قبل أيام وصف القيادي الراديكالي الأمني البارز في الإنقاذ بعد ابتعاده عن دائرة الفعل التنفيذي المباشر في نظام الإنقاذ ما آلت إليه أوضاع البلاد في ظل دولة الإنقاذ بالحالة المزرية والفوضى العارمة في حديثه لصحيفة الانتباهة بقوله نصا : ( الضغوط الكثيرة التي تواجهها البلاد، سواء كان على المستوى الخارجي والداخلي أسهمت في إحداث قدر كبير من الفوضى في الإدارة العامة للبلد. هذه الفوضى فتحت الباب أمام الفساد والتسيب والإهمال وعدم القدرة على التخطيط والعجز عن معالجة المشكلات، لذلك القضايا الأساسية وصلت مرحلة كارثية لحد ما نجد أن الاقتصاد وصل مرحلة خطرة جداً والتعليم حدث به انهيار كامل رغم التوسع الحاصل، هذا إلى جانب الخدمة المدنية والقطاع الصحي، فكل المشكلات تفاقمت والسبب الضغوط الكثيرة التي حدثت للحكومة وجعلتها غير قادرة أن تجد المناخ الذي تعالج فيه الأمور بطريقة سليمة وأدت إلى تهيئة الجو للفساد الحاصل) . إلا أن القيادي الشاب حامد ممتاز الحاضر بقوة في المشهد السياسي كغيره من سادة الإنقاذ في ظل غياب الإرادة الوطنية يبشر السودانيين بان المؤتمر الوطني يعد نفسه لحكم السودان خمسين عاما وهو ماوصفه غريمه في المؤتمر الشعبي كمال عمر الذي اكتنفته الشكوك حول تنفيذ مخرجات الحوار الوطني مؤخرا وصفه لتصريحات ممتاز بالاستفزاز للشعب السوداني . وقال حامد ممتاز في حوار مع "القدس العربي"، إن وثيقة الإصلاح جدَّدت سياسات الحزب وقياداته استعداداً للمراحل المقبلة، وأوضح أن المسؤولية الوطنية والدستورية تحتم على حزبه البقاء في السلطة في إطار الضغوط الخارجية، وأن ترجل قادة الحكم عن السلطة غير لائق وغير أخلاقي ولا يرتبط بالواقع الذي تديره أمريكا والمجتمع الغربي. غير أن الأهم هو التصريحات النارية للرئيس البشير التي وصف فيها المعارضين من الممانعين عن المشاركة في الحوار الوطني بالمرتزقة القابعين في الفنادق الأميركية والأوروبية والذين تدفع لهم المخابرات الأمريكية والإسرائيلية . مع ملاحظة أن نظام الإنقاذ يسعى وفقا لتوجيهات الرئيس بكل الوسائل والوساطات الإقليمية لينال رضاء الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها الذين يوصم معارضيه بعلاقتهم بها مقدما كل التنازلات دون جدوى رغم الوفود المتتالية التي تحج إلى واشنطن وعواصم الغرب دون كلل أو ملل أو كرامة . الاتهام بالارتزاق والعمالة للأجنبي إتهام كلاسيكي تجاوزه الزمن بعد أن أصبح خمس السودانيين يحملون جنسيات أميركية وأوروبية مزدوجة بسبب عوامل الطرد الي خلقتها الإنقاذ ويحققون إنجازات في تلك البلدان التي حفظت كرامتهم وحقوقهم كمواطنين ويناقشون هموم وقضايا بلدهم الأم دون مزايدة على وطنيتهم وانتماءهم من احد ويعملون على ضمان حياة كريمة لأسرهم عجزت عن توفيرأبسط مقوماتها الدولة التي وصفها أحد رموزها " قطبي " بدولة الفساد . فضلا عن أنها أيضا اتهامات كلاسيكية غير مجدية لمواجهة الحقائق على أرض الواقع .غير أن المعارضين رغم ضعف قدراتهم اللوجيستية في مواجهة الحزب الحاكم الذي يستخدم موارد الدولة وأجهزتها وأمكانياتها وأمنها وإعلامها المضلل إلا أنهم يملكون المطالب المشروعة و الحجة القوية ومؤآزرة المجتمع الدولي الحر المؤيد لمطالب بسط الحريات الأساسية وضمان حقوق الانسان وحق الشعوب في إقامة أنظمة ديمقراطية يحكمها القانون والدستور وهي مطالب غير متوفرة في ظل النظام الحالي الذي يعمل على تكريس سلطته بكل السبل والوسائل وآخرها مسلسل الحوار الوطني الذي يشكل النظام لحمته وسداه. ولعل التسريبات الأخيرة لوثائق الاجتماع بين الرئيس وولاة الولايات كشفت عن هدف الحزب الحاكم من عملية الحوار الوطني الذي يشرف عليه والذي فطن الممانعون لعدم جدواه منذ وقت مبكر . تلك الأهداف التي أوضحها الحزب الحاكم تلخصت في سعي الحزب لاكتساب مشروعية سياسية لمواجهة الفشل والأزمات الاقتصادية والحروب والهجرات و التغطية على عمليات الفساد المحمية بسلطان الدولة التي أشار إليها قطبي المهدي عبر مظلة الحوار وهي مشروعية يعتقد أنها تعينه على التغلب على أزماته الخارجية المتعلقة بالديون والمحكمة الجنائية والتخلص من اليوناميد وتحييد الأحزاب المعارضة التي لاتقبل بوصفته السياسية تحت اسم مخرجات الحوار الوطني التي سيعمل الحزب الحاكم على إفراغ محتوياتها والإبقاء فقط على عناوينها كبسط الحريات العامة وتعديل القوانين وقضايا الحكم و ترشيد السياسات الاقتصادية وغيرها مع إضافة عبارة وآحدة فقط ( وفق القانون ) الذي يراه النظام الحاكم وستبقى تلك المخرجات التي يمكن ان تكون مقبولة شكلا أسيرة لأهواء الحزب الحاكم وتفسيراته حسب الحاجة . تصريحات الرئيس البشير مقرونة مع أمنيات حامد ممتاز تشكل المرءآة الحقيقية التي تريد الإنقاذ أن ترى نفسها من خلالها فمن دخل في إطارها فهو آمن ومن خرج عنها عميل ومرتزق وهو منظور لايبشر بخير . غير ان الحقيقة تبقى ان إرادة الشعوب لاتقاس او تقارن بمقاييس القوة المادية التي تملكها وتوظفها الأنظمة الشمولية لحماية نفسها وان الاستخفاف بهذه الإرادةغير مأمون العواقب . لقد نجحت الإنقاذ في الإبقاء على نظامها بكل أسباب القوة لكنها حتما ستتبدد في اول اختبار ديمقراطي حر أوسينفض سامرها كما انفض سامر الحزب الوطني في مصر إن سبقت إرادة الشارع بكلمتها على أحلام ممتاز.