"الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يفكر الرئيس البشير و من الذي يخطط له؟
نشر في حريات يوم 09 - 07 - 2016


زين العابدين صالح عبد الرحمن
في الثقافة السياسية السودانية هناك اعتقادا سائدا في الوسط السياسي، إن الرؤساء القادمين من المؤسسة العسكرية يجهلون التعامل السياسي، مما يضطرهم الاستعانة ببعض أهل الخبرة، لكي يساعدونهم في اتخاذ قراراتهم المتعلقة بشأن الدولة، و كان من المفترض، أن يكون الذين يتعاملون بالسياسة و مهتمين بقضاياها، مدركين لقضية العلاقة بين العسكريين و المدنيين في الشأن السياسي، و لاسيما السودان حكم لفترات طويلة من قبل المؤسسة العسكرية، و في هذه المقالة لا أريد أن أتابع هذه القضية بجذورها التاريخية، بقدر ما اتخذ من نظام الإنقاذ مثالا لمعرفة كيف يفكر الرئيس البشير، و هل هناك من يخطط له، في إدارة الصراع إن كان داخل السلطة أو خارجها، رغم الصراع المستعر تحت الرماد بين العسكريين و الذين كانوا ينتمون للحركة الإسلامية، و إلي جانب القوي السياسية الأخرى، و في الجانب الأخر، في تحسين علاقات السودان الخارجية لكي يخرج من الشرنقة التي تحاصر النظام، و تقيد أنفاسه، فهل الرئيس البشير يمتلك القدرة علي إدارة الصراع في كلا الجانبين، أم إن هناك من يساعده علي ذلك.
حول القضية، تحدثت لعدد من السياسيين الذين كانوا جزءا من عملية اتخاذ القرار، و الذين كانوا يمسكون بملفات بعينها، و بعض العسكريين في تحليل بعض المعلومات، الهدف هو ليس عملية اختراق في الكشف عن المعلومة، و لكن الهدف تصحيح مسار العمل السياسي، من خلال التفكير المنطقي، بعيدا عن فرض أراء مسبقة، و مستلفة من الثقافة السياسية السودانية، التي تعتمد كثيرا علي " like and dislike" و هي قراءة ربما هي نفسها تكون أقرب إلي الصواب، أو تنحرف متأثرة أيضا بذات الثقافة، و إن كنت أحاول الابتعاد عن رؤية الشخصية، فتغير مسارات التفكير ربما تكشف عن أشياء غير مرئية و لم تدخل كنقاط مهمة في عملية التفكير السياسي.
كانت مذكرة العشرة التي أطاحت بالدكتور الترابي بمثابة جرس إنذار للرئيس البشير. إن الصراع علي السلطة لا تحكمه قوانين العلاقة التنظيمية، و لا الانتماء و الوفاء إن كان لشيخ أو رئيس، و لابد من اليقظة و الحذر من أقرب العناصر التي حولك، و لابد من القدرة علي اتخاذ القرار في الوقت المناسب، و القدرة أيضا علي استخدام الأدوات التكتيكية، التي تساعد علي تشتيت الانتباه عند المشكوك فيهم، و عدم التركيز علي قضية واحدة، إنما طرح عددا من القضايا الإستراتيجية في وقت واحد، لتقسيم الانتباه في عدد قضايا بعينها تشغل بها المجموعات في السلطة، حتى لا يجدوا الوقت في التفكير علي التأمر، و أن تجعل عدوك مشغول دائم التفكير في قضايا إنصرافية بعيدا عن القضية المركزية. هذه الإستراتيجية مستلفة من الإستراتيجيات العسكرية الحربية، و نقلت للحقل السياسي نتيجة للتفكير العسكري عند السلطة الحاكمة.
رغم إن مذكرة العشرة قد أبعدت الشيخ الترابي، العقل المفكر للحركة الإسلامية، لكنها لم تقدم شخصا تعتمد عليه المجموعة، في أن يكون هو العقل المفكر الذي يعتمد عليه من قبل الجميع، باعتبار هؤلاء أنفسهم كانت تباعد بينهم المصالح الخاصة، و حتى المرجعية الإسلامية ما كانت تشكل لهم أرضية واحدة يعتمدون عليها، و لكن بحكم الموقع، تقدم السيد علي عثمان محمد طه، و لكنه فشل في تجميع لحمة الحركة الإسلامية لكي تشكل له قاعدة قوية يستند عليها، و في ذات الوقت، كان يعتقد إن الرئيس عسكري لا يفهم كثيرا في العمل السياسي، و بالتالي يمكن إزاحته في أية وقت، الأمر الذي جعله يلتفت لصراعات أخرى بعيدا عن الصراع الأساسي، و في الجانب الأخر قبض الرئيس البشير علي مفاصل الدولة، و أيضا علي العمل السياسي، و لكنه كان متأكد إن مذكرة العشرة يمكن أن تستخدم ضده لإزاحته في أي وقت، و بعد إزاحة الدكتور الترابي كان الرئيس يبحث عن قوة اجتماعية تشكل له سندا بديلا عن الحركة الإسلامية، أو أن تخلق توازن للقوة، لا تجعل القوة في يد مجموعة الحركة الإسلامية، خاصة إن هؤلاء كانوا يسيطرون علي قوة الدفاع الشعبي، و علي جهاز الأمن و المخابرات، و كانت الكلية الحربية تستقبل أهل الولاء في اختيار العناصر، لذلك كان لقاء الرئيس مع الشريف زين العابدين الهندي في القاهرة، و الذي أسر إليه إن دخول الحزب الاتحادي الديمقراطي في السلطة سوف يغير موازين القوة، و يغير أيضا التركيبة السياسية للنظام، الأمر الذي يفتح الباب للحديث عن الديمقراطية، و التحول الديمقراطي، و لكن لا يمكن الحديث عنها في ظل الوضع الحالي، باعتباره وضعا مائعا يحتاج لمسندات جديدة. قال الشريف بعد لقاء الرئيس إن البشير ما عاد يثق في الحركة الإسلامية التي تدعم الإنقاذ، و يبحث عن قوة تدعمه، إذا لم يجدها، سيظل في حالة من التوجس و الشك للعناصر التي حوله. فشل الشريف في إقناع قبائل الاتحاديين، بسبب القناعة التي كانت سائدة، إن التجمع سوف يقضي علي النظام في أيام معدودة، و إن مقولة السيد الميرغني " سلم تسلم " كانت قد جعلت الأغلبية تعيش في طمأنينة وموهومة.
قبل الدخول في قضية الصراع الداخلي، يجب أن نبدأ التفكير في كيف استطاع الرئيس البشير أن يحدث اختراقا في علاقات السودان في دول الخليج، باعتبار إن هذا الدور لابد أن ينعكس أيضا في علمية التفكير في الساسة الداخلية، و هي شبيهة بساسة بسمارك.
كرس السيد علي كرتي وزير الخارجية السابق جهده في كيفية إعادة علاقة السودان مع دول الخليج، و خاصة المملكة العربية السعودية و دولة الأمارات العربية المتحدة، و هي كانت ضرورية بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان، و قد أغلقت جميع الأبواب التي يمكن أن تستجلب منها القروض، و مفتاح العلاقة أن يستغني السودان عن العلاقة مع إيران، و التي كانت تعاني هي نفسها من مشكلة الحصار السياسي و الاقتصادي، و لا تستطيع أن تقدم أية دعم اقتصادي للسودان، كانت الحكومة السودانية قد عجزت تماما في إيجاد موارد مالية، و تراجعت أسعار البترول بصورة كبيرة، أثر علي ريع بترول الجنوب، و رفضت الصناديق العالمية أن تقدم أية عون، كان هذا الظرف يفرض في أن تعيد الحكومة حساباتها السياسية بصورة سريعة، و حاول السودان تكرارا أن يجد نافذة يدخل بها للمملكة العربية السعودية، و لكنها رفضت أن تسمع لتوسلات الحكومة السودانية، و كان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أكثر تطرفا، و رفضا لتحسين العلاقة مع الخرطوم، الأمر الذي جعل السيد علي كرتي يوسط عددا من وزراء الخارجية العرب، و الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي، و لكنهم فشلوا في عملية الاختراق، و كان عندما يأتي للرئيس و ينقل إليه رؤيته و ما تحقق من اتصالاته، كان الرئيس يقول إليه، لابد للبحث عن مفاتح مؤثر، تحدث انتباها عند القيادة السعودية، و تعيد تقيمهم للأحداث، و في ذات الوقت تجعلنا نعيد النظر في السياسة علي أسس جديدة.
كان لابد للسودان أن يتخذ قرارات تساعد علي تليين موقف السعودية، التي كانت تحصر خلافها مع حكومة الخرطوم في إنها مدعومة من تنظيم الأخوان المسلمين العالمي، و العلاقة الإستراتيجية مع إيران. في هذا الوقت كان هناك اجتماعات بين الرئيس البشير و الدكتور الترابي، حول قضية الحوار الوطني، استفاد الرئيس البشير من هذا الظرف في اتخاذ قرار في ديسمبر عام 2013 بإبعاد كل من نائبه الأول علي عثمان محمد طه و الدكتور نافع علي نافع، خاصة في تلك الفترة قد ظهرت علي السطح عمليات التخطيط لانقلابات داخل المؤسسة العسكرية و جهاز الأمن من قبل عناصر تنتمي للحركة الإسلامية، كان الإبعاد مستهدفا قضيتين، أن يكون مرضيا عنه من قبل السعودية، إن الحكومة السودانية بدأت تستغني عن الرؤوس المنتمية للحركة الإسلامية، و في ذات الوقت، حتى لا يفاجأ بثورة الإسلاميين، إذا كانت هناك ثورة….! و في ذات الوقت، أن ينسب العزل لتأثير الدكتور الترابي علي الرئيس، ثم جاء "خطابة الوثبة" في يناير عام 2014 لكي يؤكد إنه يريد تغييرا في السلطة. كانت ردة فعل السعودية علي القرار بعدم الرضي، و تريد المزيد، لذلك أصدرت قرارها في مارس 2014 بوقف التعاملات البنكية مع السودان، و قلصت استيراد الماشية السودانية بنسبة 50%، و أعلنت إن جماعة الأخوان المسلمين جماعة متطرفة، و لن تتعامل معها، كانت رسالة المملكة العربية السعودية واضحة. في ذات الوقت كانت هناك معلومات تقول إن الحكومة السودانية تدعم الجماعة الإسلامية في ليبيا، و إنها تمد جسرا جويا معها، لإرسال معدات لوجستية، و جاءت الاتهامات من قبل الحكومة الليبية التي تدعمها كل من مصر و السعودية، و بذلك تكون الحكومة السودانية لها ارتباطات قوية مع العناصر الإسلامية التي تعتبرها مصر و السعودية عناصر متطرفة، هذه الاتهامات جعلت السيد علي كرتي أن يجري عددا من اللقاءات الصحفية، لكي ينفي فيها هذه التهم، و يرسل رسائل جديدة، حيث أجرت معه جريدة السوداني حوارا أجراه معه رئيس التحرير الأستاذ ضياء الدين بلال في مايو 2014، قال فيه السيد كرتي ( رفضنا عرضا إيرانيا لبناء منصات دفاع، و هذه لن تكون علي حساب علاقاتنا مع الأخوة في دول الخليج) و أيضا كان السيد كرتي قد قال في حوار صحفيا مع جريدة السوداني يوم 20 مايو 2014 ( إن السعودية تلوم السودان في علاقته مع إيران، و نحن وضحنا إن العلاقة مع إيران محدودة جدا، و تتركز في التعاون الفني، كما إنها تظن إن للسودان علاقة مع التنظيم العالمي للإخوان) و في أغسطس 2014 أجرت جريدة الشرق الأوسط، المقربة من القيادة السعودية، والتي تصدر في لندن حوارا مع السيد كرتي قال فيه ( أنني متفائل بمستقبل العلاقة السودانية المصرية، إذ إن القمة التي جمعت بين الرئيسين البشير و الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الخرطوم، بعثت برسالة بليغة تخدم أكثر من اتجاه) و عن العلاقة مع السعودية قال (هناك حوارا مستمرا لا ينقطع بين المسؤولين في البلدين و هناك حوار و إمكانية أن نتجاوز به الفتور الذي تمر بها العلاقة بين البلدين) و القمة التي يشير إليها السيد علي كرتي في اللقاء مع الشرق الأوسط، هي الزيارة التي كان قد أقام بها الرئيس المصري للخرطوم في يونيو 2014، و خلال الاجتماع بين الرئيسين، أخطر البشير الرئيس السيسي ليس لديهم علاقة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كما إن الحركة الإسلامية في السودان أصبحت مهمشة تماما، و ليس لها تأثيرا في القرارات، و إنهم كعسكريين يديرون دولاب الدولة، و إنه سوف يتخلص من البقية الباقية في أقرب وقت، و إن العلاقة مع إيران أصبحت علاقة ضعيفة و سوف تحجم، كان هذا الحديث بمثابة رسائل لدول الخليج، و اعتبارها نوافذ للمواصلة، خاصة إن القيادات الخليجية كانت علي تواصل مع الرئيس المصري، و بالتالي إن الرئيس المصري حتما سوف ينقل لهم رؤية الرئيس السوداني التي سمعها من لسانه شخصيا، هذه الرسالة إذا نقلت سوف تحدث تحولا في رؤية القيادة السعودية و الإمارتية، و خاصة أن الرئيس كان قد نقل هذه الرؤية في زيارته لدولة الأمارات العربية المتحدة أبان زيارته للمعرض العسكري، و يمكن الاستفادة منها إذا جاء وقتها.
بعد ثلاثة شهور للقمة التي عقدت بين الرئيس البشير و الرئيس المصري في الخرطوم، و في سبتمبر 2014 أغلقت السلطات السودانية المركز الثقافي الإيراني، و جميع فروعه و الحسينيات، و كان القرار مفاجئا حتى علي العديد من هم في السلطة، تأكيدا إن هناك تغييرات بدأت تحدث في علاقات السودان الخارجية، بهدف تحسين العلاقات مع المملكة السعودية، و إزالة كل ما يشكل عائقا لتحسين العلاقة. في يناير 2015 توفي الملك عبد الله بن عبد العزيز، و خلفه علي عرش الملك الأمير سلمان بن عبد العزيز، و عين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع، و القيادة السعودية الجديدة أرادت أن تغير سياستها في المنطقة، من الأقوال إلي دائرة الفعل المباشر، و أول فعل لها أن تحمي حديقتها الخلفية التي تشكل لها عمقا إستراتيجيا اليمن، و وقف تمدد الحوثيين، باعتبارهم جماعة تناصر إيران، لذلك قام الأمير محمد بن سلمان و الأمير محمد بن نايف بزيارة إلي الولايات المتحدة، لإخطار الإدارة الأمريكية إن المملكة سوف تشن حربا خاطفة ضد الحوثيين و حليفهم الرئيس عبد الله صالح، و وافقت الإدارة الأمريكية علي ذلك، علي أن لا تمتد الحرب، و إنها سوف تساعد المملكة بالمعلومات المخابراتية و الطيران السعودي عبر ستلايت، و في فبراير 2015 زار الرئيس المصري السعودية و ألتقي بخادم الحرمين الملك سلمان، و قد فاتح الملك سلمان الرئيس المصري بخطط المملكة في التدخل في اليمن من خلال حلف عربي، و تطرق اللقاء للسودان باعتباره دولة يمكن أن يتم جذبها، و أخبر الرئيس المصري مع الملك سلمان عن ما دار في اللقاء بينه و الرئيس السوداني في الخرطوم، و خطط الرئيس البشير، بعد الحوار بين الملك سلمان و الرئيس المصري زار الأخير السودان في مارس 2015، للتأكيد علي الحلف الجديد و إن السعودية تفهمت رؤية الرئيس البشير. و في ذات الشهر مارس 2015، كانت دعوة الملك سلمان للرئيس البشير لزيارة المملكة، و فتح صفحة جديدة بين البلدين، و ألتقي الرئيس البشير بالأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، الذي أوضح إليه بتفصيل رؤية المملكة في التدخل المباشر في اليمن، و أكد الرئيس البشير في ذالك اللقاء إن علاقة السودان مع إيران، علاقة السودان ليست علاقات إستراتيجية، إنما علاقات أملتها الضرورة عندما كان السودان يعاني من مقاطعة عالمية و عربية، و كان لابد للبحث عن علاقات أخرى، و إن السودان قد تخلص من هذه العلاقة، و أيضا تطرق اللقاء مع الملك إن الحركة الإسلامية هي التي خططت إلي الانقلاب، و لكنها الآن بعيدة عن مصدر القرار، و إنه راغب في فتح حوار مع القوي السياسي الأخرى للمشاركة في السلطة، كما تطرق اللقاء لعلاقة السودان مع دول العالم، و خاصة الولايات المتحدة، و التي جعلت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، إضافة إلي المقاطعة الاقتصادية التي تفرضها عليها، و وعد الملك سلمان الرئيس البشير إنه سوف يناقش القضية مع الإدارة الأمريكية، و بالفعل استطاعت المملكة أن تفتح الحوار مع وزير الخارجية الأمريكي في زيارتها المتعددة للسعودية، و أيضا في الزيارة الأخيرة مع الرئيس الأمريكي، و اللذان وعدا بالنظر في القضية، و كان دعم الولايات المتحدة لقضية الحوار باين، و هي الآن تركز علي عملية نجاح الحوار لكي يكون سببا في رفع العقوبات قبل انتهاء فترة الرئيس أوباما.
و تأكيدا علي الحوار بين الرئيسين البشير و الرئيس المصري و الملك سلمان، جاء التعديل الوزاري في السودان في يناير 2015 حيث كان تغييرا كبيرا، تم فيه إبعاد أغلبية العناصر التابعة للحركة الإسلامية بشكل واضح، لكي يؤكد إنها قوة غير فاعلة و قلمت أظافرها، و لا تأثير لها من حيث الوزن السياسي في السلطة، مثلها و غيرها من القوي السياسية المشاركة التي تنعت " أحزاب التوالي" و أتضح للرئيس البشير إن الحركة الإسلامية ليس لها قوة فاعلة يمكن أن تؤثر عندما اتخذ قراره بإبعاد علي عثمان محمد طه و الدكتور نافع علي نافع، اللذان كانا يدعيان إنهما يمثلان مراكز قوة في السلطة و لا يمكن تجاوزهما، و هذه القوة فاعلة و قادرة علي إحداث تغيير إذا تضررت مصالحها، و لكن مرت الإقالة هؤلاء القيادات دون أن تكون هناك ردة فعل، الأمر الذي أكد إن هؤلاء يمثلون أنفسهم و ليست هناك قوة منظمة فاعلة تسمي الحركة الإسلامية.
إذا أستطاع الرئيس البشير و من داخل القصر الجمهوري، أن يحدث هذه الاختراقات في العلاقات الإقليمية، و الآن يحاول أن يحدثها مع بقية الدول الأخرى مستخدما " الحوار الوطني" مدخلا أساسيا لذلك، مستفيدا من الثقافة الغربية السياسية التي لم تلتفت إليها المعارضة، حيث كانت المعارضة في خطابها مع الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية، تقول إنها تملك الأغلبية في الشارع السياسي السوداني، و إن النظام ليس له علاقة بالمواطنين، لذلك يفرض عليهم سلطة شمولية، و الثقافة الغربية تعول علي صناديق الاقتراع في تحديد مسألة الأغلبية، لذلك كانت تعتقد إن المعارضة تشن حربا ضد النظام لكي يجلس معها في مائدة تفاوض، لكي يحدث التغيير من خلال الحوار، و من ثم الاحتكام لصناديق الاقتراع، و الملاحظ إن خطاب الحكومة يؤكد علي الحوار إذا كان ذلك صدقا أو غير ذلك، و تطالب المعارضة أن تتقبل دعوة الحوار، المعارضة لا تفرض الحوار و لكنها تتخذ شروطا للمشاركة بعدم ثقتها في السلطة، هذه الشروط يعتقد الغرب إنها ليست ضرورية إذا كانت المعارضة ما تزال تراهن علي القوة الجماهير لأنها هي التي سوف تحسم معركة السلطة القادمة،كما يعتقد الغرب إن أية قضايا تطرح علي مائدة الحوار يجب أن توقف صوت البندقية، لذلك تحاول الولايات المتحدة و بريطانيا الضغط علي المعارضة و معها بقية الدول الغربية، و لا تلتفت الدول الغربية لقضية حكومة انتقالية التي تنادي بها المعارضة مادام معركة الانتخابات سوف تكون هي الفصل في الختام، و من هنا بدأت تخسر المعارضة.
فالرئيس البشير، استطاع أن يجعل القضايا الإستراتيجية المتعلقة باستمرارية السلطة، و إدارة الصراع في أضيق حدود داخل القصر الجمهوري من الذين يريد استشارتهم فقط، و أصبحت الهيئة القيادية للحزب، تقدم إليهم المعلومات في أضيق نطاق، الشيء الذي يريد أن يقدمه الرئيس البشير، لذلك يفتقدون حتى للمعلومة التي تساعدهم علي التحليل، و الأغلبية تجد المعلومات علي وسائل الإعلام، أو علي صفحات الجرائد، فخرجت الحركة الإسلامية كتنظيم من المعركة السياسية، و أصبحت أداة تستخدم في الوقت الذي يراد فيه ذلك. و العناصر الإسلامية التي بقيت في السلطة، أولئك الذين يحاولون الحفاظ علي مصالحهم الخاصة. نسأل الله حسن البصيرة.
السؤال الرئيسي: في المقال الأخر، هل الرئيس البشير كان طائعا راضيا لمقولات الدكتور الترابي، و قابلا شروطه أم كانت له رؤية أخري و لماذا وافق علي الحوار الوطني؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.