مع إيماني التام بأحقية كل الشعوب في تقرير مصيرهم في كل أنحاء العالم وفق مصطلح حق تقرير المصير (right of self determination) وهو مصطلح مشار إليه في مجال السياسة الدولية يعطي الاحقية لكل مجتمع ذات هوية جماعية متميزة . مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرهما، بتحديد طموحاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأمور التي تسكت أصوات المدافع وتنهي المآسي وتعالج الآلام و الجروح الغائرة التي تخلفها الحروب نتيجة للمظالم التي ظلت تتعرض اليها الكثير من الشعوب وهي كلها مضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعتبر أفضل نقطة عقلانية وصلت إليها البشرية طوال تاريخها الممتد لنحو مليارات السنين . وشعوب السودان ليسوا استثناءا عن بقية الشعوب وخاصة ان السودان من ضمن الدول الموقعة علي هذا الإعلان فبالتالي كل من يدعو الي حق تقرير مصير إقليمه او موطنه . لا يعتبر مجرما ولا عنصريا . كما فعل الأشقاء الجنوبيين عندما قاتلوا لعقود طويلة من أجل حقوقهم المشروعة التي تنكرت لها الأنظمة السودانية المتعاقبة علي سدة الحكم في الخرطوم وهي أنظمة دينية وعرقية وعنصرية فاشية ظلت تعمل علي إرساء المظالم و الإنكار التام لكل الحقائق الماثلة التي يراها الجميع والأسوأ من بين هذه الأنظمة هو نظام المجرم عمر البشير الدكتاتور العنصري المطلوب لدي العدالة الدولية . ولم تزعن هذه الأنظمة والإلتفات للجلوس مع الأشقاء الجنوبيين إلا بعد حروب دموية و مآسي قاسية و إستشهاد الملايين من الشعب الجنوب سوداني الذين استماتوا دفاعا عن حقهم اما بالوحدة أو الإستقلال وكانوا في الأساس وحدويون تماما ولم تأتي فكرة إنفصالهم الا بعدما انسدت أمامهم الافق و أغلقت الأبواب في وجوههم فبالتالي قرروا مصيرهم بحر إرادتها والتي أفرزت دولة مستقلة في الجنوب و أخري في الشمال وفقا لاحكام القانون الدولي كما ذكرت . ولكن الجزء المتبقي من السودان ظلت علي ما هي عليه حيث القتل الجماعي لأهالي دارفور و جنوب كردفان والنيل الأزرق وإبادة و تشريد . الأمر الذي أوصل بعض شعوب هذه الأقاليم لرفع شعارات الانفصال أو الاستقلال هذه الأيام . كما لاحظنا ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض الكتاب و النشطاء الذين نادوا علنا الي حق تقرير المصير . كاستقراء يجب علينا إلقاء نظرة خاصة حول أوضاع هذه الأقاليم المشتعلة بالحروب ويرفع أبنائها السلاح لرد حقوقهم المنهوبة و المسلوبة من الدولة ومن نظام حكمها القائم الآن . في واقع نجد بأن أبناء هذه الأقاليم الذين يحلمون السلاح . لم يكن بينهم أحد طالب بالانفصال وهم يهدفون الي المحافظة على ما تبقي من السودان وظلوا يجلسون مع النظام الحاكم في عدة جولات تفاوضية للقبول بالحلول لو وسطية "ليس فيها غالب أو مغلوب" وبين كل جولة و الاخري هنالك الآلاف من المدنيين العزل يسقطون ضحايا علي أيدي مليشيات الجيش والجنجويد ويتم تشريد المزيد و يحرق القري و البلدات التي وصلت إلي أكثر من ستة آلاف قرية في جنوب كردفان و النيل الأزرق ودارفور وحدها أربعة الف قرية أحرقت بالكامل وتمت تدميرها و تشريد أهلها الي المخيمات في الداخل. والبعض منهم الي الدول المجاورة مع الفشل التام في كل هذه الجولات التفاوضية لإيقاف قتل الجماعي لأولئك الأبرياء ومع ذلك لم يطرح بند الانفصال أو المطالبة بشي من هذا القبيل. مما يؤكد بأن هدفهم البقاء في كنف السودان الواحد مع إسترداد حقوقهم كاملة . في دولة سودانية جديدة أساسها المواطنة المتساوية بين الجميع . رغم أن النظام الحاكم يسعي بكل ما لديه من قوة لإجبار ثوار هذه الأقاليم الي طرح بند الانفصال للتخلص منهم خوفا من المحاسبة و المحاكمة المنتظرة للكثير من قادة النظام . إذن من أين خرجت الأصوات الداعية الي انفصال هذه الأقاليم ؟ في تقديري هذه الأصوات ليسوا نشاذا أو غرباء . بالتأكيد هم البعض من جماهير هذه الحركات الثورية السودانية الوحدوية الخالصة . قد رأوا بأنهم يقاتلون ويساندون التغيير بشتى السبل ولكن يبدو بأن حمولة الفظائع قد زادت عليهم عن حدودها المقبولة . مع التجاهل التام لهم من قبل أبناء جلدهم في الأجزاء الاخري من بلادهم فبالتالي كرد فعل طبيعي باتوا يطرحون رؤيتهم الجديدة و أن كانت قيادتهم ليسوا مؤيدين لطرحهم هذا بأي حال من الأحوال ولكنهم في النهاية يبقي هم أصحاب الكلمة . ولكن العلة تكمن هنا في كون أن أغلب الأصوات الداعية الي الانفصال هي. أصوات صادرة من أشخاص بعيدين نوعا ما عن ميادين القتال وهذه قد تشكل نقطة فارقة في هذه المسيرة لأن حتي اذا افترضنا جدلا بأن المطالبة بالانفصال أمرا لا مفر منه . هل يعتقد المنادين بالانفصال بأنهم سينالون الانفصال علي طبق من ذهب ؟ بالطبع لا . وهل جهز المنادين بالانفصال الي النزال الحقيقي من أجل هدفهم ؟ فوفق معرفتي بالأنظمة العنصرية الدكتاتورية و الفاشية ليس من السهل جدا أن يزعنوا الي إعطاء الحقوق لأهلها إلا إذا جرت الكثير من شلالات الدماء و الاشلاء و المجازر. لكي يتبراوء من لعنة التاريخ ويقولوا هاهم قاتلوا من أجل الانفصال ولكي نوقف سيل هذه الدماء قررنا إعطائهم حقهم بالانفصال بعد أن فشلت كل مساعينا للحفاظ علي الوطن موحدا . كما حدث في قضية جنوب السودان والذي يردده قادة النظام الحالي هذه الأسطوانة التي لن تنطلي علي أحد ذو بصيرة . فبالتالي وفق تقديري تكاليف القتال من أجل الوحدة أولا أقل بكثير من تكاليف القتال من اجل الانفصال . وحتي إذا كان هناك مطالب بحق تقرير المصير أعتقد لن تتحق إلا بعد الوصول الي حل مرضي بموجبها تقرر هذه الشعوب مصيرها في جو ديمقراطي حر بعيدا عن أصوات المدافع والدانات . وأعتقد مبدأ حق تقرير المصير هي في الأصل موجودة ومنضمنة في منفستو بعض هذه الحركات الثورية التي تقاتل الآن . ولكنها أم تتخذها هدفا للقتال بل مبدأ من المبادى كغيرها من القضايا التي يجب أن تطرح للنقاش بعد إزالة الأسباب التي أدت إلى الحروب الحالية والتي سببها الظلم التاريخي و التهميش السياسى والاقتصادي والثقافي والاجتماعي . فمن الأفضل لهذه الأصوات الداعية الي الانفصال الصبر والمقاومة أو مساندة المقاومين الي حين اليوم الموعود . فبامكانهم طرح هذه القضية عبر آلياتها المعروفة . حينها لن يكون هنالك مفر من إجراء حق تقرير المصير كحق وليست منحة من أحد . أما السؤال الأكبر هو لماذا في الأساس طرح هذه القضية .و هذا البلد المساماه بالسودان ليست ملكا لأحد. فقط كل مافي الأمر بأن هنالك أنظمة فاشية مدعية بانها اتت من الخارج ولديها جذور في مكان اخر في صحاري النجد واستغلت الدين و العرق لسحق السكان الذين هم اصلا وليسوا غزاة . إذن هل من الأفضل أن يبقى الناس ويقاتلوا من أجل استرداد بلدهم بالكامل و العيش مع. من يريد العيش في إطار المواطنة المتساوية أم الهروب هو الحل بأخذ جزء صغير من الأرض . أعتقد القتال من أجل استرداد الوطن الكامل أفضل خيارا من التخلي عنه للقتلة ذوي الضمير الميت الذين ظلوا يسفكون دماء الناس ويشردوا شعوب هذا البلد منذ السنوات الأولى لما يسمي بالاستقلال الكذوب وهي نكبة وكارثة في الحقيقة . فالمعطيات علي الأرض يجب أن تتغير وفقا لتطورات المشهد السياسي العالمي . بأن ترك هذا الأرض لهو عار كبير و أهون لنا أن نعيش في هذا الوضع الأليم لألف عام بدلا من تركها و الهروب منه. مع كامل تقديري و إحترامي لكل أبناء شعبي المهمش في أطراف البلاد الذين يقاسون ظروفا مأساوية . و مع عظيم تقديري لهم اقول بأن الأرض الذي رويت بدماء الشهداء الأخيار من كردفان و دارفور و النيل الأزرق و شرق السودان وغيرها يجب أن لا يترك لمن لا يستحقه . وكان كل الشهداء هدفهم استعادة الحقوق المسلوبة وليس فيهم انفصاليا واحدا . ولا يوجد انفصاليا واحدا حتي الآن بين من يحملون السلاح في الميادين . فبالتالي حتي اذا كان هناك بعض الجماهير قد سئموا من القتل الجماعي لأهلهم من الأفضل الصمود والقتال . والسودان لن يكون ذلك السودان القديم الذي يقوم فيه انتفاضة ويتم طلاء نفس الوجوه القديمة ليطلوا علينا من جديد . هذه المرة السودان تحت المجهر تماما و انكشفت كل تفاصيله ولا الغش بالدين والوطنية يثبط الههم ولا أي أوهام أخري يستطيع لجم الافكار الجديدة التي يحملها الثوار . هذه المرة عندما يتم التغيير سواء عسكريا أو سلميا سيجلس الجميع كمواطنين اسويا ليس هنالك أستاذ و تلميذ كما في الماضي . وليس هنالك من يستطيع أن يقول " تعالوا هاكم دي حقتكم من الفتات" ولن يستطيع أحد فرض رؤية واحدة من دون وجودنا بحر ارائنا وارادتنا . ومن مشاورتنا والعودة الي شعبنا الذي اكتوي بنيران العنصرية والاحتقار و الإذلال ما قدمناه من دماء كفيل بأن. يجعلنا أحرار أو فاليذهب كل السودان الي الجحيم ويفقد الدولة سيطرتها علي نفسها ويفقد المواطنين السيطرة على أنفسهم ويتاكل الأخضر و اليابس . ولكن السودان القديم قد ولي زمانه بلا رجعة ونحن من وضعه في هذا المكان بالصبر والثبات فهو أي السودان كدولة الآن تحت هذا الامتحان العسير بعد أصرت علي إبادة شعوبنا وهي مفسلة ومتسولة وجائعة وطاردة ولن يقوم لها قائمة إلا بعد أن يقف القتل الجماعي ضد شعوبنا التي يستقطع من ميزانية الدولة لقتلهم باستئجار المليشيات والأسلحة الفتاكة . من أجل تحقيق وهم النقاء العرقي و صفاء اللسان و العقيدة الواحدة و هو من الأمور المستحيلة في ظل ثباتنا المذهل . رغم وجود بعض المنهزمين نفسيا و الانتهازيين اللصوص الذين باعوا الضمير والحقوق مقابل وظائف لا تسوى قطرة دم شهيد واحد . اصبروا اخوتي . النصر مقدر حتما وهو اتي لا محال أما السودان الذي نريد . أما السودان الذي لا وجود له في الجغرافية السياسية في المستقبل القريب كدولة ستختفي عن الوجود اذا أصرت علي قلتنا وهي لن تصمد أمام صمودنا .