قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفث: قتل عمال الإغاثة أمرا غير معقول    عثمان ميرغني يكتب: معركة خطرة وشيكة في السودان    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة "محمد عبدالفتاح البرهان"    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة "محمد" عبدالفتاح البرهان في تركيا    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بنيولوك جديد وتقدم وصلة رقص مثيرة خلال حفل خاص بالسعودية على أنغام (دقستي ليه يا بليدة)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اليوم العالمي للمرأة تقييم تاريخ تطور المرأة بين) العلمية( و )العلمانية(
نشر في حريات يوم 06 - 03 - 2016


د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
[email protected]
(1-3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
صدق الله العظيم
كانت الأمم المتحدة قد أعلنت عام 1975م، عاما عالميا للمرأة، ثم أصدرت في عام 1977م قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس, وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.. وقد أخرج الإخوان الجمهوريون منشورا في بمناسبة العام العالمي جاء فيه:
(لقد جعلت هيئة الأمم المتحدة من هذا العام المبارك عاماً عالمياً للمرأة، ونحن نحمد لهذه المنظمة العظيمة هذا المسعى الذي هو بعض من الجهد البشري المبذول من أجل الخير، ومن أجل التقدم، وإنه لمن حسن التوفيق أن استهدفت الأمم المتحدة القافلة البشرية في مؤخرتها، حيث يقبع أكبر من استضعف في الأرض، ولا يزال – المرأة – ومعلوم أن الثورات العالمية التي أسهمت في تحرير الإنسان لم تشمل المرأة، بل كانت فوق رأسها دائماً، فلقد ثار الرقيق من أجل الحرية، وثار العمال من أجل الاشتراكية، بينما ظلت ثورة المرأة تنتظر يومها .. ونحن نعتقد، اعتقادا جازماً، أن هذا اليوم العظيم قد آذنت شمسه بشروق على هذه المرأة المعاصرة، الذكية، المتقدمة، وذلك بمجئ الدعوة الواعية التي تستطيع، بفضل الله، ثم بفضل نور الفكر الثاقب، أن تبعث القيم الجديدة التي تمحو التمييز الاجتماعي ضد الضعيف، وتجعل الحق هو القوة، ولا شك أن هذا هو عمل التمدين الأكيد.. فإذا كنا، وإلى يومنا هذا، نعيش في مجتمع ليس فيه للنساء حرية، ولا حرمة، ولا تشريف، فإنما لأننا لا نزال نعيش في مجتمع الغابة، الذي اضطهد المرأة، وأذلّها، لا لشئ إلاَّ لأنها لم تكن تقوى يومئذ على المنافسة في منادح الكسب، ولا المناجزة في مسالك الحياة..) انتهى..
الآية المباركة التي صدّرنا بها هذا البحث إنما وردت في سياق الحديث عن استضعاف فرعون لبني إسرائيل، واستعلائه عليهم وتذبيحه أبناءهم واستحيائه نساءهم والاستحواذ على أرض الله والتسلُّط بالظلم والعدوان على ما أودعه فيها من خيراتٍ لعموم عباده.. ولقد تعرضت المرأة بسبب قانون الغابة، إلى الاستضعاف بصور من الاضطهاد والذل مشابهة، لدرجة أنها في المجتمعات البدائية لا تختلف في وضعها كزوجة عن ملكية الأدوات المنزلية الأخرى، فقد كانت تشترى، وتخطف وتسبى بفعل الحروب.. فالإنسان الأول عندما وقف على قدميه، كتطور عن الحيوان لم يكن ضعيفا لا يقوى لأيّ مناجزة ولا قويا قوة الأسد ليتمكن من حل مشاكله بالعنف، وإنما خلق بنشأة وسط أبرزت فيه القدرة على التفكير وابتكار الحيل ليجد مكانا وسط الحيوانات المتوحشة في الغابة.. وقد قرر القرآن بالاستفهام أن الإنسان قضى زمنا طويلا في التطور لم يكن له عقل: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟) وقد تم مؤخرا، في عام 2000م العثور على أقدم هيكل لإنسان عرف حتى الآن، وأسموه "إنسان الألفية" ونشرت تفاصيل الاكتشاف مجلة Der Spiegel الألمانية في عددها رقم 50 من العام 2000 .. وقد جاء في التقرير العلمي أن هذا الإنسان كان يعيش في تلال توغن Tugen Hills، ويطل بنظره على البحيرة التي تواجهه، ويتغذى من خشاش الأرض ومما أفاء الله عليه من ثمار الغابة، وكان يذرع الأرض ذهابًا وإيابًا بقامة منتصبة، مسلحًا بذراعين جبارتين تسهِّلان عليه تسلق الشجر والقفز فوق أفنانها؛ لكن حركاته كانت في غاية الحذر والخوف أمام أعدائه من جيران الغابة، لا يرقبون فيه إلاً ولا ذمة؛ وكانت المنطقة غاصَّة بأصناف شتى من الحيوانات المفترسة، بين وحيد قرن غاضب ونمر شارد ولبؤة تتربَّص به ريب المنون.. كان هذا المخلوق يمشي قبل ستة ملايين من السنين، في إهاب مغطَّى بشعر كثيف، في منطقة بارِنغو من كينيا الحالية، ومع نبش عظامه الراقدة في سكينة هذه الأحقاب الطويلة كلِّها، تمَّتْ مفاجأة العالم بقرينة مادية جديدة عن إنسان مجهول من أسلافنا الأوائل، حفظتْه الأرض لينطق من دون لسان.. كانت البقايا العظمية المتحجِّرة التي تمَّ انتشالها من طبقات الأرض العميقة من وادي ريفت Rift Valley مؤلَّفة من قطعتين لفكٍّ سفلي وثلاثة عظام فخذية قوية في حال سليمة.. وقد أظهر العديد من أسنان القواطع والطواحن تشابهًا مثيرًا مع أسنان البشر الحاليين. وقد قالت سينو مع زميلها مارتن بِكفورد Martin Pickford، من فريق البحث العلمي الفرنسي–الكيني الذي عرض النتائج: "يبدو أننا أمام فصيلة إنسانية جديدة." ولو ثبت هذا الاستنتاج فسيكون "إنسان الألفية" الحدث الأكثر إثارة في تاريخ الباليوأنثروبولوجيا Paleoanthropology حتى الآن.. وللتأكد من عمر العظام، فقد تم إرسال عينات للفحص إلى مختبرين مستقلين لتعيين عمر الأحفور fossil. وكانت النتيجة صاعقة: ستة ملايين من السنين! وهذا يعني، بحسب علماء الكود الوراثي، أن إنسان الألفية كان يمشي على قدمين في أفريقيا، في الوقت الذي يتوصل فيه تحليل الجينات بين الشمبنزي والإنسان (التي لا تزيد الفروق بينها عن 1%) إلى أن كلا الكائنين انشقا، في ذلك الوقت الضارب في غياهب الزمن، من جدٍّ مشترك سابق لهما.. وفي مؤتمر بكينيا تم عرض عظمة فخذ "إنسان الألفية"، الذي تبين أنه قضى في دراما مروعة، دلَّت عليها آثار عضات ونهش حيوان مفترس، يبدو أنه سحبه حتى جذع شجرة وتعشَّى به في وليمة فاخرة! وكانت نهاية الجثة أن حفظتْها طبقة الرسوبيات سلفًا وعبرة للآخرين..
في هذه البيئة القاسية لم يكن للمرأة مكان، وكانت فرصة النجاح في حفظ الحياة للأسرة أمرا شاقا للرجل الذي يملك قدرا من العضلات لا تتوفر لدى أنثاه، ولذلك وبحسب علماء التطور، فقد انقرضت نماذج لبشر مرت في التاريخ وجدت أثارها قبل أن تنجح التجربة التي انتهت بالبشر المعاصرين.. وهكذا ظلت المرأة مستضعفة، وخاضعة للرجل حتى تضمن مجرد الحياة، ولم تكن في تلك المرحلة من التطور، أدنى فكرة في عقل المرأة للبحث عن حقوق كما هو الحال في المجتمع الحديث، فحياتها كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرجل وقدرته على حفظ حياته وحياتها في آن واحد.. وبوحي من نمو القدرة على التفكر أثناء الصراع، اخترع الإنسان الآلة كالسكين والحربة وكانت تلك بداية العلم المادي، وفي زيارة للأستاذ محمود محمد طه لحديقة الحيوان السابقة بالخرطوم، توقف عند أطفال يلاعبون قردا، وقد وضعوا أصبع موز بعيدة من متناول القرد أعلى الحظيرة، وبعد محاولة فاشلة نزل القرد وأخذ عصا كانت على الأرض ثم صعد بها وأخذ يسحب القطعة بواسطة العصا إلى أن تمكن من التقاطها بيديه، فعلق الأستاذ محمود بأن هذا دليل على أن الآلة استخدمت من قبل آدم أبو البشر!!
وقد وجد الإنسان الأول في البيئة أيضا، قوى هائلة تعمل لصالحه كالشمس والقمر والأمطار، من غير أن يكون له يد في وجودها وهو عاجز عن مكافأتها، فبرزت من هذا الشعور المعتقدات الدينية والعبادة كالصلاة والتضرع حين تتأخر الأمطار.. وبوحي من الأحلام استقر في نفسه معنى أن هناك حياة أخرى يعيش فيها من يموت، إذ أنه يشاهده في الأحلام بصورة متكررة يمارس نفس الأعمال التي كان يقوم به عندما كان حيا بين الناس، فاعتقد أن هذا الميت لا بد أنه محتاج إلى أدواته التي كان يعمل بها، ومن هنا جاء دفن الأدوات التي تخص الميت معه في القبر.. ولما كانت المرأة في ملكيتها لا تختلف عن تلك الأدوات كما أسلفنا، فقد كانت تدفن حية مع زوجها المتوفي لأنه سيحتاج إليها لتخدمه في حياته الأخرى، أما في الهندوسية القديمة فقد كانت تحرق حية مع زوجها المتوفي عندما يحرق!!
وفيما بعد عندما تكونت الملكيات وسيطرت على الرجل والمرأة معا كخدم وحشم للملك وللأمراء، انتقلت هذه العادة لتشمل كل حاشية الملك عندما يموت موتا طبيعيا، فالحاشية بأكملها رجالا ونساء تطمر بالتراب إلى جانب الملك في مقبرة واحدة لأنه سيحتاج لها في ملكه الجديد داخل القبر!! وفي أبحاث آثار الدفوفة بمنطقة كرمة شمال السودان عثر على مقبرة واحدة دفن فيها إلى جانب الملك 46 رجل و49 امرأة!!
الشاهد في الأمر أن هذه الممارسات البشعة، كانت تتم بقناعة من جميع الأطراف (الفاعلة والمفعول بها) بل تتم وفق طقوس واحتفالات، لأنها مبنية على معتقدات روحية ولذلك فإن النظرة إلى هذا التاريخ يجب أن تكون "علمية" وما ينبغي أن تغفل هذه الناحية، فتكون نظرة "علمانية" تنظر إلى الحياة المادية مابين الميلاد والوفاة، فهذه المعتقدات القديمة قررت أن هناك حياة أخرى يجب أن نعطيها حقها في تنظيم حياتنا الدنيا، وهذا الاتجاه صحيح وإن أخطئوا في تحديد كيفية العمل وفق هذا الحق حسب تجربتهم البدائية، إذن الجهل هو العدو الذي يقف وراء الضياع.. ويحدثنا الأستاذ محمود في كتابه (ديباجة لدستور) عن ضرورة اعتبار الآخرة كأساس للنظرة العلمية في هذه الفقرة:
( يسمي كارل ماركس اشتراكيته: الاشتراكية العلمية.. في حين يسمي اشتراكية روبرت أوين: الاشتراكية المثالية.. والناس يتحدثون، في الوقت الحاضر، عن العلمية بتأثر كبير برأى كارل ماركس عن اشتراكيته، ولكنهم غير دقيقين في هذه التسمية.. اشتراكية ماركس علمانية، وليست علمية.. وكذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن، إنما هو علماني، وليس علميا..
الفرق بين العلمية، والعلمانية، أن العلمانية علم ناقص.. وتجيء العبارة عنه في القرآن: ((وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون!!))
سماه، ونفي عنه، أنه علم.. قال ((لا يعلمون)) ثم قال ((يعلمون ظاهرا)).. وهذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا.. العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا – الحياة السفلى – حياة الحيوان، وتغفل عن الحياة الأخرى.. الحياة العليا، وهي حياة الإنسان..
كارل ماركس ينكر الغيب، وينكر الحياة الأخرى، وتتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا، وفي، ظاهرها، ومن ثمّ فهو علماني، وليس عالما..
العالم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا، والحياة الأخرى، على غرار العبارة النبوية: ((الدنيا مطية الآخرة)).. العالم ذكي، والعلماني شاطر.. والفرق بين الذكي والشاطر أن الذكي يملك ميزان القيمة، ويقيم الوزن بالقسط.. والشاطر لا يملك هذا الميزان، فهو يخبط كحاطب الليل.. الذكي يعرف الوسائل والغايات، وينسق بينها، فلا يصرف، في سبيل الوسيلة، من الجهد، ما ينبغي أن يصرف في تحصيل الغاية.. والشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل، والغايات.. الدنيا وسيلة الآخرة، فيجب أن تنظم بذكاء، وبعلمية لتتأدّى إلى الغاية المرجوة منها.. ولا يستطيع ذلك العلمانيون وإنما يستطيعه العلماء..) انتهى..
……………………..
(2-3)
في اليوم العالمي للمرأة
تقييم تاريخ تطور المرأة بين "العلمية" و "العلمانية"
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
[email protected]
ركزنا في الحلقة الأولى على ملابسات بروز وتطور الإنسان البدائي كتطور عن الحيوان الأعجم، لكي نرسخ في الأذهان أن الحياة إنما نشأت ونمت وفق تطور بطيء وطويل مرسوم من الخالق، حتى وصلنا إلى الإنسان المعاصر، ويكفي أن نورد الآية: (مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا) للدلالة على ذلك.. إذن لا مجال للقول الساذج الذي يردده بعض السلفيين من أن الله خلق أدم وحواء من الطين مكتملين ثم نفخ فيهما الروح، ومن ثم يرفضون قضية التطور من أساسها.. والحقيقة، لقد أورد القرآن بوضوح أن حياتنا موجهة من بدايات إلى نهايات محددة، قال تعالى على لسان فرعون: (قال: فمن ربكما يا موسى!؟ قال: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)، قوله (أعطى كل شيء خلقه) يعني حدد نهايات اكتمال الخلق، وقوله (ثم هدى) يعني رسم خط التطور وحفز مسيرته وفق منهجية ليرتفع ويترقى نحو الكمال كل حين..
ولقد أشرنا إلى العنف الذي تعرضت له المرأة، في إطار حديثنا عن ملابسات تطور الإنسان البدائي، وقلنا أن المرأة اضطهدت وتعرضت للقتل والإذلال، لأنها لم تكن تملك مستحقات الغابة وهي قوة العضلات، وقلنا أن الاعتقاد في الآخرة، أو حياة ما بعد الموت، الذي ولدته الأحلام جرّ على المرأة مزيدا من القتل والاذلال بقناعات روحية مقبولة من كل الأطراف، فكأن القتل بالدفن أو بالحرق إنما تم من أجل حفظ حياتها هي في المقام الأول حسب الاعتقاد، ولم يكن تضحية بها من أجل الآخرين أو أمر لا يخصها هي، وأحب أن تكون هذه النقطة مركزة في الأذهان لأن فهمها سينبني عليه فهم كيفية إصلاح أوضاع البشر المعاصرين..
وفي بدايات ظهور الإنسان، برزت الحاجة إلى المجتمع للتكاتف في وجه الحيوانات المتوحشة من أجل حفظ الحياة، وقد كان قطيع الحيوان ينمو في إناثه ولا ينمو في الذكور لأن الذكور كانت تتقاتل من أجل الاستحواذ على أكبر عدد من الإناث.. ولحاجة الإنسان للمجتمع فقد برزت بالتدريج قوانين الحلال والحرام كأعراف يتوافى عليها الناس، لضبط الأفراد كضمانة لاستمرار المجتمع، وكانت عقوبة القتل توقع على أيسر المخالفات وذلك لأن الفرد كان عنيفا قاسيا لا يستجيب بسهولة لتلك الاعتبارات.. وبذلك صار الرجل مطمئنا علي إناثه من إخوانه وأصهاره، وهكذا تطورت الأعراف إلى القوانين التي تسري بيننا اليوم.. ولكن وضع المرأة ظل كما هو إلا قليلا، فقد هدت الحاجة المجتمع إلى استئناس الحيوانات الصغيرة، ثم تعرف الإنسان على الزراعة إلى جانب الصيد، فوجدت المرأة مساحة في تربية الحيوان بالمنزل ومتابعة أعمال الزراعة، وبذلك صار لها دور في حفظ الحياة لم يكن ممكنا في البدايات.. وعندما تكونت الممالك كانت الحروب مشتعلة على الدوام بين البشر والحيوان من جهة، ثم بين البشر أنفسهم من جهة أخرى، وكانت المرأة تتحول إلى جانب المنتصر بصورة تلقائية لأنها لا تملك خيارا آخر أمام العنف وتوزع السبايا على الفرسان المنتصرين..
وهكذا، ومع الزمن تزايد عدد النساء، وصار الرجل الواحد يمتلك أي عدد من الزوجات إلى جانب الجواري، وكان الرجال إلى عهد جاهلية القرن السابع، يستغلون النساء في استجلاب الرزق ويستولدونهن من أجل كثرة الأبناء الذكور وكانت الأنثى تدفن حية خوف العار وخوف الفقر، أسوأ من ذلك ولغياب الأخلاق، كان الرجال يتبادلون الزوجات لمجرد المتعة ويسمونه (البدل)، وكان الفرسان الأقوياء بدنيا بوحي من حاجة المجتمع للأمن، يعاشرون زوجات الضعاف إجباريا من أجل إنجاب فرسان يرجى منهم أن يدافعوا عن القبيلة فيما عرف (بالاستبضاع)..
وفي أوروبا في القرون الوسطى، كان الفرسان عندما يذهبون إلى ميادين القتال يواجهون مشكلة الاعتداء على زوجاتهم في غيابهم، فاخترعوا حزام العفة، وهو أداة تصنع من الجلد أو الحديد تستخدم لمنع القيام بالفاحشة أو الاغتصاب عند المسيحيين وهو عبارة عن طوق له قفل يلتف حول خصر المرأة فيغلق الفرج باستثناء فتحات ضيقة لقضاء الحاجة, ويحتفظ الزوج بمفتاحه معه إلى أن يعود فيخلص زوجته منه.. و"حزام العفة"، حالة تعطينا فكرة عن معالجة العالم لقضية حفظ الأخلاق لدى المرأة في حقبة تاريخية معينة كانت غارقة في العنف، وقد فشلت الكنيسة في التربية وإحراز العفة في الصدور بالتربية الروحية، فالهدف الأساسي وراء هذا الحزام هو الحفظ والصون للعفة الغالية.. ويجدر بنا أن نذكر أن بعض السلفيين اليوم، طالبوا بإعادة حزام العفة لتفشي الرذيلة في مجتمعاتنا، وحدث ذلك في عدد من الدول الإسلامية وفي كل العالم، مما دفع شرطيا صينيا من دعاة حماية الأخلاق، لأن يقوم بتطوير الفكرة القديمة للحزام وبأسلوب عصري إلى (حزام الكتروني) يمكن فتحه وإغلاقه الكترونيا بكلمة السر!!
وهناك عادة الخفض لفرعوني، وهي أعنف بالمرأة من حزام العفة لأنها تقتطع أكثر الأجزاء حساسية لدى المرأة، وقد أخرج الجمهوريون كتابا في بابها باسم (الخفاض الفرعوني) فيه معالجة ناجعة لمسألة الخفاض والعادات المشابهة له، اقتطف منه هذا الجزء:
(إن عادة خفاض المرأة من العادات التي عرفتها المجتمعات البشرية، في العديد من البلدان، وفى جميع القارات، ومنذ أمد بعيد في التاريخ .. ومن أكثر صور الخفاض انتشارا في بلادنا، الصورة التي اشتهرت باسم (الخفاض الفرعوني)، وهى التي سيكون عليها تركيزنا في هذا الكتاب ..
ولقد قامت عدة محاولات لمحاربة عادة الخفاض الفرعوني، ومن أبرز هذه المحاولات القانون الذي سنه الإنجليز في عام 1945 م لمحاربة هذه العادة .. وهو القانون الذي استغله الجمهوريون آنذاك، في تصعيد العمل الوطني ضد الإنجليز.. فقد جعل الجمهوريون من القانون، ومن محاولة تطبيقه على امرأة من رفاعة، فرصة لمواجهة صارمة مع الإنجليز.. فقد كشف الجمهوريون غرض الإنجليز الحقيقي من قانون منع الخفاض الفرعوني، ذلك الغرض الذي ما كان يمكن أن يكون، بأية حال من الأحوال، هو ترقية المجتمع السوداني، أو الدفاع عن حقوق المرأة السودانية، وصون كرامتها، فإن ذلك ليس مما يحرص عليه الاستعمار الإنجليزي بل الأمر على العكس من ذلك تماما، فإن غرض الانجليز من ذلك القانون، هو غرض يتمشى مع أهدافهم الاستعمارية، في التمكين لأنفسهم، وتطويل فترة بقائهم بالسودان، وهذا ما سنبينه في موضعه من الكتاب.. وعلى الرغم من وضوح القضية، إلاّ أن البعض، حتى ممّن ينسبون إلى الثقافة، لا يزالون يتوهمون أن الجمهوريين، في ثورة رفاعة، كانوا يساندون عادة الخفاض الفرعوني، وهذا توهم لا يجد ما يبرره، ثم هو توهم يعطى الاستعمار الإنجليزي، فضيلة ليست له، إذ يعتبر أن غرض هذا الاستعمار من قانون الخفاض، هو فقط محاربة عادة ذميمة متفشية في المجتمع السوداني، وليس له أي غرض استعماري وراء ذلك!! وهذه غفلة شديدة، إن جازت على البعض في وقت سن القانون، ما ينبغي أن تجوز بعد مرور هذا الوقت الطويل.. والآن وعلى الرغم من مرور حوالي خمسة وثلاثين عاما على قانون منع الخفاض الفرعوني، والمنع لا يزال ساريا، وعلى الرغم من حملات التوعية النشطة بمضار الخفاض فإن الخفاض الفرعوني لا يزال يمارس في المجتمع السوداني بصورة واسعة!! فما هو السر في ذلك!؟ ولماذا فشلت القوانين، وحملات التوعية في القضاء على هذه الظاهرة؟ وما هو الأسلوب الأمثل لمحاربتها، بالصورة التي تقضى على العادة ومضارها ثم في نفس الوقت تحفظ على المجتمع القيمة التي من أجلها مارس هذه العادة عبر التاريخ الطويل؟
إن جميع هذه الأسئلة ستجد الإجابات عليها، إن شاء الله في متن الكتاب..
لقد ثبت بالتجربة العملية، والتجربة الطويلة، أن العادات الاجتماعية لا تحارب بالقوانين.. وهذا ما تفطّن له الجمهوريون منذ البداية وقالوه.. ثم عاد معظم المهتمين بمحاربة الخفاض الفرعوني ليقولوا به أخيرا!! ثم إن التوعية التي تقوم على مجرّد ذكر المضار الجسدية، والنفسية، المترتبة على محاربة العادة الاجتماعية، هذه التوعية، بصورتها هذه، ليست كافية هي أيضا، لمحاربة العادة.. وكذلك الوعظ الديني هو الآخر ليس بكاف أيضا.. إن الأمر أدق من ذلك وأعمق من ذلك بكثير، فإن عادات السلوك الفردي والسلوك الجماعي، أمور مرتبطة بالنفس البشرية، وبالقيم الإنسانية.. والعادة تسيطر على الأفراد وعلى المجتمعات، بصورة قوية، يصعب معها محاربتها إلاّ بعد إيجاد دافع قوى، وخلق إرادة قوية عند الأفراد والمجتمعات، تعين على التخلص من سلطان العادة، وهذا لا يتوفر بمجّرد التوعية بمضار العادة، فالناس مثلا يعلمون مضار عادة التدخين، وقد تمت توعية في هذا الصدد واسعة، وأصبحت السلطات الصحية تشترط على شركات الدخان أن تكتب على علب السجاير عبارة (ضار بالصحة) .. ورغم ذلك فإن عدد المدخنين في ازدياد مستمر، وتجارة الدخان من أكثر أنواع التجارة رواجا!! فالوعي بالمضار الصحية وحده لم يقض على عادة التدخين الضارة.. بل إننا نجد الكثيرين من الأطباء، وهم أكثر الناس إلماما بمضار التدخين، يمارسون التدخين، وفى بعض الحالات بإسراف!! ولذلك لا يمكن محاربة العادات الضارة بفعالية إلاّ بعد توفير المنهاج الذي يعين على اقتلاع هذه العادات من داخل العقول والنفوس، والذي يعين على إيجاد إرادة التغيير التي تحرر الأفراد والجماعات من سلطان العادة.. ولمحاربة العادات الضارة لا بد من توفير البديل، فإن النفوس لا تعيش في فراغ.. وإذا كانت العادات المراد تغييرها مرتبطة بأمور أصيلة وحسّاسة في حياة الناس، مثل العرض والعفة – وهذا ما ينطبق على عادة الخفاض – فإن الأمر يحتاج إلى مجهود أكبر ونظرة أعمق ..
إنه من الخطأ الفادح، الظن بأن المجتمعات تنشئ عاداتها الاجتماعية اعتباطا، ودون حكمة.. وهذا الخطأ وقع فيه كثير ممن يتصدون لمحاربة الخفاض، وهو من الأسباب الأساسية لفشلهم.. فإن حقائق المعرفة تقول أنه ليس فيما يدخل الوجود باطل مطلق، فكل ما دخل الوجود دخل بحكمة، ولا بد من مراعاة هذه الحكمة عند التعامل معه..
الحكمة أبلغ ما تكون إنما نجدها في معالجة الإسلام لمشاكل المجتمع وقضاياه.. ومما يتصل بموضوعنا الذي نحن بصدده في هذا الكتاب، عادة وأد البنات التي كانت تمارس في الجاهلية..
لقد كان دافع الناس الأساسي لممارسة تلك العادة هو خوف العار الذي يتعرّضون له إذا سبيت البنت، أو اختطفت، أو تعرضت للفقر المدقع.. فهنالك قيمة إذن، كانوا يبتغونها من وراء الوأد، وهى العفة والصون، ولكنهم أخطئوا السبيل إلى تحقيق تلك القيمة إذ اعدموا الحياة نفسها: (وإذا الْمَوْءُودَةُ سئلت، بأي ذنب قتلت)، فلما جاء الإسلام، وحرّم تلك العادة، لم يقلّل من شأن القيمة التي وراءها، ولذلك لم يبطل، في حقيقة الأمر، تلك العادة تماما، وإنما طورها .. فهو حين حرّم الوأد الذي هو حجب البنت في الحفرة، جاء بالبديل وهو الحجاب بجدران المنزل الأربعة: (وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبّرج الجاهلية الأولى).. فلا تخرج المرأة ولا تختلط بأجنبي، إلاّ لضرورة هي ألاّ يكون لها عائل يعولها.. ففي هذه الحالة يباح لها الخروج، والاختلاط، لتكسب عيشها كسبا شريفا، وعندئذ يجب أن تخرج بالزى الشرعي الذي هو بديل عن جدران المنزل التي كانت بدورها بديلا عن حفرة الوأد.. وهيئة هذا الزى هي أن يغطى المرأة حتى لا يظهر منها سوى وجهها، وكفّيها، وظاهر قدميها.. وإباحة الخروج للمرأة في هذه الحالة هو أيضا قد أريد به سد ثغرة الحاجة لدى المرأة، كي تعف يدها ونفسها..
هذا التطوير لعادة الوأد فيه قفزة لم يكن منها بد، وبذلك تغيرت الوسيلة، في هذه العادة، وبقيت القيمة التي إن هي إلاّ مساعدة النساء، ثم الرجال، على العفّة والصون..
إن الإسلام إذن، قد رعى القيمة التي كان الناس يرمون إليها من وراء (الوأد) وفى نفس الوقت طوّر الوسيلة، بل هو قد وكّد، وركّز، على القيمة الحقيقية، وهى العفة التي في الصدور، ووظّف منهاجه في المعاملة، والعبادة، لهذا الغرض.. وقد أشار إلى هذه القيمة بقول الله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم، وريشا، ولباس التقوى، ذلك خير، ذلك من آيات الله، لعلّهم يذّكرون).. وحكم الوقت اليوم، قد قضى بتطوير الضرورة التي تبرر خروج المرأة، ومن ثم تطوير الزى .. وهو ما عليه الجمهوريات اليوم.. وتفصيل كل هذا يلتمس في كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) وكتاب (كيف ولماذا خرجت المرأة الجمهورية تدعو إلى الدين)..
بمقتضى هذه النظرة الدينية العميقة، وعلى هدى المعالجة الإسلامية الحكيمة لأمر المرأة في الماضي، فإنا يجب أن ننظر إلى القيمة التي استوجبت (الخفاض) وأن نلتمس رواسبها العميقة في النفس البشرية، فنطوّر هذه العادة، بالحكمة، وبالتدريج، مع اعتبارنا الكافي، بل توكيدنا الزائد للقيمة التي توّخاها الناس، من قديم الزمان، من وراء عادة (الخفاض) هذه.. هذه القيمة إنما هي الحرص على (العفة) التي لم يكن من سبيل إليها إلاّ بالحجر العنيف على النساء، وإلاّ بفرض الحجاب الغليظ، وبالخفاض.. ومما يذكر في باب مراعاة الحكمة وتطوير العادة، عادة الخفاض بالذات، حديث النبي حيث قال لمن استفتته في ممارسة الخفاض: (اخفضي ولا تنهكي) ..
ونحن إنما نستشرف عهد التطوير الأكبر لعادة (الخفاض)، وذلك إنما يتم بالتربية الإسلامية التي بها يعف الرجال والنساء .. والحديث النبوي جاء بالوصية: (عفّوا، تعف نساؤكم)..
فمعالجة عادة (الخفاض الفرعوني)، إذن، إنما تتم بتطويرها بحصول التربية، وبتعميق أمر العفّة في الصدور، صدور الرجال والنساء، وحين يتيقن كل رجل أن الله هو الحافظ، وهو الصائن لعرضه، لا الباب المقفول، ولا الثوب المسدول، ولا حتى (الخفاض).. وذلك حين تبلغ التربية الإسلامية أوجها، ويستقر في القلوب اليقين بقول الله تعالى: (فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله).. عندئذ تطّامن غلواء الغيرة الجنسية بفضل الله، ثم بفضل الثقة المتوفرة بين الرجال والنساء.. وغنىٌ عن القول، إن الغيرة ما ينبغي لها أن تزول من صدور الرجال، كما أن العفة ما ينبغي لها أن تنزع من صدور وحجور النساء..
إن الخفاض على سوئه، وراءه قيمة مرعية يجب أن تعتبر أشد الاعتبار، فلا نلغى هذه العادة، وإنما نطوّرها.. لتبقى القيمة التي وراءها، ولتتوّكد وتتعمّق، بأكثر مما كانت لدى أسلافنا، فهي قيمة دينية، تتقدس بها علاقة الرجل بالمرأة في الزواج، وفى الحياة، تقديسا..
إن تهوين أمر هذه القيمة، للعفّة والصون، التي تكمن خلف عادة الخفاض، هذا التهوين الذي نلمسه عند كثير من الداعين لإبطال عادة (الخفاض الفرعوني) إنما هو خطأ كبير، يجر إلى أوخم العواقب، وأبشع النتائج، مما انتهت إليه الحضارة الغربية من التفسّخ والتحلّل من القيم التي وكّدها الدين، ورعتها الإنسانية، وبذلت في سبيل ترسيخها الدم و العرق والدموع..) انتهى..
…………………….
(3-3)
في اليوم العالمي للمرأة
تقييم تاريخ تطور المرأة بين "العلمية" و "العلمانية"
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
[email protected]
في هذه الحلقة الأخيرة سنحاول إلقاء الضوء على وضع المرأة في مجتمعنا المعاصر، ويمكننا أن نقول بصورة عامة أن المرأة حققت مكاسب كبيرة بالقياس إلى ماضيها، فنالت التعليم والعمل بمساواة مع الرجل في الأجر.. وثبت بالتجربة العملية أن المرأة لا تختلف عن الرجل في الفكر والقدرة على اكتساب المهارات الفنية، لكن الفكر العلماني في الدولة المدنية سواء كان في البلدان الشيوعية أو الرأسمالية لم يعط اعتبارا لخصائص المرأة كأنثى، فتأسست سياسة الأجر المتساوي للعمل المتساوي فدخلت المرأة في مجالات لا تتوافق مع بنيتها كأنثى، كالعمل في الحقول وقيادة الآلات الزراعية كما يفعل الرجل، فاسترجلت وفقدت خصائصها الأنثوية وقد أضعف ذلك الاتجاه خصوبتها وأثر سلبا على الأسرة وتربية الأطفال.. وقد أثرت ملابسات نشأة الدولة المدنية في الغرب على أنقاض الدولة الكنسية في العصور الوسطى، على مسرح الفكر الأوربي فتأسست الدولة المدنية بوحي من تلك الملابسات وتشبعت بالأفكار التي نبعت من الثورة عل الكنيسة، فأقصت الناحية الروحية من الواقع..
بين يدي مقتطفات من الأكاديمي غازي توبة، تعطي فكرة عن تاريخ نشأة الدولة المدنية، وأثرها على وضع المرأة، وإليك بعضها:
(من المعلوم أن أوروبا في العصور الوسطى كانت تحكمها الكنيسة، وكان أبرز مفهومين تقوم عليهما الديانة المسيحية هما: (المقدس) و(المدنس)، فكان المقدس هو الله والآخرة والروح، وكان المدنس هو الإنسان والدنيا والجسد والمرأة، لذلك يجب أن يتجه الإنسان إلى هذه المقدسات، ويفني ذاته فيها، ويترك كل ما عداها.. فيجب أن يوجه الإنسان عقله إلى الله ذكرا وثناء وتمجيدا وعبادة، ويلغي التفكير فيما سواه، وعليه أن يوجه قلبه إلى الآخرة ويهمل الدنيا ومتاعها وشهواتها وملذاتها، وعليه أن يقتل جسده ويدمر حواسه التي تكبل روحه لكي تنطلق هذه الروح وتتخلص من قيودها، والرهبنة خير وسيلة للانتقال من المدنس إلى المقدس، والرهبنة تعني عدم الزواج، واعتزال الحياة في دير من الأديرة، وممارسة طقوس متنوعة في تعذيب الجسد..
إن القيادة الكنسية التي تزعمت معركة المقدس مع المدنس في المجتمع الأوروبي، قادت معركة أخرى مع علماء أوروبا الذين طرحوا نظريات وأقوالا تناقض ما قالت به الكنيسة والكتب المقدسة مثل: أن الشمس مركز الكون وهو الذي توصل إليه كوبرنيكوس، وهو يناقض ما تقول به الكنيسة وهو أن الأرض مركز الكون، وأدت هذه المعركة إلى عقد محاكمات ومحاسبات لكثير من علماء أوروبا بتهمة الكفر والزندقة والانحراف عن الدين، وأدت تلك المحاكمات إلى إعدام الكثيرين منهم..
قادت الكنيسة معركتين الأولى: مع الفطرة البشرية في كل ما تتوق إليه من الدنيا والشهوات والمتاع والملذات، الثانية: مع العقل البشري الذي كان يقرر حقائق واضحة وتأتي الكنيسة لتلغيها بكلام غير ذي قيمة علمية، وأدت هاتان المعركتان إلى انفجار أوروبا في وجه الكنيسة، وقامت ثورات متعددة لتصحح الوضع الخاطئ عند الكنيسة، فما الذي حدث؟
جعلت الثورات المقدس مدنسا، والمدنس مقدسا، أي إنها قلبت المعادلة!!
جعلت الثورات الأوروبية المدنس مقدسا، فنشأت "الدولة المدنية" التي اهتمت فقط بجسد الإنسان وشهواته ولذاته ومنافعه، واهتمت فقط بالدنيا وزراعتها واقتصادها وصناعتها، وجعلت الثورات المقدّس مدنسا، فنشأت "الدولة المدنية" التي اعتبرت الحياة مادة في أصلها ووجودها وتفرعاتها، واعتبرت كل حديث عن الروح وعن الجنة والنار والملائكة إنما هو حديث خرافة وأوهام، ومن الواضح أن هذه المواقف إنما جاءت ردود أفعال على المواقف الكنسية الخاطئة!!
وقد ولدت تلك الثورات التي قامت في القرن الثامن عشر نوعين من الدول في القرن العشرين جسدتا مقولة "تدنيس المقدس وتقديس المدنس" خير تجسيد وهما: الاتحاد السوفياتي ، والعالم الحر..
1/ الاتحاد السوفياتي والشيوعية: لقد جسد الاتحاد السوفياتي الشيوعي ثنائية الأزمة التي انتهت إليها أوروبا وهو "تدنيس المقدس وتقديس المدنس" خير تجسيد ، فأصبح الإلحاد هو الأصل الذي يقوم عليه، وأصبح يعلن أن الدين خرافة وأوهام، وأنه أفيون الشعوب، وأنه ليس هناك عالم غيب، وأن الملائكة والشياطين والجنة والنار أوهام من اختراع الأغنياء لاستغلال الفقراء.. ومن الجدير بالذكر أن المجتمعات البشرية لم تعرف مجتمعا قام على الإلحاد، صحيح أنها عرفت بعض الملحدين، لكنها لم تعرف مجتمعا خاليا من الإقرار بوجود إله، بغض النظر عمن هو الإله، فقد يكون كوكبا أو شجرة أو شخصا أو جبلا. ولم تعرف مجتمعا خاليا من دور العبادة، وربما كان المجتمع الأول الذي قام على الإلحاد في التاريخ هو المجتمع الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، وهذا تعبير صارخ عن الشق الأول من الثنائية وهو "تدنيس المقدس" أن يصل مجتمع إلى هذا الوضع من الإلحاد والتنكر لركن أساسي وكبير من أسس الفطرة وهو ركن (التعبد)..
أما في مجال "تقديس المدنس" وهي الدنيا والمرأة والشهوات، فإن الشيوعية قد اعتبرت أن الحياة مادة وليس وراء المادة شيء، واعتبرت على لسان "إنجلز" أن ستر العورة طريقة صريحة لامتلاك النساء، واعتبرت كذلك أن ولادة الحجاب جاءت مترافقة مع ولادة الملكية الفردية، لذلك سينتهي الحجاب عند انتهاء الملكية الفردية، وستعود العلاقات الجنسية مشاعة كما كانت في المجتمع القديم: كل النساء لكل الرجال!!
2/ العالم الحر والرأسمالية: فإنه يقوم على نفس الأسس المادية التي يقوم عليها المعسكر الشيوعي في مجال "تدنيس المقدس"، فهو يتنكر للغيوب من: إله وملائكة وآخرة وروح… إلخ، ويستهزئ بها، ويرذّل الإيمان بها، ويسفّل كل القيم المتعلقة بها ويعدَّها خرافة وأوهاماً وشعوذة، أما في مجال (تقديس المدنس) فإن هذا المعسكر يعلي ويعظّم بل ويؤلّه كل مفردات المدنس من: الدنيا والجسد والمرأة والشهوة، ومما يؤكد ذلك حجم الإنفاق على الجنس في الإنترنت، والصورة التي تستغل بها المرأة في الدعاية والإعلان، وحجم العري الذي يسود المجتمع الغربي، والتشريع للشذوذ الجنسي بشقيه: اللواط والسحاق!!
هذه هي الظروف التاريخية التي ولّدت مصطلح "الدولة المدنية" مقابل "الدولة الكنسية" فأصبح مصطلح "الدولة المدنية" يعني التمركز حول الإنسان وجسده ولذاته وشهواته، مقابل التمركز السابق حول الله في "الدولة الكنسية"، وأصبح يعني الاهتمام بالدنيا وشؤونها وتطويرها في "الدولة المدنية" مقابل الاهتمام بالآخرة والروح في "الدولة الكنسية". ) انتهى..
وقد كانت خلاصة هذه التجربة الغربية أن أهملت المرأة وظيفتها الطبيعية في الإنجاب ورعاية الأسرة، من أجل الحفاظ على فرص العمل، وراجت حبوب منع الحمل والاجهاض لكي تحافظ المرأة على عملها، مما أثر على توازن سكان تلك الدول من ناحية العمر، فتجد في بعض الدول تناقصا في عدد الشباب والأطفال مقارنة بكبار السن.. وتصحيح أوضاع المرأة بصورة عامة يجب أن يرتكز على أنها في المقام الأول إنسان وليست مجرد أنثى للمتعة والإثارة ولفت النظر في الإعلانات، ويجب أن يمنع بالقانون أي استخدام لصور المرأة بصورة لا تليق بإنسانيتها، ثم يجب إعطاء أولوية لعملها كأم وراعية أسرة، ويجب الاعتراف بحقها في أن تنال أعلى الأجور على عملها هذا لأنه ينتج الإنسان نفسه.. فالمساواة من الناحية العلمية ليست مساواة المسطرة، وإنما هي مساواة في القيمة الإنسانية، فالمرأة مساوية للرجل وإن اختلفت الخصائص البنوية ومجالات العمل..
لقد تعرضنا إلى مسيرة تطور الإنسان عبر العصور، وأشرنا إلى القتل الذي تعرضت له المرأة بسبب الجهل الذي كان مطبقا على الرجل والمرأة، خاصة فيما يختص بالمعتقدات الدينية.. ونحب أن نقرر هنا أن جميع الأحياء التي انقرضت حسب العلم المادي في الصراع، إنما انقرضت في المادة أو في الجسد، واختفت شكلا لكنها من ناحية الروح موجودة في صورة من الصور وداعمة لحياة الإنسان ، فالبيئة في أساسها روحية ذات مظهر مادي.. وحول هذه النقطة كتب الأستاذ محمود في كتابه (أسئلة وأجوبة) تحت عنوان: "كيف يبرر الإسلام الموت؟" ما يلي:
(الموت الحسي ليس، في حقيقته، كما نظنه نحن الآن، وإنما هو ميلاد في حيز غير الحيز الذي نألفه نحن، مثله، في ذلك، مثل ميلاد الطفل في عالمنا هذا، فإنه قد جاء من حيز عاش فيه مدة، وألفه، واطمأن إليه، ولم يخطر بباله حيز غيره، ولو خير لكره الخروج عنه إلى عالمنا هذا كما يكره أحدنا أن يموت الآن.. نحن أيضاً عندما نموت سنجد أنفسنا في عالم خير من عالمنا هذا..
الموت بمعنى الفناء ليس هناك.. فبالموت يغير الحي قشرته فقط. يخرج من صدفته التي ظلت تكنه ردحاً من الزمن، وهو يكره مفارقتها لجهله بخير منها.. فالإنسان لا يموت، وإنما يتخلص من القوقعة كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية.. وتبرير الإسلام للموت أنه سير إلى الله سير من البعد إلى القرب وهذا لجميع الناس.. "يأيها الإنسان إنك كادحُ إلى ربك كدحا، فملاقيه" ومن ملاقاة الله الموت، لأن به رفع الحجاب "لقد كنت في غفلةٍ من هذا، فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك، اليوم، حديد".. ) انتهى..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.