الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي رئيسة منظمة الطوارئ الإيطالية    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك: كباشي أطلع الرئيس سلفا كير ميارديت على استعداد الحكومة لتوقيع وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تفكيك السلطة القضائية السودانية: (1) تعريف الفساد القضائي .. بقلم: عشاري أحمد محمود خليل
نشر في سودانيل يوم 30 - 06 - 2014

فهذه سلسلة مقالات عن السلطة القضائية في السودان. أقتبسها من كتبي الخمسة عن الفساد القضائي في السودان، وعن الفساد القضائي بصورة عامة. وهي الكتب آمل أن أنشرها قريبا في الأنترنيت. وفي كل مقال، أتناول موضوعا عن السلطة القضائية السودانية أختاره وفق علاقته بالأحداث الجارية.
ويمكن للحركيين تفعيل تعريفي للفساد القضائي لتحديد ما إذا كان قرار محكمة جنايات الحاج يوسف ضد مريم يحيى فاسدا، أم هو كان مدفوعا بمعطيات أخرى. وإذا لم يكن الفساد موجودا في ذلك نص القرار القضائي فإنك لن تجده مهما فعلت تبحث عنه. أما إن هو الفساد القضائي كان حاضرا في كتابة القاضي لنص القرار، فإنك ستعثر على بيناته النصية المادية، باستخدام التعريف المقدم في هذا المقال. وكذا الحال بالنسبة لقرار محكمة الاستئناف. وبالنسبة لكل قرار قضائي آخر.
ففساد السلطة القضائية ذو الشأن تجدونه حصرا في آلاف القرارات القضائية التي يصدرها القضاة الفاسدون من بين مجموع ال 1500 قاضيا تقريبا في هذه المؤسسة.
.
فأبدأ ببعض التقديمات، ثم أدلف إلى موضوع تعريف الفساد القضائي.
.
أولا، السلطة القضائية والأشكال المتعددة لتحققها وأهمية مقاومتها
.
السلطة القضائية هي "النظام القضائي"، و"القضاء"، و"القضائية". الكيان الثالث في الدولة، في معية السلطة التشريعية والتنفيذية. وهي المؤسسة الحكومية التي تنجز أعمالا منتجة ومرغوبة للفصل في الخصومات. لا غنى عنها. يحتاجها كل مجتمع.
هذا، في مفهمتها المبسطة.
والسلطة القضائية هي أيضا ذلك المكوِّن الأصيل في منظومة المؤسسات الحكومية التي تكرس القهر والظلم والاستبداد والطغيان ضد المواطنين وتتحكم في حيواتهم. وهي تعمل في اختفائية شبه كاملة. وتمنع إخضاعها للمراقبة الشعبية. وهي المؤسسة التي ظلت تخدم الطبقات المستحوِذة على مفاصل الدولة السودانية العميقة، منذ الاستقلال. وهي الخطر المحدق بقوى التغيير. مصلحتها في استمرار الوضع الراهن.
ذلك، في مفهمة انتقادية لها.
وكذا، السلطة القضائية هي تلك هي الشركة، أو مجموع الشركات. في المحاكم. وفيها هذه الشركات تدور الأفعال الإتجارية الفسادية الإجرامية. من قبل عصابات رؤساؤها قضاة. في جميع درجات المحاكم. بضاعتهم الأساس هي "القرار القضائي الفاسد".
وهي هذه المفهمة موضوع التعريف للفساد القضائي في هذا المقال.
وسأظل أكتب عن السلطة القضائية السودانية في مقالات لاحقة. لتبيين كيفية إنتاجها للفساد القضائي. معتمدا على عينة صغيرة من القرارات القضائية التي صدرت من قبل قضاة في درجات المحاكم الأربع: الابتدائية، والاستئناف، والنقض في المحكمة العليا، والمراجعة في ذاتها المحكمة العليا.
.
ولأن هذا التدخل أعتبره أمرا يتعلق بالشأن العام، أرجو أن يندرج معي القراء في التعقيب الانتقادي على هذه المحاولة لتفكيك السلطة القضائية السودانية. وأن يمدوني بالقرارات القضائية التي يعتقدون أنها ربما تكون فاسدة. فلقد طورت منهجية متكاملة يمكن بها اكتشاف فساد القاضي حتى من قراءة أولية لنص القرار القضائي.وسأقدم ملامحها في مقال مخصص لها.
.
إن غرضي من هذه الكتابة هو إخضاع مؤسسة السلطة القضائية السودانية للتفكيك. بمعنى الدراسة الانتقادية. التي تشرح للمواطن، كل مواطن، الكيفية والتقنيات والأدوات الدقيقة التي يتم بها اضطهاده وقهره بالفساد، وبغير الفساد، بصورة يومية، من قبل القضاة. بواسطة القرارات القضائية. في المحاكم. في جميع أرجاء السودان.
.
والغاية التي أطمح لها هي تعزيز قدرات المواطن في التصدي بالمقاومة الأخلاقية ضد القهر الذي تمارسه ضده السلطة القضائية. وقد ضربت لنا السيدة مريم يحيى مثلا رائعا في المقاومة لذلك القهر الذي فعَّلتْه ضدها السلطة القضائية. عندما اقترفت هذه السلطة القضائية ضدها عدوانا سافرا. واجهتها بتهمة كيدية. وحكمت عليها بقرار قضائي فاسد. بالجلد وبالشنق حتى الموت. لكنها مريم تصدت لجلاديها بالمقاومة الشجاعة حين ازدرت شيوخ السلطة القضائية المتخصصين في الاستتابة وهزمتهم. وهي بصمودها وإيمانها في الحق في حياة كريمة خالية من القهر والتمييز والتحامل هزمت حكومة الإنقاذ.
وهو ذلك القرار الفاسد من محكمة الجنايات الذي تم إبطاله وإلغاؤه من قبل محكمة الاستئناف، في ملابسات تُبين أنه قرار الاستئناف تم في سياق "الإفهام". فانظر كيف أن السلطة القضائية كانت تتلكأ في تسليم قرار الاستئناف للمحامين وفي نشره. تقول إن طباعة القرار تحتاج إلى خمسة أياما! مما هي من الخدع الروتينية سأعرض لها في مقال لاحق.
.
وقد رأيت المشاهد المصورة للشباب المنفعلين بقضية مريم يحيى المساندين لها في موقفها البطولي الرائع. رأيتهم مندرجين في مقاومة السلطة القضائية. بالحضور إلى المحكمة حيث كان يقبع جلادو مريم. وباللافتات عليها الشعارات الرافضة للقهر ضد مريم. وبالهتاف. مما كله من فنون المقاومة. لكنها تظل فنونا غير كافية.
إن قضية مريم يحيى ليست هي الوحيدة ولن تكون الأخيرة من أحداث القهر الذي تمارسه السلطة القضائية ضد المواطنين.فهنالك قضايا مستمرة بصورة يومية تتطلب مناصرة المتقاضين المستهدفين بآليات القهر من قبل السلطة السلطة القضائية.
فأقدم إسهامي في هذه المقالات. بوسائل تعزيزية أكثر قوة وأكثر إفضاء لمقاومة ناجعة ضد طغيان السلطة القضائية. ولتحقيق الانتصارات المتتالية ضدها. انتهاء بهزيمتها. ومن ثم، إنشاء قضائية جديدة تخضع للمراقبة الشعبية. ولا يتمكن فيها القضاة من ممارسة القهر والظلم ضد المواطن.
.
وإسهامي يمكن تلخيصه في أنه "تخريب معمار الفساد القضائي"، كالمدخل الأساس لمقاومة الفساد وأشكال القهر الأخرى مما تمارسه السلطة القضائية.
.
وتشمل أفعال التخريب التي أقترحها على الحركيين:مراقبة المحاكم وتسجيل كل ما يدور فيها. وتحريض المتقاضين المستهدفين بالفساد وبالقهر ليتحدوا القضاة. وأهم أفعال التخريب تفكيك نصوص القرارات القضائية لتبيين ما إذاكانت تنطوي على أشكال الاحتيال أو القهر. ويشمل التخريب نشر قصص الفساد القضائي. مع توخي أعلى درجات الدقة والأمانة والأخلاقية في نقل الوقائع. والمطالبة المستمرة بنشر قرارات القضاة في جميع درجات المحاكم. والمطالبة بفصل القضاة الذين يثبت فسادهم. وفي تفكيك القوانين القمعية. مثل القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية. والمطالبة القوية بتوضيح القضاة للطريقة التي يصدرون بها قراراتهم القضائية. وغير ذلك من أفعال المقاومة.
ثانيا، خصوصية السلطة القضائية وخطرها
فلقد كنت في كتابات سابقة اتهمت السلطة القضائية السودانية عدة مرات بأنها فاسدة. وأنه لا يغير من واقع فسادها المريع وجود قلة من القضاة النزيهين فيها. وأدرك أن اتهام السلطة القضائية بالفساد أمر جد خطير. فالسلطة القضائية ليست مثل تلك التشريعية أو التنفيذية. بل لها خصوصية.
لكن خصوصية السلطة القضائية ليست خطا أحمر يمنع المواطن صاحب الحق من انتقادها. الانتقاد العلني القائم على البينة وعلى العلم والمعرفة. وهو الانتقاد المكتوب بطريقة واضحة تجعله قابلا للدحض من قبل السلطة القضائية ومن قبل قضاتها. الدحض للمقدمات من نوع البينات التي يتم تقديمها، والدحض للحجج والتسبيب والاستنتاجات.
.
والسلطة القضائية خطرها عظيم. ومن ثم، يجب على الحركيين إخضاعها للمراقبة الشعبية الدائمة. وللتشريح والتفكيك والتحقيق.
.
فانظر مجددا ذلك خطرها. في أثر ذلك قرار قاضي محكمة جنايات الحاج يوسف. القرار القضائي بجلد السيدة مريم يحيى مائة جلدة بتهمة الزنا، وبالإعدام شنقا حتى الموت بتهمة الردة. وهو الأثر الذي انفعل معه الملايين على مستوى العالم.
.
ومن ثم، انظر أثر حكم محكمة الاستئناف الذي به ألغت السلطة القضائية صاغرة ذلك قرارها الأول. صاغرة، تحت ضغط المقاومة المحلية والعالمية. المقاومة التي هزمت السلطة القضائية السودانية. وأنقذت مريم يحيى من حبل المشنقة التي كانت السلطة القضائية السودانية نصبتها لإعدامها.
وتأمَّل في أنه لا أحد غير القاضي، ولا حتى رئيس الجمهورية، يملك الحق القانوني أوالتخويل لإصدار قرار الموت والحياة القابل للتنفيذ من قبل أجهزة إنفاذ القانون. فقط هو القاضي، يملك هذه السلطة. سلطة "القرار القضائي". للقتل والصلب والرجم والتعذيب والتقطيع والحبس مدى الحياة. باسم القانون.
.
وإذا كان هذا "القرار القضائي" ذو الشأن تم إصداره من قبل هذا القاضي بالفساد، فإن ذلك أمر على درجة من الخطورة عظيمة. مما في ذاته يستدعي بقوة أن لا يتم ترك أمر السلطة القضائية للقضاة، ولا للمحامين المتحالفين مع القضاة في قهر المواطنين وفي الاحتيال عليهم.
.
ثالثا، شروط الادعاء بفساد القضاة
.
أرى أن اتهام القاضي أو السلطة القضائية السودانية بالفساد ينبغي أن تصحبه شروط محددة لدى المدعي بفساد القضاة وفق التعريف الذي أقدمه. وهذا في المرحلة التي تتم فيها المواجهة الصريحة بشأن قضية محددة. علما أن هنالك معوقات أمام استيفاء هذه الشروط. بسبب القيود على النشر. وفي جميع الأحوال، يجب أن تكون البينات القوية المفصلة عن الفساد في حوزة الكاتب، وإن لم يكن ممكنا له نشرها. فيمكنه تقديمها عند تحديه من قبل أية جهة. حتى من قبل قارئ.
.
(1)أن يكون الإسناد محددا. فيحدد نص القرار القضائي محل الإفساد. واسم القاضي أو القضاة. ويحدد مواقع الفساد في النص، وفق التعريف الذي سأقدمه. فكل كلام عن فساد السلطة القضائية بصورة معممة، دون تبيين الوقائع المفصلة، يترك القارئ حائرا بين المصدق والمكذب. وهو يصب في مصلحة السلطة القضائية.
.
(2)أن يكون مقدم الإسناد واثقا من صحة إسناده.بأن يكون تحرى في الموضوع ودرسه ومحصه من كل جوانبه. وأن يكون وصل إلى درجة كافية من الاستيثاق ذات سقف عال بشأن صحة الإسناد.
.
علما أن عبء الإثبات في شق منه يقع على عاتق القاضي محل الاتهام، كالموظف العام. لإثبات أن الكاتب كان قصد أن يكذب بينما هو الكاتب كان يعرف الحقيقة. وإثبات أن الكاتبكان متمثلا للرعونة ولعدم الاكتراث للتحقق من صحة الأمر قبل النشر. وحيث إن الكاتب يكون محميا بحرية التعبير المتمثلة لمعايير الحقيقة والصدق والتحري الكافي. وهو يكون غير مهموم إلا بتجنب الخبث.
.
(3) أن تكون البينات التي تثبت الفساد القضائي ذات علاقة بالموضوع،ومنتجة في الفصل فيه، ومقبول تقديمها. فوق كونها متاحة يمكن تقديمها أو الإشارة الواضحة الكافية لمظانها في أوراق المحكمة أو في أي مكان. مما هي ذاتها شروط الإثبات في قانون الإثبات السوداني الساري.
.
(4) أن يكون الكاتب صاحب الإسناد مستعدا، بالشجاعة الأخلاقية وبالبينة وبالعلم، لمنازلة القضاة موضوع إسناده. منازلتهم في محكمة عامة يحضرها الجمهور. في حال هم تقدموا بشكوى ضده. وينبغي على صاحب الإسناد أن يكون مستعدا لتمثيل نفسه بنفسه. لا عبر محام يتحدث نيابة عنه أو يحاول أن ينقذه بالأساليب غير الأخلاقية المعتمدة في النظام التخاصمي في محاكم السودان. غير أخلاقية لأنها لا علاقة لها بالحق ولا بالحقيقة. حيث يريد كل طرف أن يكسب بصرف النظر عن الحق.
.
رابعا، الفساد القضائي كمدخل لتفكيك السلطة القضائية
.
فأعتمد الفساد القضائي مدخلا لتفكيك السلطة القضائية. والفساد القضائي هنا مهم في ذاته، وهو يقدم عدسة تعين على تفكيك القهر غير الفسادي في السلطة القضائية. فالقضاة يمارسون القهر والطغيان ضد المواطن، بالفساد وبغير الفساد. لكن الفساد هو الذي يكشف آليات السلطة القضائية وتدابيرها وتقنياتها في تفعيل ذلك قهرها، قهرها بالفساد وبغيره.
.
وإذا تعرف المواطن على كيفية إنتاج السلطة القضائية للفساد، فإنه سيكون متمكنا من مقاومة القهر المتمثل في ذلك الفساد، وكذا من مقاومة القهر في أشكاله غير الفسادية.
.
خامسا، نص القرار القضائي هو مسرح جريمة القاضي الفاسد
.
يأتي القرار القضائي مكتوبا دائما. في عبارة واحدة، أو فقرة، أو صفحة، أو صفحتين، وحتى مائة صفحة وأكثر.
هذا"القرار القضائي" هو موقع"الفساد القضائي"،محله، ومساحته، وآليته، وسلاحه.
.
فإن تعريف الفساد القضائي يتعلق بنص القرار القضائي المكتوب، في سياقه بالتناص مع النصوص الأخرى في مساحة القضية.
وكتابة القرار القضائي هي الوظيفة "القضائية" الأساس التي يضطلع بها القاضي. بالإضافة إلى وظيفته الإجرائية لتسيير إجراءات القضية في المحكمة. وإلى وظيفته الإدارية لتسيير بعض أمور إدارة المحكمة. والقاضي الفاسد يفسد كذلك في الوظيفتين الأخيرتين، الإجرائية والإدارية. لكن فساده فيهما ليس فسادا "قضائيا".أي، "غير قضائي". بل هو من نوع فساد الموظف العام يستغل موقعه للمصلحة الشخصية، من النوع الذي يقترفه كذلك غير القضاة. ولا أهتم في هذا المقال لهذا الفساد غير القضائي. وأركز حصرا على "الفساد القضائي" في الوظيفة "القضائية" الأساس. هي كتابة نص القرار القضائي.
ولا أحد غير القاضي يمكنه كتابة قرار قضائي قابل للإنفاذ. والقاضي بقراره القضائي يأمر بالرجم والقطع من خلاف والشنق والصلب والاستتابة والجلد والحبس مدى الحياة واستعصار الغرامات وبغير ذلك من أفعال.
ولنعلم أن القضاة حين يتحدثون عن "استقلال القضاء" فهم يتحدثون كذلك عن استقلاليتهم في كتابة نص القرار القضائي الفاسد. ولنعلم أنهم، بينما الشعب في غفلة، مرروا خلسة تدبيرا يصبح به القرار القضائي محصنا ضد أية محاسبية للقاضي، حتى إذا هو القاضي كان أصدر ذلك القرار القضائي بالفساد.وهو ما يسمونه ب "الحصانة القضائية". وهم جعلوها حصانة مطلقة في أرض الواقع، إن لم يكن بالقانون.
.
سادسا، الكتابة الاحتيالية المتدبرة لنص القرار القضائي
.
فأعرِّف الفساد القضائي بأنه "الكتابة الاحتيالية المتدبرة لنص القرار القضائي".
فالموضوع كله متعلق بالكتابة.
.
وهي كتابة "احتيالية". بمعنى أنها تنطوي على أفعال الخداع والتدليس والكذب والتزوير والفبركة للوقائع وغيرها من الأفعال الإجرامية وغير الأخلاقية. في نص القرار القضائي.
.
وهي "مُتَدَبَّرة". بمعنى أن القاضي يجلس في مكتبه أو في بيته وحيدا. أو مع محام فاسد. أو مع قضاة فاسدين. لكتابة نص القرار القضائي. بطريقة متأنية. فيها تفكير وتأمل وتدبر. وفيها صنعة دقيقة. والسبب في ذلك التدبر هو أن يظهر نص القرار القضائي لغير العارف وكأنه صحيح.
.
ولنتذكر أن القاضي الفاسد في المحكمة الابتدائية يكتب أكثر من ثلاثمائة قرارا قضائيا في العام الواحد. فتأمل حجم الفساد حتى في حال وجود قلة من القضاة الفاسدين.
.
إن الفساد ذا الشأن في السلطة القضائية السودانية، وفي كل سلطة قضائية في العالم، بل يدور بهذه الطريقة. طريقة الكتابة الاحتيالية المتدبرة لنص القرار القضائي.
.
علما أنه نص القرار القضائي محصن بعقيدة استقلالية القاضي في قراره. يكتبه كيفما يشاء، دون تدخل من أحد. هذه هي النظرية بالطبع.
.
وهو القرار القضائي كما قلت محصن كذلك بعقيدة "الحصانة القضائية". ضد أية محاسبية أو ملاحقة مدنية من قبل المتقاضي المضرور ضد القاضي.باستثناء ما يسمونه "القتل الخطأ". كأن يشنق القاضي شخصا بالخطأ. وكل قرار قضائي من القاضي يعتبر "خطأ غير مقصود"، حتى إذا كان واضحا وثابتا أنه مقصود وتم بالفساد.
.
سابعا، المكونات الستة للفساد القضائي
.
استخلصت من دراستي لفساد السلطة القضائية في السودان على مدى الأعوام الستة الماضية ستة مكونات جوهرية لعملية الفساد القضائي. وأريد للقارئ استصحاب هذه المكونات الستة. بينما هو سيسير معي في هذه الرحلة الممتدة عبر ما تبقى من سنوات حياتي. فرحلتي في الحياة مشروعها الوحيد هو "تخريب معمار الفساد القضائي"، في السودان. بتبيين فساد السلطة القضائية في السودان. بالبينة وبالعلم. وبإعمال الفكر. فكر المقاومة. المقاومة الشعبية. ضد القهر والطغيان. مما يعبئه القاضي. في نص القرار القضائي. القاضي ذلك الفاسد، بالتعريف الذي أقدمه. وذلك غير الفاسد، وفق التعريف أيضا. لكنه المتحامل، أو الحاقد، أو العنصري، أو كاره النساء، أو المتحزب سياسيا، أو الحامل للمعتقدات المتخلفة. أو هو القاضي الموتور الخبيث. يستخدم القرار القضائي أداته لذلك كله.
فكل نص قرار قضائي ينطوي على الخصائص الداخلية في النص التالية:
.
(1) الانحراف المتعمد عن القانون
ويتمثل في الأخطاء القانونية في نص مذكرة الحكم القضائي، وتكثر تلك الأخطاء القانونية في نص المذكرة، ووجود خطأ قانوني، بين الأخطاء القانونية المتكثرة، يتسم بالشناعة. وكذا يشمل الانحراف مخالفة الإجراءات، والنظم المتبعة في المحاكم، ومقتضيات الوجدان السليم.
.
(2) الخداع
ويتمثل في الأفعال الاحتيالية التي تعبئ الانحراف عن القانون الواجب التطبيق (أعلاه)، وتستهدف وقائع القضية. وتشمل الأفعال الاحتيالية لتفعيل الخداع: الكذب، والتزييف، والتزوير، والاختلاق، وتخليط نصوص القانون الواجب التطبيق.
.
(3) التدليس
ويتمثل في إخفاء الانحراف عن القانون وإخفاء الخداع، أعلاه. و تشمل هذه أفعال الإخفاء التدليسية أشكالا مشتقة من ذات تلك أفعال الاحتيال المعبئة لتنفيذ الانحراف والخداع. وكذا هي قد تشمل أشكالا إضافية متحدرة منها، مثل: التسجيل التضليلي للوقائع، وإعدام البينات الجوهرية، وشرعنة البينة المختلقة. والإتيان في النص بأفعال خبيثة وغير أخلاقية، لتعزيز الانحراف والخداع ليظهرا وكأنهما ليسا من ضروب الانحراف أو الخداع. ثم لضمان إسباغ حماية للخداع المعمم الذي يلف النص، حمايته من الاكتشاف بسهولة. ويشمل التدليس هنا أفعالا مثل: الترتيب السردي الماكر لمكونات نص القرار القضائي، وتفعيل الهراء، والتدليس باللغة وإعمال الركة فيها، وخرق قواعد التسبيب المنطقي، والاستغراق في السفسطة والمغالطة، وتصنع عدم العلم بالقانون، ونثر الآيات القرآنية في نص القرار، وإدراج التهديد، والبلطجة القضائية.
.
والمكونات الثلاثة الأخرى خارجية على نص القرار القضائي.فتدور عمليات الانحراف عن القانون والخداع والتدليس، بالضرورة، في سياق هذه المكونات الثلاثة الأخرى. وهي
.
(4) الاتفاق الجنائي
ذلك الاتفاق الجنائي يكون بين القاضي مُصدِرِ القرار، وشخصٍ آخر، أو أشخاص آخرين، من القضاة في كافة درجات التقاضي، وموظفي المحاكم بدرجاتها، وكبار المسؤولين في النظام القضائي، والمحامين، والمتقاضين، ووكلاء النيابة وضباط الأمن ومسؤولين في الحزب وفي السلطة التنفيذية وفي مؤسسات الحكومة ذات المصلحة في القرار القضائي محل الإفساد.
وهذا الاتفاق الجنائي مكوَّن خارجي على نص القرار القضائي، ويمكن التوصل إلى إثباته بالقرائن في النص وخارج النص. وسأثبت أن القضاة الفاسدين يعملون في شكل عصابات إجرامية تعمل عبر درجات المحاكم من المحكمة الابتدائية حتى المحكمة العليا. ويجب أن لا ننسى دور عدد مقدر من المحامين في الفساد القضائي.
.
(5) الغرض الشرير
وهو الغرض الشرير خارجي يتحقق بنص القرار القضائي الفاسد الصادر؛ ويمكن التعرف عليه والإمساك به. إذ يكون منطويا على أي من المال، أوالجنس، أوالسلطة، أوحماية الذات المؤسسية، أو الأيديولوجية القائمة، أو على غير ذلك من الأهواء والرغبات والاستحواذ.
.
(6) التغطية
وهي وظيفة خارجية عن النص، وإن كانت تكون لها آثار في النص أحيانا. وهي تهدف إلى منع انفضاح أو انكشاف الجريمة القضائية. بشتى السبل والوسائل. فتندرج العصابة القضائية مجددا في اقتراف أفعال للانحراف والخداع والتدليس. مثل: التأثير على سير العدالة؛ وتقويض أية إجراءات قضائية أو إدارية تدور للتحقيق في الفساد القضائي؛ وتدمير الأدلة؛ وشراء الشهادات الزائفة؛ والتلاعب بالمستندات وبالشهود. أي، هم يرتكبون جريمة أو جرائم إضافية للتغطية على الجريمة الأولى.
.
والتغطية لا تنتهي. وهذا هو حالها الإجرامي. إذ لابد من تغطية لجرائم التغطية ذاتها، وهكذا دوليك، ما لم يتم القبض على القاضي وإنهاء المشروع الاحتيالي من أساسه.
.
إن هذه المكونات أعلاه، لابد من توافرها، نسبيا، بصورة معقولة، مجتمعة ومتضافرة، وبصورة تكاملية، في نص القرار القضائي وفي سياقه. ذلك، قبل أن يتم تكييف هذا القرار القضائي بأنه فاسد، وبأن قاضيه كذلك هو، بالاستتباع المنطقي، فاسد، كقاض وكشخص.
.
ثامنا،قِدر الاحتيال القضائي
.
يتم إنتاج الفساد القضائي بالأفعال الاحتيالية المستدعاة من ذلك المخزون الذي أسميه في نظريتي عن الفساد القضائي بأنه «قِدر الاحتيال القضائي». ففيه قدر القضاة للاحتيال، نجد: الكذب، والتزوير، والتزييف، والغش، وإقصاء الوقائع الجوهرية، وإعدام الوقائع، وفبركة الوقائع، والهراء، وإعمال الركة في اللغة، وخرق قواعد التسبيب المنطقي، والاستغراق في السفسطة والمغالطة، وتصنع عدم العلم بالقانون، والنثر المرائي للآيات القرآنية في نص القرار. وغيرها مما يستدعيه القاضي من مخزونه لإنشاء كل واحد من المكونات الستة أعلاه للمخطط الإفسادي.
فتتشكِّل من النسيج المغزول في نص القرار القضائي بأفاعيل الكتابة الاحتيالية تتشكل نُسقٌ مضطردة واضحة المعالم، في النص وفي عملياته الخارجية. ويكون لتلك الأفعال الاحتيالية في منظومة الانحراف والخداع والتدليس اتجاهية استدلالية موحدة تدفع نحو حكم قضائي وحيد مرغوب. وهي الأفعال الاحتيالية في النص تتناغم بالتناص مع وقائع نصية في نصوص أخرى خارجية.
.
تاسعا، الرشوة
.
إن الرشوةُ ليست جزءا من تعريف «الفساد القضائي». لأن القاضي الفاسد ربما يأخذ الرشوة كابتزاز لكتابة القرار القضائي الصحيح. فهو فاسد، لكن فساده ليس "قضائيا" بل فساد حرامية عاديين. والرشوة يصعب إثباتها. بينما إثبات إفساد نص القرار القضائي ممكن بطريقة مادية حاسمة ونهائية.
.
والنصوص القضائية متاحة للتفكيك لإثبات فسادها. رغم اجتهاد القضائية السودانية في إخفاء القرارات القضائية الصادرة بما في ذلك تلك التي تصدر من المحكمة العليا. وفي هذا الإصرار على عدم نشر القرارات القضائية يمكن لنا أن نستنتج بأن السبب هو علم القضائية أنها تلك النصوص غير المنشورة هي مسارح جرائم القضاة.
.
عاشرا، بنية نص القرار القضائي
.
الفساد القضائي هو «الكتابة الاحتيالية المتدبرة لنص القرار القضائي». فيستهدف الفساد القضائي بنية نص القرار القضائي التي تشكل المحددات المؤسسية والحدود الخطابية التي بدورها تؤطر كتابة ذلك النص، بأية طريقة، صحيحة أم فسادية. وغرض القاضي من أداء مهمته الكتابية الفسادية هو أن يحافظ على ركائز البنية المعيارية التحتية العميقة لنص القرار القضائي. بمكوناتها، مثل التاريخ الإجرائي، والوقائع، والقانون الواجب التطبيق، والتسبيب، والقرار. وأن يضمن السلامة الشكلية الظاهرية لنص القرار القضائي الفاسد. مما كلها عمليات عقلية محفوفة بالمخاطر.
ذلك هو التعريف الذي سأستخدمه كإطار لتبيين الكيفية التي يمكن بها تفكيك نصوص القرارات القضائية لإثبات الفساد فيها. وسأقدم أمثلة حقيقية لقرارات قضائية فاسدة لأغراض الشرح والتوضيح.
فإذا تمكن الشخص من إثبات الفساد القضائي بهذه الطريقة فلن يتمكن القاضي الفاسد بالمغالطات أن يفلت من صحة الإسناد.
ويمكن للقارئ أن يبدأ في قراءة قرارات قضائية غير منشورة في الأنترنيت من قبل السلطة القضائية. كأن يبدأ بقراءة لصيقة متمعنة في نصي القرارين في قضية مريم يحيى وفي كل النصوص التي في ملف القضية. دائما بمساعدة المحامين الذين مثلوها. وإذا رأى حركيون أهمية لتصميم مقرر بحقيبة تدريبية لكيفية تفكيك القرارات القضائية فإن ذلك كذلك يمكن النظر فيه.
[email protected]
/////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.