الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك: كباشي أطلع الرئيس سلفا كير ميارديت على استعداد الحكومة لتوقيع وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غضب الخريف و أوجاع العاصمة!!
نشر في السودان اليوم يوم 14 - 08 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
إذا فاق معدل الأمطار هذا العام حده المعقول او المتوقع، او كان أقل مماهو متوقع، فالأمر سيان، لدي حكومة ليست عاجزة عن أداء المهام، التي ادعت بأنها الأصلح والأقدر علي التصدي لها، دون خلق الله او وجه حق، فقط! وإنما هي غير مدركة لها، والأسوأ أنها غير مُكترثة لإدراكها أساسا! بتعبير آخر، الإشكالية الحقيقية، ليست في تجاوز الأمطار معدل هطولها، وتاليا عجز الإحتياطات الموضوعة في التصدي لها، او التعامل حيالها بصورة مقبولة. ولكن الإشكالية الحقيقية، تكمن في إنكار الحقائق الدامغة من تعنت ومكابرة، او رفضها جملة وتفصيلا او خلق مبررات واهية حيال العجز في التعامل معها او التحكم في آثارها وتداعياتها! بمعني، إن الكوارث وأخطار الطبيعة من الأشياء التي لا تُستبعد في هذه الحياة. ولكن الفارق بين مجتمع وآخر او حكومة وأخري، في طريقة التعامل مع هذه النوازل. وهذا ناهيك عن أن زيادة معدل الأمطار او إنخفاضها، قد تكون من أقل الكوارث خطورة او سهولة في معالجة آثارها، او قد تحتاج لأقل جهد وأداء أكثر فاعلية في التعامل معها! بحكم موسميتها ومعرفة إتجاهات عملها وتأثيرها. أي بالعكس من كوارث كالزلازل والأعاصير، التي بالإضافة الي طابع مباغتتها، فهي عصية علي التعامل معها مباشرة او تدارك آثارها التخريبية ومخلفاتها التدميرية، او تجنب كثافة خسائرها البشرية والمادية التي تعقبها. الشئ الذي جعل العالم كله بمنظماته وهيئاته، يهرع الي أماكنها او يكون أكثر إستعدادا للمساعدة وتقديم الإعانات، للتقليل من آثارها بقدر الإمكان. ولكن كل ذلك كما أسلفنا، لأ يتم إلا من خلال حكومات راشدة، تعترف بالكوارث أولا. وتضع الإحتياطات لها او علي الأقل للتقيل من أضرارها ثانيا. وثالثا الإحساس بالمسؤولية تجاه التعامل معها، وقبول المحاسبة في حالة التقصير او الفشل في التعامل معها! وبالطبع كل هذا يندرج في سياق الحكومات الديمقراطية او الحكومات الشرعية، التي تستوجب شرعيتها او أهليتها، خضوعها لمصالح ورغبات المحكومين! في هذا الإتجاه، يصبح العجز في التعامل مع كوارث الأمطار الأخيرة(كوارث بمنطق العجز البنيوي والتاريخي في التعامل معها!) ليس بدعة او شيئا غير متوقع! بل عدم التوقع او التطلع لشئ أكبر من ذلك من هكذا حكومة عاطلة، كالمعالجة او الإعتراف بالفشل والتقصير، هو ما يندرج في باب الغفلة والسذاجة والأمنيات الخيالية او إنتظار السماء لتمطر ذهبا! وبقول واحد، إن العجز في التعامل مع الأمطار الأخيرة و آثارها، هو جزء من العجز العام الذي يطال الحكومة الإنقاذوية! وهو عجز يدخل في تكوين الحكومة الهيكلي وفي عقيدتها او مفهومها للسلطة والمسؤولية، أي إدارة الدولة والمجتمعات! وبتعبير أكثر وضوح، إن المعضلة الحقيقية ليست الفشل، في التعامل مع الكوارث الطبيعية والقضايا المطروحة او المستجدة، او الفشل في إدارة المشروعات او تقديم الخدمات! ولكن المعضلة الحقيقية إن النظام/الحكومة تسعي وراء غاية واحدة وهي الحكم! والحكم هنا يتخذ طابع التسلط او الحكم المطلق! أي أشد أنواع الحكم تخلف وقسوة وعجز وفقدان القدرة علي التطور او المعالجة الذتية! وبهذا تصبح خدمة المجتمع او معالجة قضاياه وكوارثه او إحترام خياراته، من باب النوافل او الشكليات، التي لا يؤثر كثيرا القيام بها او تركها! لا في شرعية الحكومة ولا في مدي نجاحها او معيار قبولها! أي إذا أُديت ولو بطريقة جزئية وهامشية كما هو الحال دائما، فهذه حسنة تحسب لها وتضرب من أجلها الدفوف وينطلق الإعلام بالتبشير والتهليل لها ولصناعها! وإذا عُجز عن تأديتها بمبررات أقبح من الذنب، فلا ضرر ولا ضرار. وهنالك متسع من الوقت وكثير من التجارب في جعبتهم الشائكة التي يسكنها الجشع والجهل والدجل والضلال! اي يُحركها الوعي الأسطوري والغرائز الحيوانية!! وفي ظل بيئة حاكمة كهذه، من الصعوبة إن لم يكن من الإستحالة بمكان، الإعتراف بالأخطاء او الفشل او التقصير او التقدم بإستقالة، كتعبير عن إحساس بالأسف والندم من التقصير وإلحاق أضرار هائلة بالمجتمع، أي من باب المسؤولية الأدبية والفردية او السياسية علي الأقل! بمعني، إن سلوك وقرارات السطة الحاكمة، تتراوح ما بين الصاح المطلق والإحاطة ومعرفة مصالح الأمة، وبين السلوك والقرارات الأقل صحة او الأخطاء البسيطة وغير المقصودة، والتي تحتمل المحاولة من جديد، بل وتستحق نعمة الأجر الواحد!! فذهنية الأجر والحساب لا تحتمل بدورها إهدار أي قدر من الجهد دون أرباح، أي بغض النظر عن آثار الجهد وجدواه، أي المترتب عليه من منافع او أضرار! بمعني آخر، أنه في وجود سلطة كهذه، لا مجال للنقد او التصحيح او المراجعة او الرفض وتاليا لا إمكانية للإصلاح!( حكي لي صديق والعهدة عليه وعلي مصدره، أن والي الخرطوم رفض تقديم إستقالته، وحجته في ذلك أن دول العالم الثالث لا يوجد فيها هذا المسلك!!). وبهذا يصبح، الطريق الوحيد لحل إشكالات الخريف وغيرها من الأخطاء المتكررة بوتيرة أكثر دمار! هو التصدي للحكومة الإنقاذوية، بصفتها المتسبب الأول في هذه الأخطاء والخطايا. سواء بعجزها الماثل والمتوقع في مواجهتها للقضايا او حلها للمشاكل. او بإصرارها علي الإستمرار في الحكم، بنفس الأساليب وطرائق التفكير العقيمة او العدمية! وتاليا تراكم الأخطاء وتعقيدها ومن ثم توالي الكوارث والمحن!
ولكن ما يخص مشاكل العاصمة بالتحديد مع الخريف والأمطار وتحولها الي مشاكل مزمنة، تضاف الي بقية مشاكلها المتناسلة والمستعصية علي الحلول! أن العاصمة تضخمت بصورة غير مسبوقة، وتحولت كل أراضيها الي أماكن سكن، وبغض النظر عن صلاحيتها من عدمه، إي إذا كانت إراضٍ زراعية ذات مردود إقتصادي قيم و متجدد، او كانت مجارٍ للأنهار والأمطار والسيول، او كانت متنفس يتلاءم وراحة السكان وقضاء حوائجهم المتعددة! او غيرها من الأماكن غير الصالحة للسكن الآدمي او تقديم الخدمات!! وإضافة الي الكثافة السكانية فقد ساعد علي هذا الوضع المزري المتفاقم، تجاوز القوانين وفساد المسؤولين! بل أصبح التلاعب بالقوانين هو أحد آليات الثراء السريع، في دولة النهب والسلب الإسلاموية! بل بعض القوانين تُسن فقط، من أجل التجاوز والثراء المشبوه لمصلحة المصممين والمنفذين لها! ودونكم قوانين الحركة، التي تشابه في شدتها وصرامتها و(تبيِّتها نية) الترصد، قوانين محاكم التفتيش! وذلك بالطبع ليس لغرض سلامة الركاب والسائقين، وإلا لقللت من عدد الحوادث والإصابات المتكاثرة! ولكن الغرض الأساس العجز عن تطبيقها، وتاليا دفع الغرامات! أي زيادة المردود المالي الجبائي لمصلحة بعض الأفراد والمؤسسات، ومؤكد أن كل ذلك يتم بعيدا عن رقابة وزراة المالية، او خيال المآتة في ظل الحكومة الإنقاذوية! المهم زيادة كثافة السكان في الخرطوم، بسبب إنهيار المشاريع التنموية والخدمية في الأقاليم والأطراف البعيدة! أي غياب البعد العام والمتوازن في وضع السياسات و بسط الخدمات، هو السبب الأساس فيما تعانيه الخرطوم من حمولات زائدة وفوق طاقتها الخدمية والتنموية، ويقلل من أي فاعلية خططية او تنظمية لهذه العاصمة الدولة، ذات الحدود المُنزاحة وغير قابلة للسيطرة او التحديد! وبهذا إصلاح العاصمة لا يمكن له أن يمر إلا عبر إصلاح الأقاليم والمناطق البعيدة! أي برد الإعتبار لسكانها، عبر تعديل ميزان التنمية والخدمات المختل ومطفف تاريخيا، لصالح العاصمة وسكانها! ومؤكد أن المتسبب الأول في هذا التوجه والنهج الإنحيازي الفاضح لصالح العاصمة وضد الأطراف، هو النخب الحاكمة! لأن أغلبها إما نخب عاصمية او إقليمية مستلبة ناحية المدينة والمركز وبالتحديد العاصمة! وأكثر هذه النخب إنحياز وتنكر للأطراف هي نخبة الأنقاذ! وذلك بسبب مكونها الراسمالي الطفيلي الذي يستسهل الربح السريع، أي أجواء السمسرة والمضاربات والتجارة في العملات والأراضي، ومعلوم أن العاصمة هي أفضل سوق لهذه الأنشطة! والأكثر معلومية، أنها أرباح مجردة من أي أبعاد إنسانية او إجتماعية او وطنية او منفعة إقتصادية عامة! ولكنها تنحو نحو المتاجرة بكل شئ وفي كل شئ! ومن غير التقيُّد حتي بضوابط التجارة الموضوعية، أي هي أقرب للنزعة اليهودية الربوية المعلومة تاريخيا!! وبتعبير مختلف، هي الأبعد عن الإستثمار في المشاريع التنموية الكبري، ذات المردود الإجتماعي والنفس الطويل، والأقرب لموارد البلاد وحاجات المواطنين، والميزات التفضيلية الإقتصادية للمناطق والجهات المختلفة في البلاد. والأهم أنها السبيل الوحيد، لبناء الإستقرار الإجتماعي والسلم الأهلي و التنمية العادلة والحفاظ علي اللحمة الوطنية. ونخلص من ذلك، الي أن كثافة الوجود البشري في الخرطوم، هو وجود مُصطنع، سببه الفشل في تطوير الأقاليم والأطراف وتحسين خدمات العيش فيها. وهذا بدوره ينفي عن أبناء الأقاليم والأطراف، الذين فضلوا العيش في العاصمة، والذين يرغبون في العمل الشريف والكسب الحلال، وتحسين شروط حياتهم المعيشية التي أفتقدوها في مناطقهم. التُهَم التي تحمل طابع الإستعلاء والعنصرية، من شاكلة ترييف العاصمة! والأحزمة السوداء المُحيطة بالعاصمة! وغيرها من الألفاظ والمسميات العنصرية، والسلوك والممارسات والإيحاءات التهميشية الإستعلائية! التي تتخفي خلف إدعاء التحضر والتمدن والحداثة حينا، والإدعاء بمعارضة النظام الإنقاذوي العنصري التهميشي في أحايين أخر! من بعض العاصميين، الذين يعطونك إحساس وكأنهم تربوا في قلب باريس او ضواحي مانهاتن! ومن تصاريف القدر، أن بعضهم فضل النزوح الي الخارج، سواء الي مدن الخليج او دول الغرب، ليجدوا أنفسهم وقد تحولوا بقدرة قادر الي (مسودنين او مرييفين) لمدن الخليج ودول الغرب، أو علي الأقل هم في مرتبة دونية حضاريا وعرقيا وثقافيا، ولم تشفع لهم عاصميتهم المزعومة(هذا قياسا علي منطقهم وسلوك تصرفاتهم وألفاظهم بالطبع!!). والأغرب أن هذه النماذج، تعنيها نظافة الشوارع وإخضرار الحدائق وتنسيق المنازل وتوفر الخدمات لها، كروح حضارية وذوقية! أكثر ما يعنيها تطوير حساسية قيمية وإنسانية، أكثر عدالة ومساواة وإنحياز للمحرومين والغلابة! أي قيمها الحضارية قيم جامدة لا روح فيها، وفي أحسن الاحوال هي قيم شكلانية مظهرية، منصرفة للمعمار والبهرجة الوقتية! أكثر من إنصرافها لتبني قيم ومبادئ إنسانية، أكثر تشريف وإحترام للذات وللآخر، وأكثر إقتراب من قيم ومضامين الحداثة الحقيقية خصوصا في منابعها الأصلية! وهي بدورها لا تتعارض مع الإهتمام بالنظافة والنظام والفنون ..الخ، وهذا إذا لم تكسبها طاقات أكثر فاعلية وروح وحياة! فغير أن أبناء الأقاليم والأطراف بالعاصمة، هم الأكثر تضررا ومعاناة في ظروف الخريف والأمطار وغيرها من الكوارث! فهم الأكثر بذلا للجهد وكدحا وممارسة للأعمال الشاقة، وفي نفس الوقت الأقل كسب إقتصادي ودخلٍ مجزٍ و تقدير إجتماعي! أي عبء المتعة والراحة في العاصمة يقع علي كاهل هولاء البسطاء! علما بأنهم أيضا الأقل تلقِ للخدمات الأساسية، ناهيك عن ترف الترفيه او تطوير ذائقة إستمتاعية تجاه الخضرة والفنون ..الخ، ولا ينفي ذلك قابليتهم للإستمتاع بها او إستمتاع بعضهم بها، غصبا عن أهوال الظروف المحيطة!!
ولا نقصد بهذا الحديث أننا ضد أبناء العاصمة بالمطلق، أو أن هنالك حساسية ضد أبناء العاصمة خاصة والمدن الكبري عامة، علي الرغم من إستحواذهم علي معظم خيرات البلاد في الفترات التاريخية السابقة، وبغض النظر عن مدي مساهمتهم في تلك الخيرات. ولكن المقصود عدم صرف النظر الي أعراض المشاكل الحقيقية، كالنزوح الي العاصمة وغيرها من المدن السودانية الكبري، وغيرها من الأعراض الهامشية الأخري! وتاليا الإبتعاد عن المشاكل الأصلية كالإنقلابات ومترتباتها الإستبداد والفساد، وبالتحديد نسق التفكير والرغبات الوصائي الإستعلائي، الذي يهدر حق الآخر في الكرامة والحرية والمشاركة الإيجابية، في الشأن العام من موقع الحق الأصيل! أي المقصود بالتحديد، التضامن بين أبناء العاصمة وغيرها من المدن الكبري، وبالأخص العناصر الأكثر تبرما وإحتقارا للنازحين والأصح المهجرين قسريا! أي التضامن بينهم وبين النازحين وذلك بعد التعاطف معهم ومع ظروفهم اللاإنسانية، بل ومع غيرهم من أفراد الشعب الأكثر تضررا من الأوضاع القائمة. وهي بطبعها أوضاع مجحفة وظالمة ومستهينة بهم وبحقوقهم، وقبل ذلك، معادية للفطرة والذوق السليم والعدل المستقيم! وذلك من أجل تشكيل جبهة واحد مهمتها تغيير الحكم، أي نظام الإستبداد والفساد المؤسس لكل الأخطاء والشرور! وقبل ذلك، تغيير مفاهييم السلطة الإستحواذية الإحتكارية للمال والنفوذ والرموز! وبدلا عن ذلك، الإنفتاح علي حكم تشاركي يساوي بين المواطنين والمناطق ويعدل في توزيع الثروة، وقبل ذلك يكرس الجهد لإنتاجها بطريقة مستدامة. ولأ بأس من إعطاء ميزات تفضيلية للمناطق والجماعات الأكثر تضرر تاريخيا بعد إتفاق الجميع! وهذا ليس بعيدا من تعلية قيمة المواطنة، وحقوق المواطنين في التنقل بين جميع أرجاء الوطن، والإنتفاع بحق التملك والمشاركة في السلطة والثروة المحلية! بمعني، إن المعيار الإمتيازي هو لبذل الجهد وتوظيف المعارف والمواهب والمهارات ناحية الصالح العام، وبغض النظر عن بقية التفاصيل الأخري المصطنعة بدورها!! وبتعبير آخر، إن المشكلة الحقيقية ليست بيننا كمواطنين سودانيين او بين المناطق والجهات. ولكن المشكلة في من يحاول أن يميز بين المواطنين او بين المناطق والعقائد والقبائل، وغيرها من صنوف التمييز! ليس بغرض إضفاء نوع من الأهمية والإمتياز للبعض كما قد يتوهم ذاك البعض! ولكن لغرض الحصول علي الإمتيازات المادية والمعنوية بإسلوب تاريخي او ثقافي فج وغير موضوعي! أي بإسلوب العطالة والميراث السلبي! وليس بإسلوب الكد والإبداع الفردي، الذي يخدم المجموعة ولا يتعالي علي الجميع، هذا من جانب! ومن جانب آخر، الغرض من فرض التمييز، زرع الفرقة والفتنة بين أبناء الوطن الواحد او بين مناطقه..الخ وذلك لأنه يعلم، أن الفتن وضرب المجتمع من الداخل، هو السبيل الوحيد لكي يحكم ويمارس صنوف العذاب والفشل وسوء الإدارة تجاه المحكومين جميعا والوطن أيضا! وذلك لأنه يعلم سلفا، أنه في ظروف المنافسة العادلة والأوضاع الطبيعية، لا مكان للعطالة ولا فرصة للكسالي والموهومين من أصحاب الحق التاريخي! وعموما مثل هذه الحكومة وغيرها من الحكومات المستبدة الفاشلة، لم يعنها يوما من الأيام الظلم الذي يقع علي المحكومين، لأنه من طبيعة سلطتها! ولا حتي توزيعه بالعدل بينهما، فما يهمها فقط هو السلطة والتحكم في مصائر الشعوب والإستمتاع بالإمتيازات! وفي مسعاها هذا فهي لا تستنكف الإستثمار في الكوارث والمحن، ومن ضمنها بالطبع كارثة السيول والأمطار! أي تتعامل مع فواجع المجتمع ومآسيه ونكباته، كأدوات لجلب المصالح المادية من جهة! ومن جهة أخري وعبر هذه الكوارث والمحن فهي تسوق إهتمامها المزعوم وحرصها(الثعلبي) علي شعبها(وهو لا يظهر إلا في حالة المتاجرة بمصائبه!) أي تظهر كحكومة مسؤولة!! أي هي تخفي قلقها وحرصها الفائق علي الإستفادة من المساعدات الخارجية، من أجل توظيفها لمزيد من الحماية وإشباع نهم المفسدين الذين يشكلون عصب تماسكها! والفائض لا بأس من أن يوظف دعائيا في خدمة المنكوبين! وهنالك من القصص والأقوال الكثير الذي يحكي في هذا الجانب، وعن تسرب المساعدات للأسواق، وعن المسلك النهبي الجريء، وكله في سبيل الله!! وعلي العموم هذا المسلك ليس بغريب عليها، ولكنه ينسجم تماما مع حكومة متسببة بشكل او بآخر في هذه الكوارث، والأعجب من ذلك أنها تملك حق تبريرها وتفسيرها وتاليا توظيفها وتسويقها كما تشتهي! وبجرأة لا تأمن العواقب!!
ورغما عن كل ما ذكر أعلاه وغيره، فإن أكثر ما يفيد في ظروف الكوارث والنكبات! ليس نقد الحكومات المتسببة فيها او المقصرة في طريقة التعامل معها فقط! ولكن يضاف الي ذلك وبصورة عاجلة، مواجهة الأزمات ومحاولة بذل أقصي قدر من الجهد، في سبيل التقليل من آثارها. سواء بالمساعدات الشخصية والعينية والتتنظيمية او بتوظيف العلاقات المهنية والفردية، في تصويب أنظار وأهتمامات الجمعيات والمنظمات الإقليمية والدولية، للتوجه او بذل كثير من الإهتمام، تجاه المتضررين وتعويضهم جزء من خسائرهم. وكذلك المساعدة في بناء أجسام او مؤسسات إستباقية او أجهزة إنذار مبكر، مهمتها التنبيه ومواجهة مثل هذه النكبات والإستعداد المسبق لها، والتدريب علي التعامل معها والتعايش مع آثارها وطريقة معالجتها. وقبل ذلك، وضع الإحتياطات الإحترازية، بالإبتعاد عن أماكن او مظان الخطر وإغلاق الأبواب التي تهب منها ريح الكوارث. مثل البناء علي مجاري الأمطار والسيول والفيضانات. وأيضا بالإنتظام في أجسام أو كيانات من أجل الحصول، ليس علي أماكن سكن لأئقة فقط! ولكن من أجل إجبار الحكومات علي المساعدة في بناء مساكن أكثر صلابة ومواكبة ومراعاة لشروط السكن الصحية والعملية. وذلك بطريقة مقننة تحفظ للحكومة حقوقها وللمواطن كرامته. وهي فرصة لمهندسي الإنشاءات والمعماريين والمدنيين، للمساهمة في تصميم منازل أقل تكلفة وأكثر متانة وتتلاءم مع الإمكانات المادية لأغلب المواطنين. وكذلك مع الظروف البيئية وتقلبات الطقس، والأهم من ذلك توظيف موارد البيئة المحلية في هذه التصاميم! وفي هذه الجُزئية يُثار تساؤل؟ عن دور كليات مثل كلية الهندسة والعمارة بجامعة الخرطوم، يزيد عمرها عن نصف قرن من الزمان، وتملك ذخيرة تسد عين الشمس، من الدكاترة والأساتذة الحاملين لشهادات عليا، أي باحثين ومبتكرين! بل وغيرها من الكليات والجامعات ذات الصلة! ما هو دورهم تجاه إبتكار تصاميم تتميز بالبساطة وتراعي ظروف تطور مجتمعهم وأحول بيئتهم؟! بمعني، ما هو أثر هذه الكليات بأقسامها المختلفة وخريجيها وأساتذتها، علي تطوير او ترقية المباني الشعبية السودانية! وبكلام آخر، هل ينحصر دور هذه الكليات وأتباعها، في تشييد العمارات والأبراج وتصميم إبتكارات عبقرية للطبقة الثرية فقط؟! أي هل هي كليات طبقية تعني فقط بأصحاب الأموال الطائلة؟! أم لها أدوار أخري تجاه الغلابة، وما أكثرهم في وطن كأنه خلق فقط للفقر وإنتاج الفقراء!! وفي هذه الحالة لماذا يساهم هولاء الفقراء في تعليمهم وتأهيلهم! وكذلك كلية مثل كلية المساحة، ألا تتكرم وتقوم بعملية مسح للعاصمة الخرطوم علي الأقل، او كمشاريع تخرج لبعض الطلاب بعد تقسيمها! لتحديد مجاري الأمطار والسيول والأماكن الصالحة للسكن ونشرها وتوعية المجتمع بها، والدفاع عند التعدي علي حقوق المواطنين بخداعهم بها أو إعتراض مجراها. وذلك عبر عمل خريطة مرجعية للعاصمة، والتنسيق مع كلية القانون في كيفية منع أي جهة من توزيع مثل هذه المجاري للمواطنين البسطاء! علي الأقل من باب إبراء الذمة العلمية والوطنية!! وهذا الأمر ينسحب علي كل التخصصات الهندسية وغيرها!! وإذا كانت الحجة في عدم القيام بذلك او بغيره من الجهد العام، هي ضعف الإمكانات المادية! لماذا لم تقف هذه الحجة حجر عثرة، ضد إبداعهم في الخروج من ضيق عنق زجاجتها في مشاريع خلاصهم الفردية! أما الحديث عن الأخطاء الهندسية، وغرق الصالات والأنفاق مع قدوم أول دفقات الخريف، وسقوط المباني او تصدعها قبل إكتمالها! وتشقق وتكسر الطرق المسفلتة قبل إكمالها العام! وما يعتريها جميعا من فساد ومجاملات وضعف الخبرات! فهو باب فتحه يثير الخجل والفضائح والإحباط، ويخرج لسانه ساخرا في وجه المشروع الحضاري ودولة الطهارة والعفاف! ويصلح في مقامه قول الضرب علي الميت حرام!(إحتمال ذلك يعود لإنشغال الحكومة بالإنتخابات بصورة متواصلة! أي كلما إنتهت جولة إنتخابية فهي تفكر في الجولة التالية وهكذا دواليك! وبالتالي فهي غير فاضية للصغائر، كالسيول والفساد وأخطاء المباني والطرقات في تصميمها وتنفيذها، وحاجات المواطنين وهمومهم..الخ! ويكفي المواطن فخرا وشرفا أن يذهب كل خمس سنوات لمراكز التصويت، ويشارك في العملية الإنتخابية الديمقراطية، التي يحرم من خيرها كثير من الشعوب!! ومن يشكك في صحتها من المغرضين، فعليه أن يعيد النظر كرتين في زعماء هذه العملية الإنتخابية، ويتأكد أن علي رأسها جهابذة علماء العلوم السياسية! وعلي رأسهم الجهبوذ الكبير البروف مختار ود الأصم، رد الله علمه وبصيرته وصدقه مع معارفه!! ولكن المؤكد الذي لا إحتمال معه، أن سخرية القدر تجعل من نظام إنقلابي، تفوح روائح الغدر والمكر والجرائم والذنوب التي لا تغتفر من جنباته، يحلف بشرفه الإنتخابي!! ويجعل من العملية الإنتخابية سبب وجيه للتنصل من كل مسؤولياته تجاه المحكومين!! بمعني تحول الإنتخابات من آلية ديمقراطية تبرز الأفضل او الأكثر مقبولية، الي نكبة ومحنة تضاف الي محنة و كوارث السيول والحروبات!!).
والخلاصة، المطلوب أن تتحول الكوارث والمحن، مثل كارثة السيول الأخيرة، التي ما زالت تتواصل فصولها! الي فرص لإعادة النظر والتفكير في الواقع، والتصويب للأخطاء، من أجل تلافيها في المستقبل! والأهم أنها تتيح فرصة أعظم للتضامن بين مكونات الوطن السياسية والإجتماعية والتنظيمية، كرافعة أساسية تساعد علي الخروج بالبلاد من دوائر الفشل والعجز المغلقة، وتدفع بها الي مرافئ التطور، و تمنح الحياة ذاتها جرعة حيوية من التجريب الناضج وقبول التحدي. وذلك بعد بعثها او إعادتها الثقة للمواطنين بقدراتهم الذاتية، الضامن الوحيد للسيطرة علي الحاضر، والتقدم الي المستقبل بخطوات ثابتة.
أحلي الكلام
مقاطع من قصيدة حميد الضو وجهجهة التساب
(1)
أرخيلي أضانك يا بلد
مرة أسمعيني من البعيد
وإنطاريشني وللابد
في حبلي ماتت شتلتي
مات بيتي ماتت حلتي
لكني يوم ماتو إتولد
جواي ألف إنسان جديد
وأنا ذاتي من ذاتي إتولد!
(2)
يا دكة السلطة
ودخانا وشملتا
في شرعك الإنسان يموت
إن زادت الموية ويموت من قلتا
لو سامحك في حقو سيدي العمدة
هوي
تب ماب تسامحك بت ابوي في شتلتا
(3)
الحالة ما دارت بحت
الحالة ظاهرة وبينة
السلطة عن غرق البلاد مسئولة هي
وفوق عينا حقنا تدفعوا
وبلدك حمايته ممكنة
أصلوا احنا لازمنا إمتداد
قبال بيوتنا يوقعوا
كنا بنقولة وتلكنا
حيكومة دايرة تلجنا
تدينا مشروع نزرعوا
تدينا جيهة نسكنا
لو وقفوا الحرب الحرام
ال الله ذاتو هو لاعنا
كان البلاد إنطامنت
كان ألف خزان إنبني
يكفينا ذلة ومسكنا
كانت زمان السرقة دس
الليلة عينك معلنة
وفرجا قبيل بنشوفه عيب
عينك عيان ومقننة
بأسم الرصيف والمارصيف
كم بيت وصالون إنبني!
بقعة ضوء في آخر النفق المظلم
يبدو أن العراق سيشهد تحول في مسيرته، إذا ما أكتملت خطوة تعديل منصب القيادة، وتاليا التحول من الإنغلاق الطائفي المقيت في مركز الرئاسة والنفوذ الذي يمثله المالكي، الي الإنفتاح تجاه كل مكونات الشعب العراقي! ليواجه العراق الجديد، خطر تنظيم داعش كأولوية، ومن ثم الإنطلاق في طريق البناء الديمقراطي والتنمية البشرية والإقتصادية. ولكن ذلك يعتمد علي ردة فعل المالكي وتجاوبه مع هذه التعديلات، ليكفر عن بعض خطاياه وجرائمه. وإلا فإنه سيقود العراق الي طريق الأزمات الدستورية لتضاف الي أزماته الأمنية والإقتصادية والطائفية والمناطقية التي كرسها وجوده القسري في منصب الرئاسة! ولكن ما يجلب الإطمئنان أن هنالك شبه إجماعي داخلي وخارجي علي رحيل المالكي، كعقبة أمام علاج مشاكل الدولة العراقية، وبغض النظر عن البديل!! وهذا إن دل علي شئ، فإنه يدل علي صحة الصحيح ولو بعد حين. وأن المستقبل للديمقراطية والمشاركة و فرض خيارات الشعوب وإن طال السفر وإستطال الإستبداد.
ودمتم في رعاية الله
عبدالله مكاوي
بريد إلكتروني [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.