وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عشاري أحمد محمود : خدعة الإسلامي خالد موسى عن الدولة البيروقراطية
نشر في حريات يوم 29 - 08 - 2016

خدعة الإسلامي خالد موسى عن الدولة البيروقراطية (1-2)
د. عشاري أحمد محمود خليل
أولا،
مقدمات عن آلام الكتابة
(1)
مسكين هذا الإسلامي، خالد موسى دفع الله، الضابط العظيم في "سلاح الكتابة". بمقاله، "تفكيك دولة البيروقراطية"، حليمة رجعت إلى قديمها، لكن دون أن تكون حليمة تركت ذلك قديمها يوما واحدا أو تخلت عنه لحظة. فكاتب السلطان من موقعه في الكتيبة المُكلَّفة في "سلاح الكتابة" محكوم عليه أن يكون كاتب السلطان، ينفذ التعليمات، فيكتب كيفما يقتضي الحال والظروف والمصلحة الوقتية، وهو يكتب دون عناء، ولا يكترث للحقيقة.
أما ذلك "سلاح الكتابة"، فهو من المؤسسات الحرابية المركزية في نظام الإنقاذ، غرضه تزيين باطل الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة نظام الإنقاذ والعدوان بالكتابة والقرصنة والمضايقة على المعارضين. فيه عدة كتائب، وكتاب، وصحفيون، وكتبة، ومهرجون، وبلطجية، في السودان وفي دول المهجر، ولديه صحف يملكها وأخرى لا يملكها يريد تدميرها أو إغراقها بالترهات والهراء.
(2)
حين أعرض لخطاب المثقفين الإسلاميين الذين يخدمون نظام الإنقاذ، ومنهم خالد موسى، لا يكون غرضي الدخول معهم في حوار. فكيف تحاور الكاتبَ عضوَ الحركة الإسلامية عميلَ نظام الإنقاذ وبين يديك مادية أفعال نظام الإنقاذ وممارساته؟
وكما قلت من قبل، بيني وبين المثقفين الإسلاميين سدنةِ نظام الإنقاذ بحورُ دماء في جنوب السودان وفي دارفور والمنطقتين وفي الخرطوم وفي فضاءات أخرى في مسرح الجريمة الكبير في السودان. وأنت أصلا لا تحاور من يأتيك من موقع السلطة كاتبا للسلطان مَحمِيا بجهاز الأمن، وقد مسح هذا الكاتب المؤاجَرُ من ذاكرته أن النظام الذي هو يكتب لخدمته كان جاء إلى السلطة أصلا بالخداع والغش، وأنه نظام أسس للتعذيب الذي نفذه بأيديهم العارية وبالأدوات المعينة المثقفون الإسلاميون الحاضرون، واقترف هذا النظام الجرائم المريعة من كل نوع، وكتم الحريات، واستخدم سياسة إقصائية لتمكين أعضاء الحركة الإسلامية الذين يشكلون اليوم الطبقة السياسية الاقتصادية المهيمنة، وهي الطبقة ذات الادعاءات بعلاقة شخصية خاصة بإله تريد هذه الطبقة اليوم أن تتخلص منه بأية طريقة، لكي تستمر في الحكم وهو يحرجها مع المجتمع الدولي، لكن هذه الطبقة مدركة أنها تحتاجه ذات هذا الإله غير المرغوب، فليس لديها غيرُ شريعتِه وسيلةَ احتيالٍ وأداةَ قهرٍ تتوسل بها لتسهيل الإبقاء على استحواذها على جهاز الدولة.
فالنقطة المهمة هنا أن نتعامل بجدية مع نظام الإنقاذ، بأن نتذكر أن هذا النظام ليس مجرد نظام ولا كيانا مجردا، بل هو هؤلاء أصحابُه المثقفون الإسلاميون بأجسادهم وبهوياتهم المحددة بأسمائهم ومكان سكنهم ومحال عملهم ومسارات حركتهم، ذاتهم الذين بأيديهم وبأفعالهم وممارساتهم وبكتابتهم دمروا حيوات ملايين السودانيين، وهم يريدون اليوم أن يستمروا في الحكم، وكأن شيئا لم يكن. وذلك كأن شيئا لم يكن هو ما يعبر عنه الأستاذ خالد موسى بمقاله المتذاكي، يريد الإيهام أن في نظام الإنقاذ مثقفين ينتقدون النظام من الداخل، وأنهم يريدون التفكيك! وهي الخدعة الأخيرة المُغترفة من قِدر احتيال الإسلاميين فيه الخِدَعُ أنواعٌ وأشكال.
(3)
لا يُعِين خالدا البتة في نظرنا كونُه من المثقفين الإسلاميين الذين تشكل لديهم وعيٌ كاف بانتظام الفساد في هيكل الدولة الإسلامية نظام الإنقاذ وباعتماد هذه الدولة الإجرام في مؤسساتها وممارساتها وفي السلوكيات الفردية لعدد مقدر من الإسلاميين أعضائها. فقد انفضحت من البداية حقيقةُ الحركة الإسلامية ومسخُها نظام الإنقاذ بقيادة الطاغية عمر البشير. ولا يعين خالدا أنه ظل يرتجم في خطابه تلك معرفته بفساد نظام الإنقاذ وإجرامه. مما نجده في مقاله الآن عن "تفكيك الدولة البيروقراطية". ذلك لأن خالدا الذي يبدو بابتسامته أنه سوداني "طيب"، كما قد يسري الكلام، لا يفعل ما تقضيه معرفته الكافية بحقيقة نظام الإنقاذ.
(4)
قالت الكاتبة سكرتيرة هتلر في فيلم السقوط، داونفول، وهو عن الأيام الأخيرة لانهيار النظام النازي، والمقارنة بين الإسلامية في الإنقاذ والنازية في ألمانيا ثبَّتَها كاتب السلطان خالد المبارك في كتابه 2002، قالت سكرتيرة هتلر إن شبابها في ذلك الوقت لا يعفيها من مسؤولية الحصول على المعرفة وواجب البحث عن الحقيقة بشأن إجرام رئيسها هتلر وإجرام نظامه النازي، لأنها بعد نهاية النظام النازي زارت مقبرة لضحايا النازية فقرأت على علامة قبر اسمَ شابةٍ كانت أعدِمت بسبب مناهضتها النازية، وكانت تلك الشابة المقاوِمة عند إعدامها في مثل عمر السكرتيرة حين التحقت بعملها مع هتلر.
أي، إن خاصية الشباب ليست عذرا يتم التعلل به لتقول إنك لم تكن تعلم حقيقة النظام الذي كنت تدافع عنه وكنت تخدمه بالهمة والحماس، وظلت السكرتيرة تقسو على نفسها وتتساءل عن كيف أنه كان متاحا لها من البداية أن تعرف حقيقة النظام النازي، إن هي كانت أرادت أن تعرف. وظلت هذه المرأة تتفكر في دلالات حياتها في خدمة النازية، حتى ماتت وهي في السبعين من العمر.
(5)
فما بالك بأمثال هذا "الشاب" خالد موسى، كاتب السلطان، يعلم أصلا علم اليقين بفساد نظام الإنقاذ، ومقاله يثبت معرفته بهذا الفساد، ويعلم خالد علم اليقين بإجرام النظام مما هو الإجرام ثابت ومن العلم العام فلا يحتاج تقديم بينات إضافية، وحتى زعيمه الروحي حسن الترابي ورئيسه الدنيوي عمر البشير أقرا بإجرام هذا النظام، وهو إجرام تعلق بالأرواح في وضعيات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ذاتها جرائم النازيين، ومع ذلك لا يقوى خالد موسى على اتخاذ القرار الأخلاقي البسيط، ليس بالتخلي عن وظيفته المكتسبة بالتمكين حصرا للإسلاميين في وزارة الخارجية، وإنما بمجرد الإحجام عن المناجزة بالكتابة دفاعا عن هذا نظام الإنقاذ البغيض بمثل هذا الهتر العدواني في مقاله عن أن الموضوع موضوع الإنقاذ بيروقراطي بحت، سنلتفت إليه بالإصلاح، فاتركونا نحن أهل الإنقاذ لحالنا. هكذا لسان حاله يقول.
(6)
فشراسة سلوك خالد موسى بعدوانه بالكتابة على كرامة ضحايا الإنقاذ وعلى ذاكرتهم، وعلى ذكرى مَن منهم قضى نحبَه، بينما هو خالد كان دائما على علم بإجرام نظام الإنقاذ، وبينما هو وأسرته وأهله ظلوا يعيشون في سلام تحت حماية نظام الإنقاذ ورعايته، هذي شراسة العدوان بالكتابة ومط اللسان لضحايا النظام هي ذاتها سلوك المثقفين الألمان النازيين أعضاء الحزب الذين بعد انهيار النظام وحرق جثة هتلر ادعوا أنهم لم يكونوا على علم.
وحتى زعيمه حسن الترابي، الذي كان رسم فلسلفة التعذيب، وخطط لإنشاء مؤسسات التعذيب، وسهل تدريب المثقفين الإسلاميين زبانية التعذيب، قبل ذهابه إلى كوبر حبيسا بالمراء والاحتيال، قال وهو في الثمانين من العمر إنه لم يكن على علم ببيوت الأشباح مؤسسات التعذيب حتى بعد خروجه من السجن بعد عام، وأنا كنت معه في السجن في أكتوبر حين تم نقل بعض النقابيين ضحايا التعذيب من بيوت الأشباح إلى سجن كوبر، وكان الترابي حاضرا وسمع الروايات المتناقلة على لسان الطبيب طارق والطبيب رياض بيومي، واثنين من العسكريين، ومن نقابة المصارف، وآخرين. في الأسابيع القليلة الأولى بعد الانقلاب.
(7)
فالإسلامي، مثل خالد موسى، حتى وإن هو كتب في سودانايل، لا أندرج معه في حوار فكري أو نقاش أو حتى في مجرد محادثة في الشأن العام، ولا أهمية عندي لخطابه في سودانايل إلا كمادة للتفكيك، لتبيين الانحراف عن المعايير الأخلاقية، ولكشف حركات الخداع والتدليس في هذا الخطاب الإسلامي الإنقاذي، ولفهم طبيعة النظام كأشخاص ذوي أدمغة وأجساد، وللتفكر في كيفية مقاومة نظام الإنقاذ، غير ذلك قد ننكب في تفسير خطاب خالد موسى للغوص في أعماق عقلية الإسلامي ونفسانياته وفي المشاعر العدوانية التي يفجرها في دواخل دماغه ضد ضحايا نظام الإنقاذ في قبورهم، يدوس على ذاكرتهم بقدميه، ويزم شفتيه متبرما بذكراهم، فهو بدفاعه عن نظام الإنقاذ لا يحمل لضحايا الإنقاذ غير الاحتقار. فليس ما يسميه خالد "تفكيك الدولة البيروقراطية"، إلا الدفاع عن فساد هذه الدولة الإسلامية وإجرامها.
(8)
ونحن أصلا لسنا مع خالد في وضعية سياسية يمكن فيها طرح الأفكار المتضادة بالحجج العقلانية بحثا عن حقيقة نهتم بها سويا، كسودانيين. لأنا لسنا كما هو يتوهم في سويسرا أو ألمانيا أو إنجلترا أو في فرنسا، على العلل ومساعي التنصل عن احترام الحريات في هذه الدول، ولسنا في أمريكا التي يقارن خالد بينها والسودان، ولا علاقة مشتركة بين أمريكا والسودان إلا دونالد ترمب الذي وصفه الكوميدي من جنوب أفريقيا في برنامج ديلي شو أنه مثيل الحكام الأفارقة المعروفين، لم يذكر من بينهم عمر البشير، لكن عمر البشير يظل بطل الحكام الأفارقة في الإجرام وهو الرئيس الوحيد المتهم بجرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين، وليس لعمر البشير شعب حتى نقول إن جرائمه كانت "ضد شعبه".
لا يمكن أصلا عقد حوار فكري مع إسلامي من كتاب السلطان يدافع عن نظام الإنقاذ. فهذا الكاتب عديم الإحساس الذي أصلا يحتقر ضحايا نظام الإنقاذ، وهو بالسكوت يفصح عن موقفه الصريح مؤيدا جرائم الحركة الإسلامية في السودان وفسادها، وهو لا يأتيك إلى الحوار إلا محميا بجهاز الأمن، وإلا صادرا من الموقع الوظيفي الموازي الذي يفرض عليه فرضا أن يدافع عن النظام، بالصمت إزاء كتالوج مفظعات النظام، وبالملاسنة ضد منتقدي النظام، وبحركات الاستهبال والادعاءات الفارغة في هذا المقال عن أن النظام يمكن "إصلاحه"، يخادعنا خالد بالقول إنها حاجات بسيطة، "بيروقراطية" بس، نعمل فيها شوية "تفكيك" وحاجات حلوة كدة بتاعة حداثة وما بعد البنيوية، ونستمر نحن الإسلاميين في السلطة. هكذا يلعب علينا خالد موسى، أو هكذا هو يجرب حظه.
ثانيا،
إقرار خالد بفساد مؤسسات نظام الإنقاذ
(1)
يُقرُّ خالد موسى في مقاله محل التفكيك، غصبا عنه، وبلغته الاحتيالية الضرورية، يقر باستشراء الفساد والرشاوى في مؤسسات نظام الإنقاذ إلى درجة أصابت تلك المؤسسات بالعجز، على حد تعبيره. لغته احتيالية، لأنه يرفض الإقرار بلغة واضحة أو صريحة أنه يوجد فساد ورشاوى، بل يغلف خالد الدلالة في عبارته وكأن الفساد والرشاوى من الظواهر التي قد تحدث في المستقبل، "وهنا يطفح الفساد وتكثر الرشاوى"، أي كالنتيجة لعجز المؤسسات وتحكم "أمزجة الموظفين"، لا كالحقيقة السارية في ماضي نظام الإنقاذ وحاضره، وهكذا.
(2)
عرفنا في السابق خالد موسى علمانيا، بتاع أيكونوميستا. اليوم ارتدى خالد زي الراديكالي يريد التفكيك من داخل معمار الدولة البيروقراطية! فها هو يتحدث في مقاله عن "وجود عقلية جامدة مقاوِمة للإصلاح لأن الوضع الراهن يتماهي مع مصالحها لذا تعض عليه بالنواجذ". ويخبرنا خالد عن "وجود شبكة مصالح ممتدة وعميقة ارتبطت مصالحها التاريخية ببقاء أسس هذه الدولة البيروقراطية راسخة وقوية". وهو يحذر من أن "مجموعة المصالح من مؤسسات وأفراد وطبقات والتي ظلت تستفيد من ريع الدولة البيروقراطية" ستقاوم كل محاولات الإصلاح.
وقال خالد أيضا إن "طبقات راسخة" ظلت تبيع سلع وخدمات الدولة للمواطنين خارج نظم الدولة. وإنها ظلت قادرة على فعل ذلك بسبب حدده أنه "وجود طبقات من الإجراءات المعقدة واللوائح المقيدة، فتتم المساومات خارج النظم المؤسسية لصلات المصالح والقرابة والطبقة السياسية". وتحدث خالد عن "البيروقراطية الجامدة التي تقدس الإجراءات علي حساب مصلحة العملاء او المواطنين".
باختصار، قال خالد متنكرا في لبسة الراديكالي مثيلة بردلوبة عمر البشير باللون الأثيوبي الأحمر إنه توجد مجموعةٌ مركبة من شبكات مصالح وطبقات وأفراد ظلوا يلاعبون الدولة البيروقراطية للإفادة من ريعها. ثم خلص إلى أهمية ما أسماه "تفكيك الدولة البيروقراطية". ثم مضي خالد ليبين رسوخ المجموعة المركبة فقال إنها تتمتع بعقلية جامدة، وإنها بسبب مصلحتها في الدولة البيروقراطية ستكون عقبة كأداء ضد تلك فكرته ل "تفكيك الدولة البيروقراطية".
ثالثا،
اختزال خالد الأزمة الكارثية في البيروقراطية
(1)
هكذا، اختزل خالد الأزمة الكارثية الراهنة في أنها تتلخص في "البيروقراطية". وهو فعل ذلك بحركة متذاكية حين فصل بين الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، من جهة، وما يسميه هو "الدولة البيروقراطية"، من جهة أخرى. وبهذه الفصل، يريد خالد أن يمنع استحضار الكيان الأول، الأصل، نظام الإنقاذ الشرير، إلى دائرة المحادثة. فخالد مدرك أن نظام الإنقاذ، كنظام شرير وظالم، ليس إلا حكومة الحرامية التي خلَّقت "الدولة البيروقراطية" ذاتها، ابتداء. وهو يريد لنا أن نعتمد نظام الإنقاذ الأصل وكأنه الأصل الأزلي الثابت وأن كل ما عداه، من نوع الدولة البيروقراطية، مشكلات عارضة تصيب المؤسسات في كل دولة من دول العالم، فيمكن إعمال "الإصلاح" فيها، بينما يظل النظام الأساس دولة الإنقاذ بإسلامييها قائما.
(2)
لكن الثابت من العلم العام في السودان هو أن الذي أنشأ المؤسسات الإسلامية النهبية هو نظام الإنقاذ، لا الدولة البيروقراطية، وليست الدولة البيروقراطية إلا نتاج حركيات تلك المؤسسات ذات الأغراض والتي تتحكم فيها العصابات الإسلامية.
وثابت أن نظام الإنقاذ هو الذي مكن الشرائح الطبقية الطفيلية قوامها إسلاميون لصوص مهمتهم صناعة الفساد، وهو الذي بسياسة التمكين سهَّل لمجموعات الإسلاميين المتآمرة في مساحات أجهزة الدولة أن تفيد من ريع تلك "الدولة البيروقراطية" المخلَّقة تخليقا كلما استدعت ذلك ضرورة إفساد.
كذلك يلغي خالد بحركته الاختزالية المتمثلة في ابتداعه مفهوم "الدولة البيروقراطية" مادية الدولة الأساس، نظام الإنقاذ، وحضورها، وتعدديتها، وكياناتها غير البيروقراطية، ويلغي أيضا حقيقة تمددها في مسارح متكثرة للإفساد والجريمة خارج مجال البيروقراطية. فنظام الإنقاذ أنشأ كيانات متعددة من كل نوع لتعمل خارج إطار المنظومة "البيروقراطية" التي يستخدمها خالد خرقة ذات خروم لإخفاء دور نظام الإنقاذ، كنظام، في الجرائم الفسادية الأخطر.
(3)
فانظر المجموعات الحرابية المتحالفة في منظومة مليشيات تابعة للقوات المسلحة وإلى جهاز الأمن، ومنها سلاح الجو السوداني، ومنها قوات المرتزقة في اليمن، ومنها المجموعات النهبية المتفلتة بقيادة حميدتي التي تم ابتعاثها نيابة عن السيد الأوربي الجديد لترويع الفقراء المهاجرين عبر الصحراء إلى ليبيا ونهب أموالهم الصغيرة ومنعهم من السعي في الأرض للحصول على استحقاقاتهم في حياة. هذه المجموعات الحرابية التي تقترف الجرائم في السودان وعبر الحدود الدولية، وهي مجموعات ذات أثر مقدر في تكريس حالة عدم الاستقرار في السودان، وفي اليمن أيضا، وفي دول الجوار، هذه المجموعات لا علاقة لها ب "الدولة البيروقراطية" التي يتحدث عنها خالد موسى.
كذلك تجد أن أغلب الأفعال والممارسات الفسادية الإجرامية التي يقترفها الإسلاميون في فضاءات السودان لا تمر عبر بوابة "البيروقراطية"، بل هي تدور أصلا خارج النظام الحكومي بمعناه المؤسسي، وإن كانت تستخدم أجهزة الدولة وأدواتها للإفساد والإجرام.
خذ جريمة الإسلاميين في مكتب والي الخرطوم، أو الجريمة المركبة بشأن مؤسسة الأقطان، لا علاقة لأي منهما بالبيروقراطية التي يتحدث عنها خالد، بل إن الفئات صاحبة المصلحة في القضيتين كانت هي صاحبة القرار وصانعة القرار، لذا كانت قادرة على تجاوز البيروقراطية وطردها من مجال اللعب الفسادي الإجرامي بأكمله. وليست هذه الوضعيات متطابقة مع فكرة خالد عن أن "المساومات تتم خارج النظم المؤسسية"، وهي فكرة قائمة على اعتراف الفئات الراسخة بالإجراءات البيروقراطية لكنها تحتال عليها، فالذي أراه هو أن بعض العصابات الإسلامية المتنفذة استحوذت على بعض مؤسسات الدولة بالكامل فلم تعد تعترف بوجود بيروقراطية، وتدير تجارتها في الإفساد غير مشغولة البال بالبيروقراطية، عصابة القاضية فادية أحمد عبد القادر مثالا، فقد اصطنعت مستندا مع القاضية كوثر والمحامي علي السيد وكتبت في قرارها القضائي ما معناه أني كنت من أتى بذلك المستند، فهي لم تكن مشغولة بالإجراءات، تقرر ما تريد ويسري ما تريد.
وفي السلطة القضائية، تجد أن كل عصابة قضائية من قضاة ومحامين وموظفي محاكم أنشأت في محكمتها وعبر درجات المحاكم شركة خاصة لبيع القرارات القضائية، متجاوزة بذلك كافة العقبات البيروقراطية أو هي تتصرف وكأن الإجراءات البيروقراطية غير موجودة. فالذي يحدث هو أن هذه العصابات تنشئ الكيان التجاري الخاص لصناعة الفساد مستقلا عن كيان العمل الرسمي الذي يمكن أن يدور بصورة بيروقراطية صحيحة أو معقدة. وهو نظام الكيانات الموازية داخل أجهزة الدولة، وتعتمده عصابات المافيا والشركات الأمريكية التي تدير أعمالا تجارية إجرامية موازية.
(4)
فخالد يريد حصر الأمر في المواطن العادي الذي قد يعاني من البيروقراطية فتضيع مصالحه أو هو يضطر إلى دفع الرشوة. فيركز خالد على هذا الموضوع الذي محله المقاومة من قبل الحركيين في مجتمعاتهم المحلية، فقط لكي يتيسر لخالد بذلك التركيز استبعاد الوقائع الإفسادية الإجرامية الخطيرة في حكومة الحرامية، وهي وقائع تدور في أعلى مستويات الحكومة ويشارك فيها "صناع القرار" ذاتهم الذين يقول خالد، بالمخادعة المتواترة، إن لديهم "الإرادة السياسية" لإصلاح المؤسسات!

فما "الدولة البيروقراطية" إلا خدعة خالد الجديدة للتلهية عن مادية فساد الدولة الإسلامية الإجرامية، نظام الإنقاذ. ولا يكون الفساد إلا بالإجرام ومحميا بالإجرام، وكذا لا تقترف المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية الجريمة إلا لخلق الظروف التي تسهل صناعة الفساد، ولحماية صناعة الفساد. والإسلامية هي التكنولوجيا لتسهيل كل من الفساد والإجرام، التسهيل بالشرعنة والتبرير وبخلق الخنوع وبالتخويف بالخرافات. لذا أتحدث عن "الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة" التي تتداخل مكوناتها الثلاثة لتخلق هذا الكيان الغريب نظام الإنقاذ. وأنت لا تجد خالدا يتحدث عن "إجرام" الفئات التي يتحدث عن فسادها، فهو يراه فسادا يسبب عجز المؤسسات عن أداء دورها، بينما الأثر الجدير بالتركيز هو أن حتى أشكال الفساد التي يتحدث عنها خالد تقتل مواطنين، وتدمر حياة مواطنين، فلها ضحايا. في مجال استيراد الأدوية الفاسدة، والمبيدات المحظورة، وفي مجال سرقة أموال خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي.
أما عبارة "التفكيك"، فهي كذلك من خدع خالد يريد بها التخليط وبث الوهم أنه ينتقد نظام الإنقاذ من الداخل، ولأن العبارة تقلق الإسلاميين حين يدور الحديث عن "تفكيك نظام الإنقاذ"، يريد خالد أن يٌثبِّت المعنى المفضل لديه ولدى الإسلاميين أهل الدار، فإذا حدث "تفكيك" فليكن في مجال "البيروقراطية"، حصرا!
(5)
باختصار، الموضوع الأساس التي يدلس عليه خالد، بخدعته عن "البيروقراطية"، هو وجود عصابات إسلامية إجرامية قوامها مثقفون إسلاميون لهم أسماء وهويات معروفة أو موجودة بياناتها في الأوراق، ويشارك الجناةَ أقاربُهم ونساؤهم وأبناؤهم وبناتهم في الفساد، وفي إخفاء الأرصدة والممتلكات المنهوبة، بتسجيل العقارات الموزعة على الأسماء، وبغسيل الأموال وتهريبها، وبإخفاء الأموال المنهوبة في الحسابات البنكية السرية بأسماء أولئك الأقارب.
فأين البلايين من مال البترول، على سبيل المثال؟
(6)
كل كتابة بمثل إبهام كتابة خالد وتجريديتها ومرائها بمفردات مثل "مجموعة"، و"شبكات"، و"مصالح"، و"طبقات"، و"افراد"، وكلها تظل كيانات وهمية، بل غرضها هذا التدليس على مادية إجرام الأشخاص المحددين أعضاء الحركة الإسلامية السودانية الذين يخفي خالد هوياتهم وراء تلك العبارات التعويمية المجردة، وهو يفعل هذي أمور التعمية لأغراض التستر على الإسلاميين الفاسدين ولتمرير الاستهبال، وكأن الفساد محمول في تلك العبارات المجردة، وينتهي به الأمر أن كيَّف تلك المجموعات والشبكات التجريدية على أنها "عقلية جامدة"، هكذا!
فخالد كعادته، ومن موقعه كالضابط العظيم في كتيبة الإنشاء القلمي المرابطة في الخطوط الخلفية لدعم مؤسسات النظام الفاسدة والمليشيات وزبانية جهاز الأمن، يستخدم الكتابة الاحتيالية المتدبرة للتهوين من ذلك الأمر أمر الفساد الإجرامي على نطاق صناعي، ومهمته الأساس ككاتب السلطانِ التدليسُ على حقيقة إجرام المثقفين الإسلاميين المتحالفين مع العسكر الإسلاميين، وما تحالفهم إلا لتدوير هذي صناعة الفساد ولحمايتها وللتستر على الجناة أعضاء طبقة الإسلاميين.
(7)
ولا يكون الفساد "بيروقراطيا" كما يكيفه خالد، بل إجراميا، على المستوى القانوني والمستوى الموضوعي. وما "البيروقراطية" إلا التدابير والإجراءات التي يُركِّبها الأشخاص الفاسدون تركيبا، عند الضرورة، فلن تجدها هناك قاعدة منتظراك إن أنت أردت البحث عنها لإصلاحها، لن تجدها إلا حين يُفعِّلها الإسلاميون لعملية جديدة للهمبتة ولسرقة المال العام. وبهذا الفهم الصحيح للبيروقراطية في حركيتها وعلائقيتها نعرف أنه لا يمكن منع الهمبتة وسرقة المال العام مما يقترفه الإسلاميون بتفعيلهم هذي تكنولوجيا البيروقراطية إلا بطرد الإسلاميين ونظامهم من الحكم، وإحلال نظام جديد قائم على النزاهة العقلانية والعدالة وتقنيات المحاسبية وحكم القانون. سيكون بعض الفساد موجودا لكنه سيكون مقدورا عليه.
فلا ننخدع بلغة خالد وهو يتصنع أنه ينتقد نظام الإنقاذ، أو أنه كذلك بالمبالغة يريد "الإصلاح"، وكمان "التفكيك". فخالد بالكتابة الاحتيالية في مقاله بل يدلس على صناعة الفساد في نظام الإنقاذ حين يسميها في مقاله "البيروقراطية"، ويخادع خالد أكثر فيقول إنه أخيرا الآن يريد "تفكيك" هذه البيروقراطية، وهو يُطمئِن مرعوبي الإسلاميين ويخادع شباب الإسلاميين بقول منه إن إصلاح مؤسسات الإنقاذ ممكن، حتى في هذه الدقائق الأخيرة، بس لازم نعملو قوَّام قوَّام، ويخادع خالد أيضا أنه توجد "إرادة سياسية في الدولة لتنفيذ هذا الإصلاح"، والله العظيم.
رابعا،
عدم اكتراث خالد للحقيقة
(1)
ولأن خالدا لا يكترث للحقيقة، فهو قرر أن ينسى حقيقة أن نظام الإنقاذ ظل يدير صناعة الفساد على مدى سبعة وعشرين عاما ويزيد، فتاريخ الإسلاميين في السرقة ممتد. وفي كراهيته للحقيقة لن يكون خالد قادرا على فهم أن الفساد انتظم كامل أجهزة النظام، وزارة الخارجية، والداخلية، والأمن، والجيش، والقضائية، والبرلمان، والوزارات الخدمية، ورئاسة الجمهورية. وكذا في القطاع الخاص، والقطاع الطوعي المدني أيضا.
فنحن أمام مرض نظام الإنقاذ بأكمله. ولا يوجد علاج لهذه الحالة المتأخرة من المرض العضال الذي أصاب الجسد كله ليرد للنظام حالته الأولية لنقل وهو أصلا كان جاء مريضا إلى الحكم يحمل جينات نهايته، لأنه كان جاء بالخداع والغش والجشع يريد المال للطبقة الإسلامية وعاش سنيه السبعة والعشرين بالاحتيال الإسلامي والإفساد والإجرام.
(2)
فحركة خالد المُشاتِرة في زيها متنكرة بالراديكالية لا تعدو كونها من نوع المحاولات المتنافرة المقصود بها معالجة جزء مكوِّن في النظام، هنا مكونه البيروقراطي، بمعزل عن المكونات الأخرى القريبة والبعيدة. ومثل هذه المحاولات التجزيئية اليائسة لن تجدي النظام شيئا.
الذي لا يفهمه خالد هو أن حلولا بيروقراطية مدارها محصور في الخدمة المدنية لن تفضي إلى استقرار السودان ما دامت السلطة القضائية الفاسدة حاضرة، وما دامت المؤسسة العسكرية الإجرامية تعتقد في استحقاق لحكم السودان، وما دام جهاز الأمن الإرهابي يؤدي دوره المرسوم كالمؤسسة المتغوِّلة يقول خالد على بقية المؤسسات، بينما لا يفعل جهاز الأمن غير ما تم إنشاؤه لفعله وهو حماية صناعة الفساد وحماية السَّرَقة أعضاء طبقة الإسلاميين، الحماية بجميع وسائل الإرهاب الإجرامية وغير الأخلاقية.
(3)
وكذا لا يدرك خالد أن المشكلة ليست في إيجاد حلول إصلاحية لعلاج حالة نظام الإنقاذ المعلول، بل في عدم قدرة هذا النظام على أخذ العلاج حتى إن هو رغب في ذلك، من نوع رغبته في بشارة خالد عن وجود "إرادة سياسية" للإصلاح، وحديث الإصلاح والإرادة السياسة من أوهام الإسلاميين المستحوذين بالذعر يشهدون دولتهم تنتفخ بإجرامها وفسادها وتتعفن، وهم لا يريدون أن يصدقوا أن الأمر قد انقضى ولم تبق لهم إلا الحركات الصغيرة والصرعات مثل هذا المقال وفنلة ميسي.
(4) السلطة القضائية
فالسلطة القضائية، على سبيل المثال، لا أمل في مقاربتها بمحاولة إصلاح، وهي المخرأة العامة المحتلة بالكامل بقضاة إسلاميين رجال ونساء مخروئين كل يدرحرج دهدوهته للبيع في سوق العذرة، سوق القرارات القضائية الملفقة. ولا توجد لغة كافية للتعبير الدقيق عن عهر السلطة القضائية، أعرف ذلك، لأني كنت هناك في المحاكم والتقيت بهؤلاء القضاة:
فما تفعل أصلا بالقاضي الشاب الفاسد أنس حسن مالك، أمامك أربعون عاما في صناعة الفساد سيعيشها هذا الطاغية الصغير في المحاكم للفصل في نزاعات المواطنين لصالح الخصم الذي يدفع؟
وماذا ستفعل بالقاضية الإسلامية كوثر عوض عبد الرحمن، لصة اللصوص المستغرقة في الفساد الإجرامي من أخمصي قدميها المخضبتين بالسحت مثبتتين في قاع مستنقع الحيف والجور إلى قمة رأسها المحجب بإحكام مرائي. فما تفعل بها، وهي رئيسة العصابة المتربصة في محكمة الاستئناف الخرطوم بحري؟ عشرون عاما على أقل تقدير تنتظر المتقاضين للفصل في قضاياهم في محكمة هذه المتفال حثلة القضاة. تصطنع المستندات، تزور الأوراق، تسرق الأوراق من ملفاتها تخفيها، للرشوة.
وما تفعل بعتاة المجرمين القضاة في المحكمة العليا، وبتراثهم، وبثقافة تلفيق القرارات القضائية التي كرسوها في جميع درجات المحاكم خلال الأربعين عاما الماضية: عبد الباسط عبد الله حامد، د. أحمد محمد عبد المجيد، صلاح التيجاني الأمين، وهبي أحمد دهب، برعي محمد سيد أحمد، فادية أحمد عبد القادر كريم الدين، وبكر، وإلهام، وآدم، ونادية، وآسيا، والبشرى، وجاد كريم، والقائمة طويلة مرهقة، ماذا ستفعل بهم؟
وما تفعل بكبير أنذال المحامين أفسدهم، مُفسِد القضاة فلسلفته لكسب القضايا شراء القاضي والتزوير وارتكاب الجريمة لا إقرار الحق أو دراسة القانون، علي أحمد السيد؟ وما تفعل أصلا بشريكته الخالفة في الفساد الإجرامي، امرأة في الأربعين من العمر تتربص أهل السودان بثلاثين عاما قادمة في الإجرام والخبث المتخفيين تحت الثوب الأبيض؟
فالفساد بل تحمله أجساد وأدمغة يحملها أشخاص محددون بأسمائهم يعيشون الفساد ويتنفسونه ويضحكون معه وبه، فلا يمكن فهمه ولا تفسيره ولا مقاومته إلا بالإمساك بماديته وجسدانيته ولغته في الأشخاص المحددين في مواقعهم في المؤسسات وهم يصنعون الفساد باللغة.
(5)
وكذا الحال حال حال بقية المؤسسات. وقد يعبِّر عن أحوالها كلها مجتمعة حال مؤسسة الرئاسة وهو حال الرئيس عمر البشير ذاته الذي لا أمل في صلاحه أو إصلاحه، وقد فقد الرئيس عقله وأصبح ضحكة البروفيسور غندور المستهبل يضحك على عمر البشير يستغل خوف عمر من فطومة فيُمنيه بالوهم أن بالإمكان تجنب الملاحقة من المحكمة الجنائية الدولية، وأنه غندور سيفعلها وسينقذ الرئيس كما كان أنقذه في جنوب أفريقيا، وتلك في جنوب أفريقيا كانت أسهل عملية إفساد موية ساكت بسبب وجود الحرامي المتمرس جاكوب زوما.
ابتدر البروفيسور غندور حملته الاحتيالية الأخيرة لغش الرئيس بتقديم رشوة لصحفي أفريقي كذلك محتال ليكتب الصحفي المغمور في صفحة في الأنترنيت أن رئيسة المحكمة الجنائية استلمت رشوة ملايين دولارات لكي ترشو بدورها أشخاصا من دارفور ليشهدوا بالزور ضد عمر البشير! فلبس غندور عمامته وجلابيته وتصنع الجدية والحزن وجمع بعض الإسلاميين عديمي القدرة على التفكير منهم المحامي الطيب هارون لرسم خطة استراتيجية لمقاضاة القاضية التي قالوا إنها مرتشية، والبقية أمور إسلاميين فارغة، فنلة ميسي، البردلوبة الأثيوبية الحمراء، التصريحات الغبية، مشار في الخرطوم، أمبيكي، والتمسح بأمريكا.
(6)
باختصار، لم يبق لنظام الإنقاذ أمام هذه التحديات إلا الانتحار، كفعل بإرادة قصدية في اللحظة التي سيقرر فيها النظام أن يموت. فهو بجميع أفعاله المشرذمة والمتناقضة يعمل على موته، فيتعين علينا أن ننظر إليه على أنه سائر نحو الموت، فلا يستحق أن نبذل لنهايته أية تضحيات إضافية بالأرواح. يكفي أن نظام الإنقاذ يعرف اليوم أن حقيقته انفضحت، وأنا نعرف حركاته، وأنه لم تعد له أية شرعية أو مستقبل.
سيجري النظام عدة محاولات لتمديد حياته، بمثل مقال خالد موسى ونصيحته المرعوبة التي لن يقدر النظام على تعاطيها، فقد فات الأوان. وعند فشل هذي محاولات تمديد حياة النظام، سينهار النظام، من تلقاء نفسه.
يفضح مقال خالد مراميه مباشرة ويقوِض حجته المرسومة في العنوان وفي متن نص المقال، فالتفكيك عند خالد ليس تفكيكا بل احتطاب بليل لتجميع نفايات الأفكار من هنا ومن هناك وتخليطها لتجصيص المعمار المتهالك الآيل إلى السقوط، وهو الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، نظام الإنقاذ.
خامسا،
….
(1)
ولأن خالدا مُكاتَبٌ عند السلطان، وعينه زائغة تريد رضا السلطان، فهو يُطمئِن السلطان أيضا، يقول له إن هذه البيروقراطية التي لا بد من تفكيكها "لن تسبب انهيار النظام". وعبارة "انهيار النظام" تعذب الإسلاميين، لذا يرددها خالد مصحوبة بأداة النفي. وإيفاء بما يقتضيه صك المكاتبة بين السلطان وخالد، قدم خالد النصيحة للسلطان عن كيفية تنفيذ هذا الإصلاح، وحذر خالد السلطان، بَرَّاحة، من أنه ما لم يتم هذا الإصلاح المقترح من خالد سينهار النظام، يا جماعة حقو نعمل حسابنا، اسمعوا كلامي، لازم الإصلاح الآن!
(2)
ولإيجاد عذر للسلطان "صانع القرار في الدولة"، في حال لم يتم الإصلاح بسبب منعة أصحاب المصالح، شوَّن خالد في مقاله حركةً للمخارجة ولإيجاد عذر للسلطان، حيث أزلق خالد في النص روايته عن "عجز سلاطين باشا عن اجراء إصلاحات مالية لضريبة سوق البغاء في المسلمية، لوجود شبكة المصالح والطبقات".
فخالد يقول للسلطان لا بأس عليك إن اجتهدتَ ففشلتَ في الإصلاح، فحتى سلاطين باشا فشل في تحقيق الإصلاح لجمع الضرائب من تجارة الجنس بأم درمان، قال خالد إن فشل سلاطين باشا كان بسبب منعة أصحاب "شبكة المصالح والطبقات"، وهم بالطبع لابد كانوا المتاجرين المفيدين من ذلك عمل النساء الفقيرات، كانوا ملاك الرقيق، ومديري بيوت الدعارة، والقوادين من الرجال والنساء، وربما "العزَّابة" الرجال طلاب الجنس.
لكن النص في مقال خالد يحمل دلالات هرمونوطيقية تحتية، على مستوى اللاوعي، فخالد هنا يطابق بين تلك "شبكة المصالح والطبقات" أعلاه التي كانت تعمل في التجارة في "سوق البغاء" بالمسلمية بأمدرمان، من جهة، وشبكة المصالح والطبقات الإسلامية الحاضرة موضوع انتقاده، من جهة أخرى. وهي المطابقة بعلة وجود عدد متكثر لأشكال المِعلاق (المصلحة، الشبكة، أم درمان عاصمة الدولة المهدية الإسلامية، الحكومة، الضرائب، الأجنبي المستعمر، إلخ).
(3)
فأرى أن خالد موسى أصاب كبد الحقيقة بهذا التحليل الجنيولوجي لفساد شبكات الإسلاميين في مؤسسات نظام الإنقاذ، برد خالد في اللاوعي وجودية هذه الشبكات الحديثة إلى شبكات تاريخية مثيلة في سوق البغاء في المسلمية، والمسلمية بسوقها للإتجار في الدعارة كانت إحدى محطات المسيرة الطويلة للدولة السودانية التاريخية عبر الزمان والمكان في السودان. وهي مسيرة "استعمار" السودان التي بدأت بعدوان المليشيات العربية الإسلامية بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح على السكان الأصليين في أرض النوبة والبيجا في ثلاثينات القرن الهجري الأول. وما مليشيا حميدتي في المديرية الشمالية بعربات اللانكروزر والساعات والموبايل إلا نسخة الحداثة لذلك العدوان الاستعماري الأول.
(4)
فهكذا غير المثقفون الإسلاميون سدنة الإنقاذ بأفعالهم وبممارساتهم جميع المفاهيم، والدلالات، والأخلاق في السودان، وغيروا اللغة ذاتها، فلم تعد اللغة كافية لتوصيف إجرامهم وفجورهم في الإفساد، ولم تعد المعاني هي ذاتها المعاني القديمة في الكتب والخطاب الساري لعبارات مثل "الاستعمار"، "الإسلام"، "حلايب"، "الشرمطة"، "الجيش"، "المليشيا"، "القاضي"، "القضاء"، "المخرأة"، وهكذا …
وها هو الإسلامي خالد موسى يتيح بخطابه تكييفات مستحدثة للبيروقراطية المعروفة، أنها الآن تعني أيضا الاحتيال، والعدوان، والاستهبال، والكتابة، والسلطان، والغش، وغير ذلك كثير.

عشاري أحمد محمود خليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.