سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعتقال قيادات حزب المؤتمر السوداني من منظور حقوقي
نشر في حريات يوم 25 - 11 - 2016

نفذت الأجهزة الأمنية حملة إعتقالات واسعة بداية شهر نوفمبر الجاري ضد قيادات حزب المؤتمر السوداني شملت الأساتذة: رئيسي الحزب الحالي عمر الدقير والسابق إبراهيم الشيخ، نائب الرئيس خالد عمر، السكرتير العام مستور أحمد، رئيس المجلس المركزي عبدالقيوم عوض السيد، السكرتير السياسي أبوبكر يوسف ونائب السكرتير الاعلامي عبدالله شمس الكون، وكذلك عدد من أعضاء الحزب وقياداته الوسيطة. تمت هذه الإعتقالات دون أن توجه للمعتقلين أي تهم محددة. وتأتي هذه الإعتقالات في إطار حملة النظام القمعية المستمرة ل 27 عاما والتي شملت الإنتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وأعمال القتل الجماعي والتعذيب والإغتصاب والإختفاء القسري وكذلك مختلف جرائم الحرب والإبادة وإنتهاكات القانون الدولي الإنساني في مناطق الحرب. إذا لاجديد في هذه الحملة سوى جماعيتها ونطاقها الواسع وإستهدافها قيادات حزب بعينه. إتساع نطاق هذه الإعتقالات وجماعيتها اعادا الى الأذهان حملات الإعتقال الجماعي والتعذيب في بيوت الأشباح التي طالت جميع القيادات السياسية في الأسابيع الأولي بعد إنقلاب الإسلاموين في يونيو 1989م. حسب مقال للكاتبة والصحفية إحسان عبدالعزيز: "المؤتمر السودانى.. نحن معك"، صحيفة سودانفويسز الإلكترونية، 23 نوفمبر 2016م، وصل عدد المعتقلين من قيادة وعضوية حزب المؤتمر السوداني (27) معتقلاً فى فترة وجيزة (من 4/نوفمبر وحتى 21/نوفمبر/2016) باستثاء المعتقل "عاصم عمر حسن" والذى تم إعتقاله فى 2/مايو/2016م وما زال رهن الاعتقال. وقد سبقت ذلك إعتقالات العاملين فى مركز "تراكس" فى 22/مايو/2016م وعددهم (6) من بينهم 2 من النساء تم إطلاق سراحهما بالضمان العادى بينما ما زال ثلاثة من مسؤلى المركز فى سجون النظام. ينضاف ذلك الى العديد من حالات الاعتقال الجماعية والفردية السابقة واللاحقة للناشطين وكذلك الذين يمارسون حقوقهم المشروعة في التعبير والتظاهر. هذه الحملة التعسفية الباطشة تعيد الى الذهن ذكرى حملة باطشة أخرى وهي "حملة الدفتردار الإنتقامية". وإذا كانت الحملة الباشوية قد جاءت كعقاب للسودانين على تجاسرهم وحريقهم إبن الباشا، فإن حزب المؤتمر السوداني يعاقب أيضا على جسارته ونشاطه المقاوم وطليعيته النضالية. وفي الحالتين، تظل الخديوية الإنكشارية المستبدة والمحتلة لحياة السودانين بمنطق القوة العارية والغلبة واحدة. بالرغم من هذه المقارنة الإفتتاحية بين إنكشاريتين، فإن هذا المقال لم يقصد به تقديم تحليل سياسي لأسباب ونتائج حملة السلطة الإنتقامية ضد حزب المؤتمر السوداني وسياقها العام. وإنما غرض المقال هو النظر للحملة من منظور حقوقي يركز على إبراز مدى تعسفية ولا قانونية هذه الإعتقالات التي تمت دون توجيه أي تهمة محددة لأي من الأشخاص المعتقلين، ومخالفتها بالتالي للدستور السوداني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان معا.
في رأي الكثيرين، النظر للإنتهاكات والمارسات التعسفية التي تنتهجها المجموعة الحاكمة من زواية قانونية هو مضيعة للوقت. وذلك لأن الأجهزة التسلطية الحاكمة لا تعترف عمليا بسيادة حكم القانون وتعتبر نفسها فوق القانون ولا تخضع لأي نوع من المسآلة القانونية او حتى السياسية. ومع إتفاقي مع التبريرات، فأنني اختلف مع الفرضية الأساسية (عدم جدوى التحليل القانوني). فإذا كنا أمام حالة سلطة "مارقة"، فيجب الا يشكل ذلك سببا لأن نسقط الإسئلة القانونية والدستورية التي يثيرها سلوك هذا الحيوان السياسي المتوحش من إعتباراتنا، وأن نهمل البحث في مدى لا قانونية وتعسفية أفعاله. وفي رأيي، أن هذا هو بالضبط ما تريد الدولة المارقة ان توصلنا له كمواطنين. وهو إسقاط سيادة حكم القانون والدستور ومباديء حقوق الإنسان العالمية من الإعتبار. بحجة سيادة قانون الغاب وحكم القوة الغاشمة على أرض الواقع. ومفهوم السلطة او الدولة المارقة يعني الدولة الخارجة على القانون، والتي يتميز سلوك وتصرفات أجهزتها ومسؤليها بأنه لا يختلف كثيرا عن تلك الصادرة عن أي شخص او أشخاص مجرمين او خارجين عن القانون وفارين من العدالة. وهي دولة لا تخضع لحكم القانون (الوطني او الدولي) وتتحكم بها سلطة ديكتاتورية تمسك منفردة بكل السلطات، ومن ثم تنعدم سيادة حكم القانون وفصل السلطات وإستقلال القضاء، وتصادر فيها بالتالي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتعتمد السلطة في مثل هذه الدول في وجودها وهيمنتها على تطوير إستراتيجيات القمع والإرهاب والبطش والإستبعاد ضد الجماعات والأفراد والتى تنفذها أجهزة أمنية ومليشيات متعددة يكون ولاءها للحاكم وتمارس، بشكل منهجي، أعمال القتل الجماعي والتعذيب ومختلف إنتهاكات حقوق الإنسان. وترتكب هذه الجرائم في ظل حصانة وحالة إفلات تام من العقاب: غياب أي نظم او آليات للمحاسبة أو الرقابة. يضاف لذلك، إن معرفة الأساس القانوني لحق قيادات حزب المؤتمر السوداني ورفاقهم في الحرية من الإعتقال وفي ذات الوقت الطبيعة التعسفية واللاقانونية لإعتقالهم تشكل الخطوة الأولى الضرورية سواء للمطالبة القانونية أمام كافة الجهات المختصة وطنيا ودوليا بإطلاق سراحهم وكذلك لحملات المناصرة على المستويات الوطنية والدولية.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م في المادة 9 منه على أنه "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً". كذلك نصت المادة 9(1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م على انه: "لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه". كذلك تنص المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على تمتع جميع الأفراد بالحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي. وهو أول حق أساسي يحميه الإعلان العالمي بعد الحق في الحياة مما يدل على أهميته الكبيرة. المادة 6 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981م تنص أيضا على: "لكل فرد الحق فى الحرية والأمن الشخصى ولا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا للدوافع وفى حالات يحددها القانون سلفا، ولا يجوز بصورة خاصة القبض على أي شخص او إحتجازه تعسفيا." كذلك يعتبر الحق في الحرية من الإعتقال التعسفي قاعدة من قواعد العرف الدولي Customary International Law ومعنى ذلك انها ملزمة لجميع الدول غض النظر عن إنضمامها للإتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة من عدمه. ويتمثل أحد العناصر الجوهرية لسلب الحرية في عدم قدرة المحتجزين على الدفاع عن أنفسهم وحمايتها، لأن حياتهم اليومية تتوقف إلى حد كبير على القرارات التي يتخذها الأشخاص المسؤلين عن المعتقل. وقد قضت محكمة العدل الدولية في قضية إحتجاز الرهائن من الدبلوماسين الأمريكيين والعاملين بالسفارة الأمريكية في طهران أن "حرمان البشر من حريتهم وإخضاعهم لقيود مادية في ظروف تتسم بالشدة دون وجه حق، يشكل في حد ذاته أمراً يتعارض بوضوح مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك مع المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" (United States Diplomatic and Consular Staff in Tehran, Judgment, ICJ Reports 1980, p. 42). واوضحت العديد من الآليات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان نطاق ومضمون هذا الحق. ويشمل ذلك لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولجنة مناهضة التعذيب، واللجنة المعنية بحالات الإختفاء القسري، واللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وفي عام 1991، أنشأت لجنة حقوق الإنسان الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي لكي يحقق في حالات الاحتجاز المفروض بشكل تعسفي ومخالف للمعايير الدولية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصكوك الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية (E/CN.4/RES/1991/42). والفريق العامل هو الآلية الوحيدة المنشأة بموجب الميثاق (أي آلية غير منشأة بموجب معاهدة)، وتنص ولايته صراحة على النظر في شكاوى الأفراد. وتقوم إجراءاته على حق الأفراد في تقديم الإلتماسات في أي مكان في العالم. ويشمل ذلك بالطبع القضية التي بين أيدينا.
يعتبرالإعتقال أو الإحتجاز تعسفياً، وفقا للأعراف والقوانين الدولية ومعايير حقوق الإنسان العالمية، إذا لم يكن له أي أساس قانوني يخول أجهزة الحكومة سلطة القبض او الحبس. وأبرز الأمثلة على ذلك الإعتقال أو الحبس الإداري، والذي يعني قيام الأجهزة الأمنية للدول بإعتقال وحبس الأفراد دون أن تقوم بفتح بلاغات جنائية في مواجهتهم وتقديمهم لمحاكمة قضائية بتهم جنائية، كما هو الحال في القضية التي نحن بصددها. ومن شأن مثل هذا الاحتجاز أن يشكل في العادة حبساً تعسفياً لإنكاره سلطة نظام العدالة الجنائية. وذلك لأن الإستثناء الوحيد الذي يصبح فيه الحبس قانونيا هو الحبس قضاءا لعقوبة أوقعتها محكمة جنائية مختصة وفق إجراءات محاكمة عادلة (وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة). او الحبس إنتظارا للمحاكمة أيضا تحت الإشراف القضائي. ويعتبر بشكل عام كل ما دون ذلك إعتقالا او إحتجازا مخالفا للقانون. وبالرغم من أن أي إعتقال غير قانوني هو بالضرورة إعتقال تعسفي، فإن الإعتقال التعسفي يعتبر مفهوما أوسع من مفهوم الإعتقال غير القانوني. قد يكون الإعتقال أو الإحتجاز مسموحاً به بموجب القوانين المحلية ويكون تعسفياً على الرغم من ذلك. حسب لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فإن مفهوم "التعسف" في هذا السياق يتم عادة تفسيره بشكل أوسع ليشمل عناصر مخالفة الأعراف والظلم وعدم قابلية التنبؤ وعدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، علاوة على عناصر عدم المعقولية وانعدام الضرورة والتناسب (لجنة حقوق الإنسان، التعليق العام رقم 35 ، المادة 9 (حق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه) 16 ديسمبر 2014م، الفقرة 12). ويعتبر الاعتقال أو الاحتجاز تعسفيا بوجه خاص، اذا تم بغرض معاقبة شخص على ممارسة الحقوق الإنسانية المشروعة مثل ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير اوحرية التجمع او التظاهر وغيرها من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي تكفلها الأعراف والمواثيق الدولية.
حملة الإعتقالات تأتي أيضا بالمخالفة للدستور السوداني بما ان الإعتقال يستمر دون توجيه تهم محددة. وفي ذلك تتجلى أبرز صفات السلطة "المارقة" وهو إنتهاكها وعدم إحترامها ليس فقط لقواعد القانون الدولي وإنما أيضا لدستورها وقوانينها الداخلية. تنص المادة 27(3) من وثيقة الحقوق المضمنة في الباب الثاني من دستور السودان الإنتقالي 2005م على: " تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة." وفقا لهذا النص، فإن كل نصوص معاهدات ومواثيق حقوق الإنسان التي ورد ذكر بعضها والخاصة بكفالة الحق في الحرية من الإعتقال التعسفي واللاقانوني تعتبر جزء لايتجزأ من هذا الدستور. كذلك نصت المادة 29 من الدستور على: "لكل شخص الحق في الحرية والأمان، ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون." كذلك نصت المادة 34(2) من الدستور على: "يُخطر أي شخص عند القبض عليه بأسباب القبض ويُبلغ دون تأخير بالتهمة الموجهة ضده." وتعبير "وفقا للإجراءات التي يحددها القانون" الوارد في المادة 29 المقصود به تنظيم ممارسة الحق وليس مصادرته وإلا اعتبر القانون باطلا لتعارضه مع الدستور. وفي ذلك تنص المادة 27(4) من الدستور صراحة على: "تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها." أيضا نصت المادة 48 من الدستور على أن: "….لا يجوز الإنتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة, وتصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأُخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها، وتراقب مفوضية حقوق الإنسان تطبيقها في الدولة وفقاً للمادة 142 من هذا الدستور."
قانون الأمن الوطني لسنة 2010م يتعارض مع كل النصوص التي تكفل الحق في الحرية وتحظر الإعتقال التعسفي في الدستور ويصادرها تماما. حيث تعطي المادة 50 من القانون أفراد جهاز الأمن سلطة إعتقال أي شخص على أسس غامضة لمدة شهر قابلة للتجديد لمدة أربعة أشهر ونصف دون أي رقابة قضائية. ويقيد قانون الأمن حقوق المعتقل في أن تزوره أسرته و رؤية محاميه او طبيب، وهي ضمانات الحماية الأساسية لمنع سؤ المعاملة حسب المعايير الدولية. ومن خلال مصادرة هذه الضمانات مع عدم وجود أي نظام للمراقبة على معتقلات الأمن "السرية" يكون المعتقل قد تم عزله تماما عن العالم الخارجي incommunicado detention. وهذا النوع من العزل التام يعتبر مخالفا للقوانين والأعراف الدولية. إن إعتقال الأشخاص دون تهم محددة ولهذه المدة الطويلة يعتبر دون شك إعتقالا تعسفيا وغير قانوني بالرغم من انه يتم بموجب نصوص قانون الأمن الوطني. هذا القانون يتعارض صراحة وبشكل كلي مع الدستور ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لذلك فإن وجوده لايغير من الطبيعة التعسفية واللاقانونية للإعتقال.
حملة الإعتقال الجماعي تطرح مجددا قضية السلطات المطلقة للأجهزة الأمنية وممارساتها المنهجية في الإعتقال لمدد طويلة والتعذيب وسؤ المعاملة في نظام بيوت الأشباح السرية بعيدا عن أي نوع من الرقابة او المحاسبة. بعد 27 عاما من وجودها في الحكم، لا تزال المجموعة الحاكمة ترى أن وجودها وإستمرارها في السلطة يتوقف كلية على قدرتها غير المقيدة على القتل والتنكيل والإستبعاد والإعتقال. حسب نصوص أتفاقية السلام الشاملة والدستور، كان يجب خضوع جهاز الأمن لعملية إصلاح جذري ليتحول الى جهاز إستخباري تنحصر مهمته في جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للجهات المختصة، دون أي صلاحيات تنفيذية. إلا أن قانون الأمن الوطني جاء عكس ذلك يحمل سلطات وصلاحيات واسعة لأفراد جهاز الأمن في القبض والإعتقال لمدد طويلة مع إعطاءهم حصانات تحميهم من المسآلة عن أي فعل يقع أثناء أداءهم أعمالهم وممارستهم هذه الصلاحيات الواسعة. حيث لايجوز تحريك أي إجراءات قضائية في مواجهة أفراد الأمن إلا بموافقة مدير الجهاز وإصداره أمر برفع الحصانة (المادة 52 من قانون الأمن). ولزيادة الطين بلة وبدل أن تتطور الأمور نحو الإصلاح في إطار عملية تحول ديمقراطي شامل، جاءت التعديلات الأخيرة للمادة 151 من قانون الأمن (في يناير 2015م) لتعطي الأمن صلاحيات أوسع للتعامل مع ما يعتبره تهديدا سياسيا. وفقا للتعديلات الجديدة تحول جهاز الأمن الى قوة عسكرية يحق لها إنشاء جيشها الخاص وأن تلحق بها مليشيات الدعم السريع. ويحق لهذه القوة (السوبر) وفقا للتعديلات الأخيرة أن تضع لوائحها ونظمها الخاصة بها وأن تمارس صلاحية واسعة على أفرادها. إذا أضفنا لذلك نصيب الأمن والدفاع من الناتج المحلي GDP والذي استمر يشكل أكثر من 70% (مقارنة ب 2% او أقل لفرنسا والمانيا وكندا واغلب دول الناتو) نصل الى أن التعديلات قلبت المعادلة من جهاز داخل دولة الى دولة داخل الجهاز. وهو ما عبر عنه الأستاذ حيدر إبراهيم في أحد كتبه بمصطلح "الأمنوقراطية." هذه الدولة الأمنوقراطية المارقة لا يرى في الأفق أي أمل في إصلاحها دون تغيير جذري يطال المؤسسات والقوانين بما يفتح الطريق لعملية تحول ديمقراطي كامل تعيد تأسيس دولة سيادة حكم القانون وإستقلال القضاء والفصل بين السلطات وكفالة حقوق الإنسان وحرياته.
بالرغم من هذه التعديلات الدستورية، تظل الصلاحيات والحصانات الممنوحة لجهاز الأمن والتي يمارس بموجبها سلطة غير مقيدة في القبض والإعتقال وسؤ المعاملة غير دستورية وباطلة لتعارضها مع وثيقة الحقوق المضمنة في الدستور ومع كافة العهود والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وفي القضية التي أمامنا، وبما أنه لم توجه أي تهمة محددة للمعتقلين، فإن إعتقالهم يكون قد تم دون سند من القانون. حيث لا توجد عادة قوانين تتسق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان تسمح بإعتقال شخص غير متهم بتهمة محددة. أما اذا كانت هناك قوانين سارية تعطي للسلطات الحق في أن تعتقل أي شخص دون أن تكون هناك تهمة محددة موجهة اليه (كما هو حال قانون الأمن الوطني 2010م)، فإن مثل هذه القوانين تعتبر متعارضة مع الأعراف والقوانين الدولية، ولا يغير وجودها بالتالي من الأمر شيئا. لهذه الأسباب، فإن إعتقال قيادات حزب المؤتمر السوداني وغيرهم من المعتقلين السياسين يعتبر إعتقالا تعسفيا من وجهة نظر الدستور والقانون الدولي ويتوجب لذلك إطلاق سراحهم فورا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.