الهيكلي والفني أحيانا! ولا يمكن إعتبار التفتيش وبكل أهميته إجراء روتيني يعطل التنمية؟! فهو لا يشكل مشكلة، إلا لمن برأسه بطحة وبعمله شبهة وبسلوكه ريبة! أي هو مشكلة للصوص والمجرمين فقط! ولا يمنع ذلك أن تكون إجراءاته بسيطة وسريعة وبما لا يخل الغرض منه. وعموما، في حضرة ثغرة كهذه، ألا يحق للفساد أن يسود، وللمفسدين أن يرتعوا ويغتنوا ويمتلكوا القصور والأندية الرياضية، ويقيموا دولتهم الخاصة، أي دولة الفساد داخل الدولة السودانية الهشة! المهم، عدم التفتيش مطلب غير مستقيم(او مبلوع)، أما إذا كان القصد منه نوع من الإستثناءات(كالإعفاءت الجمركية) والتي يقصد منها تشجيع الإستثمارات، كإعفاء الآليات الزراعية مثلا! فإعتقادي الشخصي إن الإستثناءات ممارسات غير سليمة حتي إذا كانت دوافعها خيِّرة! لأنها من ناحية، تفقد القوانين واللوائح والنظم الإدارية، مضامينها ونفاذية تأثيرها وإنضباطها! ومن ناحية أخري، تحدث ثغرات في هيكلية ومفهوم ومنظومة عمل الجمارك، وصولا لتهديد الإقتصاد الوطني وعدالة المنافسة بين المواطنين! كما أن الجمارك نفسها، يجب أن لا تخضع لمزاج جماعات إنتفاعية وسيطرة أفراد فاسدين، أي كغنيمة ينالها المحظيون بالرعاية الحكومية! ولكن يجب برمجة منهجها وهيكليتها كإستجابة لإستراتيجية إقتصادية شاملة، تستهدف تطوير البلاد، بالمحافظة علي مواردها وتنمية طاقة أهلها. وقبل ذلك، أن تخضع منظومة عملها، لتصميم يمنع التلاعب ويحاسب علي الأخطاء والتقصيِّر والجرائم، بشدة وصرامة تتناسب مع حساسية دورها. أما إذا لم يكن هنالك بد من تشجيع الإستثمار وجذبه، إلا عبر تقديم الحوافز والإغراءات المادية! فعوضا عن الإستثناءات الجمركية للمشاريع الإستثمارية، فيمكن إن تسترد أموال الجمارك جميعها او بعضها، بعد إكتمال المشاريع وظهور عوائدها ومنفعتها العامة! فعندها فقط، يتضح كم هي مستحقة لإسترداد تلك الأموال، وما هي درجة الإنجاز الذي ضوءه تحدد نسبة الإسترداد. بمعني آخر، الحافز يقدم بعد العمل والإنجاز، كتقدير للجدية والنجاح. وليس قبله، مما يفتح جبهة عريضة للتحايُّل والفساد بإسم الإستثمار، او بإستغلال هيبة ما يسمي مستثمرون! وهو الفخ الذي إندفعت له الحكومة بمحض إرادتها، إن لم تستخدمه كوسيلة مبتذلة، لتدبير الفوائد الجمة، لإستمالة المحاسيب والمناصرين! الشئ الذي أفقد البلاد الكثير من مواردها الجمركية، وأتاح الفرصة للقطط السمان، لتسد بكروشها الكبيرة وعلاقاتها الواصلة وفسادها المتأصل، كل مساحة للجدية والإستثمار الحقيقي. أي الإستثمار المجهد والمضني والمفيد للدولة والمواطن والمستثمر. بمعني، الإستثمار النابع من قريحة الراسمالية الوطنية النظيفة، وبالإستفادة من موارد البيئة المفتوحة علي التنمية، والمستهدف تلبية حاجات المواطنين. والدليل علي عطب وفساد ما يسمي بالتسهيلات الإستثمارية، والإعفاءات والإستثناءات الجمركية، وكثرة قوانين الإستثمار وحالة الهوس بالإستثمار والمستثمرين، أن التنمية الداخلية وبعد كل هذه الهوجة الإستثمارية، لم تجنِ إلا قبض الريح وقدر غير معلوم من النفايات!
كلمة أخيرة
الحرب غير المعلنة علي الولاية الشمالية، لم تتوقف علي دفن النفايات وحدها، ولكن شُنَّت عليها أيضا في شكل حرب إقتصادية، بإستيراد بلح (تمور) خليجية من ناحية، وإشعال الحروب في دارفور كأهم أسواق (التمور) من ناحية مقابلة! لتنهار أسعار (التمور) التي تشكل مورد أساس لكثير من الأسر في الشمالية، وهو ما تجسده رائعة الشاعر العظيم وإبن الشمالية والوطن الوفي، حميد بعنوان النخلة. ونختم بطرفة رائجة ومتداولة يحكيها أبناء الشمالية وهي( وبعد إتفاقية السلام الشامل وعودة القادة الجنوبيين الي حضن الوطن بعد غيبة، وهم مشهورون بالصرحة والوضوح وخفة الظل، أن زار أحدهما الشمالية وتفاجأ بنشاف وجفاف الشمالية التنموي، علي عكس ما كان يتوقع، فقال لو كانت هنا غابات لتمرد أهل الشمالية!) وفي الختام نوجه صرخة لأهل الشمالية(هووي يا ناس الشمالية القاعدين لها شنو!). ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.